لبنانيون ينتظرون خارج بنك لسحب بعض الأموال
لبنانيون ينتظرون خارج بنك لسحب بعض الأموال

استأنفت المصارف اللبنانية اليوم عملها بعد أسبوع من الإقفال احتجاجا على عمليات الاقتحام التي شهدتها من قبل مودعين طالبوا باستعادة أموالهم تحت تهديد السلاح.

لم تفتح المصارف أبوابها "على مصراعيها" أمام زبائنها، بل كما جاء في بيان جمعية مصارف لبنان، "اعتمدت على قنوات حددها كل مصرف لعمليات المؤسسات التجارية والتعليمية والاستشفائية وسواها، وعبر الصرافات الآلية للجميع".

بعد رفض وزير الداخلية والبلديات، بسام مولوي، تأمين الحماية للمصارف كونها مؤسسات خاصة، معتبرا أن مسؤولية الدولة حماية النظام العام في البلاد، أصبح يتوجب على الزبون "الاتصال بالإدارة العامة للمصرف المعني أو بقسم خدمة الزبائن لديه، عند الاضطرار، لكي يتمّ تلبية أية حاجة ملحة أخرى له بالسرعة الممكنة" بحسب ما جاء في بيان الجمعية، التي أوضحت في بيانها أن الهدف من إعادة فتح المصارف هو تسيير أمور المواطنين لإجراء إيداعاتهم وسحوباتهم، كذلك تأمين رواتب القطاع العام إثر تحويلها إلى المصارف من مصرف لبنان ورواتب القطاع الخاص الموطنة لديها.

وكانت جمعية مصارف لبنان عقدت اجتماعا تداولت فيه في وجوب تأمين استمرارية خدمة الزبائن مع الأخذ بعين الاعتبار الأوضاع الأمنية الصعبة الراهنة وضرورة المحافظة على سلامة الزبائن والموظفين على حد سواء وذلك بغياب الحماية الكافية من قبل الدولة.

مدخرات اللبنانيين في البنوك فقدت قيمتها

وشهدت مصارف لبنان في 16 سبتمبر "موجة اقتحامات"، في أماكن مختلفة من البلاد، الأمر الذي دفع وزير الداخلية اللبناني، إلى الدعوة لاجتماع طارئ لمجلس الأمن الداخلي المركزي، للبحث في الإجراءات الأمنية التي يمكن اتخاذها في ضوء المستجدات.

"جعجعة بلا طحين"

منذ اليوم، أصبحت طريقة عمل المصارف مختلفة في لبنان، بحسب ما يؤكد الباحث الاقتصادي البروفيسور، جاسم عجاقة، كون "المشكلة الأساسية التي دفعتها إلى الأغلاق لم تنتف، وبالتالي فهي معرضة في أي لحظة لعملية اقتحام، من هنا قررت اللجوء إلى قنوات جديدة للتواصل مع زبائنها، فقد نرى فروعا مخصصة للتعامل مع الشركات، أو أياما محددة لاستقبال الزبائن، ولن تتغير طريقة العمل هذه في المدى القريب".

من جانبه وصف رئيس "جمعية المودعين"، حسن مغنية، فتح المصارف اليوم بالـ"جعجعة بلا طحين"، مشيرا في حديث لموقع "الحرة" إلى أن "عددا كبيرا من المصارف لم تفتح أبوابها، ومن عاد منها إلى ممارسة مهامه فمن دون آلية عمل واضحة ولا نظام ولا أموال ولا أمن ولا أي شيء".

وفيما إن كان يرى أنه بإمكان المصارف الاستمرار على هذا النحو قال "هذا أمر مستحيل، فهي تريد الاعتماد على الصراف الآلي، في وقت لا كهرباء لتشغيله طوال الوقت، وقد رأينا اليوم الإشكال الذي وقع أمام بنك لبنان والمهجر في صيدا جنوب البلاد، بعد إصرار أحد العسكريين على الحصول على مساعدته الاجتماعية، وإذا أصرت المصارف على اعتبار أنه بإمكان الصراف الآلي حل المشكلة، فإني أحذّر من الآن أنه لن يبقى واحد منها يعمل، حيث سيقوم المواطنون بتكسيرها جميعها".

كما علّق مؤسس تحالف متحدون المحامي رامي علّيق على الفتح "الجزئي" للمصارف، بالقول "في ظل الوضع الحالي، نحن مع أن تغلق أبوابها كون ذلك يحد من سلبها لأموال الناس، لاسيما وأن عودتها إلى العمل لم تترافق مع تقديم حلول، بل هي استمرار لنهج قديم "نهش" حقوق المودعين، وبحجة أنهم يريدون تسيير أمور الناس، تبيّن لنا من خلال الجولات التي قمنا بها على أربع مصارف فتحت أبوابها اليوم، أن الهدف هو تسيير أمور المحظيين ليس أكثر، ما ذكّرنا بأسبوعي إقفال المصارف في بداية الثورة، بذريعة الوضع الأمني، لتبدأ عملياتها الخفية التي انتهت بهضم حقوق المودعين".

طريقة عمل المصارف الجديدة لن تحميها ولن توقف مشهد الاقتحامات، بحسب ما يؤكد علّيق، كاشفا في حديث لموقع "الحرة" عن التخطيط والتحضير لعملية جديدة مع أحد المودعين، "فهناك إصرار من قبل بعض المودعين على أخذ حقهم بالقوة، لا بل حتى على استخدام الرصاص الحي، فما رأيناه اليوم من تسلح أمام بعض المصارف سيقابله تسلح من قبل بعض المودعين، ونحن نحمّل المصارف المعتدي الأول على حقوق الناس، مسؤولية أي قطرة دم تسقط".

كما يحمّل مؤسس تحالف متحدون، القضاء اللبناني مسؤولية ما آل إليه الوضع بين المودعين والمصارف، واليوم عقد اجتماعا مع رئيس مجلس القضاء الأعلى القاضي سهيل عبود، شدد خلاله كما يقول على ضرورة "صدور قرارات قضائية سريعة تنصف أصحاب الحقوق وتخفف من حدة احتقان وغضب المودعين".

تستأنف مصارف لبنان عملها وسط تحديات أمنية تعيق عملها في ظل حالة السخط من الإجراءات التي تمع المودعين من التصرف بمدخراتهم

على الرغم من عدم إنكاره حق المودعين المقدّس باستعادة أموالهم إلا أن عجاقة يرفض اللجوء إلى القوة والعنف كوسيلة للوصول إلى الهدف، ويشرح في حديث لموقع "الحرة"، "لا يمكن تبرير التهديد بالسلاح وحجز الرهائن بأي شكل من الأشكال، كذلك لا يمكن تبرير سكوت الحكومة اللبنانية الظالم والقاهر على تجاوزات المصارف في حق المودعين أو تغاضيها عن تحصيل هؤلاء حقهم بأيديهم، وهذا أمر خطير جدا قد انسحب على قطاعات أخرى، فلنتخيل أن الأمر وصل إلى علاقة المالكين بالمستأجرين، وغيرها من مظاهر تفلت الدولة".

الحل الوحيد

عقب الاجتماع الطارئ الذي عقده وزير الداخلية والبلديات اللبناني، بعد موجة اقتحامات المصارف، اتهم في تصريح "جهات" بدفع الناس إلى تحركات ضد المصارف، لافتا إلى أنه لا يمكنه الإفصاح عن التفاصيل لسرية التحقيق ونتعامل بحكمة مع الموضوع، "هدفنا حماية البلد والمودعين ولا يجب أن يدفع أحدهم المودع للإضرار بالوضع الأمني في البلد، وتشددنا بالإجراءات الأمنية ليس هدفه حماية المصارف وإنما حماية النظام اللبناني".

وأشار مولوي إلى أن "مدّعي عام التمييز اتّخذ إشارة خطية حول هذا النوع من التصرفات والقوى الأمنية كان لديها قرار بالتشدد بتطبيق القانون لحماية كل البلد".

لم تترافق عودة المصارف للعمل كما يقول عجاقة مع أي تغيير في المعطيات المالية، "فهي لا تزال تسير على تعاميم مصرف لبنان، أي أن سقف السحوبات النقدية مستمر على حاله"، وتفرض المصارف اللبنانية منذ خريف 2019 قيودا  مشددة على سحب الودائع المصرفية لاسيما بالدولار الأميركي، وبعد كل هذه السنوات من الانتظار وحجز أموالهم من دون مسوغ قانوني، لم يجد المودعون أمامهم سوى استرداد حقوقهم بالقوة، لا سيما وأن الحلول التي يجري مناقشتها بين الحين والآخر كقانون "الكابيتال كونترول"، ليست بصالحهم.

يقدر مغنية قيمة الودائع في المصارف اللبنانية بمئة مليار دولار، بعد أن كانت في 17 أكتوبر 2019 تقدر بـ164 مليار دولار، في حين المتوفر الآن لدى المصرف المركزي فقط 10 مليارات دولار، إضافة إلى ثلاثة مليارات دولار تقول المصارف اللبنانية أنها موجودة في المصارف المراسلة.

مصارف لبنان ظلت مغلقة طوال الأسبوع الماضي

سبق أن وصف البنك الدولي في تقرير، الانهيار المالي الذي يشهده لبنان بـ"المتعمد وقد يكون واحدا من أسوأ ثلاثة انهيارات مالية في العصر الحديث"، وألمح إلى أن المودعين في مصارف لبنان تعرضوا لـ "مخطط بونزي" الاحتيالي الشهير، معتبرا "الشعارات السياسية حول قدسية الودائع جوفاء وانتهازية. في الواقع، فإن إساءة استخدام السياسيين لهذا المصطلح أمر قاس".

وأضاف أن "المصطلح لا يتعارض مع الواقع بشكل صارخ فحسب، بل إنه يمنع إيجاد حلول لحماية معظم، إن لم يكن كل، أصحاب الودائع الصغيرة والمتوسطة"، وأشار إلى أن "الخسائر في القطاع المالي، التي تقدرها الحكومة بأكثر من 70 مليار دولار، كان ينبغي قبولها في بداية الأزمة من قبل مساهمي البنوك وكبار الدائنين "الذين استفادوا بشكل كبير خلال 30 عاما من نموذج اقتصادي غير متكافئ للغاية".

سيدفع اللبنانيون كما يقول عجاقة ثمن عمل خطة المصارف الجديدة "ضغطا وتعقيدا إضافيا للحصول على رواتبهم وإنجاز معاملاتهم، وستنتقل الإشكالات من داخل المصرف إلى الصرافات الآلية التي ستشهد زحمة خانقة عند بداية كل شهر"، مؤكداً أن الحل الوحيد للأزمة يكمن في ضرورة بت الحكومة لموضوع الودائع، فبحسب الدستور هي من تضع السياسات وتنفذها، فأين هي من كل ما يحصل"؟!

حزب الله والسلاح الفلسطيني

لبنان يتغير.

سقط النظام السوري. خسر حزب الله حربا جديدة مع إسرائيل. والدولة تبدو جادة في سحب سلاح الحزب.

لكن يظل سلاح آخر، سلاح التنظيمات الفلسطينية في لبنان، وهو أقدم من سلاح حزب الله، وربما يكون ورقة يستخدمها الحزب في مستقبل صراعاته داخل الحدود، وخارجها، وفق محللين.

نظام سقط وجيش تحرك

بعد سقوط نظام بشار الأسد وراء الحدود، في سوريا الجارة، شن الجيش اللبناني ما سماها عملية "إجهاز" على كل المراكز المسلحة خارج المخيمات الفلسطينية، في قوسايا والسلطان يعقوب وحشمش في البقاع شرق لبنان، وهي مراكز كان يدعمها نظام الأسد.

وأعلن الرئيس اللبناني جوزاف عون أن الجيش تسلم ستة مواقع فلسطينية وضبط ما فيها من أسلحة ومعدات.

لجنة الحوار اللبناني الفلسطيني أعلنت، من جانبها، خلو لبنان من أي سلاح فلسطيني خارج المخيمات.

لكن، ماذا عن السلاح داخل المخيمات؟

موقف الحكومة واضح. البيان الوزاري الصادر في السابع عشر من أبريل أكد التزامها ببسط سيادة الدولة على جميع أراضيها "بقواها الذاتية حصراً".

لكن المحلل السياسي اللبناني علي الأمين يقول لـ"الحرة" إن السلاح وإن كان سحب بالفعل من قوات فلسطينية في المناطق اللبنانية كلها، لكن تظل هناك أسلحة في مراكز لحركتي حماس والجهاد الإسلامي في مناطق تابعة لنفوذ حزب الله خصوصاً في ضاحية بيروت الجنوبية.

ويتحدث الأمين عن خلايا لحماس والجهاد الإسلامي "تحت حصانة وإدارة حزب الله ولا تزال موجودة حتى اليوم وتعمل بغطاء من الحزب وتحت إدراته". لكن الأسلحة الموجودة في هذه المراكز من النوعية المتوسطة مثل صواريخ 107 وصواريخ كاتيوشا وبعض المسيرات.

تاريخ إشكالي

منذ عقود، وملف السلاح الفلسطيني له دور محوري في توازنات لبنان، داخليا بين أقطابه السياسية، وخارجيا في علاقاته مع الإقليم.

اتفاق القاهرة الموقع عام 1969 سمح للفلسطينين بالتسلح ضمن المخيمات، والعمل عسكريا ضد إسرائيل انطلاقاً من الأراضي اللبنانية.

بعد سنوات قليلة، عام 1975، كان الاتفاق فتيلة أخرى أدت لانفجار الحرب الأهلية.

وفي يونيو 1987، وقع الرئيس اللبناني أمين الجميل، قانوناً يلغي اتفاق القاهرة مع منظمة التحرير، بعدما صوت البرلمان اللبناني على إلغائه.

لكن ظل السلاح الفلسطيني موجوداً. وخاض فلسطينيون معارك ضد جهات لبنانية وغير لبنانية. لكن دوره في المعارك مع إسرائيل ظل محدودا بعد ما استأثر بها حزب الله منذ بداية الثمانينات.

يعيش في لبنان، حسب تقرير للدولية للمعلومات، حوالي 300 ألف لاجئ فلسطيني، يتوزعون على 12 مخيما، أكبرها مخيم عين الحلوة (50 ألف نسمة) قرب صيدا، جنوب لبنان.

وتنشط عسكريا في لبنان حركة "فتح"، أقدم الحركات الفلسطينية، ولرئيسها محمود عباس موقف معلن يؤيد تسليم السلاح الموجود داخل المخيمات للدولة اللبنانية ضمن خطة أمنية واضحة وضمانات لحماية المخيمات.

تنشط كذلك حركة "حماس"، وهي حليفة لحزب الله، وتعرض عدد من قياداتها لاستهداف إسرائيلي في لبنان منذ اندلاع حرب غزة، أبرزهم صالح العاروري، الذي اغتالته إسرائيل في ضربة بالضاحية الجنوبية لبيروت في الثاني من يناير عام 2024، وحسن فرحات الذي اغتيل في الرابع من أبريل 2025 في صيدا.

وفي لبنان أيضا، نشطت "الجبهة الشعبية– القيادة العامة"، وهو فصيل احتفظ بمواقع عسكرية في البقاع بدعم سوري.

وينشط أيضا تنظيمان سلفيان هما "عصبة الأنصار" و"جند الشام"، ويتركزان في مخيم عين الحلوة ويُعدان من بين الأكثر تطرفاً.

كذلك، في السنوات الأخيرة، ظهرت تنظيمات عصابية مسلحة في غير مخيم تنشط في تجارة المخدرات وغيرها من الأنشطة الإجرامية.

"خرطوشة أخيرة"

تقدر مصادر أن 90 في المئة من السلاح في المخيمات هو سلاح فردي، لكن بعض المخازن تحتوي على ذخيرة من الصواريخ.

وتتولى لجان فلسطينية أمن المخيمات.

وتؤكد مصادر فلسطينية أن الجيش يسيطر بشكل كامل على مداخل هذه المخيمات ومخارجها في المناطق اللبنانية كافة، لكن لا سيطرة فعلية له بعد داخل هذه المخيمات.

يقول المحلل السياسي علي الأمين إن السلاح الموجود داخل المخيمات أو المراكز الأمنية القليلة المتبقية خارجه مرتبط بشكل كبير بسلاح حزب الله.

يضيف "الفصائل الفلسطينية الأساسية والرئيس الفلسطيني محمود عباس لا مانع لديهم من تسليم السلاح الموجود داخل المخيمات"، لكن حزب الله والأحزاب الموالية له ترفض تسليم هذه الأسلحة للتمسك بورقة ضغط على الحكومة اللبنانية واستعمالها كـ"خرطوشة أخيرة قبل الاستسلام".

ويرى الأمين أن سحب السلاح من المخيمات مرتبط بشكل وثيق بسلاح حزب الله وأن الأخير يقوم بإدارة ومراقبة هذا السلاح خصوصاً التابع لحركتي حماس والجهاد الإسلامي الموجود داخل المخيمات وخارجها كون الحزب كان المصدر الأساسي لهذه الأسلحة في مرحلة سابقة.

شمال الليطاني

حصر السلاح بيد الدولة اللبنانية لم يعد مطلبا دوليا فقط.

على وقع قرارات دولية (1701 و1559)، وبالتزامن مع إعادة طرح قانون بايجر 6 في الكونغرس مرة ثانية في مارس 2025، أعلن الجيش اللبناني أنه ضبط منطقة جنوب الليطاني، وسيطر على أكثر من 500 هدف ونقطة كانت تابعة لـ "حزب الله".

واليوم تتجه الأنظار إلى شمال الليطاني والخطوة التالية التي ستتخذ لضبط السلاح، كل السلاح، في لبنان.