الناشطة الحقوقيّة الراحلة نادين جوني
الناشطة الحقوقيّة الراحلة نادين جوني | Source: Facebook/nadynk.jouny

"ماتت أختي بحرقة قلبها على ابنها كرم".. في عيد الأم، ترثي ندى شقيقتها الناشطة الحقوقيّة نادين جوني، التي رحلت وفي قلبها غصّة لعدم حصولها على حضانة ولدها الوحيد. 

ورغم رحيل جوني قبل نحو أربع سنوات، فإن روحها لا تزال حاضرة، إذ تثير قصتها الحديث عن قوانين الحضانة، وتذكر بمعاناة العديد من الأمهات من ممارسات المحاكم الجعفرية، في لبنان. 

وتقول ندى لـ"الحرة": "أنا أختي المرحومة ماتت بحرقة قلبها على ابنها كرم، التي كانت تراه ليوم واحد فقط في الأسبوع، 24 ساعة مشروطة تحت الضغط والتهديد، إني أقدر أحرمك بالشرع حق الرؤيا والمبيت". 

كانت نادين جوني أماً وناشطة ونسوية لبنانية، ناضلت من أجل إصدار قانون موحد للأحوال الشخصية في لبنان. 

وتقول ندى وهي تكاد تبكي: "حتى مرافقته في أول يوم في المدرسة مثل أي أم أخرى كانت ممنوعة أيضا"، مضيفة "كان هذا يحرق قلبها على ابنها". 

تزوجت نادين وهي في سن السابعة عشرة، ثم تطلّقت في التاسعة عشرة من عمرها، وقضَت السنوات العشر الأخيرة من حياتها تناضل بغية نيل حق حضانة ابنها كرم، الذي لم يُسمح لها برؤيته سوى لمدة 24 ساعة في الأسبوع، وفقاً لأوامر المحاكم الإسلامية الجعفرية الشيعية. 

وفي السادس من أكتوبر 2019، توفّيت نادين، بشكل مأساوي في حادث سيارة خلال توجهها للاحتجاج على الزيادات الضريبية غير العادلة.

ورغم أن الدولة اللبنانية "رسميا"، دولة مدنية، لكن جميع المسائل المتعلقة بالأحوال الشخصيّة مثل الزواج والطلاق والحضانة والميراث، تخضع لقوانين دينية. وتعترف الدولة بـ15 قانونا طائفيا للأحوال الشخصية. 

وتتبع كل طائفة دينية مجموعة متميزة عن غيرها من قوانين الأحوال الشخصية التي تتحكم في الجوانب الرئيسية لحياة المرأة في لبنان، وتنظّم التمييز ضد المرأة، بحسب الأمم المتحدة.

ومنحت المحاكم الشرعية السنية في 2011، وبعد حملة طويلة، الأم حق حضانة أطفالها حتى سن الثانية عشرة. 

أما المحكمة الجعفرية فتسمح للأم بحضانة الطفل الذكر حتى السنة الثانية، والأنثى حتى السنة السابعة. 

ويمنح الروم الأرثوذكس على سبيل المثال أيضا الأم الحضانة حتى سن 14 عاما للذكر، و15 عاما للأنثى. 

أما الطائفة الدرزية فتمنح الام الحضانة حتى تسع سنوات للأنثى، وسبع سنوات للذكر.

وفي لبنان، تسجن أمهات يرفضن التخلي عن حضانة أطفالهن، أو يجدن أنفسهنّ مضطرات للتنازل عن كامل حقوقهنّ في مقابل تربية أطفالهن، او حتى مجرد رؤيتهم.

وتقول ندى لـ"الحرة": "نادين ماتت لكن هناك أمهات آخريات لديهن قضايا أمام المحاكم الجعفرية، مطالبات بحقوق أولادهن". 

قبل وقت وجيز على وفاتها، وفي ذكرى مرور عشر سنوات على طلاقها، تحدّثت نادين على موقع "فيسبوك" عن المصاعب التي مرّت بها طوال سنوات الطلاق، ومعارك الحصول على حق الحضانة، وكتبَت أن "الكرامة ليست ثوباً أو صورة أو ضحكة أو طفلاً. الكرامة هي أنتِ ورفاهيتكِ واحترامك لنفسكِ كامرأة، وقدرتك على الوقوف أمام المرآة في كل مرّة والتعرّف إلى نفسكِ. هذه أنتِ تماماً كما تريدين أن تكوني."

ورغم أن لبنان صادق على عدد من المعاهدات الدولية لحقوق الإنسان، تحمي وتعزز تمتع المرأة بالمساواة أثناء الزواج وبعده، بما في ذلك اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، فإن وجود قوانين للأحوال الشخصية تستند إلى الدين، وقرارات محاكم لا تضمن المساواة في الزواج والطلاق، تقع خارج إطار هذه الالتزامات.

وتطالب ندى الأمهات بعدم السكوت عن حقهن في "حضانة مشتركة". 

وتقول "حتى لو حدث انفصال، يجب أن يظل الابن ضمن بيئة الأم والأب". 

وتتعهد ندى بمواصلة ما بدأته شقيقتها قائلة: "نادين توفت لكننا سنكمل من بعدها.. هناك ألف نادين أخرى". 

من سجن رومية.. أرشيفية
من سجن رومية.. أرشيفية

أطلق "معتقلو الرأي السوريون" في سجن رومية، شرق بيروت، معركة الأمعاء الخاوية، حيث بدأوا، الاثنين، إضراباً عن الطعام احتجاجاً على "فقدان 10 معتقلين سوريين نتيجة الوضع الصعب وانعدام الرعاية الصحية"، وفقاً لما ذكره المرصد السوري لحقوق الإنسان، نقلاً عن مصادر حقوقية.

ولن يقبل "المعتقلون" الطعام والخبز المقدّم من إدارة السجن، حيث "سيستمرون في الإضراب إلى حين تحقيق مطالبهم الإنسانية في ملفي الصحة والغذاء، كونهم يعانون من اهمال حالتهم الصحية ومن سوء التغذية" بحسب ما أورد المرصد.

كما يعاني "معتقلو الرأي السوريون" في غياهب السجون اللبنانية بحسب المرصد، من "تلفيق التهم ومحاسبتهم على ذنب لم يُقترف وحرمانهم من المحاكمة العادلة ومن حق رؤية ذويهم، وكذلك من التعذيب النفسي والجسدي، في ظل تنصل ولامبالاة السلطة اللبنانية في معالجة ملفهم وغياب دور المنظمات الحقوقية والإنسانية في متابعة هذا الملف".

ويقبع في السجون اللبنانية ما يقرب من 6685 سجينا، بحسب إحصائيات مديرية السجون في وزارة العدل، "حوالي 2500 منهم من الجنسية السورية" وفقاً لما يقوله المدافع عن حقوق الإنسان، المحامي صبلوح لموقع "الحرة"، "من بينهم نحو 400 من معتقلي الرأي".

"اتهامات ملفقة"

ويرى مدير المرصد السوري لحقوق الإنسان، رامي عبد الرحمن، أن "السجون في المنطقة أصبحت متشابهة، سواء كان سجن صيدنايا سيء الصيت، أو سجن حوار كلس في ريف حلب الشمالي، أو سجن رومية"، ويوضح أن "جميع هذه السجون تحتجز معتقلي الرأي الذين لا علاقة لهم بقضايا جنائية، ويتم اتهامهم بالإرهاب دون أدلة، بل بناءً على توصيفات من جهات رسمية".

ويشدد عبد الرحمن، في حديث لموقع "الحرة"، على أن "من لم يثبت تورطه في القتل أو المشاركة في عمليات إرهابية يعد معتقل رأي وليس مجرماً جنائياً أو أمنياً".

و"يواجه غالبية معتقلي الرأي السوريين في السجون اللبنانية اتهامات متنوعة"، تشمل كما يوضح صبلوح "المشاركة في أحداث عرسال عام 2014، والانضمام إلى تنظيمات مصنفة إرهابية، أو معارضة نظام بشار الأسد ومشاركتهم في الحرب السورية، ويقبع بعض هؤلاء خلف القضبان منذ عام 2013 دون محاكمات عادلة أو تقدم ملحوظ في قضاياهم".

ويكشف صبلوح عن "سياسة ممنهجة تتبعتها السلطات الأمنية اللبنانية، تستهدف معارضي نظام الأسد، حيث يتم تلفيق أدلة ضدهم وتقديمهم لمحاكمات صورية. وبالإضافة إلى ذلك، يتعرض هؤلاء المعتقلون للتعذيب خلال استجوابهم، وهو ما تجسد بوضوح في قضية بشار السعود، الذي لقي حتفه عام 2022 نتيجة التعذيب الذي تعرض له".

لكن الحكومة والقضاء اللبناني لا يعترفان، كما تؤكد الناشطة الحقوقية المحامية ديالا شحادة لموقع "الحرة"، بـ "معتقلي رأي" في السجون اللبنانية.

غير أن "ملاحقة وسجن ومحاكمة وادانة الآلاف من السوريين على مر السنوات العشر الأخيرة لمجرد ممارستهم حق تقرير المصير في سوريا من دون انتهاك أي قوانين دولية من التي ترعى النزعات المسلحة"، لا يمكن تصنيفه وفق ما تقوله شحادة سوى على أنه "اضطهاد لمن عارض نظام بشار الأسد وقاوم طغيانه وبطشه، وكل ملاحقة قضائية ذات خلفية سياسية تندرج ضمن سياسات قمع الحقوق الأساسية اللصيقة بالإنسان ومنها الحق في تقرير المصير وحرية الرأي والتعبير".

ظروف "مميتة"

اضراب أي سجناء في السجون اللبنانية نتيجة حتمية، كما تشدد شحادة "لاكتظاظ السجون بثلاثة أضعاف قدرتها الاستيعابية ولتراجع الخدمات الأساسية ومنها الغذائية والطبية".

وما يزيد من نقمة عدد من السجناء، وفق شحادة "هو امتناع المحاكم المختصة عن تقصير فترات التوقيف الاحتياطي رغم تردي ظروف السجون وطول أمد بعض المحاكمات".

و"يواجه معتقلو الرأي السوريون في سجن رومية، مثل باقي السجناء، ظروف كارثية"، كما يقول صبلوح، مشيراً إلى أنهم يعانون من "أوضاع معيشية صعبة للغاية نتيجة نقص التمويل الذي أدى إلى حرمانهم من أبسط حقوقهم الأساسية، كما يعانون من ظروف قاسية وغير إنسانية، حيث يواجهون درجات حرارة مرتفعة في الصيف وبرداً شديداً في الشتاء، إضافة إلى التلوث البيئي والحرمان من طعام ذي جودة وكميات كافية".

ووصل تدهور الأوضاع في سجن رومية إلى حد وفاة عدد من السجناء، بحسب ما يقول صبلوح، وذلك "نتيجة توقف الأطباء عن زيارة السجون، وعدم قدرة السجناء على إجراء الفحوص الطبية والعمليات الجراحية التي يحتاجون إليها، فكل ما له علاقة بالأوضاع الصحية للسجناء تقع على كاهل أهلهم بينما تنتمي غالبيتهم إلى الطبقة الفقيرة".

مطالبة بالحزم

منذ سنوات، يرفع "السجناء السوريون المعارضون لنظام بشار الأسد في سجن رومية" الصوت مطالبين بوضع حد لمأساتهم، ولكن بدلاً ذلك كلّفت الحكومة اللبنانية، المدير العام للأمن العام بالإنابة، اللواء إلياس البيسري، في أبريل الماضي، بإعادة التواصل مع السلطات السورية لحل قضية السجناء والمحكومين السوريين في السجون اللبنانية، أي تسليمهم للنظام السوري.

وقبل ذلك، "سلّمت السلطات اللبنانية معتقلين سوريين إلى النظام السوري" وفقاً لما يقوله صبلوح، وهو ما دفع أربعة سجناء سوريين في سجن رومية إلى محاولة الانتحار في مارس الماضي، باستخدام الأغطية كأدوات للشنق، قبل إنقاذهم في اللحظات الأخيرة.

ويؤكد صبلوح أن "معتقلي الرأي السوريين مشمولون باتفاقية الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب لعام 1984، التي تمنع تسليم أي شخص يمكن أن يتعرض للتعذيب في بلده"، موضحاً أن "تحركات السجناء السوريين نجحت في تجميد خطوة الحكومة اللبنانية، مما يشكل انتصاراً مؤقتاً في معركتهم ضد التسليم القسري، على أمل أن يتخذ قرار إنسانياً بحلّ ملّفهم عما قريب".

"يهدد معتقلو الرأي السوريون بالتصعيد سلمياً في حالة عدم الاستجابة لمطالبهم"، كما أشار المرصد، موضحاً أن "التنكيل الذي يتعرضون له يخالف كل القرارات والقوانين الدولية، ورغم الدعوات المتكررة لإطلاق سراحهم فإن ملفهم ما زال عالقاً منذ عشر سنوات".

ويؤكد عبد الرحمن أن "الحكومة اللبنانية تتحمل مسؤولية سجونها"، داعياً المجتمع الدولي إلى "تسليط الضوء على هذه القضية"، بينما أوضح المرصد أن "إنقاذ هؤلاء المعتقلين يتطلب موقفاً حازماً من المجتمع الدولي"، الذي يجب أن يدافع عن حقوق "سجناء الرأي والكلمة الحرة، الذين فروا من ويلات الحرب والموت في سوريا ليجدوا أنفسهم محاصرين في المعتقلات اللبنانية، ومتّهمين بالتطرف لمجرد معارضتهم للنظام السوري".