الاقتصاد اللبناني يعاني من أسوأ أزمة في تاريخه الحديث
الاقتصاد اللبناني يعاني من أسوأ أزمة في تاريخه الحديث

يشهد لبنان أسوأ أزمة اقتصادية عبر تاريخه، ويمكن لقرار سعودي أن يكون "أبعد وأخطر على اللبنانيين من أي قرار سابق"، وفقا لما يراه الكاتب اللبناني والخبير الاقتصادي، حنا صالح، في حديثه مع موقع "الحرة". 

وكانت السعودية أصدرت قرارا، الجمعة، بمنع دخول الفواكه والخضار اللبنانية إليها بعد ضبط أكثر من 5,3 ملايين حبة كبتاغون مُخبأة ضمن شحنة من الرمان.

ووصف صالح القرار الذي بدأت السعودية تنفيذه، الأحد، بأنه "مؤلم بالنسبة للاقتصاد اللبناني أو المتبقي منه بشكل أصح"، مشيرا إلى أن "الفاتورة السعودية تصل سنويا إلى نحو 130 مليون دولار من المنتجات الزراعية، أما فاتورة كل دول الخليج ربما تصل إلى نحو 250 مليون دولار". 

ويوضح صالح: "بوضع لبنان حيث البطالة والانهيارات المتلاحقة والعجز والعودة أكثر فأكثر للتركيز على القرار الزراعي، يبدو هذا القرار ضربة كبيرة لأن لا أسواق بديلة للبنان". 

وتشكل السوق الخليجية، خصوصاً السعودية، وجهة للمنتجات الزراعية اللبنانية. ويعدّ التصدير حالياً متنفساً للمزارعين اللبنانيين في ظل الانهيار الاقتصادي المتمادي في البلاد منذ عام 2019.

ويصدّر لبنان إلى الدول العربية، وخصوصاً الخليجية، 77,8 في المئة من إجمالي صادراته، وفق تقرير حكومي لبناني.

وشكلت السعودية، في العام 2019، الوجهة الأبرز للصادرات الزراعية اللبنانية. وصدر لبنان إلى السعودية ما نسبته 22,1 في المئة منها.

وإثر اجتماع ترأسه، الاثنين، الرئيس اللبناني، ميشال عون، بحضور رئيس الحكومة المكلف، حسان دياب، ومسؤولين آخرين في قصر بعبدا، "تمنى المجتمعون من المملكة العربية السعودية إعادة النظر في قرار منع دخول المنتجات الزراعية اللبنانية الى السعودية أو عبور أراضيها"، وفقا لما نقلته الرئاسة في بيان. 

نيترات الأمونيوم.. والرمان

لكن صالح يقول "حتى اللحظة، لا توجد تحقيقات ولا معطيات جدية، رسمية، من جانب السلطات، لكن تجارة المخدرات والسيطرة على الحدود ومرفأ بيروت والمطار هي بيد طرف واحد هو حزب الله". 

ويرى صالح أن "من سهل إدخال شحنة الموت، (نيترات الأمونيوم) وتخزينها سنوات في مرفأ بيروت ونقلها تباعا إلى سوريا لاستخدامها في البراميل التي ألقيت على رؤوس السوريين المدنيين، يسهل عليه تمرير نيترات الرمان هذه المرة". 

ويضيف أن "شاحنة الرمان هذه جاءت من سوريا، حيث تم تزوير أوراقها وتم توقيع الأوراق من جانب السلطات اللبنانية على أن الرمان من منشأ لبناني، علما أنه في تاريخ لبنان لم يصدّر يوما الرمان بل يستورده من الخارج". 

وقال رئيس نقابة مصدّري ومستوردي الفاكهة والخضار، نعيم خليل، في لبنان في حديث إذاعي إن شحنة الكبتاغون التي أعلنت السعودية الجمعة ضبطها، "ليست لبنانية بل مرّت بالترانزيت من سوريا".

وأكد المجتمعون في بعبدا بدورهم "إدانة كل ما من شأنه المساس بأمن" السعودية "لاسيما تهريب المواد الممنوعة والمخدّرة، خصوصاً أن لبنان يرفض رفضاً قاطعاً أن تكون مرافقه، طريقاً أو معبراً لمثل هذه الجرائم المشينة".

وطلبوا من القوى العسكرية والأمنية والجمارك "التشدد وعدم التهاون إطلاقاً في الإجراءات الآيلة لمنع التهريب على أنواعه من الحدود اللبنانية وإلى أي جهة كانت، لاسيما منها الشحنات المرسلة إلى دول الخليج".

وتشهد العلاقة السياسية بين البلدين فتوراً، على خلفية نمو نفوذ حزب الله، الذي تعتبره الرياض منظمة "إرهابية" تنفذ سياسة إيران، خصمها الإقليمي الأبرز.

ويقول صالح لموقع "الحرة": إن "ما حصل فهو كارثة كبيرة لأنه بعد تحويل لبنان إلى منصة صواريخ ضد العرب، يتحول لبنان اليوم إلى منصة لقصف العرب بالسموم". 

ويرى صالح أن "ما حدث هو نتيجة إصرار استتباع لبنان للمحور الإيراني وتأكيد على سيطرة حزب الله على البلد، ما كان يمكن أن يكون هذا القرار لو لم تكن الحدود مستباحة من جانب حزب الله وميليشيات الحرس الثوري، وما كان هذا القرار أن يكون ممكنا لو كانت الدولة تملك قرارها، ولو كانت القوى الأمنية تسيطر على البلاد". 

ويضيف أن "المشكلة في لبنان ظهرت بقوة منذ التسوية الرئاسية في عام 2016 عندما تم تسليم قرار البلد للمحور الإيراني من خلال حزب الله مقابل تسوية حصول الفرقاء الآخرين في التسوية السياسية على مقاعد في الحكم، وبتنا أمام وضع لا يستطيع الداخل اللبناني أن يشكل حكومة لمجرد أن تدير الأزمة وليس الحديث عن حكومة يمكن أن تنتشل البلد من حيث وصل إليه نتيجة ممارسات منظومة فاسدة نهبت كل شيء حتى ودائع اللبنانيين". 

وتنشط في لبنان وسوريا المجاورة صناعة مخدّر الكبتاغون الذي يصنّفه مكتب الأمم المتحدة لمكافحة المخدرات والجريمة بأنّه "أحد أنواع الأمفيتامينات المحفزة"، وهو مزيج من الأمفيتامينات والكافيين ومواد أخرى.

وباتت الصناعة أكثر رواجاً، استخداماً وتصديراً، مع توسّع دائرة الصراعات في المنطقة وعلى رأسها النزاع السوري العام 2011.

ونجحت الأجهزة الأمنية اللبنانية مراراً في إحباط عمليات تهريب ضخمة باتجاه الأسواق الخليجية خصوصاً السعودية. وضبطت الجمارك في 3 فبراير خمسة ملايين حبة كبتاغون في مرفأ بيروت، كان من المفترض إرسالها إلى اليونان ثم السعودية.

وفي أكتوبر 2015، أوقف لبنان أميراً سعودياً حاول مع أربعة سعوديين آخرين تهريب نحو طنين من حبوب الكبتاغون موضبة داخل طرود في طائرة خاصة كانت متجهة من بيروت إلى السعودية.

صور انتشرت للبناني مع شبل أسد
ظاهرة تربية الأسود في لبنان انتشرت في السنوات الأخيرة | Source: MBN

أثارت مقاطع فيديو نشرها المواطن اللبناني (ع.ح.ح) عبر مواقع التواصل الاجتماعي، يظهر فيها وهو يروّج لشبل أسد، موجة استنكار واسعة بين المدافعين عن حقوق الحيوان، ودفعت القضاء المختص إلى التحرك وتوقيف المتورط وتحويل الشبل إلى جمعية "Animals Lebano".

تابعت وزارة الزراعة عن كثب قضية شبل الأسد، كما أعلنت في بيان، مؤكدة أنه "سيتم العمل على إعادة تأهيله تمهيداً لنقله إلى إحدى المحميات المتخصصة خارج لبنان، حيث سيحظى برعاية متخصصة في بيئة طبيعية وآمنة تتناسب مع احتياجاته البيئية والبيولوجية".

وانتشرت ظاهرة تربية الأسود في لبنان، في السنوات الأخيرة، سواء كرمز للقوة أو للمتاجرة بها. ويعد (ع.ح.ح)، وهو من مدينة بعلبك، من الفئة الأخيرة، حيث كان يروج لبيع الأسود عبر حسابه في "تيك توك"، عارضاً إياها بآلاف الدولارات، متجاهلاً القوانين اللبنانية والدولية التي تمنع هذه الممارسات.

وتثير هذه الظاهرة قلق الخبراء والناشطين في مجال حماية البيئة والدفاع عن حقوق الحيوانات، منهم الناشطة غنى نحفاوي التي تشدد على أن "مقاطع الفيديو التي تصوّر الأسود في الطرق والمنازل والمكاتب، تظهر مدى الاستهانة بالتحذيرات المتكررة من خطورة الاحتفاظ بها في أماكن غير مخصصة لها".

وتضيف نحفاوي في حديث لموقع "الحرة" أن "البعض يسعى للشهرة عبر منصات التواصل الاجتماعي، غير مبال بالعواقب البيئية والاجتماعية والقانونية المترتبة على تربية الحيوانات البرية".

تجارة علنية

بدأت قضية شبل الأسد في 8 أغسطس، حين تلقّت نحفاوي معلومات من نشطاء يراقبون المخالفات التي ترتكب بحق الحيوانات على وسائل التواصل الاجتماعي، حول ظهور (ع.ح.ح) في بث مباشر يتحدث فيه عن بيعه للأسود بأسعار تتراوح بين 4000 و9000 دولار.

سارعت الناشطة والمدافعة عن حقوق الحيوان إلى نشر المعلومات ومقاطع الفيديو التي تلقتها عبر منصتي "إكس" و"إنستغرام"، مشددة على أن هذه الممارسات تتعارض مع اتفاقية "سايتس" الخاصة بالحفاظ على الأنواع البرية من خطر الانقراض، والتي وقع عليها لبنان في عام 2013، كما أشارت إلى أن هذه الأفعال تخالف قرار وزير الزراعة الأسبق أكرم شهيب، الذي يمنع اقتناء وتربية القطط الكبيرة مثل النمور والأسود، إضافة إلى انتهاكها لقانون الرفق بالحيوان الذي يحظر إيذاء أي حيوان.

وفي 9 أغسطس، تواصلت نحفاوي مع جمعية "Animals Lebanon"ومع وزير البيئة ناصر ياسين، الذي بدوره تواصل مع المدعي العام البيئي في البقاع، القاضي إياد بردان.

استدعى القاضي بردان (ع.ح.ح)، الذي ادّعى أنه لا علاقة له بالشبل وأنه تم نقله إلى سوريا وهو يعود إلى شخص مطلوب من قبل الدولة اللبنانية.

رغم ادعاءات (ع.ح.ح) بأن الشبل قد نقل إلى سوريا، إلا أنه ظهر بعد نحو شهر في مقاطع فيديو جديدة يتجول بحرية بين المواطنين في البترون ووسط بيروت.

وتؤكد نحفاوي أنها واصلت ممارسة الضغط عبر وسائل التواصل الاجتماعي، معتبرة أن هذه التصرفات تمثل إهانة لهيبة الدولة اللبنانية، كما قامت جمعية " "Animals Lebanoبجهود جبارة لاسترجاع الشبل، ونتيجة لذلك، "قرر القاضي بردان توقيف (ع.ح.ح) وتسليم الشبل للسلطات اللبنانية".

وكانت وزارة الزراعة أعلنت في بيان، أنه "بعد متابعة دقيقة من الجهات المختصة تم توقيف الشخص الذي ظهر في المواد المنشورة وهو يروج للشبل، في انتهاك واضح للقوانين المحلية والدولية المتعلقة بحماية الحيوانات".

وذكرت الوزارة أن "العائلة التي كان الشبل بحوزتها أظهرت تعاوناً كاملاً مع الجهات المعنية بتسليمه طوعاً، وتم نقله إلى إحدى الحدائق المعتمدة والمسجلة لدى وزارة الزراعة، حيث خضع لفحص بيطري شامل للتأكد من حالته الصحية".

من جانبها تؤكد نحفاوي أن (ع.ح.ح) يملك عدة أسود داخل مزرعته، لكن الفيديوهات التي نشرها لها قديمة، "مما يعقد الأمور القانونية حيث يمكن له إنكار وجودها حالياً".

مجازر بالجملة

(ع.ح.ح) ليس الوحيد الذي يتاجر بالحيوانات البرية، كما تشدد نحفاوي "بل هو جزء من شبكة واسعة تمتد عبر خط العراق-سوريا-لبنان". مؤكدة أن ما يحدث هو "مجازر بالجملة بحق هذه الحيوانات والطيور البرية مثل الأسود والسلاحف والبوم".

وفي مارس الماضي، أثار فقدان شبل أسد في منطقة أبي سمراء بطرابلس شمال لبنان حالة من القلق بين السكان. وبعد عدة أيام، تمكن مواطنان من العثور عليه داخل أحد المشاريع في المنطقة. حضرت على الفور دورية من شعبة المعلومات في قوى الأمن الداخلي، وتم تسليم الشبل إلى الفصيلة المعنية لمتابعة الإجراءات اللازمة.

وتحذر الناشطة والمدافعة عن حقوق الحيوان من أن تربية الأسود تشكل خطراً اجتماعياً وبيئياً كبيراً. فعلى الصعيد الاجتماعي، تقول "هذه الممارسات تشكل تهديداً حقيقياً للأرواح. هذه الحيوانات تبقى مفترسة مهما بلغ تدجينها، فهي تحتفظ بطبيعتها البرية".

أما على المستوى البيئي، توضح أن "تربية الحيوانات البرية تستنزف الثروة الحيوانية وتدمّر البيئات الطبيعية"، وتشرح انتشار هذه الحيوانات في مناطق غير موطنها الأصلي يسبب اختلالاً في النظام البيئي ويهدد التنوع البيولوجي".

كما تشكل تربية الأسود مخالفة قانونية في لبنان، إذ "يمنع القانون اللبناني اقتناء الحيوانات البرية، بما في ذلك الأسود، دون الحصول على التراخيص اللازمة من الجهات المختصة"، وتضيف نحفاوي أن "القوانين الدولية التي صادق عليها لبنان تلزم بحماية الحيوانات المهددة بالانقراض ومنع الاتجار بها."

خطوات الإنقاذ

في 20 ديسمبر 2013، اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة الثالث من مارس كيوم عالمي للحياة البرية، بهدف زيادة الوعي بأهمية حماية الحيوانات والنباتات البرية. هذا التاريخ يحمل دلالة خاصة كونه يوافق يوم اعتماد اتفاقية التجارة الدولية بأنواع الحيوانات والنباتات البرية المهددة بالانقراض في عام 1973.

وتعتبر هذه الاتفاقية، التي تضم 183 دولة عضو، واحدة من أقوى الأدوات العالمية لحفظ التنوع البيولوجي وتنظيم التجارة في الحيوانات والنباتات البرية، بحسب الأمم المتحدة.

وشهد لبنان في الآونة الأخيرة، سلسلة من عمليات إنقاذ لحيوانات برية نادرة كانت ضحية للاتجار غير المشروع. من بين هذه الحالات، لبوة صغيرة تبلغ من العمر ستة أشهر، تم نقلها في يوليو الماضي إلى محمية دراكنستاين في جنوب أفريقيا.

وتعتبر نحفاوي أن "ضعف تنفيذ القوانين وتراخي الرقابة يساهمان في استمرار ظاهرة الاتجار بالحيوانات البرية في لبنان، وتنامي الشبكات المنظمة المتخصصة بذلك".

لذلك تتطلب مكافحة هذه الظاهرة كما تقول "تفعيل الرقابة على تجارة الحيوانات البرية وتنفيذ القوانين بصرامة على جميع المواطنين دون استثناء".

وفي هذا السياق، أكدت وزارة الزراعة في بيانها على "التزامها التام بتطبيق القوانين المتعلقة بحماية الحياة البرية، وحرصها على التنسيق مع كافة الجهات المحلية والدولية لضمان الحفاظ على الأنواع المهددة بالانقراض والحد من المتاجرة غير القانونية بها".

ودعت الوزارة المواطنين إلى "التعاون في الإبلاغ عن أي أنشطة غير مشروعة تتعلق بالحيوانات البرية والمهددة، حماية للتراث البيئي والحيوي في لبنان".