إسرائيل ردت على صواريخ لبنان بقصف مواقع قالت إنها تابعة لحماس
إسرائيل ردت على صواريخ لبنان بقصف مواقع قالت إنها تابعة لحماس

لم يطل تنفيذ الحكومة الإسرائيلية لتهديها بتوجيه ضربة عسكرية في لبنان رداً على إطلاق صواريخ أمس الخميس من سهل القليلة في مدينة صور جنوب البلاد، فقبل بزوغ فجر اليوم التالي هاجمت أهدافاً تابعة لحركة حماس بعد أن اتهمتها بالوقوف خلف الرشقات الصاروخية التي طالتها.

بعد اجتماع أمني إسرائيلي أعقب إطلاق الصواريخ، قال رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتانياهو، "سنضرب أعداءنا وسيدفعون ثمن عدوانهم"، ليأتي بعدها الرد محدوداً في لبنان، باستهداف ثلاثة مواقع في جنوب البلاد، حيث ذكر الجيش الإسرائيلي أنه لن يسمح "لمنظمة حماس الإرهابية بالعمل من داخل لبنان".

طالت الضربات الإسرائيلية أراض زراعية في سهل رأس العين الواقع في محيط مخيم الراشيدية للاجئين الفلسطينيين، مسفرة عن أضرار في الجسر والطريق، كما طالت أرضاً زراعية وحظيرة ماشية في سهل القليلة، ما أدى إلى نفوق عدد من الماشية والطيور، كما تضررت منشآت مشروع ري القاسمية، بحسب ما أفادت المصلحة الوطنية لنهر الليطاني، مشيرة في بيان إلى إصابة إحدى العبّارات وجزء من قناة الريّ التي تروي البساتين في منطقة القليلة وما بعدها، وقد باشرت "الفرق الفنية بالكشف الفني تمهيداً لإجراء الصيانة لإعادة تشغيل المشروع قبل موسم الريّ 2023".

ما أقدمت عليه إسرائيل وضعته حكومة تصريف الأعمال اللبنانية في خانة "الانتهاك الصارخ" لسيادة بلدها وخرقاً فاضحاً لقرار مجلس الامن الدولي 1701، وتهديداً للاستقرار الذي كان ينعم به الجنوب اللبناني، وبعد تشاور رئيسها مع وزير الخارجية عبد الله بو حبيب، أوعز الأخير إلى بعثة لبنان الدائمة لدى الأمم المتحدة في نيويورك، تقديم شكوى رسمية لمجلس الأمن الدولي.

التصعيد على الحدود اللبنانية الجنوبية هو الأكبر منذ حرب يوليو 2006، إلا إن هذه المرة، الجانبان اللبناني والإسرائيلي لا يريدان حربا بحسب ما أبلغا قوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان "اليونيفيل"، التي حثت جميع الأطراف على وقف أعمال التصعيد عبر الخط الأزرق، معتبرة "الإجراءات التي تمت خلال اليوم الماضي خطيرة وتنذر بتصعيد خطير".

كذلك اعتبر وزير الدفاع اللبناني، موريس سليم أن "هذا التطور يشكل تهديداً مباشراً للأمن والاستقرار في الجنوب" وإذ أكد التزام لبنان بقرار مجلس الأمن الدولي 1701، شدد على أن "الجيش كان وسيبقى حريصاً على أقصى درجات التعاون مع اليونيفيل واتخاذ الإجراءات المناسبة لضبط الأمن والحفاظ على الاستقرار والهدوء في الجنوب والجهوزية الدائمة للتصدي لأي عدوان".

هنية.. والسيادة اللبنانية

ما إن أطلقت الصواريخ من جنوب لبنان حتى دان ميقاتي، العملية، مشدداً على أن "الجيش وقوات يونيفيل يكثفان تحقيقاتهما لكشف ملابسات العملية وتوقيف الفاعلين"، لافتاً في بيان إلى أن "لبنان يرفض مطلقا أي تصعيد عسكري ينطلق من أرضه، واستخدام أراضيه لتنفيذ عمليات تتسبب بزعزعة الاستقرار القائم".

لكن وزير الثقافة القاضي محمد وسام المرتضى، لم يرق له كلام رئيس الحكومة، فعلّق كاتباً "لا نسعى إلى الحرب، والكلام الرسمي اللبناني الذي صدر بهذا المعنى هو موقفٌ جميل. لكن هذه اللغة لا تجدي نفعاً مع إسرائيل، بل يمكن أن تجعلها تُسيء الفهم وتخطئ التقدير. الموقف الأوضح: أيّ اعتداء على لبنان سوف يجرّ على إسرائيل ويلات لا قدرة لها على استيعابها. إيّاها والتهوّر".

ربط بعض اللبنانيين عملية إطلاق الصواريخ بزيارة رئيس المكتب السياسي لحركة "حماس" إسماعيل هنية للبنان، حيث وصل يوم الأربعاء الماضي، لكن المحلل السياسي فيصل عبد الساتر ينفي ذلك، كون " زيارته كانت قائمة من دون أن يعلم أحد بالتصعيد الإسرائيلي في المسجد الأقصى" لافتاً في حديث لموقع "الحرة" إلى أنه "دائما ما يطرح مثل هذا السؤال عند زيارة أي مسؤول رفيع من قادة المقاومة الفلسطينية إلى لبنان الذي احتضن حركات المقاومة، خاصة مع وجود حزب الله الذي يشكل رأس الحربة الآن في هذه المعادلة".

لكن الباحث السياسي الدكتور مكرم رباح يعتبر في حديث لموقع "الحرة" أن "زيارة هنية إلى لبنان هي الاعتداء على سيادة هذا البلد، وليس إطلاق الصواريخ من سهل القليلة واعتبار أن الفلسطينيين هم من أطلقوها، في وقت حماس وحزب الله ينتميان إلى ذات المنظومة".

من جانبه وجّه رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع عدة أسئلة إلى الحكومة اللبنانية "أولها، ما هي الموجبات الوطنية التي تحتِّم في هذه اللحظة بالذات إطلاق عشرات الصواريخ من جنوب لبنان باتجاه اسرائيل؟، ثانياً، ماذا سيكون ردّ فعل الحكومة اللبنانية إزاء تعهداتها الالتزام بمندرجات القرار 1701؟

أما السؤال الثالث الذي وجهه جعجع للحكومة فهو "ماذا لو تحطّم لوح زجاجي واحد في منزل مواطن لبناني في الجنوب جراء تبادل الصواريخ والقصف المدفعي، فمن أين ستأتي الحكومة اللبنانية بالأموال اللازمة لإصلاحه؟ هذا عدا عن السؤال الأساسي والمحوري والملحّ: هل اجتمعت الحكومة اللبنانية أو اتخذت قرار إطلاق الصواريخ من الجنوب باتجاه إسرائيل"؟.

وأضاف في بيان "إن الحكومة اللبنانية، ولو كانت حكومة تصريف أعمال كما كل الحكومات التي سبقتها في الآونة الأخيرة، تكون بتخليها عن القرار الاستراتيجي للدولة لمصلحة محور الممانعة قد تخلّت عن مسؤوليتها الرئيسية في الحفاظ على أمن الوطن والمواطن. إن المرشح الرئاسي الذي لا يتعهّد بإعادة القرار الاستراتيجي بأكمله إلى الدولة اللبنانية لا يصحّ ان يكون لا مرشحاً ولا رئيساً".

أما رئيس حزب الكتائب اللبنانية النائب سامي الجميل، فتوجه إلى رئيس مجلس النواب نبيه بري عبر تغريدة على حسابه عبر "تويتر"، جاء فيها، "يبدو أن رئيس مجلس النواب اللبناني راضٍ عن استخدام جنوب لبنان كمنصة لإطلاق أكثر من 60 صاروخ من قبل حماس وتعريض أهله للخطر"، وأضاف، "فلم نسمع منه شيئاً".

مواقف متناقضة

وفي الوقت الذي آثرت بعض القوى السياسية عدم التعليق عما حدث حتى اللحظة، ندد عضو كتلة "التنمية والتحرير" النائب علي عسيران، بما وصفه "العدوان الإسرائيلي" مؤكدا "التزام لبنان بالقرار الدولي 1701"، معتبرا ان "إسرائيل المعتدية، ما تزال تضع لبنان وجنوبه على منظار التصويب والاستهداف العسكري، وأن الاعتداءات الإسرائيلية التي طاولت بلدات في منطقة صور إنما هي خرق للقرار 1701 واعتداء على السيادة اللبنانية".

ولفت في بيان، إلى أن "كما هي العادة، تقوم إسرائيل بالاعتداء على لبنان وغزة للفت الأنظار عن مشاكلها الداخلية وهذه الأمور لم تعد تجدي نفعا، والطريق الوحيد للقضية الفلسطينية ما قرره القادة العرب عام 2000 في القمة العربية التي انعقدت في بيروت، وهي الحل الأكيد في الدولتين، ولبنان سيتصدى للاعتداءات الإسرائيلية بكل ما لديه من قوة".

وفي موقف معاكس، رفض رئيس ''المجلس الوطني لرفع الاحتلال الايراني عن لبنان'' النائب السابق فارس سعيد "أن يتحوّل لبنان صندوق بريد بين أجنحة إيران أو بين إيران وإسرائيل" وأضاف في تغريدة "برّادات البيوت خالية من دون حرب كيف إذا دخلت الحرب إلى بيت كل منّا والكهرباء "شمّ و لاتدوء" كيف لو قصفت إسرائيل منشآتنا والدولة شبه موجودة كيف لو أحرجها حماس أو حزب الله أو إسرائيل أو الكل معاً؟ نريد الحياة".

وفي تغريدة ثانية كتب سعيد "أنشأ حزب اللهُ عملياً "حماس لاند" في الجنوب تحت أعين قوات الـ 1701 والجيش…تتحمّل الحكومة مسؤوليّة الانحلال أمام حزب اللهُ تتحمّل الأحزاب ومن ضمنها "السياديّة" مسؤولية عدم اعتبار لبنان تحت الاحتلال الإيراني والاكتفاء بالكلام عن سلاح "غير شرعي".

كما عبّر النائب نديم الجميّل عن غضبه من إطلاق صواريخ من جنوب لبنان، معتبراً في تغريدة أن ميليشيا إيران وحليفتها حماس ومحور الإرهاب يصرون على أن يكون لبنان منصة صواريخ، ويصرون على جره إلى حروب لا علاقة له فيها وأن يدمروا ما تبقى منه، وكتب في تغريدة "إذا بدن يحرروا فلسطين يروحوا هني واسماعيل هنية يحرروها من داخل الاراضي الفلسطينية، مش من لبنان".

واليوم الجمعة غرّد الجميل كاتباً "ما حدث في الجنوب ليس إلا نتيجة المصالح المشتركة بين الطرفين: فإسرائيل مصلحتها شد العصب ومواجهة المعارضة الداخلية، وحماس بغطاء حزب الله الذي استعجل ونفى علاقته، أوهمت الفلسطينيين أنها تقاوم الإسرائيلي من الأراضي اللبنانيّة" مضيفاً "باختصار مسرحية وتنسيق من تحت الطاولة.. إذا مش عملاء، حلفاء".

"صحيح ما حدث في الأمس هو الأكثر سخونة منذ عام 2006 بالبعدين الأمني والسياسي، نظرا لحساسية الواقع والأزمة اللبنانية"، كما يقول عبد الساتر، لكن ما يستغربه أن "بعض الأجواء اللبنانية تنطق بلسان يخدم إسرائيل، كما طالعتنا بعض الصحف اللبنانية، فلو تم حذف اسم الكاتب، يدرك القارئ أنه يكتب بنفس إسرائيلي، وهو ما يسعد إسرائيل كونها وجدت صدى لما تريد أن تحدثه".

 ويشدد "لا تؤثر انتهاكات إسرائيل لسيادة لبنان على هؤلاء الصحفيين أو السياسيين، لكن ان يقوم أي فصيل فلسطيني او اي مقاوم لبناني ليس له ارتباط تنظيمي مباشر بحزب الله بما حدث في الأمس، تطرح الأسئلة فيما ان كان خلف ذلك قرار حزب الله وفيما ان كان الامر لمصلحة لبنان".

 يرفض عبد الساتر اعتبار بعض اللبنانيين ان لا علاقة للبنان بما يحدث، ويقول" هناك 400 إلى 500 ألف فلسطيني في لبنان، متواجدين منذ ما يزيد عن الـ 80 عاما، وفلسطين على بعد أمتار منهم، فهل المطلوب أن يروا ما يتعرض له شعبهم ويمنع عليهم حتى الصراخ ولو بصاروخ ممكن أن يحدث هذا الرعب لدى إسرائيل".

استبعاد التصعيد

الصواريخ التي أطلقت ليست بالفعالية الميدانية المهمة كالصواريخ التي يمتلكها حزب الله، كما يقول عبد الساتر "مما يدل على أن الفصائل الفلسطينية هي المسؤولة عنها، إلا أنها تحمل رسالة رد على استباحة الإسرائيليين المتواصلة، والأهم من ذلك أنها أحدثت خوفا غير مسبوق لديهم خاصة في منطقة الجليل المحاذية للبنان" مرجحاً "عدم إقدام إسرائيل على فعل أي شيء تجاه لبنان كونها تعلم أن ما ينتظرها أشياء وأشياء وبأن جهوزية حزب الله في لبنان في أعلى المستويات".

وفيما إن كان بإمكان أي فصيل فلسطيني إطلاق صواريخ من دون علم حزب الله، أجاب "هذا السؤال دائما ما يطرح وكأن الحزب شرطي حدود" متسائلاً "لماذا لا تسأل قوات اليونيفيل والجيش اللبناني والحكومة اللبنانية على ذلك، مع العلم أن طبيعة الجغرافيا الموجودة في الجنوب تحول دون تمكن أحد من ضبطها". 

كذلك اعتبر رباح أن نوعية الصواريخ المستخدمة "الكاتيوشا" دليل على عدم رغبة حزب الله بتبني العملية، "فمن الواضح أنه لا يريد فتح جبهة مع إسرائيل في هذا التوقيت بل فقط غسل ماء وجهه من خلال الإيحاء بأنه يدافع عما يجري في المسجد الأقصى وأنه يوحّد الجبهات".

 ويضيف رباح "هناك أمر عمليات واضح بتوحيد كلام محور الممانعة، في تذكير إضافي بأن لبنان محتل من حزب الله الذي يستخدم هذا البلد ورقة ضغط في وقت المنطقة كلها تتغير، كما أن إسرائيل لا تريد فتح جبهة وقد بدى ذلك من خلال اعلانها السريع عن أن تنظيماً فلسطينياً هو المسؤول عن إطلاق الصواريخ، واختصار الرد بضرب محيط مخيم الراشيدية وسهل القليلة".

مصارف لبنان

في تحول تاريخي لعمل القطاع المصرفي اللبناني، أقرّ مجلس النواب الخميس تعديلات على قانون السرية المصرفية تسهّل للهيئات الناظمة الحصول على كامل المعلومات المتعلّقة بالحسابات.

جاءت الخطوة تلبية لمطلب رئيسي من مطالب صندوق النقد الدولي.

واعتبر رئيس الوزراء اللبناني، نواف سلام، القرار "خطوة ضرورية نحو الإصلاح المالي المنشود وركيزة أساسية لأي خطة تعافٍ، ولكشف الحقائق" بشأن الأزمة المالية التي بدأت عام 2019.

والجمعة، نُشر في الجريدة الرسمية اللبنانية قانون تعديل بعض المواد المتعلقة بسرية المصارف في لبنان، بما في ذلك تعديل المادة 7 (هـ) و (و) من القانون المتعلق بسرية المصارف الذي أقرّ عام 1956، وكذلك تعديل المادة 150 من قانون النقد والتسليف الصادر في عام 1963، بموجب القانون رقم 306 الصادر في 28 تشرين الأول 2022.

وينص التعديل الجديد على تعديل المادة 7 (هـ) من القانون المتعلق بسرية المصارف بما يسمح بمشاركة معلومات مصرفية بين مصرف لبنان، ولجنة الرقابة على المصارف، والمؤسسة الوطنية لضمان الودائع، في إطار تعزيز مراقبة القطاع المصرفي وحماية النظام المالي. 

ويشمل التعديل أيضا صلاحيات تعديل وإنشاء مؤسسة مختلطة لضمان الودائع المصرفية.

أما المادة 7 (و) فتتيح للجهات المعنية، مثل مصرف لبنان ولجنة الرقابة على المصارف، طلب معلومات مصرفية محمية بالسرية دون تحديد حساب أو عميل معين. ويتيح التعديل إصدار طلبات عامة للحصول على معلومات عن جميع الحسابات والعملاء، إلا أن هذه الطلبات يمكن أن تكون قابلة للاعتراض أمام قاضي الأمور المستعجلة، ويخضع الاعتراض للأصول القانونية المتعلقة بالاعتراض على العرائض.

وفي ما يتعلق بالمادة 150 من قانون النقد والتسليف، تضمن التعديل رفع السرية المصرفية بشكل كامل وغير مقيد أمام مصرف لبنان ولجنة الرقابة على المصارف، بالإضافة إلى المدققين والمقيمين المعينين من قبل مصرف لبنان أو اللجنة.

وتشمل التعديلات الحسابات الدائنة والمدينة، سواء كانت ضمن أو خارج الميزانية، كما تتيح رفع السرية المصرفية عن سجلات ومستندات ومعلومات تعود إلى أشخاص معنويين أو حقيقيين يتعاملون مع المصارف أو المؤسسات المالية الخاضعة للرقابة. ويشمل تطبيق هذا التعديل بأثر رجعي لمدة عشر سنوات من تاريخ صدور القانون.

وقد شهد لبنان خلال الأسابيع الماضية نقاشات حادة، رأى فيها معارضون للخطوة أن هذا القانون ورفع السرية المصرفية طي لصفحة من تاريخ لبنان المالي العريق من خلال "إلغاء ميزة تفاضلية،" وبأن كشف الفساد ليس معطلاً بسبب السرية المصرفية.

ويرى المتحمسون للقانون أن من شأن التعديلات الجديدة تعزيز الشفافية في القطاع المصرفي في لبنان وتحسين مراقبة ومراجعة العمليات المصرفية، في وقت يشهد فيه القطاع المصرفي تحديات كبيرة في ظل الأزمة المالية المستمرة.

وأوضحت "المفكرة القانونية" وهي منظمة حقوقية غير حكومية، في بيان أصدرته أن التعديل يخوّل "الهيئات الرقابيّة والهيئات النّاظمة للمصارف، وتحديدًا مصرف لبنان ولجنة الرقابة على المصارف والمؤسسة الوطنية لضمان الودائع، طلب الحصول على جميع المعلومات المصرفية، من دون أن يربط طلب المعلومات بأيّ هدف معيّن، وإمكانية التدقيق في الحسابات بالأسماء، تصحيحا لقانون 2022" والذي تضمن بعض التعديلات.

يعتمد لبنان السرية المصرفية منذ عام 1956، وكان لذلك أثر كبير في جذب رؤوس الأموال والودائع وتوفير مناخ الاستقرار الاقتصادي. وبموجب هذا القانون تلتزم المصارف الخاضعة لأحكامه السرية المطلقة، إذ لا يجوز كشف السر المصرفي سواء في مواجهة الجهات الخاصة أو السلطات العامة، وسواء كانت قضائية أو إدارية أو مالية، إلا في حالات معينة في القانون وردت على سبيل الحصر، وهي:

1- إذن العميل او ورثته خطيًا.
2- صدور حكم بإشهار افلاس العميل.
3- وجود نزاع قضائي بينه وبين البنك بمناسبة الروابط المصرفية. 
4- وجود دعاوى تتعلق بجريمة الكسب غير المشروع. 
5- توقف المصرف عن الدفع، إذ ترفع في هذه الحالة السرية المصرفية عن حسابات أعضاء مجلس الإدارة والمفوضين بالتوقيع ومراقبي الحسابات. 
6- الاشتباه في استخدام الأموال لغاية تبييضها، وعندها ترفع السرية المصرفية بقرار من هيئة التحقيق الخاصة لمصلحة المراجع القضائية المختصة والهيئة المصرفية العليا، وذلك عن الحسابات المفتوحة لدى المصارف أو المؤسسات المالية.

وبالفعل ومنذ إقرار هذا القانون ازدهر القطاع المصرفي اللبناني واستطاع جذب رؤوس أموال، لكن كل ذلك تغير مع اندلاع الحرب الأهلية في منتصف السبعينيات، وبدأت الليرة اللبنانية رحلة الانهيار. خمسة عشر عاما من الاقتتال، انتهت بتسويات سياسية، تبعها نظام اقتصادي جديد، قاده منذ عام 1993 الراحل رفيق الحريري رئيسا للحكومة، ورياض سلامة حاكما لمصرف لبنان المركزي، سعيا وراء الاستقرار. 

وبعد أربع سنوات من استلام منصبه، نجح سلامة في تثبيت سعر العملة اللبنانية، عند 1500 مقابل الدولار الأميركي.

استمرت تلك المعادلة أكثر من عقدين، لكنها كانت تحتاج إمدادات لا تنقطع من العملة الصعبة للمحافظة على استمرارها. وفي محاولة لسد العجز، سعت المصارف اللبنانية لجذب حصيلة كبيرة من العملة الخضراء عبر تقديم فوائد مرتفعة على الودائع الدولارية، فوائد تراوحت بين 15 و 16 في المئة.

نتيجة للفوائد البنكية المرتفعة، شهدت ودائع القطاع المصرفي اللبناني نمواً سنوياً وصل ذروته بقرابة 12 مليار دولار خلال عام 2009.

أغرت الفوائد العالية المقيمين والمغتربين، ليصل إجمالي الودائع في المصارف اللبنانية إلى أكثر من 177 مليار دولار في نهاية نوفمبر عام 2018. 

منذ عام 2017، تراجع الاحتياطي في خزينة مصرف لبنان، رغم محاولات جذب الدولار. وفي صيف عام 2019، لاحت بوادر صعوبة في توافر الدولار في الأسواق اللبنانية، فارتفع سعر صرفه مقابل الليرة للمرة الأولى منذ أكثر من 20 عاما، ما دفع الحكومة لاتخاذ إجراءات استثنائية. لكن البعض يرى أن تلك القرارات جاءت متأخرة.

في أكتوبر 2019، انفجر الشارع اللبناني مطالبا بإسقاط السلطة السياسية، وأغلقت المصارف أبوابها، لكن تقارير صحفية تحدثت عن عمليات تحويل لأرصدة ضخمة الى خارج البلاد.

في تقرير لصحيفة فاينانشال تايمز البريطانية، نُشر في صيف 2020، فإنه، وفقا لكبير موظفي الخدمة المدنية المالية السابق في لبنان ومدير عام وزارة المالية السابق ألان بيفاني، قام مصرفيون بتهريب ما يصل إلى 6 مليارات دولار من لبنان منذ  أكتوبر 2019، في تحايل على الضوابط التي تم إدخالها لوقف هروب رأس المال، مع غرق البلاد في أسوأ أزمة مالية منذ ثلاثين 30 عاما، بينما بات مصير مليارات الدولارات مجهولًا. 

بدأت الأزمة المالية بالظهور تدريجيا، لكنها انفجرت حرفيا منذ اندلاع الاحتجاجات في شهر أكتوبر عام 2019. وتشير تقارير رسمية إلى أن أموالا طائلة تصل إلى مليارات الدولارات تم تحويلها إلى الخارج، بينما تم حجز ودائع صغار زبائن البنوك، من دون ضمانات لحماية ودائع المواطنين، ولا سيولة نقدية.

وتقدر تقارير دولية والمصرف المركزي اللبناني أن ودائع صغار زبائن البنوك بحوالي 121 مليار دولار منها ودائع لغير المقيمين تُقدّر بـ20 مليار دولار، وأصحابها لبنانيون وعراقيون ويمنيون وليبيون ومصريون ومن دول الخليج، إضافة لودائع للسوريين، يقدر المصرفيون بأنها أكثر من 3 مليارات دولار.

وفيما تجري التحقيقات حول آلية تهريب الأموال، لم يصل المحققون المحليون ولا حتى الدوليون إلى جواب شاف، لكن كانت دائما "المصالح المتشابكة داخل النظام اللبناني" جزءا من الجواب.

وتعتبر البنوك اللبنانية مرآة للنظام من حيث التقسيم الطائفي، فغالبيتها تابعة لجهات سياسية ومقربين منها، الأمر الذيث كان واضحا في انعدام الرقابة على عمليات إدخال أموال حزب الله المهربة أو غير الشرعية إلى هذه البنوك، مما يعني عمليات تبييض وشرعنة لهذه الأموال.

منذ منذ عام 2001، وضعت الولايات المتحدة حزب الله على قائمة المنظمات الإرهابية، وفرضت عليه عقوبات ضمن خطة لمكافحة تمويل الإرهاب. وفي هذا الإطار صدر قانون مكافحة تبييض الأموال رقم 44، عام 2015، والذي لم يتم تعطبيقه، واكتفى مصرف لبنان بتعاميم، لم تغير واقع الحال.

بدأ لبنان في يناير 2022 مفاوضات رسمية مع صندوق النقد الذي طالما شدد على أنه لن يقدم أي دعم طالما لم تقرّ الحكومة إصلاحات على رأسها تصحيح الموازنة وإعادة هيكلة القطاع المصرفي وإصلاح المؤسسات العامة والتصدي للفساد المستشري.

وأعلن الصندوق في أبريل من العام ذاته اتفاقا مبدئيا على خطة مساعدة بقيمة ثلاثة مليارات دولار على أربع سنوات، لكنّ تطبيقها كان مشروطا بإصلاحات لم يتم تنفيذ معظمها.

في سبتمبر عام 2024، أوقف الحاكم السابق لمصرف لبنان، رياض سلامة، وهو حتى اليوم قيد التحقيق في اتهامات بغسيل الأموال وشراء وبيع سندات خزينة الحكومة اللبنانية. ومنذ انهيار حزب الله اللبناني، في حربه مع إسرائيل، وصعود ما سمي بالعهد الجديد، أقرت حكومة نواف سلام مشروع قانون لإعادة هيكلة المصارف، استجابةً لمطالب صندوق النقد الدولي، الذي اشترط تنفيذ إصلاحات جذرية، بينها رفع السرية المصرفية، كشرط أساسي لأي دعم مالي للبنان، كما تأتي في ظل إدراج مجموعة العمل المالي (FATF) لبنان على اللائحة الرمادية بسبب ثغرات خطيرة في مكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب.

من المتوقع أن تسهم هذه التعديلات في تعزيز الشفافية المالية، ومكافحة الفساد وتبييض الأموال والتهرب الضريبي، كما يُتوقع أن تفتح الباب أمام إعادة هيكلة النظام المالي اللبناني بالكامل، واستعادة ثقة المجتمع الدولي، وتأمين الدعم المالي اللازم من الجهات المانحة.

إلا أن نجاح هذه الخطوة لا يقاس فقط بالكشف عن الحسابات، بل العبرة في التنفيذ في ظل نظام قضائي شبه مهترئ وتورط بعض من أصحاب النفوذ السياسي والمالي أنفسهم.

لبنان اليوم أمام مفترق طرق، فإما أن يسلك طريق العهد الجديد الذي وعد به اللبنانيون، أو يظل الفساد العنوان الأبرز في سياسات لبنان المالية المقبلة.