كشفت دراسة أعدتها مؤسسة "سمير قصير"، تصاعد خطاب الكراهية في لبنان حتى بات نهجا "منظّما" يُستخدم للتأثير على الرأي العام ونظرته إلى الأفراد، والمجموعات، والسياسة.
بعد رحلة بدأتها المؤسسة، في ديسمبر 2020، استغرقت عامين، رصدت خلالها حملات الكراهية والظروف المحيطة بها، وأهدافها، والمتعاطفين معها، ومرتكبيها، والأنماط التي تتّخذها، توصلت إلى نتائج الدراسة التي نشرتها باللغة الإنكليزية تحت عنوان "730 يوما من الكراهية.. مدى خطاب الكراهية في الإعلام اللبناني وعلى وسائل التواصل الاجتماعي".
ركّزت "سمير قصير" جهودها على ثلاث منصّات إعلامية أساسية هي: التلفزيون، فيسبوك، وتويتر، فتمّت صياغة منهجية مخصّصة لكل من هذه المنصّات، بالتشاور مع معهد التنوّع الإعلامي، وذلك ضمن إطار مشروع أوسع يُعرف باسم "إعلام شمولي، مجتمع متماسك" (IMeCS)، والذي يهدف إلى توعية الإعلام بمخاطر خطاب الكراهية، وبناء قدرات الوسائل الإعلامية المستقلّة، وتوسيع نطاق التغطية بحيث تشمل المجموعات المهمّشة.
وتشرح الدراسة أن "الكراهية ليست مجرّد شعور، بل يمكن اعتبارها، عندما تتجلّى بأخطر أشكالها، عملية تفكيرية وأداة سياسية. ففي المجال السياسي، تعطّل الكراهية العلاقات الإنسانية بجوانبها كافة، وما تلبث أن تتشعّب وتتضخّم إلى أن تُسفر لا محالة عن الكوارث والمآسي".
وتضيف: "عندما يكتسح الخطاب السياسي المرتكز على كراهية فئة معيّنة، أو فكرة محدّدة، العقلية الجماعية لفئة سكّانية معيّنة أو مجموعة من الأشخاص، يكتسب قوة فائقة حتى يصبح احتواؤه عملية عسيرة جداً. وليس هذا فحسب، بل المقلق على حدٍّ سواء هو قدرته على تحويل الأفراد إلى ماكينات مروّجة للكراهية، واستغلال هذا التأثير الجماعي لتمهيد الطريق نحو العنف. يُعرف هذا الخطاب بخطاب الكراهية".
خطاب الكراهية "مميت"، حيث واجه عدة أشخاص عنفا جسديا وصل إلى حد القتل، وقد أضاءت الدراسة على حادثة اغتيال الكاتب والباحث والناشط السياسي اللبناني، لقمان سليم، لافتة إلى أنه "في سبتمبر 2021، نشرت مؤسسة سمير قصير دراسةً عن شبكات الكراهية التي ترصّدت سليم وهي على درجة كبيرة من التعقيد استهدفته حتى ما بعد وفاته".
وتوصلت إلى أن استخدام خطاب التعصّب والتهميش بات يُوظَّف بشكل ممنهج، في خدمة السردية القائمة على إقصاء "الآخر" وتصنيفه ضمن خانات معيّنة، لجملة من الأسباب، منها على سبيل المثال لا الحصر الميول الطائفية المترسّخة.
التصويب على اللاجئين.. في التلفزيون
ويحتاج خطاب الكراهية، بحسب الدراسة، إلى وسيط لكي ينمو ويستشري، "وعلى غرار أي خطاب آخر، يتفشّى، ويكتسب جمهوراً أوسع، ثم يتجلّى بكل استفزاز عندما يُمسي معمّماً في الخطاب السائد، فيبدو الخط الفاصل بينه وبين حرية التعبير مموّهاً بشكل متعمّد. في هذا الإطار، تبرز وسائل الإعلام كالمنبر النموذجي لتعميم خطاب الكراهية. وكلّما كانت الوسيلة الإعلامية راسخةً ومُمَأسسة، ساهمت بشكل أفضل في تبرئة خطاب الكراهية وتلميع صورته".
وتؤكد الصحفية والباحثة في مؤسسة "سمير قصير"، وداد جربوع، التي شاركت في إعداد هذه الدراسة، أن منسوب خطاب الكراهية ارتفع على مواقع التواصل الاجتماعي بصورة أكبر بكثير من القنوات التلفزيونية، وهو يرتبط بوقوع حدث ما، "على سبيل المثال، عند اكتشاف أول حالة كوليرا مؤخرا في لبنان، بدأت المنشورات التي تتهم اللاجئين بأنهم السبب خلف ذلك، فتوجه خطاب الكراهية ضدهم خلال تلك الفترة".
واختلفت الفئات المستهدفة بحسب الوسيلة التي جرى رصدها، حسبما تقول جربوع لموقع "الحرة"، إذ "خلال رصد القنوات التلفزيونية تبين أن اللاجئين السوريين هم أكثر فئة مستهدفة في نشرات الأخبار والبرامج التلفزيونية، بينما ظهر أن النساء هن أكثر فئة مستهدفة على تويتر وأن مجتمع الميم- عين هو أكثر المستهدفين على فيسبوك".
وفي التلفزيون، تم رصد النشرات الإخبارية الرئيسية ومحتوى البرامج الحوارية البارزة في سبع قنوات لبنانية في الأيام السبعة الأولى من كل شهر فقط، في الفترة الممتدة بين ديسمبر 2020 ونوفمبر 2022.
وقبل التطرق إلى النتائج التي تم التوصل إليها، جرت الإشارة إلى أن الإعلام اللبناني ليس مسؤولا عن صناعة خطاب الكراهية، لكنه يقع في فخ هذا الخطاب، وتحديدا خطاب الكراهية ضدّ اللاجئين السوريين، و"الذي يكتسب شرعيته من الخطاب الرسمي اللبناني، الذي حمّل دائما اللاجئين السوريين مسؤولية الوضع المتردّي في البلاد، داعيا إياهم بشكل متكرّر للعودة إلى بلادهم، في محاولة للتهرب من المسؤولية الحقيقية التي تقع على عاتق السياسيين والهروب من إخفاقاتهم وصولاً إلى الإستثمار السياسي في القضايا الحقوقية".
وظهر خطاب الكراهية أو المحتوى الإشكالي في النشرات الإخبارية التي تُبثّ في وقت الذروة بشكل مباشر إما من الصحفي، أي معدّ التقارير، أو من خلال المقابلات التي أُجريت مع أفراد معنيين بالقضية كمواطنين أو محامين أو سياسيين.
وعن توزّع نسب خطاب الكراهية ضدّ الفئات المهمّشة، سجلت الدراسة 6 تقارير من أصل 12 تقريرا، تتضمّن خطاب كراهية ضدّ اللاجئين، أي بنسبة 50 في المئة، تليها 5 تقارير تتضمّن خطاب كراهية ضد النساء بنسبة 41 في المئة، وتقرير واحد يتضمّن خطاب كراهية ضد العمّال الأجانب بنسبة 9 في المئة، في حين لم يُسجّل أي خطاب كراهية ضدّ الأشخاص ذوي الإعاقة أو "مجتمع الميم- عين" خلال الفترة المرصودة، علما بأنه كان هناك تهميش واضح لقضايا واحتياجات هذا المجتمع، إلا أنه لم يُسجّل أي تقرير يتعلّق به في القنوات السبع خلال فترة الرصد.
وفي ما يتعلق بنسبة التغطية لكل فئة من الفئات المهمّشة، تصدّرت المواضيع التي تتعلّق بالأشخاص ذوي الإعاقة النسبة الأعلى، إذ سُجّلت 4 مواضيع من أصل 9، أي بنسبة 45 في المئة، تلتها النساء بـ3 مواضيع وبنسبة 33 في المئة، ثم اللاجئين بموضوعين وبنسبة 22 في المئة، فيما لم يُسجّل أي تقرير حول مجتمع "الميم - عين" والعمال الأجانب في الفترة المرصودة.
ولخطاب الكراهية في لبنان مصادر عدة، بحسب رئيس المركز اللبناني لحقوق الإنسان، وديع الأسمر، الذي شرح في حديث لموقع "الحرة" أنه "بعد أن كنا نشهد حملات غير منظمة خلف هذا الخطاب، بدأنا نلمس في الفترة الأخيرة أنها أصبحت منظمة، اذ ليس من باب الصدفة أن يتطرق شخص ما إلى موضوع معين لتبدأ بعدها مجموعات بدعمه بهدف إرسال رسائل محددة"، كذلك تقول جربوع "بعض حملات خطاب الكراهية ممنهجة لاسيما تلك التي تشن على صحفيين، في حين ان بعضها الآخر يكون عفويا".
المرأة في مرمى حملات تويتر
وخلال رصد "تويتر"، توصلت الدراسة إلى أنّ "الهاشتاغات" لم تُستخدم بشكل متكرر كما كان متوقعا في البداية. وأن جزء كبيرا من الخطاب الإشكالي، انتشر عن طريق حسابات ذات مواصفات متشابهة، لكن غير مرتبطة بالضرورة بشبكة متينة من الحسابات الأخرى في كافة الحالات.
ولعب "الجندر" دورا محوريا في عملية الرصد، فتبين أن الرجال هم أكثر من نشر التغريدات بمعدّل 68 في المئة، مقابل 21 في المئة من النساء، بالإضافة إلى 11 في المئة من التغريدات تعذّر تحديد نوع صاحبها، كما شكّلت النساء الشريحة الأكثر استهدافاً في المجتمع من بين سائر الأقلّيات التي تمّ تحديدها؛ وظهر أن عدد الهجمات التي استهدفت النساء كان أكثر بقليل من تلك التي استهدفت الرجال.
بحسب الدراسة تعتبر العاملات في المجال الإعلامي، في أغلب الأحيان، هدفا للخطاب الإشكالي، لاسيما الإعلاميات اللواتي ينتقدن حزب الله والتيار الوطني الحر. فمن جهة، توصف هؤلاء الإعلاميات بطريقة سلبية، وِفقاً لمعايير أبوية بالية، في محاولة للاستخفاف بآرائهن من خلال افتراءات تنمّ عن كره النساء. ومن جهة أخرى، يتمّ تشويه سمعتهنّ عبر وصفهنّ بـ "العميلات" بهدف التشكيك في مصداقيتهن وتعزيز خطاب قائم على "نحن مقابل هم" و"الخير مقابل الشر".
وأشارت الدراسة إلى الهجمات المتكررة التي سُجّلت في مختلف مراحل الدراسة على الصحفية ديما صادق، والتي تضمّنت في أغلب الأحيان شتائم متعلّقة بشخصها كامرأة، ومعايرتها بالفسق والفجور، وغير ذلك، لمجرّد أنها تملك آراء سياسية مختلفة أو لأنها عبّرت عنها بطريقة استفزّت خصومها السياسيين.
وكشفت أن مناصري حزب الله كانوا أكثر المهاجمين، بنسبة 39 في المئة، تلاهم مناصرو التيار الوطني الحر بنسبة 17 في المئة، والقوات اللبنانية بنسبة 7 في المئة، فضلاً عن بعض التغريدات التي نشرها مناصرو حركة أمل بنسبة 2 في المئة، عن ذلك تعلق جربوع "كشف الأحزاب التي تستهدف الفئات المهمشة بخطاب الكراهية، كان من ضمن منهجية الرصد، وقد ظهرت هذه النتيجة كما ظهر ان الامر لا يقتصر على عناصر الأحزاب، بل يشمل مناصريها كذلك".
خطاب الكراهية من العقبات التي تواجهها المرأة وهي في طريقها إلى التحرر، كما تقول المحامية في منظمة كفى، فاطمة الحاج، شارحة: "يتم وضع النساء في لبنان ضمن إطار معين، واي واحدة تخرج عن الصورة النمطية التي رسمت لها اجتماعيا ستواجه الجيوش إلكترونية المتأهبة لتوجيه حملات ضدها على مواقع التواصل الاجتماعي بطريقة مغرضة، ومن الكلمات المعنّفة التي يتم استخدامها ضدها في العادة شاذة وناشز".
الهدف من الحملات الممنهجة التي تشن ضد النساء بحسب ما تشدد الحاج في حديث لموقع "الحرة" "تخويف بقية النساء وإرسال رسالة لهن بأن مصيرهن سيكون مشابها فيما لو أقدمن على ذات الخطوة، وأن الثمن الذي سيدفعنه كبير نفسيا واجتماعيا، وفعلا هناك من يصبن بالاكتئاب نتيجة الحملات التي تطالهن".
وتوجهت المحامية في كفى إلى المرأة بالقول "خطاب الكراهية الموجه ضدك هو نيشان على صدرك، واثبات أنك تحديت المجتمع والإطار الذي رسم لك، وأنك تسيري على الطريق الصحيح، استمري ولا تأبهي فمن حقك أن تعيشي حرّة وألا ينظر إليك نظرة دونية".
ولم تُرصد الدراسة أي حملة كبيرة لمناهضة مجتمع الميم على "تويتر"، حيث "كان الخطاب الموجّه ضدّ هذه الفئة إما غير موجود وإما مبطّن في أغلب الأحيان، فضلاً عن ذلك، تُوجّهت أصابع اللوم والتأنيب غالباً إلى المهاجرين واللاجئين بسبب القضايا المجتمعية المتفشّية في أوقات الأزمات. لكنّ الاستنتاج الأهم هو أنّ الخلاف السياسي ما زال يُشكّل السبب الرئيسي للتبادلات الإشكالية والعنيفة على الشاشة الإلكترونية".
"المثليون".. والتحريض على فيسبوك
وأظهرت بيانات رصد فيسبوك أن اللاجئين يحتلّون المرتبة الثانية، بعد مجتمع الميم- عين، من حيث نسبة التعليقات الإشكالية. وأشارت الدراسة إلى أنّ حملات الكراهية ضد اللاجئين تشهد تقلّبات تِبعا للسياق الاجتماعي والاقتصادي للبلاد.
وفي الوقت الذي كانت فيه التغطية الإعلامية لمجتمع الميم- عين متدنّية بشكل ملحوظ بالمقارنة مع التغطية التي حظيت بها المجموعات المهمّشة الأخرى، بلغت نسبة التعليقات ذات الإشكالية على منصّات فايسبوك مستواها الأعلى، مسجّلةً 96 في المئة، ما يُسلّط الضوء بحسب الدراسة على مؤشّرين أساسيّين، هما "عدم تناول هذا المجتمع في الإعلام، والكراهية التي يتمّ التحريض عليها بحقّه على وسائل التواصل الاجتماعي".
استُخدم الخطاب العدائي ضدّ أفراد مجتمع الميم - عين في المناطق المحافظة، كما ورد في الدراسة كسلاح للتحريض على معارضة المرشّحين التقدّميين، المعارضين للمنظومة الحاكمة، في انتخابات 2022 النيابية، وازداد الطين بلّةً مع بروز مجموعات متطرّفة في مناطق معيّنة في بيروت، عُرفت باسم "جنود الرب"، ووصل الجدال إلى أوجه في يونيو 2022، خلال "شهر الفخر"، خاصة بعد أن حظر وزير الداخلية في حكومة تصريف الأعمال، بسام مولوي، التجمعات والاحتفالات التي "تروّج للمثلية الجنسية".
عدّة استنتاجات توصلت لها الدراسة في هذا السياق، بما في ذلك أنّ مجتمع الميم- عين ما زال يُعتبر "غير طبيعي" أو "مخالفاً للمعايير السائدة" وبشكل عام "يستحق" ما يُقال عنه من أقوال مبتذلة وأحكام مسبقة. فضلاً عن ذلك، تميل الأحزاب السياسية إلى استغلال هذا التركيب الاجتماعي وتوظيفه خدمةً لأغراض سياسية.
ومن المؤكد أن هناك تهميشا لقضية هذا المجتمع، كما يقول مدير جمعية براود ليبانون، برتو ماكسو أنه "في السابق كانت وسائل الإعلام تعطي مساحة أكبر لهذه القضية من الناحية الإنسانية، اما اليوم فحيز التغطية الإعلامية ضئيل إن لم يكن معدماً، ما يعكس تشدد المجتمع ضد هذه الفئة، ربما بسبب الفقر والحروب التي تشن ضدها والتي لها طوابع دينية".
مع التعتيم الإعلامي على قضية مجتمع الميم عين، تصاعد خطاب الكراهية ضد افراده على وسائل التواصل الاجتماعي. يقول ماكسو شارحا: "عندما يتخذ من هم فيه مواقع إدارية حكومية مواقف كراهية ضد هذا المجتمع من دون إقامة اي اعتبار لأي معاهدة دولية سبق أن وقع عليها لبنان ولا حتى لشرعة حقوق الإنسان ولا غيرها، كل ذلك من أجل إرضاء رجال الدين، عندها سيرتكز البعض على هذه المواقف لشن حملات ضد أفراد هذا المجتمع".
ويشدد: "لم يتوقف خطاب الكراهية ضد هذا المجتمع منذ زمن"، مذكرا بالحملة التي أطلقها رجال دين من مختلف الطوائف عام 2017، وبالمؤتمر الذي عقده المجلس الكاثوليكي للإعلام عامي 2015 و2016 حيث اتهم أفراد هذا المجتمع بارتكاب خطيئة والخروج عن القانون ونشر الأمراض ومعاناتهم أيضا من أمراض نفسية".
ويعيش أفراد مجتمع الميم عين، بحسب ماكسو "خوف وتنميط ورفض من قبل المجتمع، والأشخاص الأكثر عرضة لذلك هم الذين يظهر على شكلهم الخارجي أنهم من هذا المجتمع"، مشيرا إلى أنه يأمل أن يعود لبنان "بلد تقبل الآخر والثقافة ومدرسة حقوق الإنسان الذي تتعلم منه بقية الدول الرجعية".
خطوات المكافحة
وكشف رصد فيسبوك كذلك، أنه "خلال المنافسات السياسية، يميل الرجال إلى استخدام الشتائم المتحيّزة ضدّ المرأة والكارهة لها للتنديد بمنافِساتهم النساء. فتوحي هذه التعليقات بأنّ أصحابها يستطيعون التحكّم بأجساد النساء، واللجوء إلى الافتراءات لتشويه صورة المرأة ونعتها بالفسق والفجور"، وفي حالات أخرى، "تواجه المرأة التي تظهر في (صور إيحائية) انتقادات شديدة اللهجة لكونها تتحكّم بجسدها كما يحلو لها، ممّا يدفع بأصحاب التعليقات المحافظة إلى أن يُملوا عليها كيف ينبغي أن تتصرّف".
وتطرق إلى ما تعانيه العاملات المنزليات المهاجرات من قانون عمل جائر يُعرف باسم نظام الكفالة الذي يُجرّدهن من معظم حقوقهن الإنسانية الأساسية، وبأن ان نضالهن أُسقط من المحادثات الوطنية، لاسيّما وأنّ كافة المحطات التلفزيونية والصحف المحلية تقريباً باتت لا تفرد إلا مساحةً صغيرةً جداً لتغطية هذا الموضوع.
لكن التعتيم على قضايا العاملات المنزليات المهاجرات كسرته مواقع إخبارية متنوّعة على فايسبوك، ومع ذلك، بحسب الدراسة "كانت تغطيتها تنطوي على إشكاليةٍ في أغلب الأحيان كونها تؤطّر العاملات كالمعتديات في بعض قضايا القتل، مع الإغفال عن ديناميات القوى في العلاقة بين صاحب العمل والعاملة".
كما جرة تسليط الضوء ما واجهته المذيعة في قناة الجديد، داليا أحمد، من تعليقات عنيفة وعنصرية بعد انتقادها قادة سياسيين مثل الأمين العام لحزب الله، "فتمّ شنّ حملة كبيرة ضدّها تناولت "بشكل مُخزٍ أصولها السودانية وبشرتها السمراء، في محاولة لنزع الشرعية عن انتمائها إلى البلاد"، ما دفع القناة الى تخصيص مساحة للرد على هذه القضية".
يتضمن خطاب الكراهية نفحة فوقية، بحسب الأسمر "من هنا لا نسمع في لبنان مثل هذا الخطاب ضد مهاجرين من أوروبا، بل ضد الفئات المهمشة من اللاجئين والنساء وافراد مجتمع الميم عين، ورغم انه يصعب مواجهته، كونه في الغالب خطاب عاطفي يوجّه إلى أقذر غرائز الإنسان، إلا أنه لا بد من فضحه ونشر الحقائق واللجوء إلى القانون للحد منه".
ويؤثر هذا خطاب كما يقول الأسمر على تماسك المجتمع بشكل عام، وعلى الفئة المستهدفة حيث يعرضها للخطر، "ففي أغلب الأحيان يصدر خطاب الكراهية عن أشخاص صوتهم مسموع، بالتالي يؤثرون على فئة من عامة الشعب ويدفعون أفراداً منها إلى ارتكاب جرائم"، ويشدد "هذا الخطاب لا يدخل ضمن باب حرية التعبير التي أبعد ما تكون عن الدعوة للقتل والتعذيب وإلحاق الضرر بالآخرين".
كذلك تؤكد جربوع على أن "خطاب الكراهية يترك آثاره النفسية وحتى الجسدية على الفئة المستهدفة، فبعد التحريض على اللاجئين السوريين حصلت عدة اعتداءات ضدهم" لافتة إلى أنه "هناك طرق عديدة لمواجهة هذا الخطاب أهمها توعية التلاميذ والطلاب في المدارس والجامعات على خطورته ومدى تأثيره على أفراد في المجتمع، وكذلك لا بد من توعية الصحفيين على ضرورة استخدام مصطلحات صحيحة بعيدة عن الكراهية والتحريض وتجنبهم إجراء مقابلات مع أشخاص معروفون بخطابهم التحريضي ضد فئة معينة".
ولان خطاب الكراهية يعكس السياسة التعصبية للسرديات الرجعية، ويُهدّد المجموعات والأفراد، خلصت الدراسة إلى ضرورة أن تتقلّد وسائل الإعلام التقليدية دوراً ناشطاً، كما ينبغي تحسين التوجيهات الخاصة بوسائل التواصل الاجتماعي والتزاماتها على مستوى السياسات.
كما رأت أنه كلما ارتفعت الأصوات المعارِضة لخطاب الكراهية، ازداد مستوى أمان الأفراد والمجتمعات المحلية، "ومن هذا المنطلق، تدعو الحاجة إلى اعتماد نهج أكثر حزماً وإقداماً لمكافحة خطاب الكراهية، بدءاً بإجراء مناقشة حول السياسات، تتطرّق إلى منظومة حقوق الإنسان والقوانين المحلية، فضلاً عن مناقشات ذات طابع تقني مع شركات وسائل التواصل الاجتماعي الضخمة، للتسريع في إضفاء الطابع المحلي على السياسات والآليات المكافحة لخطاب الكراهية".