صيدليات لبنان
صيدليات لبنان

فوجئ رئيس جمعية "بربرا نصار" لدعم مرضى السرطان، هاني نصار، بأن الدواء الذي اشتراه لمريضة من شخص في تركيا مزّور، إذ بعد أن استلمه، ظهر أن كمية السائل الذي يحتويه أقل مما هي في العادة، ما عدا اصفرار العلبة من الداخل. 

السعر الرسمي للدواء الذي اشتراه نصار من تركيا 1500 دولار، لكن التاجر يغري المريض، كما يقول، "بإجراء حسم له، حيث دفعت المريضة ثمنه 1200 دولار، في حين يبلغ سعره في لبنان في حال توفره 7 ملايين ليرة أي ما يعادل حوالي 240 دولار على سعر صرف السوق السوداء". وتابع "أنكر التاجر إرساله دواء مزورا، وبالتالي رفض إعادة المبلغ، ليظهر بعدها أن خلف الأمر عصابة منظمة". 

لم تخسر المريضة الأموال التي دفعتها فقط، بل فقدت كذلك وقتا ثمنيا أخّر وصولها إلى هدفها بالانتصار على مرضها، وهذه الحوادث تتكرر مع المرضى في لبنان، ولا تقتصر على أدوية السرطان. 

انتهزت شبكات تهريب فرصة عدم تمكن الشركات اللبنانية المستوردة للدواء من تلبية حاجات السوق، لتقوم هي بالدور، غير آبهه بنتائج تناول المرضى أدوية مزورة أو أدوية محفوظة بطريقة غير صحيحة، الأمر الذي دفع نقابة الصيادلة إلى رفع الصوت، مطلقة حملة توعية، تضمنت منشورا حمل شعار "مش كل دوا دوا"، لتحذير المواطنين من الأدوية المهربة التي قد تكون مزورة. 

طالت الأزمة الاقتصادية التي تعصف بلبنان قطاع الدواء، وبعد فقدان الأدوية من الصيدليات لعدم توفر الدولارات لدى المصرف المركزي، رفعت الحكومة اللبنانية في نوفمبر الماضي الدعم كليا وجزئيا عن معظمها، ليقتصر الدعم على الأدوية المستعصية وبعض الأدوية المزمنة، ومع ذلك المبلغ المخصص لها ليس كافيا، ما أدى إلى استمرار الأزمة. 

علّقت منظمة العفو الدولية في شهر ديسمبر الماضي على قرار الحكومة اللبنانية بالقول "رُفع الدعم وارتفعت معه أسعار الأدوية في لبنان أربع مرات مقارنة بعام 2019 في بدايات الأزمة الاقتصادية، ولا يزال النقص في الأدوية شديدا، على الرغم من أن الحكومة كانت تدرك ضرورة رفع الدعم، أقلّه منذ العام الماضي، إلا أنها تقاعست عن وضع خطة حماية اجتماعية لضمان استمرار توفر الأدوية الأساسية". 

سمّ وماء! 

من كل مكان تدخل الأدوية المهربة إلى لبنان، لاسيما، كما يقول نقيب الصيادلة جو سلوم، من "تركيا وسوريا وإيران، قسم منها مزور والقسم الآخر لا يحفظ بطريقة سليمة أي أنه يتحول إلى سمّ قاتل لا بل بعض الأدوية السرطانية اكتشف أنها عبارة عن ماء"، ويضيف في حديث لموقع "الحرة" "وصلنا إلى مرحلة أصبح فيها الدواء متوفرا خارج الصيدليات أكثر مما هو متوفر داخلها، والمشكلة الأساسية تكمن بعدم إمكانية التأكد من الأدوية التي لا تدخل بالطرق الشرعية ولا تسجل في وزارة الصحة". 

لا حسيب أو رقيب على تجار الأدوية المهربة، إلى درجة أنهم يبيعونها بشكل علني، حيث يستغلون حاجة المرضى إلى تأمين علاجهم بأية وسيلة كانت ومن أي مصدر، من دون أن يكون لدى المريض القدرة على التأكد من جودتها وكيفية حفظها، لا بل ربما لا يخطر على باله أن هناك من يتاجر بحياته من أجل جني الأرباح. 

تقف خلف عمليات تهريب الأدوية شبكات منظمة، كما يؤكد سلوم، "تبيعها بأسعار مضاعفة، ولأننا مؤتمنون على صحة المرضى، نرفض أن يتعرضوا للاحتيال والنصب من قبل تجار الحقائب، وفي ذات الوقت لا يمكننا أن نلوم المريض الذي يسعى للحصول على دوائه، مع العلم أن آلاف الاخطاء الطبية حصلت كون من يستبدل الدواء بآخر شخص غير أخصائي"، مشددا "طالما الأدوية غير متوفرة بالطرق الشرعية، ستبقى الأدوية المزورة والمهربة تدخل إلى البلد". 

السبب الرئيسي لازدهار هذه التجارة في لبنان أن المبلغ المرصود لدعم أدوية الأمراض المستعصية وعدد من أدوية الأمراض المزمنة، يكفي بالحد الأقصى ثلثي المرضى"، وفق ما يقوله  نقيب مستوردي الأدوية كريم جبارة، لموقع "الحرة": "من هنا يضطر الثلث المتبقي منهم إلى اللجوء لتأمين أدويتهم، وجزء من هذه الأدوية يكون مزورا، مع العلم أن الأدوية الأصلية تتطلب شروطا دقيقة للحفظ والنقل لاسيما المبردة منها، وإذا لم تراع هذه الشروط، لاسيما في ظل وضع لبنان الحالي، يمكن أن تفقد فعاليتها". 

وفي ما يتعلق بالأدوية التي رفع عنها الدعم، أجاب "في المبدأ لا يجب أن يكون هناك مشكلة بتأمينها على الأراضي اللبنانية، وإن كان هناك مشكلة لأي سبب كان، يوجد الكثير من الأدوية البديلة، هذا لا يعني أن شبكات التهريب لا تدخل هذه الأدوية إلى لبنان، لكن لا نقص فيها كي يلجأ إليها المريض". كذلك أكدت رئيسة مصلحة الصيدلة في وزارة الصحة الدكتورة كوليت رعيدي أن "تهريب الدواء لا يقتصر على الأدوية السرطانية وإن كان التركيز على الأدوية باهظة الثمن". 

كلام جبارة سبق أن أكده رئيس لجنة الصحة النيابية النائب بلال عبد الله، الشهر الماضي، إذ لفت إلى أن "هناك حاجة إلى ما لا يقل عن 10 ملايين دولار إضافية شهريا، لكي يستطيع كل مريض في لبنان يعاني من مرض مستعص أن يجد دواءه، متمنيا على الحكومة أن تتخذ هذا القرار الوطني والإنساني بالطلب من مصرف لبنان تأمين هذه التغطية لكي يتمكن وزير الصحة والفريق المعاون له من جدولة شراء هذه الأدوية". 

وإذ ذكّر بمبلغ الـ 400 مليون دولار المتوجب على لبنان جراء ديون سابقة، طلب عبد الله من الشركات المستوردة أن تحاول قدر الإمكان التخفيف من أرباحها، وكما قال "لم يعد مسموحا في ظل الأجواء الخطيرة التي نعيشها أن يبقى هناك تهريب للدواء المدعوم، كل شخص، كل جهة وكل هيئة، تعمل إلى تسهيل التهريب أو غض النظر عنه يجب أن تكون في السجن، فمعاناة مرضى السرطان أكبر بكثير من جني الأرباح، يكفيهم ما جنوه من تهريب المحروقات والغذاء". 

اكتشاف الكارثة 

اكتشاف وجود أدوية سرطانية مزورة في لبنان يعود، كما يؤكد جبارة، إلى "ملاحظة عدد من المستشفيات أمورا غير متطابقة مع الدواء الأصلي في الأدوية التي يجلبها المرضى، سواء تعلق الأمر بالكتابة على العلبة أو الأنبوب وحتى لون السائل وكميته، جرى التواصل مع الشركات العالمية للاستفسار عن رقم طبخة الدواء للتأكد فيما إن كان أصليا من عدمه، فكان الجواب بالنفي، ما استدعى تبليغ وزارة الصحة التي اتخذت الإجراءات اللازمة". 

كذلك قال نصّار إن "بعض الأدوية يكتشف أنها مزورة من خلال عدم مطابقة رقم الإصدار للرقم الصادر عن الشركة الأصلية، وبعضها الآخر قد يكون رقم الإصدار صحيحا لكن ألوان العلبة مختلفة أو الخط المستخدم في الطباعة عليها، كما يمكن اكتشاف الأمر من خلال كمية السائل التي قد تكون أقل أو أكثر مما هي عليه في الدواء الأصلي، ويعود إلى مختبرات المستشفيات الجامعية جزم الأمر من خلال فحص الدواء". 

وفيما إن كانت الأدوية المزورة تسللت إلى الصيدليات نفت رعيدي ذلك، موضحة أنه حتى الساعة "اقتصر الأمر على أدوية أدخلت إلى لبنان بطرق غير شرعية عبر أشخاص قادمين من الخارج"، لافتة إلى أنه "إذ تعدى جلب الأدوية من الخارج الاستعمال الشخصي، أي للمتاجرة بها، عندها يتم الادعاء على من أقدموا على ذلك أمام القضاء المختص". 

وعن صيدليات "حزب الله" التي يخصصها لعناصره، وفيما إن كانت الأدوية الإيرانية التي تباع فيها مسجلة في وزارة الصحة، أجابت رعيدي "هناك الكثير من الأدوية الإيرانية المسجلة في لبنان، فإيران كغيرها من البلدان في ما يتعلق باستيراد الدواء". 

قبل أيام طمأن وزير الصحة الدكتور فراس أبيض، مرضى السرطان بأن هناك حلحلة على صعيد أدويتهم،  لافتا في ذات الوقت إلى أن "شركات الدواء العالمية كانت قد اتخذت قرارا بوقف إرسال الادوية إلى لبنان قبل تحويل الأموال لها"، وهو ما ناقشه خلال زيارته إلى الولايات المتحدة الأميركية. 

وكان أبيض عرض الشهر الماضي نتائج زيارته لواشنطن خلال مؤتمر صحفي، أكد خلاله أنه عقد اجتماعا مهما في غرفة التجارة مع الشركات العالمية التي كانت ترددت في تصدير الأدوية إلى لبنان بعدما فاقت ديونها الـ400 مليون دولار، ما أدى إلى انقطاع الدواء في السوق اللبناني. 

ولفت إلى أن "اللقاء المباشر مع ممثلي شركات الأدوية شكل مناسبة للتذكير بالقرار الأخير الذي اتخذته الحكومة، والمتعلق بتأمين تمويل الدواء من حقوق السحب الخاصة في الأشهر الأربعة المقبلة، وأمام الشرح المستفيض أبدت الشركات تفهمها للآلية الجديدة مؤكدة قرارها بإعادة تصدير الأدوية". 

وأشار وزير الصحة إلى أنه "بناء عليه، تم تحضير كميات الأدوية التي سيستوردها لبنان لمدة ثلاثة أشهر متتالية بدلا من أن يكون ذلك لشهر واحد، ما سيضمن استمرارية أكبر لتأمين الدواء للمريض اللبناني"، لافتا إلى "اجتماع عقد في مصرف لبنان لتأكيد تغطية الاتفاق والبدء بتحويل الأموال". 

عقوبة "إعدام" 

انتقد المقرر الخاص للأمم المتحدة المعني بالفقر المدقع وحقوق الإنسان، أوليفييه دي شوتر، "عقودا من نقص الاستثمار في نظام الرعاية الصحية العام وإلغاء الحكومة الجزئي "المشين" للإعانات على الأدوية الأساسية، وقال في تقرير نشر في مايو الماضي "لا تزال الأدوية تعاني من نقص حاد، كما ارتفعت أسعار أدوية الأمراض المزمنة أربعة أضعاف على الأقل، وهي عقوبة إعدام شبه مضمونة لمن هم في أمس الحاجة إليها". 

ودعا الخبير الأممي الحكومة القادمة إلى الالتزام بتحسين سجلها في مجال حقوق الإنسان في جميع المجالات، ومنها بناء أنظمة حماية اجتماعية وتعليمية ورعاية صحية قوية ومرنة، ووضع المصلحة العامة فوق المصلحة الخاصة. 

لا يقتصر الأمر على تأخر علاج مرضى السرطان حين يكتشفون أن الدواء الذي انتظروا وصوله مزور بل، كما يقول نصار، أن "حياتهم معرضة للخطر، وإذا لم يصابوا بأذى، فإنه بالحد الأدنى يعتقدون أنهم يتلقون العلاج وفي الحقيقة ما يعطى لهم لا يتعدى كونه ماء وملحا". 

وفق الوصف القانوني، تهريب الأدوية المزورة هو جناية، إذ تعاقب المادة 92 من قانون مزاولة مهنة الصيدلة في لبنان رقم 367، كل من تسوّل له نفسه الغش في كل الجوانب المتعلق بالدواء، حيث تنص "يعاقب بغرامة من عشرة ملايين إلى خمسين مليون ليرة لبنانية، وبالحبس من سنة إلى ثلاث سنوات أو باحدى هاتين العقوبتين بالإضافة إلى مصادرة الدواء لحساب وزارة الصحة العامة كل من يرتكب الغش في المواد الصيدلانية، أو يبيع أدوية مزورة أو مهربة أو منتهية الصلاحية أو غير مسجلة أو ممنوعا التداول بها". 

وتضيف "يسقط من حق مزاولة مهنة الصيدلة كل صيدلي يحكم عليه بجناية أو بجنحة شائنة أو يرتكب الغش في المواد الصيدلانية أو يبيع أدوية سرية أو مخدرات أو من أجل مزاولة مهنة الطب بصورة غير قانونية". 

ولتجنب الوقوع ضحية "مافيا الدواء"، ينصح نصار المرضى أن يشتروا دواءهم من الصيدلية فقط، متمنيا على الدولة اللبنانية تأمين الأدوية بالطرق الشرعية كي لا يضطر المريض إلى تعريض حياته للخطر، أما الخطوات التي تقوم بها وزارة الصحة للحد من عمليات التهريب فشرحتها رعيدي بالقول: "نحاول قدر المستطاع تحذير المواطنين وإصدار قرارات منع تداول، إضافة إلى توعية المرضى على ضرورة عدم شراء الدواء من مؤسسة صيدلانية غير مجازة، وأن يراجعوا الوزارة في حال أرادوا التأكد من أي دواء". 

أما جبارة فيرى أن الحل يتطلب "سد الفجوة بتأمين أدوية الأمراض المستعصية والمزمنة المدعومة، من خلال زيادة المبلغ المتوفر للدعم الذي يبلغ الآن 25 مليون دولار، إضافة إلى مكننة تسليم الدواء للمريض لعدم استغلال الدعم". 

ويشدد "طالما هناك فجوة سيأتي من يسدها، فالطبيعة لا تحب الفراغ، من هنا يجب العمل مع وزارة الصحة للضغط على المسؤولين من أجل تأمين مبلغ إضافي يلبي احتياجات كل المرضى، ففي هذه الحالة لا تعود هناك حاجة للمريض لشراء أدويته من مهرّب أو من خارج البلاد، وعندها يُطلب من السلطات الأمنية التشدد مع كل من يدخل دواء بطريقة غير شرعية". 

جوزاف عون قال في خطاب القسم أنه سيعمل على أن يكون حق حمل السلاح مقتصرا على الدولة - AFP

لقطة رصدتها عدسات الكاميرا في البرلمان اللبناني خلال خطاب القسم لقائد الجيش، جوزاف عون، بعد انتخابه رئيسا للبلاد يوم الخميس الماضي، تعكس ضعف موقف حزب الله في هذه المرحلة بعد أن كان يدير خيوط اللعبة السياسية لأعوام طويلة عبر سياسة ترهيب وترغيب الخصوم.

فحين كان عون يقول أمام مجلس النواب بعد دقائق من انتخابه إنه سيعمل على أن يكون حق حمل السلاح مقتصرا على الدولة في إشارة إلى ترسانة حزب الله، استدارت الكاميرا إلى نواب المنظمة المصنفة إرهابية الذين بدوا واجمين في حين كان باقي النواب يصفقون للرئيس المنتخب.

كما شهد اليوم الاثنين انتكاسة جديدة لحزب الله، حين كلف عون القاضي نواف سلام بتشكيل الحكومة الجديدة على عكس إرادة الحزب الذي كان يرغب بإعادة تكليف رئيس حكومة تصريف الأعمال، نجيب ميقاتي، ما دفع النائب محمد رعد، للقول إن معارضي الجماعة المدعومة من إيران يعملون على تفكيكها وإقصائها من السلطة في لبنان.

ومن أبرز الملفات التي تتصدر أولويات العهد الجديد في لبنان، هو تطبيق الاتفاق اتفاق وقف إطلاق النار مع إسرائيل، الذي ينصّ على انسحاب إسرائيل من المناطق التي دخلتها في الجنوب ويشمل الالتزام بقرار مجلس الأمن الدولي 1701 الصادر في العام 2006، الذي من بنوده ابتعاد حزب الله عن الحدود، ونزع سلاح كل المجموعات المسلحة في لبنان وحصره بالقوى الشرعية دون سواها.

ورغم أن حزب الله كان قد كلف رئيس مجلس النواب نبيه بري بالتفاوض خلال الحرب من أجل وقف إطلاق النار، وقد وافقت الحكومة اللبنانية، التي يشارك فيها وزراء من الحزب، على الاتفاق، فإن تصريحات قيادات الحزب بعد ذلك أظهرت تمسكه بسلاحه وعدم نيته التخلي عنه.

ومع بدء عهد جديد، تتجه الأنظار نحو كيفية تعامل الرئيس عون مع ملف السلاح غير الشرعي الشائك، وفيما إن كان سينجح في تذليل العقبات التي قد تعيق تحقيق هدفه.

تحديات قديمة في عهد جديد

يتصدر ملف السلاح غير الشرعي أبرز التحديات التي تواجه الرئيس اللبناني الجديد، كما يشدد الخبير الاستراتيجي العميد المتقاعد ناجي ملاعب.

ويقول ملاعب "يعاني لبنان منذ عقود من سلاح حزب الله غير الشرعي والذي استخدم في نزاعات إقليمية، ما شوّه صورة لبنان وأدى إلى تعامل عربي ودولي قاس معه".

ويؤكد ملاعب، في حديث لموقع "الحرة"، أن استثناء سلاح "حزب الله" من البند المتعلق بحل الميليشيات ونزع سلاحها، المنصوص عليه في اتفاق الطائف تحت شعار "المقاومة"، منح الحزب غطاءً سياسياً لتشريع سلاحه.

إلا أن التغيرات الإقليمية الأخيرة، وخاصة حرب الحزب الأخيرة مع إسرائيل وما تضمنه اتفاق وقف إطلاق النار بين الطرفين، إلى جانب سقوط نظام بشار الأسد الذي أدى إلى قطع طرق إمداد الحزب بالسلاح والمال من إيران، وضعت حزب الله كما يقول ملاعب "أمام تحديات كبيرة تهدد قدرته على الحفاظ على وضعه السابق".

ويشير إلى أن "قانون الأسلحة والذخائر في لبنان الصادر عام 1954 بموجب مرسوم اشتراعي، يمنع استيراد السلاح من أي جهة إلا عبر السلطة والمؤسسات الشرعية. وحتى صناعة الأسلحة تخضع لشروط صارمة، إذ يتطلب تصنيعها الحصول على ترخيص من وزارة الداخلية، كما يمنع حيازة البارود لتصنيع الأسلحة، ولا يسمح ببيعها إلا للأجهزة الرسمية في الدولة اللبنانية".

ورغم ذلك، فإن السلاح منتشر على نطاق واسع في لبنان، وفق ما يقوله وذلك "بسبب عدم السيطرة الكاملة على الحدود مع سوريا، وهذا ما يتيح دخول الأسلحة عبر عمليات التهريب البرية إضافة إلى عمليات التهريب عبر البحر، وتشمل هذه الأسلحة ما يدخل لصالح حزب الله أو المخيمات الفلسطينية أو للاستخدام الفردي".

وحسم مصير قضية السلاح غير الشرعي سبق انتخاب الرئيس عون كما يقول المحلل السياسي جورج العاقوري.

ويقول العاقوري، لموقع "الحرة"، إن "اتفاق وقف إطلاق النار شكّل أساساً لهذه القضية التي تطال جوهر مفهوم الدولة، حيث لا يمكن لدولة أن تستمر في ظل وجود سلاح غير شرعي موازٍ للسلاح الشرعي..".

ويضيف أن "التجربة اللبنانية تثبت ذلك. حزب الله فاوض من خلال "الأخ الاكبر" الرئيس نبيه بري على الاتفاق ووافق عبر وزرائه عليه وهو ينص بوضوح على إنهاء السلاح غير الشرعي شمال وجنوب الليطاني وتطبيق القرارات الدولية المتعلقة بلبنان".

التحدي الأكبر في هذا الملف يكمن، بحسب العاقوري، "في كيفية تمهيد حزب الله لجمهوره بقبوله تسليم سلاحه".

ويضيف "الحزب يمارس سياسة الإنكار حالياً، محاولاً التهرب من التزاماته من خلال الزعم بأن سحب السلاح يقتصر على جنوب الليطاني، لكنه يدرك أن هذا السلاح يواجه ثلاثة خيارات: استهداف إسرائيلي مستمر، تسليم السلاح للجيش اللبناني، أو تحويله إلى خردة غير قابلة للاستعمال".

كذلك يرى رئيس مركز الشرق الأوسط للدراسات والعلاقات العامة، العميد الركن المتقاعد الدكتور هشام جابر، في حديث لموقع "الحرة"، أن تطبيق القرار 1701 شكّل بداية لتقليص سلاح حزب الله جنوب الليطاني.

ويوضح قائلا: "الحكومة اللبنانية وافقت على القرار، ووزراء حزب الله أُجبروا على الموافقة، وتم تسليم 60% من السلاح جنوب الليطاني. لكن إذا استمرت إسرائيل في احتلال أراض جنوب لبنان، ستبقى المقاومة مشروعة دولياً، ولن يستطيع أحد الاعتراض عليها".

يذكر أن موقع المنار الإلكتروني التابع لحزب الله، روّج بعد انتخاب عون، أن الحزب حصل على ضمانات منه بشأن سلاحه قبل التصويت له.

ونقل الموقع عن مصادر مطلعة، كما وصفها، أن أبرز النقاط التي تم تثبيتها خلال اللقاء الذي جمع عون بالثنائي الشيعي بين الدورتين الأولى والثانية من الانتخابات الرئاسية، هي أن القرار 1701، الذي ينص على نزع السلاح في جنوب الليطاني، ليس مرتبطاً بالقرار 1559، الذي يدعو إلى حل جميع الميليشيات اللبنانية وغير اللبنانية ونزع سلاحها.

الرئيس اللبناني ومعركة "السلاح".. "لقطة" تختصر أزمة حزب الله
لقطة رصدتها عدسات الكاميرا في البرلمان اللبناني خلال خطاب القسم لقائد الجيش، جوزاف عون، بعد انتخابه رئيسا للبلاد يوم الخميس الماضي، تعكس ضعف موقف حزب الله في هذه المرحلة بعد أن كان يدير خيوط اللعبة السياسية لأعوام طويلة عبر سياسة ترهيب وترغيب الخصوم.

أبعد من سلاح الحزب

لا يقتصر التحدي الأمني في لبنان على سلاح حزب الله الثقيل والمتوسط فحسب، بل يشمل أيضاً انتشار السلاح الفردي بين المدنيين بشكل غير قانوني، لا سيما في المناطق الخاضعة لنفوذ حزب الله.

هذا الانتشار أدى إلى زيادة التوترات وزعزعة الأمن في العديد من المناطق، ما شكل تحدياً كبيراً للسلطات اللبنانية في فرض سيادة القانون وضبط الأمن.

وتعود ظاهرة انتشار السلاح الفردي في لبنان إلى عقود طويلة، تعززت بفعل الحرب الأهلية وما تلاها من اضطرابات أمنية متكررة. ومع تفاقم الأزمات الاقتصادية والاجتماعية، لجأ البعض إلى السلاح كوسيلة للدفاع عن النفس أو لتحقيق غايات غير قانونية.

وبات السلاح الفردي يستخدم بشكل متزايد في ارتكاب الجرائم، بما في ذلك السرقات وعمليات النشل في الأماكن العامة، إضافة إلى السلب بالقوة.

هذه القضية أدت إلى ارتفاع معدلات الجريمة وزرع الخوف بين المواطنين، وسط عجز الأجهزة الأمنية عن الحد من انتشار السلاح.

ويساهم غياب سلطة قضائية مستقلة في تفاقم المشكلة، حيث يحظى المدعومون من الأحزاب والطبقة السياسية بحصانة تحميهم من الملاحقة القانونية حتى في حال تورطهم بإطلاق النار.

وفي هذا السياق، تعهد الرئيس الجديد بالعمل على تحقيق استقلال القضاء.

ويشير جابر إلى أن "قانون السلطة القضائية المستقل، الذي أعده الرئيس الراحل حسين الحسيني منذ 25 عاماً، لم يعرض حتى الآن على المجلس النيابي، لأن الطبقة السياسية الحالية لا يناسبها وجود قضاء مستقل يستطيع مساءلة أي شخص، مهما كان نفوذه".

وتحدث الرئيس عون، في خطابه، عن تبني استراتيجية دفاعية شاملة.

عن ذلك يوضح جابر أن "الاستراتيجية الدفاعية ترتكز على الجيش اللبناني كنواة لها، مدعوماً بقوى الأمن الداخلي وغيرها من القوى الشرعية..".

"أما المجموعات العسكرية غير النظامية، مثل حزب الله، فتلتزم بهذه الاستراتيجية، حيث يتم سحب أسلحتها الثقيلة ووضعها في مخازن بإشراف الجيش، ويمارس أفرادها حياتهم بشكل طبيعي في زمن السلم، وفي حال إعلان حالة الطوارئ، تلتحق بالجيش اللبناني خلال 72ساعة".

هل يتخطى "حقل الألغام"؟

يصف جابر المرحلة الراهنة بأنها "حقل ألغام" للرئيس عون، مشيراً إلى أن الطبقة السياسية التقليدية تنظر إليه بريبة، كونه قادماً من خلفية غير سياسية ولم ينشأ في كنف النخبة الحاكمة.

يقول جابر "عون استلم الحكم بتأييد شعبي واسع، لكنه بحاجة لاختيار مستشارين أكفاء لتجاوز العقبات".

ويرى جابر أن "حزب الله لديه مصلحة في الالتزام بإرادة الدولة اللبنانية، خاصة بعد أن دعّم انتخاب عون رئيساً للجمهورية".

ويشدد على ضرورة تشكيل حكومة مستقلة عن الأحزاب السياسية، مضيفا ان "لبنان مليء بالكفاءات من مختلف الطوائف، لكن تشكيل الحكومات كان دوماً يخضع للتوازنات السياسية التي تعيق الاستفادة من هذه الكفاءات".

أما ملاعب، فيرى أن "اللجنة الخماسية الدولية التي أشرفت على انتخاب رئيس الجمهورية، تشكل دعماً إضافياً في هذا الملف، حيث يمكنها توفير غطاء سياسي دولي لأي قرارات تتعلق بسحب السلاح غير الشرعي".

كما يعتبر العاقوري أن مرحلة السلاح غير الشرعي وصلت إلى نهايتها، مشيرا إلى أن "هناك تقاطعاً داخلياً وخارجياً لمعالجة هذا الملف.

ويقول: "لبنان دفع ثمناً باهظاً لهذا السلاح الذي تتحكم به طهران، سواء في مواجهة إسرائيل وادعاء القدرة على ردعها أو عبر استخدامه في الداخل اللبناني، كما حدث في أحداث السابع من أيار".

الضغط الدولي والإقليمي، إلى جانب تغيّر المعطيات الميدانية وتقلص نفوذ إيران في المنطقة، عوامل ستدفع حزب الله كما يرى العاقوري لتسليم سلاحه.

ويشدد "عملية نزع السلاح لن تكون عسكرية، فالجيش اللبناني لن يزج في مواجهة دموية مع الحزب. لكن الضغط المستمر ونتائج المغامرات العسكرية التي خاضها الحزب ستؤدي عاجلًا إلى تسليم سلاحه".

ويصف العاقوري استعادة الجيش اللبناني لمعسكرات فتح الانتفاضة والجبهة الشعبية (القيادة العامة) بأنها "خطوة مهمة على طريق تنفيذ القرار 1559"، فهي تمثل دليلاً واضحاً على أن الدولة اللبنانية تسير في الاتجاه الصحيح نحو "استعادة سيادتها الكاملة وتطبيق القرارات الدولية".