إسرائيل ردت على صواريخ لبنان بقصف مواقع قالت إنها تابعة لحماس
إسرائيل ردت على صواريخ لبنان بقصف مواقع قالت إنها تابعة لحماس

لم يطل تنفيذ الحكومة الإسرائيلية لتهديها بتوجيه ضربة عسكرية في لبنان رداً على إطلاق صواريخ أمس الخميس من سهل القليلة في مدينة صور جنوب البلاد، فقبل بزوغ فجر اليوم التالي هاجمت أهدافاً تابعة لحركة حماس بعد أن اتهمتها بالوقوف خلف الرشقات الصاروخية التي طالتها.

بعد اجتماع أمني إسرائيلي أعقب إطلاق الصواريخ، قال رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتانياهو، "سنضرب أعداءنا وسيدفعون ثمن عدوانهم"، ليأتي بعدها الرد محدوداً في لبنان، باستهداف ثلاثة مواقع في جنوب البلاد، حيث ذكر الجيش الإسرائيلي أنه لن يسمح "لمنظمة حماس الإرهابية بالعمل من داخل لبنان".

طالت الضربات الإسرائيلية أراض زراعية في سهل رأس العين الواقع في محيط مخيم الراشيدية للاجئين الفلسطينيين، مسفرة عن أضرار في الجسر والطريق، كما طالت أرضاً زراعية وحظيرة ماشية في سهل القليلة، ما أدى إلى نفوق عدد من الماشية والطيور، كما تضررت منشآت مشروع ري القاسمية، بحسب ما أفادت المصلحة الوطنية لنهر الليطاني، مشيرة في بيان إلى إصابة إحدى العبّارات وجزء من قناة الريّ التي تروي البساتين في منطقة القليلة وما بعدها، وقد باشرت "الفرق الفنية بالكشف الفني تمهيداً لإجراء الصيانة لإعادة تشغيل المشروع قبل موسم الريّ 2023".

ما أقدمت عليه إسرائيل وضعته حكومة تصريف الأعمال اللبنانية في خانة "الانتهاك الصارخ" لسيادة بلدها وخرقاً فاضحاً لقرار مجلس الامن الدولي 1701، وتهديداً للاستقرار الذي كان ينعم به الجنوب اللبناني، وبعد تشاور رئيسها مع وزير الخارجية عبد الله بو حبيب، أوعز الأخير إلى بعثة لبنان الدائمة لدى الأمم المتحدة في نيويورك، تقديم شكوى رسمية لمجلس الأمن الدولي.

التصعيد على الحدود اللبنانية الجنوبية هو الأكبر منذ حرب يوليو 2006، إلا إن هذه المرة، الجانبان اللبناني والإسرائيلي لا يريدان حربا بحسب ما أبلغا قوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان "اليونيفيل"، التي حثت جميع الأطراف على وقف أعمال التصعيد عبر الخط الأزرق، معتبرة "الإجراءات التي تمت خلال اليوم الماضي خطيرة وتنذر بتصعيد خطير".

كذلك اعتبر وزير الدفاع اللبناني، موريس سليم أن "هذا التطور يشكل تهديداً مباشراً للأمن والاستقرار في الجنوب" وإذ أكد التزام لبنان بقرار مجلس الأمن الدولي 1701، شدد على أن "الجيش كان وسيبقى حريصاً على أقصى درجات التعاون مع اليونيفيل واتخاذ الإجراءات المناسبة لضبط الأمن والحفاظ على الاستقرار والهدوء في الجنوب والجهوزية الدائمة للتصدي لأي عدوان".

هنية.. والسيادة اللبنانية

ما إن أطلقت الصواريخ من جنوب لبنان حتى دان ميقاتي، العملية، مشدداً على أن "الجيش وقوات يونيفيل يكثفان تحقيقاتهما لكشف ملابسات العملية وتوقيف الفاعلين"، لافتاً في بيان إلى أن "لبنان يرفض مطلقا أي تصعيد عسكري ينطلق من أرضه، واستخدام أراضيه لتنفيذ عمليات تتسبب بزعزعة الاستقرار القائم".

لكن وزير الثقافة القاضي محمد وسام المرتضى، لم يرق له كلام رئيس الحكومة، فعلّق كاتباً "لا نسعى إلى الحرب، والكلام الرسمي اللبناني الذي صدر بهذا المعنى هو موقفٌ جميل. لكن هذه اللغة لا تجدي نفعاً مع إسرائيل، بل يمكن أن تجعلها تُسيء الفهم وتخطئ التقدير. الموقف الأوضح: أيّ اعتداء على لبنان سوف يجرّ على إسرائيل ويلات لا قدرة لها على استيعابها. إيّاها والتهوّر".

ربط بعض اللبنانيين عملية إطلاق الصواريخ بزيارة رئيس المكتب السياسي لحركة "حماس" إسماعيل هنية للبنان، حيث وصل يوم الأربعاء الماضي، لكن المحلل السياسي فيصل عبد الساتر ينفي ذلك، كون " زيارته كانت قائمة من دون أن يعلم أحد بالتصعيد الإسرائيلي في المسجد الأقصى" لافتاً في حديث لموقع "الحرة" إلى أنه "دائما ما يطرح مثل هذا السؤال عند زيارة أي مسؤول رفيع من قادة المقاومة الفلسطينية إلى لبنان الذي احتضن حركات المقاومة، خاصة مع وجود حزب الله الذي يشكل رأس الحربة الآن في هذه المعادلة".

لكن الباحث السياسي الدكتور مكرم رباح يعتبر في حديث لموقع "الحرة" أن "زيارة هنية إلى لبنان هي الاعتداء على سيادة هذا البلد، وليس إطلاق الصواريخ من سهل القليلة واعتبار أن الفلسطينيين هم من أطلقوها، في وقت حماس وحزب الله ينتميان إلى ذات المنظومة".

من جانبه وجّه رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع عدة أسئلة إلى الحكومة اللبنانية "أولها، ما هي الموجبات الوطنية التي تحتِّم في هذه اللحظة بالذات إطلاق عشرات الصواريخ من جنوب لبنان باتجاه اسرائيل؟، ثانياً، ماذا سيكون ردّ فعل الحكومة اللبنانية إزاء تعهداتها الالتزام بمندرجات القرار 1701؟

أما السؤال الثالث الذي وجهه جعجع للحكومة فهو "ماذا لو تحطّم لوح زجاجي واحد في منزل مواطن لبناني في الجنوب جراء تبادل الصواريخ والقصف المدفعي، فمن أين ستأتي الحكومة اللبنانية بالأموال اللازمة لإصلاحه؟ هذا عدا عن السؤال الأساسي والمحوري والملحّ: هل اجتمعت الحكومة اللبنانية أو اتخذت قرار إطلاق الصواريخ من الجنوب باتجاه إسرائيل"؟.

وأضاف في بيان "إن الحكومة اللبنانية، ولو كانت حكومة تصريف أعمال كما كل الحكومات التي سبقتها في الآونة الأخيرة، تكون بتخليها عن القرار الاستراتيجي للدولة لمصلحة محور الممانعة قد تخلّت عن مسؤوليتها الرئيسية في الحفاظ على أمن الوطن والمواطن. إن المرشح الرئاسي الذي لا يتعهّد بإعادة القرار الاستراتيجي بأكمله إلى الدولة اللبنانية لا يصحّ ان يكون لا مرشحاً ولا رئيساً".

أما رئيس حزب الكتائب اللبنانية النائب سامي الجميل، فتوجه إلى رئيس مجلس النواب نبيه بري عبر تغريدة على حسابه عبر "تويتر"، جاء فيها، "يبدو أن رئيس مجلس النواب اللبناني راضٍ عن استخدام جنوب لبنان كمنصة لإطلاق أكثر من 60 صاروخ من قبل حماس وتعريض أهله للخطر"، وأضاف، "فلم نسمع منه شيئاً".

مواقف متناقضة

وفي الوقت الذي آثرت بعض القوى السياسية عدم التعليق عما حدث حتى اللحظة، ندد عضو كتلة "التنمية والتحرير" النائب علي عسيران، بما وصفه "العدوان الإسرائيلي" مؤكدا "التزام لبنان بالقرار الدولي 1701"، معتبرا ان "إسرائيل المعتدية، ما تزال تضع لبنان وجنوبه على منظار التصويب والاستهداف العسكري، وأن الاعتداءات الإسرائيلية التي طاولت بلدات في منطقة صور إنما هي خرق للقرار 1701 واعتداء على السيادة اللبنانية".

ولفت في بيان، إلى أن "كما هي العادة، تقوم إسرائيل بالاعتداء على لبنان وغزة للفت الأنظار عن مشاكلها الداخلية وهذه الأمور لم تعد تجدي نفعا، والطريق الوحيد للقضية الفلسطينية ما قرره القادة العرب عام 2000 في القمة العربية التي انعقدت في بيروت، وهي الحل الأكيد في الدولتين، ولبنان سيتصدى للاعتداءات الإسرائيلية بكل ما لديه من قوة".

وفي موقف معاكس، رفض رئيس ''المجلس الوطني لرفع الاحتلال الايراني عن لبنان'' النائب السابق فارس سعيد "أن يتحوّل لبنان صندوق بريد بين أجنحة إيران أو بين إيران وإسرائيل" وأضاف في تغريدة "برّادات البيوت خالية من دون حرب كيف إذا دخلت الحرب إلى بيت كل منّا والكهرباء "شمّ و لاتدوء" كيف لو قصفت إسرائيل منشآتنا والدولة شبه موجودة كيف لو أحرجها حماس أو حزب الله أو إسرائيل أو الكل معاً؟ نريد الحياة".

وفي تغريدة ثانية كتب سعيد "أنشأ حزب اللهُ عملياً "حماس لاند" في الجنوب تحت أعين قوات الـ 1701 والجيش…تتحمّل الحكومة مسؤوليّة الانحلال أمام حزب اللهُ تتحمّل الأحزاب ومن ضمنها "السياديّة" مسؤولية عدم اعتبار لبنان تحت الاحتلال الإيراني والاكتفاء بالكلام عن سلاح "غير شرعي".

كما عبّر النائب نديم الجميّل عن غضبه من إطلاق صواريخ من جنوب لبنان، معتبراً في تغريدة أن ميليشيا إيران وحليفتها حماس ومحور الإرهاب يصرون على أن يكون لبنان منصة صواريخ، ويصرون على جره إلى حروب لا علاقة له فيها وأن يدمروا ما تبقى منه، وكتب في تغريدة "إذا بدن يحرروا فلسطين يروحوا هني واسماعيل هنية يحرروها من داخل الاراضي الفلسطينية، مش من لبنان".

واليوم الجمعة غرّد الجميل كاتباً "ما حدث في الجنوب ليس إلا نتيجة المصالح المشتركة بين الطرفين: فإسرائيل مصلحتها شد العصب ومواجهة المعارضة الداخلية، وحماس بغطاء حزب الله الذي استعجل ونفى علاقته، أوهمت الفلسطينيين أنها تقاوم الإسرائيلي من الأراضي اللبنانيّة" مضيفاً "باختصار مسرحية وتنسيق من تحت الطاولة.. إذا مش عملاء، حلفاء".

"صحيح ما حدث في الأمس هو الأكثر سخونة منذ عام 2006 بالبعدين الأمني والسياسي، نظرا لحساسية الواقع والأزمة اللبنانية"، كما يقول عبد الساتر، لكن ما يستغربه أن "بعض الأجواء اللبنانية تنطق بلسان يخدم إسرائيل، كما طالعتنا بعض الصحف اللبنانية، فلو تم حذف اسم الكاتب، يدرك القارئ أنه يكتب بنفس إسرائيلي، وهو ما يسعد إسرائيل كونها وجدت صدى لما تريد أن تحدثه".

 ويشدد "لا تؤثر انتهاكات إسرائيل لسيادة لبنان على هؤلاء الصحفيين أو السياسيين، لكن ان يقوم أي فصيل فلسطيني او اي مقاوم لبناني ليس له ارتباط تنظيمي مباشر بحزب الله بما حدث في الأمس، تطرح الأسئلة فيما ان كان خلف ذلك قرار حزب الله وفيما ان كان الامر لمصلحة لبنان".

 يرفض عبد الساتر اعتبار بعض اللبنانيين ان لا علاقة للبنان بما يحدث، ويقول" هناك 400 إلى 500 ألف فلسطيني في لبنان، متواجدين منذ ما يزيد عن الـ 80 عاما، وفلسطين على بعد أمتار منهم، فهل المطلوب أن يروا ما يتعرض له شعبهم ويمنع عليهم حتى الصراخ ولو بصاروخ ممكن أن يحدث هذا الرعب لدى إسرائيل".

استبعاد التصعيد

الصواريخ التي أطلقت ليست بالفعالية الميدانية المهمة كالصواريخ التي يمتلكها حزب الله، كما يقول عبد الساتر "مما يدل على أن الفصائل الفلسطينية هي المسؤولة عنها، إلا أنها تحمل رسالة رد على استباحة الإسرائيليين المتواصلة، والأهم من ذلك أنها أحدثت خوفا غير مسبوق لديهم خاصة في منطقة الجليل المحاذية للبنان" مرجحاً "عدم إقدام إسرائيل على فعل أي شيء تجاه لبنان كونها تعلم أن ما ينتظرها أشياء وأشياء وبأن جهوزية حزب الله في لبنان في أعلى المستويات".

وفيما إن كان بإمكان أي فصيل فلسطيني إطلاق صواريخ من دون علم حزب الله، أجاب "هذا السؤال دائما ما يطرح وكأن الحزب شرطي حدود" متسائلاً "لماذا لا تسأل قوات اليونيفيل والجيش اللبناني والحكومة اللبنانية على ذلك، مع العلم أن طبيعة الجغرافيا الموجودة في الجنوب تحول دون تمكن أحد من ضبطها". 

كذلك اعتبر رباح أن نوعية الصواريخ المستخدمة "الكاتيوشا" دليل على عدم رغبة حزب الله بتبني العملية، "فمن الواضح أنه لا يريد فتح جبهة مع إسرائيل في هذا التوقيت بل فقط غسل ماء وجهه من خلال الإيحاء بأنه يدافع عما يجري في المسجد الأقصى وأنه يوحّد الجبهات".

 ويضيف رباح "هناك أمر عمليات واضح بتوحيد كلام محور الممانعة، في تذكير إضافي بأن لبنان محتل من حزب الله الذي يستخدم هذا البلد ورقة ضغط في وقت المنطقة كلها تتغير، كما أن إسرائيل لا تريد فتح جبهة وقد بدى ذلك من خلال اعلانها السريع عن أن تنظيماً فلسطينياً هو المسؤول عن إطلاق الصواريخ، واختصار الرد بضرب محيط مخيم الراشيدية وسهل القليلة".

رئيس الحكومة اللبناني المكلف نواف سلام - رويترز
سلام يواجه مهمة شاقة لإيجاد توازن بين المطالب الداخلية الملحة والتوقعات الدولية المشددة

بين مطرقة الأزمات الداخلية وسندان الضغوط الخارجية، يقف لبنان أمام منعطف سياسي جديد مع تكليف نواف سلام بتشكيل الحكومة المقبلة. 

ففي ظل مشهد سياسي معقد وأزمة اقتصادية خانقة، يواجه رئيس الوزراء المكلف مهمة شاقة لإيجاد توازن بين المطالب الداخلية الملحة والتوقعات الدولية المشددة.

وعلى الرغم من إعلان واشنطن نأيها عن التدخل المباشر في عملية التشكيل، فإن رسائلها واضحة وحازمة: تشكيل حكومة تخلو من تأثير حزب الله، وتضم شخصيات نزيهة وذات كفاءة، تمثل روح لبنان الجديد الذي يتطلع إليه المجتمع الدولي.

تشير التسريبات الإعلامية حتى الآن إلى احتمال منح رئيس الوزراء المكلف، نواف سلام، حقائب وزارية لحزب الله في الحكومة المرتقبة. هذا السيناريو يطرح تحدياً كبيراً: كيف يمكن لحكومة تضم الحزب أن تتماشى مع خطاب القسم لرئيس الجمهورية جوزاف عون، الذي شدد على الالتزام باتفاق وقف إطلاق النار بين لبنان وإسرائيل، بما في ذلك سحب سلاح حزب الله؟

حزب الله يسوّق لـ"انتصار وهمي جديد" في لبنان
يسعى حزب الله، المصنّف كجماعة إرهابية، إلى الترويج لما يصفه بـ"انتصار جديد" على الجيش الإسرائيلي، عقب انسحاب القوات الإسرائيلية من عدد من البلدات الجنوبية، إثر عودة السكان إليها بدفعٍ من الحزب، جاء ذلك بعد انتهاء مهلة اتفاق وقف إطلاق النار في 26 يناير، والذي تم تمديده لاحقاً حتى 18 فبراير.

الأمر لا يتوقف عند هذا الحد، إذ أن مشاركة حزب الله في الحكومة قد تؤثر بشكل مباشر على الدعم الدولي للبنان، الذي يمر بأزمة اقتصادية خانقة، ويحتاج إلى مساعدات مالية عاجلة وإعادة إعمار في المناطق المتضررة. فكيف سينعكس ذلك على قدرة لبنان في كسب ثقة المجتمع الدولي واستقطاب المساعدات التي باتت ضرورية للخروج من أزمته؟

في المقابل، يبرز سيناريو آخر: إذا اختار سلام تشكيل حكومة خالية من حزب الله، ترضي الدول الخليجية والمجتمع الدولي، فهل سيتمكن من تجاوز العقبات الداخلية والضغوط السياسية التي قد تعرقل هذا التوجه؟

تحد مزدوج

لا تتدخل "الولايات المتحدة بشكل مباشر في تشكيل الحكومة اللبنانية وتحديد أسماء الوزراء"، لكنها تركز كما تقول كبيرة الباحثين في معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى، حنين غدار، "على الأهداف الكبرى التي يجب أن تحققها الحكومة الجديدة".

وتوضح غدار في حديث لموقع "الحرة" أن "هناك احتمالاً لأن يعتمد نواف سلام ورئيس الجمهورية جوزاف عون على استراتيجية تعيين وزراء لا يظهر ارتباطهم العلني بحزب الله، لكنهم يعملون تحت توجيهاته"، وتضيف "بالنسبة لأميركا، التفاصيل حول الأسماء أو الانتماءات السياسية ليست ذات أهمية بقدر ما يهمها الأداء الحكومي"، ومع ذلك، تؤكد أن واشنطن ترفض بشكل قاطع "أي حكومة تضم ممثلين علنيين عن حزب الله ".

من جانبه، المحلل السياسي السعودي الدكتور خالد باطرفي، متفائل بأن الحكومة التي سيتم تشكيلها "ستستجيب في النهاية للضغوط الدولية كونه لا يمكن تجاهلها".

ويقول باطرفي لموقع "الحرة"، "لن يشكل القاضي نواف سلام، ورئيس الجمهورية المعروفان بالنزاهة والكفاءة واستقلالية القرار، حكومة دون موافقة المجتمع الدولي. فهذا يعني أن خارطة الطريق التي أعلنها عون وتبناها سلام لن تُنفذ، وهي خارطة تعتمد أساساً على تعاون المجتمع الدولي، وعلى رفع العقوبات، استعادة أموال المودعين، ونزع السلاح. تحقيق كل هذه الأهداف مستحيل في ظل هيمنة حزب الله."

أما الباحث في المعهد اللبناني لدراسات السوق، خالد أبو شقرا، فيشير إلى أن التشكيلات الحكومية المسربة تؤكد منح حزب الله حقائب وزارية كوزارة الصحة، ويؤكد أن "أي حكومة في لبنان ستواجه صعوبات كبيرة إذا لم تضم تمثيلًا للقوى السياسية الأساسية والكتل النيابية الكبرى، حيث قد تُعرقل مشاريع القوانين التي ترسلها إلى مجلس النواب".

ويوضح أبو شقرا لموقع "الحرة" أن "أمام الحكومة المقبلة تحدٍ مزدوج، يتمثل في مخاطر غياب الدعم المالي الدولي إذا شارك حزب الله فيها، مقابل خطر عدم قدرتها على تنفيذ مشاريع وخطط تنموية تشمل قطاعات حيوية مثل القضاء والأمن والاقتصاد والمالية".

وفي السياق، أعلن الرئيس المكلف نواف سلام، أمس الأربعاء، بعد لقائه رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون في قصر بعبدا، انه "يعمل على تشكيل حكومة منسجمة وحكومة إصلاح تضم كفاءات عالية، ولن أسمح أن تحمل في داخلها إمكان تعطيل عملها بأي شكل من الأشكال، ولأجل هذه الغاية عملت بصبر".

وفي موضوع الحزبيين قال سلام "أدرك أهمية عمل الأحزاب، لكن في هذه المرحلة الدقيقة اخترت فعالية العمل الحكومة على التجاذبات السياسية، وما نحن أمامه هو ارساء عملية الاصلاح بما يليق بكم".

مستقبل المساعدات

"تراقب واشنطن عن كثب التزام الحكومة المرتقبة بتطبيق القرارات الدولية، خصوصاً ما يتعلق بنزع سلاح حزب الله"، كما تقول غدار، موضحة أن "الجيش اللبناني، رغم جهوده، لا يمكنه تنفيذ القرارات الدولية دون قرار سياسي واضح من الحكومة"، وتوضح أن "إدارة ترامب لن تتعامل مع أي حكومة لا تلتزم بهذه الشروط، وستوقف المساعدات وربما التمويل المقدم للجيش اللبناني".

وترى غدار أن تشكيل حكومة غير متعاونة مع الشروط الدولية، سيضع لبنان ضمن المحور المناهض للولايات المتحدة في المنطقة، وتقول "الموقف الأميركي واضح: إما مع أميركا أو ضدها. لا مجال للمواقف الرمادية"، وتشير إلى أنه "إذا اختار لبنان المحور المناهض لأميركا، عندها ستمنح واشنطن إسرائيل حرية التحرك في لبنان".

وتشدد على أن "البيان الوزاري للحكومة الجديدة يجب أن يتماشى مع خطاب القسم لرئيس الجمهورية"، مؤكدة أن لبنان في ظل أزمته الاقتصادية "بحاجة ماسة إلى الدعم الأميركي، والخيار أمامه واضح: إما الالتزام بالشروط الأميركية، أو مواجهة العزلة الدولية وغياب أي دعم مالي أو اقتصادي".

ثلاثة عوامل أساسية ستحدد مستقبل المساعدات الدولية للبنان، في حال شارك حزب الله في الحكومة، يشرحها أبو شقرا:

1. توقف المساعدات الأميركية: كان لبنان يتلقى ما يقارب 300 مليون دولار سنوياً من الولايات المتحدة عبر السفارة والوكالة الأميركية للتنمية، لدعم الجيش اللبناني، وقطاعات متنوعة تشمل الزراعة، والتنمية الريفية، والبنية التحتية للمياه والصرف الصحي، ودعم جمعيات المجتمع المدني. ويعتبر هذا المبلغ، الذي يمثل حوالي 1.5-2% من الناتج المحلي الإجمالي، رقماً كبيراً يعكس أهمية هذا الدعم.

2. غياب تطبيق القوانين الإصلاحية: أقر البرلمان اللبناني في السنوات الماضية عدداً من القوانين المتعلقة بالإصلاحات المالية ومكافحة الفساد، مثل إنشاء الهيئات الناظمة لقطاع الكهرباء والطاقة، وتطبيق قانون التبادل التلقائي للمعلومات الضريبية. ورغم ذلك، لم يتم إصدار المراسيم التنفيذية للكثير من هذه القوانين، مما يعيق تقدم البلاد على صعيد الإصلاحات.

3. التصنيف السلبي للبنان دولياً: إدراج لبنان على اللائحة الرمادية لمجموعة العمل المالي يعيق قدرته على الحصول على قروض دولية، نظراً لتصنيفه الائتماني المنخفض جداً. تبلغ ديون لبنان حوالي 100 مليار دولار، أي ما يعادل 500% من الناتج المحلي الإجمالي، مما يجعل أي اتفاق مع صندوق النقد الدولي مستحيل دون إعادة هيكلة شاملة للدين، بما في ذلك شطب

ودائع المودعين، وهو ما يرفضه الفرقاء السياسيون اللبنانيون.

"مسار وحيد"

"لم يتطرق الموفدون العرب والدوليون الذين زاروا لبنان مؤخراً إلى ملف إعادة الإعمار"، كما يقول أبو شقرا "وذلك على عكس ما حدث بعد حرب 2006، مما يعكس ترقبهم للحكومة التي سيشكلها سلام".

 ويوضح أن الحديث عن تمويل إعادة الإعمار عبر إيران "يواجه عقبات كبرى بسبب القيود المفروضة على التحويلات المالية وحصار المنافذ البرية والجوية والبحرية".

ويرى أبو شقرا أن "الحل الوحيد لخروج لبنان من أزمته هو الوصول إلى تسوية شاملة، تتضمن تسليم حزب الله لسلاحه وحل جناحه العسكري، بالإضافة إلى ترسيم الحدود البرية مع إسرائيل، كما جرى سابقاً في الحدود البحرية. تحقيق هذه الشروط قد يؤدي إلى تدفق المساعدات وإطلاق مشاريع إعادة الإعمار، حتى لو لم تُطبق الإصلاحات بالكامل أو بقي لبنان على اللائحة الرمادية".

من جانبه يقول باطرفي "لا أعلم إلى أي مدى قد يغامر الرئيسان بمواجهة ردود فعل الثنائي الشيعي، لكنني أعتقد أنه لا خيار أمامهما سوى المضي قدماً. كما أعتقد أن الثنائي الشيعي، وخصوصاً رئيس مجلس النواب نبيه بري، لن يتمكن من مواجهة العقوبات الدولية التي قد تستهدفه شخصياً، إلى جانب الأموال المهربة وقضايا الفساد المتورط بها هو وحلفاؤه. 

"وبينما قد يحتمي حزب الله بإيران ويختبئ في الأنفاق، أين يمكن لرئيس البرلمان أن يذهب؟ ليس أمامه إلا القبول بالأمر الواقع، إما بالتخلي عن حزب الله أو بإقناعه".

ويختم المحلل السياسي السعودي بالقول "في النهاية، أرى أن المسار الوحيد المتاح هو تشكيل حكومة تعتمد على الكفاءة والنزاهة، قادرة على تنفيذ الإصلاحات المطلوبة وتلبية شروط المجتمع الدولي. أما البديل فهو مواجهة العقوبات، ووقف الدعم المالي، وتعطيل عملية إعادة الإعمار".