يتدحرج لبنان بشكل سريع في آتون الأزمات الاقتصادية والمالية والاجتماعية، في وقت يقف فيه اللبنانيون مدهوشين مما يحصل، طارحين علامات استفهام فيما إن كانوا قد وصلوا إلى قعر الانهيار، أم أن الذي ينتظرهم أسوأ بعد.
دخلت الأزمة الاقتصادية في لبنان عامها الرابع، من دون أي بصيص أمل للخلاص، في وقت بلغ الاحتقان الشعبي ذروته ومع ذلك لم يترجم على الأرض إلا من خلال تحركات خجولة في بعض المناطق لا تعكس صورة الثورة التي انطلقت في 17 أكتوبر 2019، حين تظاهر لبنانيون في الشارع رفضاً لإقرار ضرائب جديدة، قبل أن تتوسع دائرة الاحتجاجات لتعم مختلف المناطق، ويرتفع سقف المطالب، من الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية، إلى رحيل ومحاسبة الطبقة السياسية، تحت شعار "كلن يعني كلن".
انتقادات عدة يوجّهها لبنانيون إلى بعضهم البعض، فكل منهم يسأل الآخر عن أسباب صمته في الوقت الذي يجب فيه رفع الصوت وإعادة إحياء نبض الشارع مع تفاقم الأمور، لا سيما مع وصول سعر صرف الدولار إلى رقم "جنوني"، وما أسفر عنه من تضخم طال كافة الأسعار والسلع، واتساع رقعة البطالة والفقر وانسداد الأفق في ظل عدم انتخاب رئيس للبلاد وتشكيل حكومة لإدارة البلد.
وكانت منظمة "هيومن رايتس ووتش'' أشارت في تقرير، تحت عنوان "تزايد الفقر والجوع وسط الأزمة الاقتصادية في لبنان" إلى أن غالبية سكان لبنان عاجزون عن تأمين حقوقهم الاجتماعية والاقتصادية وسط أزمة اقتصادية متفاقمة، حيث تتحمل الأسر ذات الدخل المحدود العبء الأكبر.
كما سبق أن قدّرت الأمم المتحدة في أواخر العام 2021 أن قرابة 3.28 مليون شخص، دُفعوا إلى فقر الدخل منذ بدء الأزمة الاقتصادية في لبنان عام 2019. وازداد الوضع سوءا بالنسبة للآخرين الذين كانوا أصلا يعانون لتأمين حقوقهم الاقتصادية الأساسية، بما في ذلك الحق في الغذاء، أو التعليم، أو الرعاية الصحية.
مشهد إعادة قطع الطرق في بعض المناطق اللبنانية في الأيام الأخيرة اتخذ أسباباً عدة، على رأسها السبب المعيشي، إضافة إلى اعتصامات أهالي شهداء انفجار مرفأ بيروت رفضاً لاستكمال التحقيق في الملف حتى كشف الحقيقة ومعاقبة المتورطين، والاحتجاجات أمام المجلس النيابي تضامناً مع النواب المعتصمين داخله للضغط على التيارات السياسية لانتخاب رئيس للجمهورية.
انقسام الآراء
يشير بعض المعنيين بالشأن العام إلى أن هناك محاولات لإعادة إحياء ما يطلق عليها البعض "ثورة"، لكن الحقيقة كما يقول عضو "لقاء صور للتغيير"، حاتم حلاوي، إن "النقاش يدور بين الثوار بشأن النزول إلى الشارع من عدمه، حيث هناك انقسام بين الناشطين".
ويشرح في حديث لموقع "الحرة" أن "مؤيدي النزول إلى الشارع يعتبرون أن الفرصة مؤاتيه لبث النبض إلى "الثورة" من جديد، في حين يرى المعارضون أن مناصري الأحزاب هم من يقومون بالتحركات في هذه الفترة رافعين شعارات مطلبية حياتية آنية، واعتراضهم قد يكون بمثابة رسائل سياسية، أما مطلب "الثوار" فهو تغيير المنظومة الحاكمة، باعتبار أن الأزمة الاقتصادية وارتفاع سعر صرف الدولار، وما ترتب عنه، نتيجة وليس سبباً".
اللجوء إلى الاحتجاجات الآن سيؤدي، وفق حلاوي، إلى انقسام، لاسيما في حال تم رفع شعار "كلن يعني كلن".
ويوضح: "على سبيل المثال من أقدم على قطع الطرق بإحراق الإطارات هم رعاة الأحزاب الذين سبق أن أطلقوا النار على حفل إطلاق لائحة "معاً للتغيير" التي كنت مرشحاً عليها للانتخابات النيابية، فالحزب الذي أمّن الغطاء لهؤلاء لقطع الطريق هو ذاته الذي أمّن لهم غطاء إطلاق النار في السابق، كما أنه لدينا مخاوف من أن تستغل أحزاب المنظومة نزولهم بادعاء وجود مؤامرة لتغيير النموذج اللبناني والطائفي".
ومع ذلك، لا يعتبر حلاوي أن مطالبة مناصري الأحزاب بتحسين الوضع الاقتصادي أمراً مخطئاً، "لكن بناء منظومة جديدة يستوجب هدم المنظومة الحالية، وبالتالي آخر من يفترض بهم النزول إلى الشارع هم الثوار، حيث عليهم انتظار تآكل المنظومة الذي بدأ فعلياً مع انهيار القطاع العام، لكن الأمر يحتاج إلى وقت قد يصل إلى سنوات، وذلك حتى ولادة جيل جديد يتمتع بتفكير ورؤى مختلفة ويمتلك القدرة على إنتاج نظام حكم مختلف، مع العلم أن مطلبنا ليس إنهاء الأحزاب، بل تغيير إدارة الحكم".
بعض "الثوار" دفع ثمنا باهظا، بينهم جاد إسطفان، الذي أصيب في اليوم التالي لاندلاع الاحتجاجات إصابة مباشرة بقنبلة مسيلة للدموع هشمت عظام وجهه، وأفقدته البصر في عينه اليسرى، فارضة عليه الدخول في دوامة العلاج الذي استدعى الخضوع لعدة عمليات جراحية على مدى سنة ونصف السنة، ورغم كل معاناته فإنه لا يندم يوما كما يقول على رفعه الصوت احتجاجا على المنظومة الحاكمة، التي أوصلت الشعب اللبناني إلى الخراب.
أسباب عدة دفعت جاد للمشاركة في التحركات، على رأسها الصور التي انتشرت للبنانيين لجأوا إلى القمامة بحثاً عن بقايا الطعام، ويقول لموقع الحرة" "لم يكن الواتساب سوى القشة التي قصمت ظهر البعير، فما عايشناه على مدى السنوات التي سبقت 17 تشرين الأول كانت كفيلة بأن يصل الشعب إلى لحظة الانفجار والمطالبة بالتغيير".
ويضيف "قد يتساءل البعض لماذا لا يتحرك الثوار الآن رغم كل الظروف الصعبة التي يمر بها البلد، الجواب على ذلك هو خشية البعض من تكرار ما حصل أي تسلل الأحزاب إلى الثورة والتمكن من إنهائها، واستسلام البعض الآخر منذ الجولة الأولى، في حين يرى البقية أن الثورة كانت شرارة التغيير الذي يجب ان يستكمل من خلال الانتخابات النيابية، وإذا لم يترجم ذلك بشكل كبير خلال الانتخابات فذلك لأن الوصول إلى الهدف يحتاج وقتاً، والأمل معلّق على الانتخابات القادمة والتي تليها".
المعاناة التي مر بها جاد لم تدفعه يوما إلى التفكير بالهجرة، فهو يؤمن بأن على الشباب اللبناني ألا ينتظر ما يقدّمه وطنه له بل أن يعمل هو من أجل وطنه، ويشدد "نحن جيل المستقبل الذي سيصنع التغيير والذي سيستجيب القدر لإرادته للحياة".
وسبق أن أشارت "هيومن رايتس ووتش" إلى أن "القوات الأمنية اللبنانية استعملت قوّة مفرطة، وفي بعض الأحيان فتّاكة، ضد متظاهرين سلميين بأغلبهم" شارحة "أطلقت القوات الأمنية الذخيرة الحية، والكريات المعدنية (الخردق)، والمقذوفات ذات التأثير الحركي مثل الرصاص المطاطي، كما أطلقت كميات مفرطة من الغاز المسيل للدموع. صُوّبت عدة قنابل غاز مسيل للدموع مباشرة على المتظاهرين، فأصابت بعضهم في الرأس والعنق".
استنزاف الثوار
انكفاء "الثوار" عن التحركات يقف خلفه، كما يقول رئيس مجموعة "الشعب يريد إصلاح النظام"، المحامي حسن بزي، أسباب عدة، منها "عدم القدرة على تحمّل بدلات النقل، فالعدد الأكبر من الذين شاركوا في الثورة من مناطق بعيدة عن العاصمة بيروت، وفي ظل ارتفاع نسبة البطالة وعدم تحسين رواتب القطاع العام والخاص كما يجب، فإن التنقل من منطقة إلى أخرى مرهق مالياً".
ومن الأسباب كذلك "سياسة التجويع المتعمدة من قبل السلطة، التي بدّلت أولويات المواطنين، فقد أصبح همّ رب العائلة تأمين لقمة عيش أولاده وحليب أطفاله والدواء وفاتورة الاستشفاء، إضافة إلى عدم وضوح مشروع التغييريين، منذ تحركات العام 2011 ثم حراك 2015 ثم انتفاضة 17 تشرين، ففي كل تحرك على الأرض تختلف غالبية مجموعات الثورة مع مجموعات احزاب 14 اذار التي تشارك في الشارع على الشعارات، ما يؤدي إلى النفور بينهما واعتبار كل طرف أن الاخر يهدف إلى تحقيق اجندة سياسية، وعلى سبيل المثال ملف انفجار مرفأ بيروت، الذي لا يجد حاضنة وطنية أكبر لأن بعض الأحزاب تريد أن تسجل نقاطاً سياسية بعيدة عن الغاية الأساسية".
كما أن التحفيز الطائفي له دور كبير في انكفاء الناس عن النزول إلى الشارع بحسب بزي "ففي غياب المشروع التغييري الواضح يعود الكثيرون إلى مشروعهم الطائفي والمذهبي، فهم يؤمنون بالطائفة قبل الوطن وقبل مستقبل أطفالهم، من دون أن ننسى أن التظاهرات تحتاج إلى قدرة تمويلية لتأمين تنقلات المواطنين وطعامهم وتنظيمهم، ونحن لسنا كأحزاب السلطة التي لا تنفي ارتباطها بالسفارات".
يضاف إلى ذلك، كما يقول المحامي لموقع "الحرة"، إن "جزءا كبيراً من الشعب اللبناني غير مثقف اقتصاديا، أي أن من يحصل على مبلغ زهيد بالعملة الصعبة يتمنى ارتفاع سعر صرف الدولار من دون أن يدرك أن قيمة ما يمتلكه ستتآكل نتيجة تضخم الأسعار، عدا عن تشتت الأفكار والمجموعات، وسيطرت الأحزاب بعد الثورة على الشارع، كل هذه الأسباب مجتمعة أدت إلى حالة من الهزيمة النفسية والاستسلام لدى الكثيرين، ولهذا لا أستشعر في الوقت الراهن أي انتفاضة في المدى القريب".
أما الناشط جمال ترو فيرى أن القمع الذي تعرض له الثوار من الأسباب الرئيسية لانكفائهم عن الشارع، إضافة إلى هجرة معظمهم، "فعدد المهاجرين من لبنان خلال العامين الماضيين يفوق عدد الذين هاجروا خلال الحرب الأهلية، والأهم من ذلك هو الوضع الاقتصادي المزري وارتفاع بدلات التنقل من الشمال والبقاع والجنوب إلى المنطقة المركزية للثورة أي العاصمة بيروت".
وسبق أن أشار تقرير لـ "الدولية للمعلومات" إلى أن عدد المهاجرين والمغادرين من لبنان وصل "منذ بداية العام 2022 وحتّى منتصف شهر أكتوبر 2022 إلى 42,199 شخصاً مقارنة بـ 65,172 شخصاً للفترة عينها من العام 2021، أما في الفترة ما بين 1992- 2022، حتّى منتصف شهر أكتوبر، فوصل العدد إلى 815,410 أشخاص، أي بمتوسط سنوي 27,180 شخصاً".
يعطي جمال لمحة عن المعاناة التي يعيشها اللبنانيون "فمنهم من يعجز عن تزويد سياراته بالوقود لإيصال أولاده إلى المدرسة، ومنهم من لا يملك ثمن ربطة خبز، وفي ظل التدهور المعيشي أصبحوا يعيشون كل ساعة بساعتها وليس كل يوم بيومه، نتيجة تقلبات سعر صرف الدولار".
استُنزف الثوار، كما يشدد ترو في حديث لموقع "الحرة"، "ضرب ومخاطرة بالأرواح، فقد قدمت الثورة عدداً من الشهداء إضافة إلى مئات المصابين، كما أن من الثوار من طرد من وظيفته بسبب مشاركته في الاعتصامات" ويشدد "باختصار لا نملك مقوّمات المواجهة التي تمتلكها المنظومة من جيش وقوى أمنية وقضاء واموال وعتاد ورجال دين يفتون لها".
ارتفع معدل البطالة في لبنان من 11.4% في فترة 2018-2019 إلى 29.6% في يناير 2022، بحسب مسح لإدارة الإحصاء المركزي، مما يشير إلى أن ما يقارب ثلث القوى العاملة الناشطة كانت عاطلة عن العمل في يناير 2022.
فقدان "العصب"
كانت الثورة حالة اعتراضية مفاجأة للجميع وهذا ما دفع حتى المترددين إلى المشاركة بها، بحسب ما يصف الصحفي والناشط السياسي، مهدي كريم، قائلاً "أمل الثوار بالتغيير كان كبيراً، لكن الخيبات المتتالية إضافة إلى الوضع الاقتصادي أديا إلى انكفائهم، إلا أنه من المؤكد أن الأغلبية الصامتة المعارضة ستزيد وتكبر مع الأيام".
ويشرح لموقع "الحرة": "كما هو معروف التغيير تصنعه الطبقة الوسطى وليست الفقيرة التي أقصى همها تأمين قوت يومها، وبما أن الانهيار قضى على هذه الطبقة لم نعد نلمس اهتمام المواطنين بالشأن العام، كما أن عامل الهجرة لعب دوراً، حيث فقدت التحركات جزءا كبيراً من عصبها، إضافة إلى اعتبار بعض الثوار أنهم تمكنوا من إيصال صوتهم إلى المجلس النيابي من خلال العملية الانتخابية".
كريم واحد من الناشطين الذين قرروا الهجرة، لكن ذلك لا يعني، بحسب ما يشدد، أنه أصبح خارج اصطفاف الثورة ويقول "الوضع الاقتصادي أجبرني على اتخاذ هذا القرار، فالبقاء في لبنان لم يعد يحتمل، كما أنه ربما حان الوقت للبحث عن أدوات جديدة للتغيير، منها ترك هذا النظام يتخبط وحده حتى يسقط".
وسبق الناشط في حراك "شباب 17 تشرين" سعد ضاوي، كريم في الهجرة، حيث غادر وعائلته لبنان إلى كوت ديفوار، ويقول "شعرت أن البقاء في وطني في ظل هكذا وضع إضاعة للوقت، وأن التغيير من الخارج يمكن أن يساعد أكثر"، معتبراً أن السبب الرئيسي لعدم رفع الثوار الصوت في هذه المرحلة رغم كل الظروف التي يمر بها البلد هو "هجرة عدد كبير منهم، ونجاح السلطة السياسية في إلهاء اللبنانيين في قضايا عدة ،من الغاز والبترول، إلى الكهرباء والمازوت والدولار، وذلك بعد أن نجحت في إنهاء التحركات التي تمت شيطنتها من قبل معظم الأحزاب السياسية حين وجد أن الأمور بدأت تخرج عن السيطرة".
المشكلة الأساسية لا تكمن، بحسب ضاوي، في عدم تحرك اللبنانيين، بل كما يقول لموقع "الحرة" "في عدم فهمهم حتى الآن لتركيبة هذه السلطة ومخططها وكيفية عملها، فمنذ سنوات طويلة تعمل على تجويع المواطنين، وبعد انهيار البلد تطمح الآن إلى تقسيمه، ومن هنا أصبحنا نسمع الحديث عن الفيدرالية، فلم يعد هناك ما يمكن للزعماء تقاسمه فيما بينهم، بالتالي وجدوا أن خيار التقسيم مناسب أكثر لهم".
نجاحات ثانوية
لم تحقق الثورة هدفها المتمثل بإسقاط الطبقة الحاكمة، إلا أنها نجحت، بحسب حاتم "في إحداث وعي يجب أن يبنى عليه، وهو اسقاط هالات زعماء، منهم حسن نصرالله ورئيس مجلس النواب نبيه بري، حيث أصبحا في مرمى الانتقاد، بعد أن كان ذلك من المحرمات، ومعظم المحيطين بالسياسيين باتوا يدركون أنهم فاسدون، لكنهم مستمرون بدعمهم، كونهم مستفيدون منهم ولو بالفتات، وحين لا يحصلون على منافعهم، من المؤكد أنهم سيبحثون عن بديل".
لا ينفي حاتم أن قدرة التغييريين على الحشد متواضعة في مقابل قدرة الأحزاب على ذلك، وبرأيه أن نقطة ضعف الثورة تكمن في عدم توصلها إلى رؤية موحدة، فقسم من الثوار يعتبرون أن سلاح حزب الله المشكلة الرئيسية، أما القسم الآخر فيعتبر أن المشكلة تكمن في المنظومة الحاكمة ككل، لافتا إلى أن الأمل كان بوصول عدد أكبر من النواب التغييريين إلى المجلس النيابي".
أما بزي فيعبّر عن رضاه عن نتائج الانتخابات النيابية، ويقول "عدد الأصوات التي نالها مرشحو التغيير، سواء الذين عبروا الى المجلس النيابي أم لم يعبروا، يعادل 40% من مجموع الذين أدلوا بأصواتهم، مما يثبت أن اللبنانيين يؤمنون بأن البديل أفضل من هذا الطبقة التي تسيطر ولا تزال على الحكم منذ ما يزيد عن الثلاثين سنة، لكن المشكلة في القانون الانتخابي فلو جرت الانتخابات على أساس الدوائر الكبيرة لحصد التغييريون نحو 30 مقعداً".
الأهم من عدد النواب التغييريين الذين وصلوا إلى المجلس النيابي، بالنسبة لجاد، هو "اختفاء وجوه سياسيين اعتدناها تحت قبة البرلمان"، في حين يرى ضاوي أن "النواب التغييريين ليسوا على قدر الآمال، فهم لا يمانعون دعم بعض الأحزاب بدلا من مواجهة كل المنظومة من دون أي استثناء، معتبرين أنهم بذلك يمكنهم إحداث تغيير ما، لكن الحقيقة أن الأمر يحتاج إلى مرحلتين أو ثلاث من الانتخابات لإيصال أكبر عدد من النواب التغييريين"، ويشدد: "عدد كبير من المعارضين لم يدلوا بأصواتهم في الانتخابات، نتيجة ألاعيب السلطة، ومنها على سبيل المثال ما حصل في فرنسا، حيث اختيرت مراكز الاقتراع بعيدة جداً عن أماكن سكن الناخبين".
لا ضوء في النفق
حمّلت الأمم المتحدة القادة السياسيين والماليين في لبنان مسؤولية "الأعمال المدمرة التي دفعت معظم سكان البلاد إلى الفقر، في انتهاك للقانون الدولي لحقوق الإنسان".
وقال مقرر المنظمة الأممية الخاص، المعني بالفقر المدقع وحقوق الإنسان، أوليفييه دي شوتر، "لقد تم دمج الإفلات من العقاب والفساد وعدم المساواة الهيكلية في نظام سياسي واقتصادي فاسد مصمم لإخفاق من هم في القاع، ولكن لا يجب أن يكون الأمر كذلك."
وأضاف الخبير المستقل "كانت المؤسسة السياسية على علم بالكارثة التي تلوح في الأفق لسنوات لكنها لم تفعل شيئاً يذكر لتلافيها. حتى أن الأفراد المرتبطين جيداً قاموا بنقل أموالهم إلى خارج البلاد، بفضل الفراغ القانوني الذي سمح بتدفق رأس المال إلى خارج البلاد. يجب البحث عن الحقيقة والمساءلة من باب حقوق الإنسان".
يتجه الوضع في لبنان من سيء إلى أسوأ، كما يشير بزي، إذ إن "كل القراءات الإقليمية تؤكد أن لا حلول في الوقت الراهن، سواء لجهة التوصل الى اتفاق حول رئيس للجمهورية وتشكيل الحكومة، أو استعادة أموال المودعين التي تبخرت، وصولاً إلى اقرار قانون استقلالية السلطة القضائية لمحاكمة ومحاسبة السلطة المجرمة".
اللبنانيون محكومون، بحسب ما يشدد ترو "من قبل عصابة، لا إنسانية ولا ضمير ولا وجدان لدى أفرادها، يمارسون نظاماً قمعياً استبدادياً، يلعبون على الوتر الطائفي والمذهبي والمناطقي لشد عصب أتباعهم، حتى في أكثر الملفات إنسانية، أي انفجار المرفأ، لم يتعاطوا مع القضية باعتبارهم رجال دولة بل كميليشيا، وفوق هذا يتهمون أهالي الشهداء بمحاولة إثارة فتنة فيما لو استمروا بالمطالبة بإبقاء الملف في عهدة القاضي طارق البيطار، تماماً كما اتهموا الثوار بأنهم سبب انهيار النظام المصرفي نتيجة إغلاقهم الطرق لنحو أسبوعين، فأي نظام مالي هذا الذي ينهار خلال ايام"؟!
ويرى ترو أن "السلطة السياسية تنتظر تسوية خارجية لانتخاب رئيس للجمهورية، لتحقيق المزيد من المكاسب، لكن القراءة الواقعية تؤكد أن لا أحد من الدول يهتم بما يحصل في لبنان، وإذا لم يتحد اللبنانيون جميعاً لمواجهتها ستمعن أكثر في فسادها"، ويشدد على أن "الشعب الذي لا يحاسب لن يقيم له أحد حسابا، من هنا عليه أن ينتفض وان لم يترك السياسيون له شيئاً ليقاتل من أجله بعدما دمروا كل القطاعات".
من جانبه يختم بزي "طالما أن جزءا كبيراً من اللبنانيين متقوقعون ضمن الطائفة ومنبطحون لزعيمهم، فان النهضة ستستغرق وقتاً كون المواجهة تكمن بين منظومة طائفية مدججة بالسلاح ومواطنين سلاحهم الفكر والقلم الذي يعبّرون من خلاله عن أوجاعهم وآرائهم السياسية".