عام ثالث يمر على انفجار مرفأ بيروت والحقيقة لا تزال غائبة
عام ثالث يمر على انفجار مرفأ بيروت والحقيقة لا تزال غائبة

بعد ثمانية أشهر من الانفجار المروع الذي دمر مرفأ بيروت والأحياء المجاورة في العاصمة اللبنانية، تتنافس مجموعة من الشركات الأجنبية ذات المصالح الوطنية المختلفة على مشروعات إعادة الإعمار. 

وقال المدير المؤقت للمرفأ، باسم القيسي، إن "أعين الجميع على الميناء، الروس والصينيون والأتراك والفرنسيون والآن الألمان".

لكن القيسي يشير إلى أن كل هذه العروض حتى الآن عبارة عن إعلان نوايا فقط. 

وألحق انفجار مرفأ بيروت الذي يعد أحد أكبر الانفجارات غير النووية في العالم، دماراً هائلاً في المرفأ والأحياء المجاورة، في الرابع من أغسطس. وأسفر عن مقتل أكثر من 200 شخص وإصابة أكثر من ستة آلاف آخرين بجروح.

ووضعت شركتان ألمانيتان الخطة التي تطمح إلى إبعاد غالبية أنشطة المرفأ عن وسط المدينة، وتحويل الأجزاء الأكثر تضرراً فيه إلى منطقة سكنية.

وكشف وفد ألماني، بحضور السفير في بيروت، الجمعة، عن مشروع مذهل بقيمة 30 مليار دولار لإعادة بناء الميناء والمناطق المجاورة. 

تسعى الخطة الطموحة، التي وضعتها شركات من بينها شركة هامبورغ للاستشارات، إلى نقل الميناء شرقا، وإعادة تشكيل المنطقة المجاورة لتشمل الإسكان الاجتماعي، و"الحديقة المركزية" وحتى الشواطئ.

ويبدو المشروع طموحا جدا في بلد لا يظهر قادته السياسيون أي نية لتوفير أبسط الإصلاحات التي وضعها المجتمع الدولي شرطاً لحصول لبنان على دعم مالي من شأنه أن يطلق عملية إعادة إعمار المرفأ، وإنجاز إصلاحات ضرورية في البنى التحتية وقطاعات أخرى عديدة منهكة في البلاد.

وخلال مؤتمر صحفي في بيروت، تحدث المسؤول في شركة "كوليي ألمانيا" هيرمان شنيل عن شقق عائلية بأسعار مقبولة و"مساحات خضراء وبنى تحتية جيدة"، وشواطئ وحديقة عامة.

ويرى القيمون على المشروع فيه "خطة لمدينة جديدة" على خطى دول أخرى شهدت تطويراً لمرافئها مثل فيينا وكايب تاون وبلباو.

وقال لارس غرينر من شركة "ميناء هامبورغ الاستشارية" إن الخطة تهدف إلى تطوير مرفأ بيروت ليكون "ذا مستوى عالمي رفيع".

وتنهمك شركات عالمية أخرى بالتحضير لمشاريع شبيهة، فالقوة الاستعمارية السابقة، فرنسا، لم تكن بعيدة عن السباق والتنافس حول إعادة بناء الميناء.

فعندما قام الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون بزيارته الثانية إلى بيروت بعد الانفجار، وبالتحديد في سبتمبر الماضي، كان رئيس شركة الشحن الفرنسية العملاقة "سي إم إي - سي جي إم"، رودولف سعادة، لبناني المولد، ضمن وفده.

وكشف مدير الشركة الفرنسية الإقليمي، جو دقاق، لوكالة فرانس برس عن أنهم قدّموا خلال الرحلة للبنان، مشروعا من ثلاث مراحل متضمنا خطة متكاملة لإعادة بناء وتطوير وتوسيع وتحديث الموقع الساحلي ليصبح "ميناءا ذكيا".

وقال إن المرحلتين الأوليتين، ستبلغ تكلفتهما ما بين 400 إلى 600 مليون دولار، مشيرا إلى أن الشركة ستمول النصف. 

نفوذ جيوسياسي

وحصلت الشركة الفرنسية بالفعل على امتياز لتشغيل محطة الحاويات في طرابلس، ثاني أكبر مدينة في لبنان، حتى عام 2041، وتأمل أن تفوز قريبا بمناقصة لتفريغ الحاويات في مرفأ بيروت وإعادة شحنها. 

يأتي هذا فيما أبدت حوالي 50 شركة ومنظمة دولية اهتماما بالمشاركة.

وبعيدًا عن المصالح التجارية، يقول المحلل السياسي عماد سلامي إن التأثير الجيوسياسي يلعب دورا أيضا، مشيرا إلى أن الأمر مرتبط بمشاريع التنقيب المستمر عن الغاز في البحر المتوسط، والتوسع الروسي في المنطقة، والتعاون الاقتصادي المستقبلي بين إسرائيل والدول العربية في أعقاب العديد من اتفاقيات التطبيع.

في عام 2018، وقع لبنان عقده الأول للتنقيب عن النفط والغاز البحري في كتلتين مع تحالف يضم عمالقة الطاقة الفرنسية والإيطالية والروسية، توتال وإيني ونوفاتك، على التوالي.

وقد يجتذب مشروع إعادة بناء الميناء الصينيين "لتعزيز تحالفهم مع الإيرانيين"، الذين يسيطرون على سوريا ولبنان.

لكن المبعوث الأميركي السابق لشؤون الشرق الأدنى، ديفيد شينكر، حذر من فوز الصين بالصفقة.

وكتب أن "نفور بكين من الشفافية وتناقضها مع حزب الله سيجعل من الدور الصيني في إعادة الإعمار أسوأ النتائج".

وقال إن واشنطن يجب أن تعمل عن كثب مع أي دولة تفوز بعرض الميناء، للتأكد من أن المشروع "مرتبط بالإصلاحات".

مخاوف من تداعيات المشاريع

ويصر المجتمع الدولي على إجراء إصلاحات شاملة، بما في ذلك في الميناء، قبل ضخ المساعدات الخارجية لإنقاذ البلاد من أسوأ أزمة اقتصادية تشهدها منذ عقود.

ويصر المجتمع الدولي على إجراء إصلاحات شاملة، بما في ذلك في الميناء، قبل ضخ المساعدات الخارجية لإنقاذ البلاد من أسوأ أزمة اقتصادية تشهدها منذ عقود.

لكن لمدة ثمانية أشهر، فشل السياسيون المنقسمون بشدة في الاتفاق على تشكيل حكومة جديدة.

وعلى الرغم من ذلك، قال القيسي إن سلطات المرفأ تعمل على خطة لإعادة بناء المنشأة وتجديدها، لتقديمها إلى أي حكومة جديدة.

وهناك عقبة أمام الاقتراح الألماني.

يخشى النشطاء اللبنانيون أن تكون خطته لإنشاء حديقة وشواطئ تكرارا لما شهده وسط بيروت بعد الحرب.

إذا كان الحي المركزي في العاصمة مركزًا تجاريًا تاريخيًا نابضًا بالحياة اختلط فيه الناس من جميع الخلفيات الاجتماعية والدينية.

لكن الشركة اللبنانية "سوليدير" خصخصت وسط بيروت وحولته إلى عقارات فخمة لا يمكن أن يتحمل كلفتها المواطن اللبناني العادي.

وقالت منظمة المجتمع المدني "Nahnoo": "لن نقبل سوليدير جديدة بلمسة أجنبية".

الخبير الاقتصادي، جاد شعبان، قال إن أي مشروع ضخم مثل الميناء يتطلب "استشارة وطنية"، مضيفا "لا يجب على الشركات الأجنبية وحدها أن تقرر ولا الدولة اللبنانية".

لبنان- مسيرة- اعتداء
المسيرة نظمتها جمعيات ومنظمات ومؤسسات إعلامية وحقوقية | Source: Webscreenshot

استباحة جديدة للحريات شهدها لبنان، السبت، هذه المرة تمثلت بالاعتداء على "مسيرة الحريات" التي كان مخططاً لها الانطلاق من ساحة رياض الصلح وسط العاصمة بيروت باتجاه وزارة الداخلية، تحت عنوان "من أجل ضمانة كاملة لحرّياتنا وردّاً على الانتهاكات المتتالية".

المسيرة التي نظمتها جمعيات ومنظمات ومؤسسات إعلامية وحقوقية، تعرّضت لاعتداء من قبل شبّان كانوا يستقلون دراجات نارية انطلقوا في مسيرة مناهضة تحت شعار "اِحمِ عائلتك" حيث نادوا "بفرض القيم والأخلاق الصحيحة، ورفض الدفاع عن حقوق المثليين".

"ادعى المعتدون دعم المسيرة لحقوق المثليين، واتخذوا ذلك ذريعة لشيطنتها ومنعها من إكمال طريقها وتبرير الاعتداء على المشاركين فيها ومحاصرة بعضهم" كما تؤكد الباحثة والصحفية في مؤسسة سمير قصير، وداد جربوع، مشددة في حديث لموقع "الحرة" على أنه تم تسجيل "سقوط عدد من الجرحى من الناشطين وتجاوزات وانتهاكات بحق الطواقم الإعلامية من صحفيين ومصورين سواء من قبل الرافضين للمسيرة أو من قبل العناصر الأمنية التي عرقلت عملهم".

الهدف الأساسي من المسيرة بحسب جربوع "الوقوف في وجه قمع الحريات، ورفض الملاحقات والدعاوى والاستدعاء بحق أصحاب الرأي، والتشديد على ضرورة الالتزام بالدستور اللبناني الذي يكفل حرية الرأي والتعبير، وكذلك الالتزام بالتشريعات والقوانين الدولية"، مطالبة الأجهزة الأمنية "بحماية الطواقم الصحفية والإعلامية ومحاسبة المعتدين".

بعد ارتفاع أصوات التهديد والوعيد، وحفاظاً على سلامة المشاركين والمشاركات في المسيرة، فضلت المجموعات المنظمة لها الاكتفاء باعتصام وسط العاصمة بيروت، مع تعهدها "باستمرار النضال دفاعاً عن الحريات العامة والخاصة" بحسب ما جاء في بيان تلته الناشطة النسوية، الصحفية حياة مرشاد، وذلك "حفاظاً على حق الأفراد والمجموعات بالتعبير عن آرائهم وأفكارهم وممارسة قناعاتهم كي يبقى لبنان وطن الحريات، ووطن للجميع من دون استثناء، بمعزل عن اختلافهم الفكري والثقافي والاجتماعي والعقائدي".

ويشهد لبنان في الآونة الأخيرة "قمعاً ممنهجاً وغير مسبوق لحرية الرأي والتعبير من قبل السلطة" بحسب البيان حيث "تزايدت استدعاءات التحقيق بجرائم القدح والذم والتحقير بوجه الناشطين والصحفيين، على خلفية منشورات تسلط الضوء على فساد المنظومة الحاكمة وتطالب بالمساءلة أو بسبب محتوى ينتقد السلطات الدينية والسياسية والأمنية، ولم يسلم الفن والثقافة والعلم من رهاب التنوع الفكري، وأبدعت النيابة العامة بملاحقة الأساتذة والفنانين والمسرحيين والكوميديين فخفت المسرح والسينما".


هذا الاعتداء لم يكن مستغرباً بحسب جربوع "وذلك بعد التحريض الذي تصاعد في الفترة الأخيرة ضد كل من يدافع عن الحريات وعن الفئات المهمّشة في المجتمع ومن ضمنها أفراد مجتمع الميم عين، وبالتالي خطاب الكراهية هو السبب والمحرك الأساسي لما شهدناها اليوم".

وأكد المنظمون تمسّكهم بأعلى درجات التعبير والتظاهر وإنشاء الجمعيات والتحرك، "فهذا الحق الطبيعي مرتبط بحقنا بالكرامة الإنسانية".

أدخلت مكافحة الشغب آلياتها إلى ساحة رياض الصلح، "وعملت على جمع المتظاهرات/ين في "مسيرة الحريات" في الآليات لإخراجهن/م من الساحة بعد محاصرتهن/م من قبل العصابات المتفلتة" بحسب ما ذكرت منظمة "شريكة ولكن" التي حمّلت في منشور عبر صفحتها على موقع "إكس"، "مسؤولية ما حصل، وما لا يُستبعد أن يصبح نمطاً خطيراً لتهديد الحريات والأرواح على حد سواء، لكل من شارك بخطابات التحريضية، وحضّ على العنف والتمييز والكراهية" مشددة على أن "وزير الداخلية بسام المولوي، يتحمّل مسؤولية مباشرة لدوره الأساسي في تجييش العصابات وتحريضها ضد المواطنات/ين".

التعرض للحريات هو "الطلقة الأخيرة لهذه السلطة" بحسب البيان، ولهذا السبب حذّر المنظمون من الاستمرار باستخدام أساليب القمع والتعرض للحريات العامة والخاصة مطالبين بتطبيق أحكام الدستور وتعزيز النصوص الضامنة للحريات فوراً وإلغاء النصوص التي تجرم التحقير والتشهير والتجمع السلمي.

حرية الرأي والتعبير تشكل أبرز ركائز الدولة ديمقراطية، كما جاء في البيان "وأصوات الناس واحتياجاتهم هي البوصلة، والحريات هي ميزة لبنان، وكلنا مدعوون للحفاظ على هذه الميزة وهذا الأمر لا مساومة عليه".