تدهور دراماتيكي خطير على المستويات كافة في لبنان
تدهور دراماتيكي خطير على المستويات كافة في لبنان

أتمت ما أطلقت عليها نقابة المحامين في بيروت "انتفاضة المحامين الكبرى" في لبنان أمس شهرها الأول، بعدما كانت قد انطلقت بإضراب عام في الثامن من الشهر الماضي (يونيو) بمهلة 20 يوماً من أجل المطالبة بإقرار قانون استقلالية القضاء ومنع التدخلات السياسية والأمنية فيه، ورفضاً لتجاهل مطالب المحامين بتصحيح الواقع القضائي، وفي وجه ما وصفته بيانات نقابة المحامين بـ "التصرفات الشاذة المتمادية بحق المحامين ونقابة المحامين، وأمام التدهور الدراماتيكي الخطير على المستويات كافة في لبنان".

ووصلت إلى حد إطلاق نقيب المحامين، ملحم خلف، خطاباً عالي اللهجة تجاه القضاء اللبناني، قال فيه "طفح الكيل، طفح الكيل من قضاء يخاف القوي ويمارس القوة على الضعيف، طفح الكيل من قضاء مسخّر مطواع مسير، طفح الكيل من قضاء متشاوف متعال مكابر، طفح الكيل من قضاء غير فاعل غير منتج وغير حر (..)".

وقفة المحامين الإحتجاجية في قصر العدل في بيروت في ٢٠٢١/٧/٦ وقفة المحامين الإحتجاجية في قاعة الخُطى الضائعة في قصر العدل في بيروت، ظهر يوم الثلاثاء في ٢٠٢١/٧/٦، والتي تأتي في سياق الخطوات الجديدة لإضراب المحامين العام، سيليها وقفات إحتجاجية مماثلة في قصور العدل في المناطق، خلال الأسبوع الحالي، في زحله يوم الإربعاء، في صيدا يوم الخميس، وفي النبطيه يوم الجمعة حيث سيَعقد مجلس نقابة المحامين إجتماعه الأسبوعي الدوري. سيتبع هذه الوقفات لقاء عام تضامني لكل المحامين ظهر يوم الإثنين القادم، في قصر العدل في بيروت، بمشاركة نقباء محامين عرب وأجانب. تخلّل وقفة اليوم، كلمة مرتجلة لنقيب المحامين الدكتور ملحم خلف، شدّد من خلالها على أحقيّة إضراب المحامين العام، مع تاكيده على سياسة اليدّ الممدودة؛كما أعلن النقيب عن تضامن دُوليّ مع نقابة المحامين في بيروت، يتجسدّ: أولاً، مِن خلال عدد من الرسائل الدعم التي تصلّ من نقابات محامين عربية وأجنبية، ثانياً، مِن خلال لقاء إلكتروني عبر تطبيق Zoom، يَدعو إليه المجلس الوطني لنقابات المحامين في فرنسا، مفتوح لمشاركة نقباء المحامين في فرنسا، وذلك بعد ظهر يوم الخميس في ٢٠٢١/٧/٨، وموضوعه إضراب المحامين في بيروت وإنتفاضتهم، ثالثاً، مِن خلال الحضور الشخصي الى بيروت، لعدد من نقباء المحامين العرب وعدد من نقباء المحامين في فرنسا، الذين سيُشاركون في اللقاء التضامني للمحامين ظهر يوم الإثنين في ٢٠٢١/٧/١٢.

Posted by Melhem Khalaf on Tuesday, July 6, 2021

وهو الأمر الذي أثار اشتباكاً مع المجلس الأعلى للقضاء اللبناني، واستدعى رداً من رئيسه القاضي، سهيل عبود، طالب فيه نقيب المحامين بـ "العودة إلى مضمون قسمه".

وقال، في بيان، "حتى جدران قصور العدل وبيت المحامي تأبى أن تسمع لغة التهجم بحق السلطة القضائية والقضاة، وهو يربأ عن الرد على ما جاء في كلام نقيب المحامين، في يوم ذكرى شهداء القضاء، بما يخرج عن أي أصول وأعراف".

كما دعا القضاة إلى "متابعة عملهم وأداء واجبهم، وعدم الاكتراث لحملات الإساءة والتجني". وأكد أن "قصور العدل ستبقى مفتوحة كما دائما، وهي لم تقفل حتى في أسوأ الظروف، ولن تقفل اليوم".

وترى النقابة أن انتفاضة المحامين جاءت على خلفية تكرار التعرض لمحامين من قبل أجهزة أمنية وقضائية وعدم احترام الحصانات التي يمنحهم إياها القانون، وآخرها ما جرى مع المحامي رامي عليق، الذي تعرض للضرب والتوقيف على يد فرع المعلومات ومنع من مزاولة مهنته ودخول قصور العدل، بقرار قضائي صادر عن قاضي التحقيق، وذلك بدون الاستحصال من نقابة المحامين على إذن أصولي لملاحقته جزائيا وفق ما ينص عليه قانون تنظيم مهنة المحاماة، حيث جرى توقيفه خلال عطلة نهاية الأسبوع ومن ثم استجوابه أمام أحد قضاة النيابة العامة التمييزية رغم إصراره كما إصرار ثلاث أعضاء من مجلس النقابة الذي حضروا معه جلسة الاستجواب على المخالفات القانونية التي ترتكب.

هذه الواقعة استفزت محامي لبنان ونقاباتهم، خاصة لناحية تخطي القضاء لنقابة المحامين ومجلسها التأديبي وقانونها. ولأن الواقعة سبقت بتكرار للتجاوزات التي طالت المحامين في البلاد ومن بينها تعرض بالعنف الجسدي واللفظي، فقد مثلت الواقعة القطرة التي طفح معها كيل المحامين وزادت من حدة الخلاف بين ما يسمى "جناحي العدالة"، القضاة والمحامين.

يرى المحامون في انتفاضتهم "أولوية لن يستقيم واقع لبنان من دون تحقيق أهدافها"، وفق ما عبر عدد منهم لموقع "الحرة"، وعليه تتحضر نقابة المحامين ليومها الكبير الاثنين المقبل في الثاني عشر من شهر يوليو الجاري، حيث وبحسب معلومات نقابة المحامين، سيكون يوماً تضامنياً مع النقابة سيشهد حضوراً محلياً ودولياً لدعم انتفاضة المحامين في لبنان، ومن المتوقع حضور عدد من نقباء المحامين العرب وعدد من نقباء المحامين في فرنسا.

وقد سبقه رسائل تضامن عربية واجنبية من نقابات المحامين إضافة إلى اجتماع افتراضي عن بعد دعا إليه المجلس الوطني لنقابات المحامين في فرنسا اليوم الخميس وموضوعه إضراب المحامين في بيروت وانتفاضتهم.

ثورة على النظام ككل

يشدد أمين سر نقابة المحامين سعد الدين الخطيب، على أن النقابة لا تخوض اليوم ثورة على النظام القضائي، وإنما تخوض ثورة ضد النظام ككل والتدخل السياسي. ويضيف في تصريحه لموقع "الحرة" أن "المشكلة ليست في القضاء، بل في التدخل الأمني والسياسي في عمل القضاء. ومشكلتنا كنقابة مع بعض القضاة الذين يرتهنون للتدخلات ما يؤثر على مسار العدالة."
 
ويلفت الخطيب إلى أن نقابة المحامين باتت تمثل لجميع اللبنانيين وحتى للعالم، الملاذ والحصن الأخير للحرية في البلاد، ولذلك تتداعى النقابات في الخارج والقطاعات في الداخل من أجل التضامن مع نقابة المحامين في هذه الانتفاضة. ويشرح "هناك خلاف بيننا وبين القضاء على تفسير المادة 111 من أصول المحاكمات الجزائية التي تعطي القاضي حق منع مزاولة بعض المهن، وقد استخدمت هذه المادة في منع محامي من مزاولة مهنته، فيما نقابة المحامين لديها قانون خاص يعلو على القانون العام وبالتالي لا تشمل هذه المادة مهنة المحامين، وعليه نرى أن هناك قراءة خاطئة من قبل القضاء للمادة."
 
ويضيف "حين يكون هناك بعض القضاة المنصاعين للتدخلات، تصبح السلطة القضائية أداة يجري استخدامها لمآرب أمنية او سياسية، لذلك فإننا نطالب من جهة بإقرار قانون استقلالية القضاء لحماية القضاة والعدالة في لبنان، ومن جهة أخرى نطلب من القضاء اللبناني احترام أنظمة النقابة وقوانينها وعدم تقويضها، هناك أصول في ملاحقة المحامي عند ارتكاب فعل جرمي، وهناك حصانات وضمانات نطلب احترامها، وإن لم يحصل فإننا مستمرون في إضرابنا".

انعدام الندية يستفز المحامين

من جهته يفند المحامي أيمن رعد أهداف "الانتفاضة"، ويشرحها في حديثه لموقع "الحرة" مع أمثلة توضح مشكلة المحامين مع الواقع القضائي القائم.

يبدأ رعد من بند "كسر القضاة للندية في التعامل مع المحامين، وعدم احترام عملهم، فمن غير المقبول أن نحضر إلى الجلسات وبعضها يكون في مناطق بعيدة من مختلف الأراضي اللبنانية، نصل وننتظر لساعات طويلة ثم نتبلغ هناك أن القاضي لم يحضر اليوم أو أن الجلسة تأجلت دون تبليغنا، إضافة إلى الفوضى التامة في تحديد مواعيد الجلسات التي قد تعين الساعة التاسعة صباحاً وندخل إلى الجلسة عند الواحدة ظهراً، كله خاضع لمزاجية القضاة، وكله على حساب جهد المحامي ووقته واحترامه، مع انها أمور لوجستية بسيطة بالإمكان حلها بسهولة إن وجد القرار.

ويقول رعد إن "القضاة يتعاملون معنا وكأنهم أنصاف آلهة" قبل أن يردف قائلا "لدى حضور المحامين الجلسات أو لدى استقبالهم في مكاتب القضاة تسود طريقة تعاطي وتصرف فوقية غير مقبولة في حين أن الندية في التعامل بين طرفي العدالة هي أساس العمل العدلي والقضائي. هل يعقل أن نتصل بالنيابة العامة بعد توقيف المحامي رامي عليق خلال فترة بعد الظهر وقبيل عطلة نهاية الأسبوع، لطلب إرسال قاض للتحقيق معه كما ينص القانون فيكون الجواب "قصر العدل مغلق ولن نفتحه من أجل محامي دعه ينام حتى الغد في السجن وغدا نحقق معه". هذه علاقة غير متزنة والقضاة فيها لا يكسرون الندية فقط، بل ويخالفون القانون أيضاً."

ويضيف "كذلك الأمر بالنسبة لعدم احترام حصانة المحامي وموقعه من قبل السلطة القضائية والأجهزة الأمنية، وهذا يتضح من خلال ما رأيناه من تكرار اعتداءات على المحامين وتغطية القضاء عليها كما جرى مع المحامي الذي ضرب من قبل عناصر قوى الأمن بسبب مخالفته لقرار المفرد مجوز ابان حالة الطوارئ التي رافقت جائحة كورونا، مروراً بحالة الاعتداء على محامٍ آخر في الشارع وفي المخفر من قبل عناصر أمنية، لأسباب تتعلق بركن سيارة وتدابير مرورية، وصولاً إلى قرار قاضي تحقيق بمنع محامي من مزاولة مهنته والدخول إلى قصور العدل في تخط فاضح لنقابة المحامين".

معاناة المحامين.. "قضاة لا يقرأون"!

ينقل المحامي فراس حمدان من يومياته، معاناته ومعظم زملائه، "أول معاناة لنا هي التأخر الطويل في البت بالملفات والقضايا، في القضاء الجزائي أو القضاء المدني، تأخذ الملفات 7 سنوات و10 سنوات للبت فيها، وبالتالي تأخر صدور الأحكام وتأخر في الطلبات وهذا من أكبر عوائق العدالة في لبنان، ففي النهاية العدالة المتأخرة تساوي اللاعدالة، مع ما يعنيه ذلك من تأثير على عملنا وعمل الموكلين وحياتهم."
 
ويتابع حمدان "يصدرون قرارات التوقيف والقرارات الظنية بناء على تقارير الأجهزة الأمنية وادعاءات النيابات العامة، ويسجنون الناس لأشهر وسنوات قبل البت في قضاياهم وتحويلهم إلى المحاكمات. هناك أيضا إشكاليات لدى قضاة التحقيق في تطبيق الأصول الإجرائية والشكلية وعدم البت بالطلبات وفق الأعراف وبشكل قانوني، والتدخل السياسي بات فاضحا في معظم الملفات، هناك قضاة أصدروا قرارات توقيف أو قرارات اتهامية بدون حتى أن الاطلاع أو قراءة الملف والوقائع والظروف المحيطة.

من أبرز معاناة المحامين هو عدم سوق المساجين من السجون لحضور المحاكمات، بحسب ما يؤكد حمدان، "تحتاج إلى علاقات ومعارف في قوى الأمن أو الأجهزة الأمنية أو واسطة سياسية كمحامي، كي تتدبر أمر سوق سجين ليحضر جلسته في موعدها، لأن الحجة الدائمة انه ما من آليات كافية أو انقطاع مادة البنزين، والقاضي في المقابل يؤجل 6 او 7 أشهر لقضية قد لا تحتمل السجن لشهر واحد وفي كثير من الحالات يخرج الموقوف بريئاً بعد أشهر وربما سنوات".

ويضيف "لكنهم وبهذا الأسلوب يكرسون مبدأ الزبائنية والمحسوبيات والوساطات ويفرضونه على المحامين بهذه الطريقة كي يبقى المحامي خاضعاً لهذه المحسوبيات لتسيير عمله ومصير موكليه. ابتزاز وتأخير عدالة، والمحامي النزيه يضطر إما أن يتوقف عن العمل في قضايا الجزاء أو انه سيكون مضطراً للتزلف أو السير بوسائل غير قانونية ليسير عمله بينما هو حق للسجين من أبسط الحقوق أن يساق إلى محاكمته".

ويختم "الإضراب ليس هدفنا كمحامين، ولكنه وسيلتنا للحصول على حقوقنا وتسيير أعمالنا، الاضراب أدى إلى ضغط كبير على القضاء الذي يكابر ويبعث رسائل مفادها أن "العدليات لا تتوقف عن العمل بسبب المحامين"، اليوم أثبتنا أن العدليات توقفت وقادرون على شل قصور العدل. من دوننا لا قضايا ولا محاكمات ولا صندوق التعاوني للقضاة يمكن أن يدخل اليه إيرادات مالية، لكن الأمر ليس لعبة عض أصابع وإنما حقوق وقانون واحترام لن نقبل بعد اليوم غرور وتكبر في التعاطي مع المحامين وهذا الأمر انتهينا منه ورسالتنا تغيير التعاطي والنهج، لا يمكن تخيير المحامي بين كرامته ولقمة عيشه، ونحن اخترنا كرامتنا وتحصينها وعدم دعسها من قبل السياسيين والأمنيين".

استقلالية القضاء.. أصعب المطالب

الجزء الثاني من الانتفاضة تتعلق باستقلالية القضاء، يقول رعد، "وهو ما يتخطى علاقة المحامين بالقضاء، بل يتعلق بعلاقة القضاء بالشعب من جهة وعلاقته كسلطة مع باقي السلطات، وعلاقة القضاء مع الوطن. القضاء المعين بقرارات سياسية لا يمكن أن يتخذ قرارات خارج عن الإرادة السياسية والتبعية السياسية لكل قاضٍ.

يستدرك رعد "طبعاً نتحدث بشكل خاص عن قضاة في المراكز الحساسة. وطبعاً هناك قضاة يشهد لهم أنهم تحرروا من تبعيتهم السياسية ويتخذون إجراءات جريئة جداً، ولكن أغلبية القضاء في النيابات العامة وقضاة التحقيق المعينين في مواقعهم لأسباب سياسية وطائفية وإثباتاً على ذلك فقد جرى استحداث في آخر تشكيلات قضائية تمت، تم زيادة موقع نائب عام في بيروت ليكون من حصة الطائفة الشيعية وأحزابها في بيروت، لأنه لم يكن هناك نائب عام شيعي في بيروت، هذا القضاء لن يستطيع أن يكون إلا الذراع القضائية للمنظومة الحاكمة الفاسدة".

ويردف قائلا "بالتالي لاقتلاع منظومة الفساد تحتاج إلى قضاء حر ومستقل ونزيه، ولا يمكن المراهنة فقط على الاستقلال الذاتي والمناعة الذاتية للقضاة وإنما هذا غير كافٍ. شاهدنا قرارات جريئة لقضاة بوجه المصارف، ولكن محاكم الاستئناف أوقفت هذه القرارات، وبالتالي لا يمكن المراهنة على قضاة بشكل منفرد وإنما نحتاج منظومة قضائية مستقلة، لأن كل قاضٍ نزيه ومستقل هناك قاض أعلى منه بالتراتبية معين من السلطة السياسية ومرتهن لها. وبالتالي نحن هدفنا الوصول إلى استقلالية القضاء من أجل مصلحة الوطن والمواطن قبل مصلحة المحامين. كما أن مصلحة المحامين تقتضي أن يعود الانتظام إلى العمل القضائي باستقلالية تمكن المحامي من حضور جلسات وممارسة دوره ومهنته وليس حضوراً شكليا والأحكام معروفة مسبقاً بناء على الميول السياسية والمحسوبيات في كل قضية".

وفي هذا الشأن، يلفت رعد إلى أن لجنة الإدارة والعدل في مجلس النواب اللبناني تواصلت مع نقابة المحامين وأرسلت نسخة عن المسودة النهائية لصيغة القانون المحضر طالبة من النقابة وضع ملاحظاتها عليه، وهو ما فعلته النقابة، وهو قيد النقاش. وبالتالي حصل هناك تقدم صغير في هذا الهدف، ولذلك سقطت مهلة الـ 20 يوماً التي كان قد قدمها النقيب ملحم خلف، وبالتالي أصبحنا في مرحلة وضع الملاحظات والملاحظات المضادة وهذا يعتبر تقدماً.

أما الجزء الثالث من الانتفاضة بحسب رعد، "ينسجم مع معركة اللبنانيين واحتجاجاتهم من أجل استرداد الدولة والوطن، حيث يتخطى الهدف موضوع القضاء والمحامين والنقابة، ليصل إلى مكان للعمل على إسقاط هذه المنظومة واسترداد الوطن وهذه المرحلة الثالثة التي بدأت بوادرها من خلال المبادرة التي أطلقتها نقابة المحامين منذ مدة جمع خلالها النقيب خلف ممثلين عن القطاعات الأساسية في البلد مع ممثلين العوائل الروحية وهذا ما يتعلق بعلاقة نقابة المحامين مع هذا الوطن وفعالياته الشعبية".

القضاء يرد

في المقابل، لا يرى مصدر قضائي في اتصال مع "الحرة" أن القضاة بعيدون عن مطالب المحامين.

وفي حديثه لموقعنا يضيف المصدر القضائي، الذي طلب عدم الكشف عن هويته لأنه غير مخول بالحديث، أن "القضاة يؤيدون المحامين بمطالبهم، ونعتبرهم شركاء معنا بالعدالة والعدلية ومطالب المحامين ليست موجهة لمجلس القضاء الأعلى، وليس هناك موقف شخصي مع رئيس مجلس القضاء الأعلى كما يجري الترويج في الإعلام، وكل كلمات نقيب المحامين ليس فيها مطلب واحد وواضح من رئيس مجلس القضاء الأعلى، وبالتالي المشكلة ليست مع القضاء".

ويردف المصدر قائلا "بالنسبة لمطلب إقرار استقلالية القضاء، هذا مشروعنا كقضاة وهو موجود لدينا في المجلس، ويعطي استقلالية للقضاء 100 بالمئة من ناحية انتخاب أعضاء مجلس القضاء الأعلى ومن ناحية التشكيلات القضائية.  وليس هناك أحرص من القضاة على استقلاليتهم وبالتالي لا داعي هنا للمزايدات من قبل نقابة المحامين أو غيرها".

"أما الحديث عن كسر الندية بين القضاة والمحامين فهو كلام مرفوض ومبالغ فيه من قبل نقابة المحامين"، يقول المصدر، ويضيف "هناك احترام متبادل وكل قاض لديه أصدقاء وأقارب من المحامين الأمور ليست مقسومة بين قضاة ومحامين، ربما هناك بعض الحالات الفردية التي تتعلق بالأشخاص أنفسهم ولكن لا يمكن تعميمها، تتم معالجتها في حال وجودها بطريقة مؤسساتية وليس بالخطابات الشعبوية، أحيانا نحن كقضاة يتم التعامل معنا بطريقة غير مناسبة من قبل محامين، وبالتالي يمكن أن تحصل مثل هذه الأمور وحلها ليس في الإعلام والخطابات".

وفيما يخص موضوع المادة 111 التي أدت كل هذه التطورات، يشرح المصدر أن مجلس القضاء الأعلى لا يمكنه قانونياً أن يتدخل مع القاضي ويفرض عليه كيف يفسر مواد القانون، لا سلطة له بذلك، ومن حق نقابة المحامين توضيح هذه المادة، ويمكن معالجة الأمر مؤسساتياً ولكن لا يمكن وضع حواجز خلافية على خلفية تفسير مواد ومشاكل محدودة، ولا تحل المشكلة بالمهاترات الإعلامية.

ويكشف المصدر القضائي أنه "جرى إطلاق مساعٍ عدة من قبل مجلس القضاء الأعلى من أجل معالجة قضية إضراب المحامين، آخرها كان بمبادرة من رئيس المجلس، يقوم على اجتماع بين وزيرة العدل ونقيب المحامين مع رئيس مجلس القضاء الأعلى، يخرج على ضوئه بيان مشترك من بعده يستتبع بلقاء بين الأعضاء الحكميين الـ6 في مجلس القضاء مع مجلس نقابة المحامين في بيروت وطرابلس على إثره تعين لجنة لمتابعة كل القضايا العالقة والإشكالية بين المحامين والقضاة كان آخر مسعى وموافق عليه نقيب المحامين، ولكنه تراجع عنه دون أن نعلم لماذا؟ نحن أعلنا اننا على رأس عملنا ورئيس مجلس القضاء الأعلى أعلن أن بابه مفتوح للجميع ولو كانت المشكلة عنده لبادر فورا إلى حلها، لكن القرار لدى نقابة المحامين.

محامون مستعدون للتضحية

في السياق نفسه، خرجت أصوات من بين المحامين تطالب بوقف الإضراب لما فيه من تأثير سلبي على وضع المحامين أنفسهم ومصير أعمالهم ومردودهم المادي في هذه الظروف الصعبة التي تمر على البلاد. هذه الأصوات وإن لم تخرج عن محامين بشكل رسمي وبأسمائهم إلا أنها وجدت سبيلها إلى الإعلام، حيث طرحت أيضاً مصير السجناء والموقوفين وأعمال الناس وقضاياهم التي توقفت في سبيل ما وصف بأنه "قضية صعبة المنال ومشاكل متجذرة في الواقع اللبناني"، وبالتالي لا فائدة من كل هذه الإضرابات والخطوات، بل مزيد من الخسائر والتعطيل في البلاد.

وحول وجهة النظر هذه، يقول أمين سر نقابة المحامين أن "كل قضية تناضل من أجلها لصالح العام، تحتاج تضحية، المحامي إن عجز عن الدفاع عن احترامه وكرامته وقوانينه كيف سيدافع عن الناس؟ الحصانات أعطيت للمحامين من أجل الدفاع عن موكليهم دون خشية أو خوف، إذا كان القضاء ينظر للمحامي بلا حصانات، كيف سيمثل محام اليوم أمام قاضي وهو خائف كيف سيدافع عن موكله؟ كيف يؤمن حق الدفاع والمرافعة؟ لا يمكن اليوم لقاضٍ أن يمنع محامي من مزاولة المهنة وتبقى الأمور كما كانت عليه، ماذا سيحصل لموكلي هذا المحامي ولقضاياه، إن كان لديه في اليوم الثاني جلسة ماذا سيفعل بها وماذا يفعل موكله، هل يحضر محامٍ آخر بين ليلة وضحاها؟ هذه اشكاليات لها انعكاسات على المحامين والمواطنين على حد سواء ولا يمكن تمرير هكذا ممارسات قضائية بحق المحامين.

من جهته، يذكر المحامي أيمن رعد من يقول بتوقف أعمال وأرزاق المحامين "إن البلد كله متوقف ولو لم يكن هناك إضراب لما وجدنا اليوم طوابع مالية في العدليات ليس هناك حبر واوراق، ليس هناك كهرباء، كنا قبل الاضراب نضطر للتوجه أكثر من 3 مرات إلى قصور العدل بانتظار الكهرباء، أجهزة الكومبيوتر متوقفة والأنظمة المالية معطلة بسبب تعطل مولدات الكهرباء في المالية".

ويسأل رعد "أي محام اليوم يستطيع تأسيس شركة؟ المصارف متوقفة عن فتح الحسابات ولا يمكن إيداع رأس المال وبالتالي ما من شركة تؤسس في البلاد، أي موكل اليوم قادر على دفع أتعاب محامي؟ انهم يتذرعون بالإضراب وهم أنفسهم كانوا يشتكون من تعامل القضاة والانتظار الطويل والتأجيل للمحاكمات وعدم البت في الطلبات".

ويختم "بالنسبة لي اليوم أنا أفضل التوقف عن حضور الجلسات والاستمرار بالإضراب سواء كان 6 أشهر او حتى إن امتد على سنة، ومن بعدها يكون عملي له معنى لقضاة يقرأون ويعطون الناس حقوقهم".

من سجن رومية.. أرشيفية
من سجن رومية.. أرشيفية

أطلق "معتقلو الرأي السوريون" في سجن رومية، شرق بيروت، معركة الأمعاء الخاوية، حيث بدأوا، الاثنين، إضراباً عن الطعام احتجاجاً على "فقدان 10 معتقلين سوريين نتيجة الوضع الصعب وانعدام الرعاية الصحية"، وفقاً لما ذكره المرصد السوري لحقوق الإنسان، نقلاً عن مصادر حقوقية.

ولن يقبل "المعتقلون" الطعام والخبز المقدّم من إدارة السجن، حيث "سيستمرون في الإضراب إلى حين تحقيق مطالبهم الإنسانية في ملفي الصحة والغذاء، كونهم يعانون من اهمال حالتهم الصحية ومن سوء التغذية" بحسب ما أورد المرصد.

كما يعاني "معتقلو الرأي السوريون" في غياهب السجون اللبنانية بحسب المرصد، من "تلفيق التهم ومحاسبتهم على ذنب لم يُقترف وحرمانهم من المحاكمة العادلة ومن حق رؤية ذويهم، وكذلك من التعذيب النفسي والجسدي، في ظل تنصل ولامبالاة السلطة اللبنانية في معالجة ملفهم وغياب دور المنظمات الحقوقية والإنسانية في متابعة هذا الملف".

ويقبع في السجون اللبنانية ما يقرب من 6685 سجينا، بحسب إحصائيات مديرية السجون في وزارة العدل، "حوالي 2500 منهم من الجنسية السورية" وفقاً لما يقوله المدافع عن حقوق الإنسان، المحامي صبلوح لموقع "الحرة"، "من بينهم نحو 400 من معتقلي الرأي".

"اتهامات ملفقة"

ويرى مدير المرصد السوري لحقوق الإنسان، رامي عبد الرحمن، أن "السجون في المنطقة أصبحت متشابهة، سواء كان سجن صيدنايا سيء الصيت، أو سجن حوار كلس في ريف حلب الشمالي، أو سجن رومية"، ويوضح أن "جميع هذه السجون تحتجز معتقلي الرأي الذين لا علاقة لهم بقضايا جنائية، ويتم اتهامهم بالإرهاب دون أدلة، بل بناءً على توصيفات من جهات رسمية".

ويشدد عبد الرحمن، في حديث لموقع "الحرة"، على أن "من لم يثبت تورطه في القتل أو المشاركة في عمليات إرهابية يعد معتقل رأي وليس مجرماً جنائياً أو أمنياً".

و"يواجه غالبية معتقلي الرأي السوريين في السجون اللبنانية اتهامات متنوعة"، تشمل كما يوضح صبلوح "المشاركة في أحداث عرسال عام 2014، والانضمام إلى تنظيمات مصنفة إرهابية، أو معارضة نظام بشار الأسد ومشاركتهم في الحرب السورية، ويقبع بعض هؤلاء خلف القضبان منذ عام 2013 دون محاكمات عادلة أو تقدم ملحوظ في قضاياهم".

ويكشف صبلوح عن "سياسة ممنهجة تتبعتها السلطات الأمنية اللبنانية، تستهدف معارضي نظام الأسد، حيث يتم تلفيق أدلة ضدهم وتقديمهم لمحاكمات صورية. وبالإضافة إلى ذلك، يتعرض هؤلاء المعتقلون للتعذيب خلال استجوابهم، وهو ما تجسد بوضوح في قضية بشار السعود، الذي لقي حتفه عام 2022 نتيجة التعذيب الذي تعرض له".

لكن الحكومة والقضاء اللبناني لا يعترفان، كما تؤكد الناشطة الحقوقية المحامية ديالا شحادة لموقع "الحرة"، بـ "معتقلي رأي" في السجون اللبنانية.

غير أن "ملاحقة وسجن ومحاكمة وادانة الآلاف من السوريين على مر السنوات العشر الأخيرة لمجرد ممارستهم حق تقرير المصير في سوريا من دون انتهاك أي قوانين دولية من التي ترعى النزعات المسلحة"، لا يمكن تصنيفه وفق ما تقوله شحادة سوى على أنه "اضطهاد لمن عارض نظام بشار الأسد وقاوم طغيانه وبطشه، وكل ملاحقة قضائية ذات خلفية سياسية تندرج ضمن سياسات قمع الحقوق الأساسية اللصيقة بالإنسان ومنها الحق في تقرير المصير وحرية الرأي والتعبير".

ظروف "مميتة"

اضراب أي سجناء في السجون اللبنانية نتيجة حتمية، كما تشدد شحادة "لاكتظاظ السجون بثلاثة أضعاف قدرتها الاستيعابية ولتراجع الخدمات الأساسية ومنها الغذائية والطبية".

وما يزيد من نقمة عدد من السجناء، وفق شحادة "هو امتناع المحاكم المختصة عن تقصير فترات التوقيف الاحتياطي رغم تردي ظروف السجون وطول أمد بعض المحاكمات".

و"يواجه معتقلو الرأي السوريون في سجن رومية، مثل باقي السجناء، ظروف كارثية"، كما يقول صبلوح، مشيراً إلى أنهم يعانون من "أوضاع معيشية صعبة للغاية نتيجة نقص التمويل الذي أدى إلى حرمانهم من أبسط حقوقهم الأساسية، كما يعانون من ظروف قاسية وغير إنسانية، حيث يواجهون درجات حرارة مرتفعة في الصيف وبرداً شديداً في الشتاء، إضافة إلى التلوث البيئي والحرمان من طعام ذي جودة وكميات كافية".

ووصل تدهور الأوضاع في سجن رومية إلى حد وفاة عدد من السجناء، بحسب ما يقول صبلوح، وذلك "نتيجة توقف الأطباء عن زيارة السجون، وعدم قدرة السجناء على إجراء الفحوص الطبية والعمليات الجراحية التي يحتاجون إليها، فكل ما له علاقة بالأوضاع الصحية للسجناء تقع على كاهل أهلهم بينما تنتمي غالبيتهم إلى الطبقة الفقيرة".

مطالبة بالحزم

منذ سنوات، يرفع "السجناء السوريون المعارضون لنظام بشار الأسد في سجن رومية" الصوت مطالبين بوضع حد لمأساتهم، ولكن بدلاً ذلك كلّفت الحكومة اللبنانية، المدير العام للأمن العام بالإنابة، اللواء إلياس البيسري، في أبريل الماضي، بإعادة التواصل مع السلطات السورية لحل قضية السجناء والمحكومين السوريين في السجون اللبنانية، أي تسليمهم للنظام السوري.

وقبل ذلك، "سلّمت السلطات اللبنانية معتقلين سوريين إلى النظام السوري" وفقاً لما يقوله صبلوح، وهو ما دفع أربعة سجناء سوريين في سجن رومية إلى محاولة الانتحار في مارس الماضي، باستخدام الأغطية كأدوات للشنق، قبل إنقاذهم في اللحظات الأخيرة.

ويؤكد صبلوح أن "معتقلي الرأي السوريين مشمولون باتفاقية الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب لعام 1984، التي تمنع تسليم أي شخص يمكن أن يتعرض للتعذيب في بلده"، موضحاً أن "تحركات السجناء السوريين نجحت في تجميد خطوة الحكومة اللبنانية، مما يشكل انتصاراً مؤقتاً في معركتهم ضد التسليم القسري، على أمل أن يتخذ قرار إنسانياً بحلّ ملّفهم عما قريب".

"يهدد معتقلو الرأي السوريون بالتصعيد سلمياً في حالة عدم الاستجابة لمطالبهم"، كما أشار المرصد، موضحاً أن "التنكيل الذي يتعرضون له يخالف كل القرارات والقوانين الدولية، ورغم الدعوات المتكررة لإطلاق سراحهم فإن ملفهم ما زال عالقاً منذ عشر سنوات".

ويؤكد عبد الرحمن أن "الحكومة اللبنانية تتحمل مسؤولية سجونها"، داعياً المجتمع الدولي إلى "تسليط الضوء على هذه القضية"، بينما أوضح المرصد أن "إنقاذ هؤلاء المعتقلين يتطلب موقفاً حازماً من المجتمع الدولي"، الذي يجب أن يدافع عن حقوق "سجناء الرأي والكلمة الحرة، الذين فروا من ويلات الحرب والموت في سوريا ليجدوا أنفسهم محاصرين في المعتقلات اللبنانية، ومتّهمين بالتطرف لمجرد معارضتهم للنظام السوري".