سرير في مستشفى - صورة تعبيرية. أرشيف
سرير في مستشفى - صورة تعبيرية. أرشيف

فيما يحيي العالم في الرابع من فبراير، اليوم العالمي لمرضى السرطان، كوقفة تحية لهم ودعم لمسيرة محاربتهم للمرض، يتشح مرضى لبنان بالسواد حزنا على واقعهم وحداداً على من رحل منهم، وهم في طريقهم للاعتصام والاحتجاج للمطالبة بأبسط حقوقهم البديهية في الحصول على الأدوية وتلقي العلاج اللازم.

"رفضاً للمجزرة" هو الشعار الذي رفعته جمعية "بربارة نصار" التي تعنى وتهتم بمرضى السرطان في لبنان، لتحركها وسط بيروت في ساحة رياض الصلح، والذي يأتي في وقت يعاني فيه مرضى السرطان في لبنان من انقطاع في الأدوية من جهة، وارتفاع هائل في أسعارها من جهة أخرى، جعلهم عاجزين عن تأمينها أو تأمين ثمنها.

ودعت الجمعية المشاركين للبس اللون الأسود حداداً على من رحل من مرضى سرطان في الفترة الماضية بسبب الصعوبات التي عانوها في الوصول إلى أدويتهم.

وما زاد من واقع المرضى سوءاً، إعلان أكثر من جهة عن توجه لدى مصرف لبنان، لرفع دعم جزئي عن أدوية السرطان، من خلال إخضاعها كغيرها من السلع، لسعر الصرف الرسمي الجديد الذي أقره قبل أيام، 15 ألف ليرة للدولار بدلاً من 1500 ليرة، ما يعني مضاعفة أسعار الأدوية عشر مرات بالنسبة إلى المريض.

الإجراء زاد من إصرار جمعية "بربارة نصار" على التحرك في الشارع ورفع الصوت رفضاً له، وفق ما يؤكد رئيس الجمعية، هاني نصار، الذي يرى في هكذا خطوة، "حكم على المرضى بالموت، فمن كان يتكلف 10 ملايين ليرة في الشهر ستصبح فاتورته 100 مليون، هل يعقل ذلك؟ فليعلقوا مشانقنا أسهل، لما كل هذا العذاب؟".

"لا نريد أن نموت"

وكان مقطع مصور قد لاقى انتشاراً واسعاً على مواقع التواصل الاجتماعي في لبنان خلال اليومين الماضيين، ويظهر مريضة سرطان في المستشفى مقطوعة من دوائها لأكثر من 7 أيام، تتحدث عن معاناتها والألم الذي تكابده، لافتة إلى توفر الدواء لدى وزارة الصحة فيما تؤخر الخلافات السياسية وصوله إلى المستشفى.

ورفعت المريضة صرخة نيابة عن كافة مرضى السرطان في لبنان قالت فيها "لا نريد أن نموت"، وهو ما أثار موجة تضامن كبيرة معها ومع مرضى السرطان في لبنان على مواقع التواصل الاجتماعي، في ظل ما يواجهونه من إهمال وتحديات، وساهم في انتشار المقطع على نطاق واسع اضطرت بعده وزارة الصحة لإصدار بيان توضيحي.

وقالت الوزارة إن "تأخيراً حصل في تسليم دواء المريضة، نانسي رفول، من الشركة، ما دعا الوزارة للتواصل معها لتسريع عملية التسليم، موضحة أنه تم تسليم الدواء إلى المستشفى، حيث تتلقى المريضة علاجها".

ومن المرجح أن يصبح العجز عن تأمين الدواء حالة عامة لدى مرضى السرطان في لبنان، إذا ما سلك قرار رفع الدعم، وهو ما يضع 30 ألف مريض في دائرة الخطر، ويجعل العلاج في لبنان حكراً على من يملك ما يكفي من المال، وفق ما يؤكد رئيس لجنة الصحة النيابية في البرلمان اللبناني، بلال عبد الله.

وعلى الرغم من تطمينات وزير الصحة اللبناني، فراس الأبيض، في تصريحاته الإعلامية إلى عدم اتخاذ قرار رفع الدعم، يشير عبد الله في حديثه لموقع "الحرة" إلى وجود "نية واضحة بالتوجه لرفع الدعم جزئيا عن أدوية مرضى السرطان، وللأسف هذا بحد ذاته كارثة، لا زلنا نحاول مع مصرف لبنان، أن يمنح استثناءً لهذه الأدوية، لكننا لم نحصل على جواب رسمي بعد، ولا أرى أنهم تراجعوا عن هذه النية".

وكان قد سجل لبنان بحسب تقرير نشره "المرصد العالمي للسرطان" المنبثق عن منظمة الصحة العالمية في مارس 2021، 28,764 إصابة بمرض السرطان خلال السنوات الخمس الأخيرة، بينهم 11600 حالة عام 2020.

فيما يلفت نصار إلى أن آخر إحصاء لوزارة الصحة عام 2016، بين أن لبنان يسجل كل عام زيادة 12 ألف مريض بالسرطان، مؤكداً أن الأعداد اليوم "أكبر بكثير".

وسبق أن أشارت "الوكالة الدولية لأبحاث السرطان"، التابعة لمنظمة الصحة العالمية، عام 2018، إلى أن لبنان احتل المرتبة الأولى بين دول غربي آسيا، بعدد الإصابات قياساً بعدد السكان، وأن هناك 242 مصابا بالسرطان، بين كل 100 ألف لبناني.

من المسؤول؟

يحمل رئيس لجنة الصحة النيابية المسؤولية كاملة للمصرف المركزي، مؤكداً أن "كل من رئيس الحكومة ووزير الصحة ووزير المالية ولجنة الصحة النيابية لديهم الرأي والمقاربة نفسها لقضية مرضى السرطان، إلا أن المصرف المركزي من ينفذ"، داعياً إياه إلى استثناء أدوية السرطان من بين السلع الخاضعة لسعر الصرف الجديد.

من جهته يسأل نصار، "حين يقول لنا المسؤولون أن هناك توجه لرفع الدعم، أين يكون هذا التوجه؟ هل فعلاً مصرف لبنان وحده المسؤول عن ذلك؟ كيف لشخص واحد في لبنان أن يتحكم بحياة المرضى إلى هذا الحد، هذا الأمر غير قابل للتصديق، هناك منظومة ونظام معين، وهناك حكومة لبنانية يجب أن تأخذ قراراً، إذ لا يجوز أن يكون حاكم مصرف لبنان هو الآمر الناهي فقط، أضف إلى ذلك فإن النواب هم في النهاية يمثلون نفس الجهات السياسية المشاركة في الوزارات، وفيما تُصرف عشرات الملايين من الدولارات من أجل دعم منصة صيرفة وإجراءات مصرف لبنان، من شأن هذه الملايين أن تؤمن أدوية مرضى السرطان لأشهر مقبلة، حيث تكلف شهريا 35 مليون دولار، فيما أضعاف هذا الرقم تصرف على سياسات مالية عشوائية.

إلا أن عبد الله يصرّ على أن القرار في هذه القضية يعود للمصرف المركزي، فهو الذي رفع سعر وأخضع كل السلع له، وهو يحدد تسعيرة صيرفة وكمية الدولار بالسوق، فيما القرار الوحيد للحكومة اللبنانية هو تحديد المبلغ الذي يصرف، ويبلغ اليوم 30 مليون دولار، وهو لا يزال غير كاف لتلبية كامل حاجة المرضى للأدوية.

ووفق منظمة التجارة الدولية، "يستورد لبنان نحو 80 في المئة من منتجاته الصيدلانية، وينفق أكثر من مليار دولار سنوياً على فاتورته الدوائية. وبحسب الجمارك اللبنانية، بلغ إجمالي واردات الأدوية إلى لبنان 900 مليون دولار في عام 2021".

انعدام للحلول

يرى عبد الله أن دور الحكومة في هذه الحالة هو أن تضغط وتفرض على مصرف لبنان، استثناء أدوية السرطان، "وإلا فما من طريقة أخرى، فلا المستشفيات قادرة على تغطية فرق السعر الذي ضرب بـ 10 مرات لاسيما وأن المستشفيات تنتظر وقتا لاستعادة أموالها من الدولة والمصارف وبالتالي ما يزيد من الأعباء والتهديدات التي تلحق بالقطاع الاستشفائي في لبنان.

ويتابع من جهة أخرى أن الشركات التي تستورد الأدوية "بات عليها ديون للشركات الموردة في الخارج بنحو 200 مليون دولار، لا يتم تسديدها، وبالتالي المشكلة باتت من جهتين، في حين أن كل مجموع التوفير الذي يسعون إليه من خطوة رفع الدعم عن أدوية السرطان يقارب الـ 5 مليون دولار، فبدلا من 30 يريدون دفع 25، وبالتالي الموضوع لا يستحق كل ذلك".

بالنسبة إلى نصار "إن كانت الجهات الضامنة قادرة على تغطية فرق التكاليف بعد رفع الدعم، فليفعلوا ما يريدون، ولكن ليس مهمة المريض أو الفرد أن يؤمن هو ثمن دوائه، هذا لا يحصل في أي دولة في العالم، يريدون رفع الدعم فليؤمنوا في المقابل إمكانية لدى الجهات الضامنة أن تعوّض، وليس باعتبار أرواحنا رخيصة، فلتوفر الحكومة من السمسرات والفساد والنهب القائم، وإن أرادت الحكومة توفير الأموال باستطاعتها ذلك، فليست مهمة مريض السرطان أن يفعل ما على المسؤولين فعله".

وحول ذلك يكشف عبد الله أنه جرى الحديث عن آلية تسدد فيها الدولة الفارق المترتب عن رفع سعر الصرف بحيث تدفع عن المريض 13500 ليرة لكل دولار ويسدد هو وفق سعر 1500 ليرة، "ولكن المشكلة هي الآلية التي سيتم اعتمادها وكيف ستسير بالوضع السياسي القائم حاليا في البلاد، كيف سيتم فتح اعتمادات؟ هذه تحتاج إما لمرسوم مجلس وزراء أو قانون مجلس نواب، والجهتين اليوم لا تجتمعان بفعل الفراغ الرئاسي القائم في البلاد، وكلما حصل حديث عن اجتماع حكومي ترفع بطاقة صلاحيات الرئيس وتهديدها وندخل في سجال سياسي آخر، وبالتالي واقع البلاد اليوم لا يسمح بكثير من الحلول إلا ما هو واقعي".

تقاعس باعتراف الجميع

وكانت منظمة العفو الدولية اعتبرت، في شهر ديسمبر الماضي، أن "السلطات اللبنانية تتقاعس عن حماية الحق في الصحة والحياة للمواطنين، في خضم أزمة مستمرة جعلت المرضى غير قادرين على تحمل تكاليف الأدوية الأساسية، أو الحصول عليها".

وأضافت المنظمة أنه "رغم إدراك الحكومة لضرورة رفع الدعم، فهي تقاعست عن وضع خطة حماية اجتماعية لضمان استمرار توفر الأدوية الأساسية".

وسبق للأمم المتحدة أن حذرت، في سبتمبر الماضي، من أن 33 في المئة من الأسر في لبنان أصبحت محرومة من الرعاية الصحية، كما ارتفعت نسبة الأسر غير القادرة على الحصول على الدواء إلى أكثر من النصف".

كما حذرت منسقة الشؤون الإنسانية للأمم المتحدة في لبنان، نجاة رشدي، من عدم تقديم الأدوية لعلاج مرضى السرطان معتبرة أنه "بمثابة حكم الإعدام بحقّهم"، وحثت جميع الجهات المعنية على "التعامل مع هذه الأزمة على أنها حالة طارئة تستدعي خطوات سريعة وحاسمة لإنقاذ الأرواح".

ومن هذه الناحية يؤكد رئيس لجنة الصحة النيابية أن "كل مريض يتضرر أو يتوفى بسبب عدم تلقي العلاج، سنكون إلى جانب أي دعوى قضائية تحمّل المسؤولية للمصرف المركزي، لأنه من غير المقبول أن نوافق أو نغض النظر عن هذا الموضوع".

من جهته يختم نصار آسفاً لكون دول العالم تكرم اليوم مرضى السرطان، وتشد على أيديهم دعماً لهم لتقويتهم وتقديم شهاداتهم لغيرهم، "فيما نحن في لبنان للأسف نتوجه لنعي مرضانا ونكرم من توفي منهم، الذين كانوا ضحايا انقطاع دواء السرطان وليس السرطان نفسه".

 

نازحون على شاطئ البحر في بيروت
نازحون على شاطئ البحر في بيروت

على شاطئ الرملة البيضاء في بيروت، تجلس "أم محمد" على كرسي بلاستيكي أمام خيمتها، تحدق في الأفق بعيون يملؤها الحزن، تبدو كأنها تغرق في أمواج الحياة المتلاطمة. بصوت خافت تقول "من بيتي المتواضع إلى هذه الخيمة... هكذا تبدّلت حياتنا بين ليلة وضحاها. البحر الذي كان رمزاً للأمل، أصبح الآن مرآة تعكس مأساتنا".

لم تكن "أم محمد" على الشاطئ للاستجمام كما هو معتاد، بل دفعها النزاع بين حزب الله، المصنف جماعة إرهابية، وإسرائيل إلى النزوح من منزلها في الضاحية الجنوبية، فمع تصاعد القصف على معقل الحزب في حارة حريك، اضطرت للفرار مع عائلتها سيراً على الأقدام، تاركة خلفها أغراضها وذكريات.

وتقول المرأة الهادئة التي رسم الزمن تجاعيده على وجهها، حيث تختبئ خلف كل خط حكاية من الصبر والتحمل، "نزحنا يوم القصف المرعب حين جرى اغتيال أمين عام حزب الله حسن نصر الله، قضينا ليلتنا الأولى في العراء على الشاطئ، وفي الصباح ذهبنا إلى طرابلس بحثاً عن منزل للإيجار، لكن الأسعار كانت خيالية، ولم نجد مأوى في مراكز الإيواء المكتظة، فعدنا إلى بيروت ونصبنا خيمتنا هنا".

تروي "أم محمد"، لموقع "الحرة"، كيف تحولت الخيمة التي نصبها أبناؤها بأدوات بسيطة من بطانيات وأقمشة إلى ملاذ هش في مواجهة معاناة أكبر، وتقول "الحرارة خانقة، فالأقمشة التي نستخدمها لا تقينا حرارة الشمس. وفي إحدى الليالي الماطرة، غمرت المياه الخيمة، ما اضطررنا للوقوف ساعات بانتظار أن يحل الصباح وتجف المياه، ويبقى القلق الأكبر مما سيحمله لنا الشتاء".

وتضيف "الرمال تغطي كل شيء، الفرش والملابس والأواني، لا كهرباء ولا مياه عذبة، فيما اضطر لمشاركة الحمام مع نساء أخريات، بينما يلجأ ولداي للاستحمام في البحر".

تعاني "أم محمد" كغيرها العديد من العائلات اللبنانية والسورية التي وجدت نفسها في ظل التصعيد العسكري الأخير بلا مأوى، وسط أزمة سكنية غير مسبوقة. وبينما تمكّن بعض النازحين من اللجوء إلى منازل أقاربهم أو استئجار مساكن مؤقتة، تبقى عائلات كثيرة مجبرة على النوم في العراء أو داخل خيام مؤقتة على الأرصفة والشواطئ

وتستمر حركة النزوح من المناطق التي تتعرض للقصف، إذ وصل العدد الإجمالي للنازحين إلى 179,500 نازح، موزعين على 37,000 عائلة في مراكز الإيواء. وقد سجلت النسبة الأعلى من النازحين في منطقتي جبل لبنان وبيروت، وذلك وفقاً لتقرير لجنة الطوارئ الحكومية.

كما قال التقرير إنه تم فتح 973 مركزاً لاستقبال النازحين حتى يوم الاثنين، وقد وصل 773 مركزاً منها إلى الحد الأقصى من قدرتها الاستيعابية.

عالمان مختلفان

تنظر "أم محمد" بأسى إلى الأبنية الفاخرة التي تحيط بالشاطئ، وتقول "نعيش تحت نفس السماء مع قاطني هذه الأبنية، لكننا في عالمين مختلفين تماماً، كل يوم أشعر وكأني أغرق في بحر من اليأس".

كانت العائلة تعيش حياة كريمة في حلب قبل أن تدمر الحرب منزلها، وبعدما نزحت إلى بيروت اعتقدت أنها نهاية المعاناة، لتتفاجأ أن المعاناة مستمرة فيما باتت العودة إلى سوريا مستحيلة، كون ولديها مطلوبان للخدمة العسكرية الإلزامية، وتقول "نعيش في مواجهة يومية مع صعوبات الحياة والمستقبل المجهول، حيث يمثل كل يوم معركة جديدة للبقاء".

وكما "أم محمد"، تتقاسم ريما وأسرتها مساحة ضيقة في شبه خيمة على كورنيش عين المريسة في بيروت، بعد فشلهم في العثور على مأوى في مراكز الإيواء المكتظة.

كانت ريما تعيش في تحويطة الغدير بالضاحية الجنوبية، حين أجبرت وأهالي الحي على إخلاء منازلهم بعد تلقيهم تحذيرات من الجيش الإسرائيلي. لم يكن أمامها سوى بضع لحظات لجمع أفراد أسرتها والهروب، وسط أمل ضئيل في النجاة.

وتقول "نعيش الآن في الشارع. لدي سبعة أطفال، أحدهم يعاني من التوحد. نحاول التأقلم لكن الوضع صعب جداً. ليس لدينا أي شيء، لا فرش ولا بطانيات ولا أدنى مقومات الحياة، نرتجف من البرد طوال الليل ونخشى الاستمرار على هذا الحال".

أصوات الأمواج التي تضرب الشاطئ ليلاً تزيد من معاناة ريما وعائلتها، وتقول "كأنها تذكرنا بكل ما فقدناه، وأبسط مثال على ذلك، أنه حين نضطر لاستخدام مرحاض نقصد مطعم قريب أما الاستحمام ففي البحر"، وتشير إلى أنها فقدت منزلها في الضاحية بعدما دمّر منزلها في بلدتها عين قانا الجنوبية.

ويشهد لبنان التصعيد الأكبر في النزاع بين حزب الله وإسرائيل منذ عام 2006، كما أعلنت منظمة "أطباء بلا حدود" في بيان، موضحة أن أكثر من 70% من مراكز الإيواء في لبنان قد امتلأت، وفقاً للسلطات المحلية.

وأضافت المنظمة أن معظم النازحين بحاجة إلى المساعدة بشكل عاجل، حيث "نزحوا دون توافر الاحتياجات الأساسية، في حين أن المجتمعات والملاجئ التي تستضيفهم بحاجة ماسة إلى الدعم".

وفي هذا السياق، قالت المنسقة الطبية للمنظمة في لبنان، الدكتورة لونا حمّاد، "تجلى العائلات من منازلها بحثاً عن الأمان. والكثير منها يبحث عن مأوى في ملاجئ غير مهيأة ومكتظة. النازحون هم من الفئات الأشد حاجة، هم أطفال ونساء ومسنّون وأشخاص من ذوي الاحتياجات البدنية الخاصة، ويعيشون في ظروف مزرية بما في ذلك محدودية الوصول إلى المياه النظيفة والصرف الصحي وخدمات الرعاية الصحية الأساسية والاحتياجات مهولة".

وأكدت حمّاد أن "الكثير من النازحين هم أطفال يعانون من الصدمة بسبب العنف، والخوف من القصف، وفقدان منازلهم".

يذكر أن لبنان يمر في ظل أزمة اقتصادية حادة منذ عام 2019، حيث أفاد البنك الدولي بأن 70% من اللبنانيين يعيشون تحت خط الفقر متعدد الأبعاد. هذه الأزمة ألقت بظلالها على مختلف جوانب الحياة في البلاد، مما زاد من معاناة المواطنين في تأمين احتياجاتهم الأساسية.

كارثة تجتاح لبنان

جلست رتيبة مع أولادها وأقاربها على كورنيش عين المريسة، على قطعة من السجاد، مستذكرة اللحظات المرعبة التي عاشوها أثناء قصف منطقة برج البراجنة في الضاحية الجنوبية، الذي وقع على بعد 50 متراً منهم.

وتشرح رتيبة، لموقع "الحرة"، "بدأ أطفالي بالصراخ. هربنا سيراً على الأقدام، ليقوم بعدها شبان بنقلنا إلى منطقة قصقص في بيروت عبر دراجات نارية. قيل لنا إن النازحين يتوجهون إلى عين المريسة، فتوجهنا إلى هناك، لنمضي ليلتنا ونحن نرتجف من البرد والخوف، وفي الصباح خاطرنا وذهبنا إلى المنزل لجلب بعض الأغراض".

رغم محاولاتها المتكررة للعثور على مأوى في مراكز الإيواء، تواجه رتيبة صعوبة كبيرة، حيث جميع المراكز ممتلئة. وتوضح قائلة "نحن خمس عائلات لا نرغب بالابتعاد عن بعضنا البعض، كما أن لدينا عدداً كبيراً من الأطفال، مما يجعل من الصعب قبولنا في مراكز الإيواء."

ما يزيد من وجع رتيبة ملاحظتها "وجود تمييز في توزيع المساعدات، سواء كانت فرشاً أو بطانيات أو مواد غذائية"، وتشدد "الأولوية دائمًا للبنانيين، لم نحصل حتى على خيام، فلا زلنا ننام في العراء على الحصيرة".

وتقول "نحن من حلب، هربنا من هناك في العام 2015، على أمل أن نعثر على الأمن والأمان لكننا اليوم نعجز عن تأمين سقف يحمينا وحليب لأطفالنا".

يذكر أن المفوضية السامية لشؤون اللاجئين أعلنت، في بيان، عن دعوة المفوض السامي، فيليبو غراندي، لتوفير المزيد من الدعم الدولي لوضع حدّ للكارثة الإنسانية التي تجتاح لبنان.

وقال غراندي "مع نزوح أعداد كبيرة من الأشخاص داخل البلاد خلال أسبوعين فقط، باتت المآوي التي تديرها الحكومة مثقلة للغاية. تعمل المفوضية مع الشركاء في المجال الإنساني والسلطات المحلية على إيجاد مأوى آمن وبشكل عاجل لكل من هو دون مكان يأوي إليه".

وعبّر غراندي عن تقديره للكرم الذي يبديه لبنان في استضافة العديد من اللاجئين على مر السنين "بمن فيهم أولئك الذين أُجبروا على الفرار من سوريا، على الرغم من التحديات الجمة التي تواجه البلاد"، والآن، يضطر هؤلاء اللاجئون كما قال "للفرار مرة أخرى، في ظل نقص حاد في الموارد، وغياب أماكن آمنة يمكنهم التوجه إليها".