Students sit for an exam at Saints Coeurs Ain Najm school in Mansourieh, Lebanon, June 29, 2021. Picture taken June 29, 2021. REUTERS/Mohamed Azakir
تلاميذ يخوضون امتحانا في مدرسة لبنانية. صورة تعبيرية (أرشيف)

بعد أقل من 24 ساعة على تأكيد وزير التربية اللبناني في حكومة تصريف الأعمال، عباس الحلبي، إجراء الامتحانات الرسمية في موعدها، صدم طلاب الشهادة المتوسطة "البروفيه" باتخاذ الحكومة قرار إلغاء امتحاناتهم لهذا العام، على أن يتخذ القرار بالنسبة للأعوام المقبلة على ضوء موقف وزير التربية.

إصرار الحلبي على مدى الأشهر السابقة على أن الامتحانات الرسمية ستجري في موعدها ودعوته "جميع التلاميذ إلى عدم الرهان على تأجيل الشهادة المتوسطة لأنها ستجري حكماً"، انتهى اليوم ومعه معاناة تلاميذ المدارس الرسمية الذين رفضوا إجراء الامتحانات بسبب انقطاعهم عن التعليم من 8 يناير إلى 6 مارس، نتيجة إضراب الأساتذة المطالبين بتحسين أوضاعهم المالية جرّاء تراجع قيمة رواتبهم مع ارتفاع سعر صرف الدولار.

وعمق إضراب المدارس الرسمية الفجوة بينها وبين المدارس الخاصة، لكن ذلك لم يمنع الحلبي من تحديد تاريخ إجراء الامتحانات الرسمية بدءاً من 6 يوليو المقبل، مؤكداً أنها ستكون جديّة، ولافتاً الى أنه "لا يجوز بعد ما مرّ على التلاميذ في لبنان أن يبقوا من دون شهادة رسمية ولهذا نحن مصرّون على إجراء الامتحانات كي لا نخسر قيمة العلم في بلدنا". 

وكان وزير التربية قد أكد على توفّر الأموال لإجراء الامتحانات، لافتاَ في حديث إعلامي إلى أن "عدد الأطر البشرية المطلوبة لتأمين الامتحانات هو 12500 شخص، وقد تمّ التأمين باستثناء القصور في جبل لبنان، وهو ما نعمل على حلّه". وعن دعوات مقاطعة المراقبة والتصحيح، أجاب "لدينا بدائل"، لكن مصادر مطلعة أشارت إلى إلغاء الامتحانات الرسمية للشهادة المتوسطة نظراً لعدم وجود تمويل كافٍ لها.

وكانت اللجنة الفاعلة للأساتذة المتعاقدين في التعليم الأساسي الرسمي، حذرت في الخامس من الشهر الجاري من تعليق مشاركتها في الامتحانات، لافتة إلى أن "أسبوعاً مضى على عدم قبض المستحقّات المالية للفصل الثاني للأساتذة المتعاقدين في المحافظات، باستثناء محافظتَي الجنوب والنبطيّة، والسبب عدم توافر الاعتمادات اللّازمة".

وتساءلت في بيان، "منذ متى تُصرف مستحقات مالية لأساتذة دون آخرين؟ هل بتنا في فيدراليات؟ ولمَ التّمييز بين المحافظات؟"، مشيرة إلى أنها ناشدت وزير التربية لحلّ هذه المعضلة، لكن "للأسف مضى الأسبوع الأول من دون تحويل الأموال إلى الأساتذة. ونطرح علامات استفهام حول توافر اعتمادات لقبض مستحقّات الفصل الثالث، وبدل النقل".

وتساءلت اللجنة أيضاً عن مصير قرار رفع أجر الساعة الجديد (150 ألف ليرة)، وحوافز شهري أبريل ومايو، ممهلة وزارة التربية "أسبوعاً لقبض المستحقات، قبل إعلان الأساتذة تعليق المشاركة في الامتحانات الرسمية مراقبةً وتصحيحاً وإدارياً"، وذكرت "أنها ستتخذ الموقف المناسب مع بدء السنة الدراسية المقبلة، في حال عدم تصحيح نسبة أجر الساعة".

يبلغ عدد تلاميذ الشهادة الرسمية، 104 آلاف (61 ألف شهادة متوسطة و43 ألف ثانوية عامة)، بحسب رئيسة اللجنة نسرين شاهين التي أكدت قبل أيام أن "أساتذة الرسمي هم من يراقبون في الامتحانات، وبسب عدم دفع الحقوق، رفضوا العام الماضي أن يراقبوا وطالبوا بدفع بدل مراقبة لائق، استخفت وزارة التربية بهم، وصدر التعميم الذي يسمح لأساتذة الخاص بالمراقبة، وحصلت مشاركة منهم وبالتالي، لم يأبه أحد لحقوق الأساتذة، ورفضنا حينها مشاركة أساتذة الخاص، لأن الاستعانة بهم جاءت في سياق استبدال أساتذة الرسمي والتهرب من دفع حقوقهم ولأنهم غير تابعين للتفتيش التربوي كما أساتذة الرسمي".

وأضافت شاهين في منشور عبر صفحتها على فيسبوك "هذا العام، رفض أساتذة الرسمي المشاركة وكذلك أساتذة الخاص. طلبت الوزارة من المدارس الاستعانة بأساتذة مستعان بهم (من يعلمون اللاجئين) والأساتذة على صناديق المدارس.... وحتى الآن وزارة التربية في حالة فوضى وتخبط، إذ أنها غير قادرة على إجراء الامتحانات من دون مراقبين. والأساتذة يرفضون المشاركة مقابل فتات لن يكفيهم بدل مواصلات".

وأشارت إلى أن "مدير عام التربية عماد الأشقر اجتمع بالمعنيين في القطاع الخاص وأبلغهم أن الوزارة ستنقل التلاميذ من منطقة إلى منطقة ومن محافظة إلى محافظة لإجراء الامتحانات، طالباً منهم عدم لوم الوزارة محملا إياهم سبب ذلك لعدم إجبار أساتذة الخاص على المراقبة".

وأضافت "أنا سأجيبكم عن المعنيين في المدارس الخاصة: من يصر على إجراء امتحانات فارغة بلا معايير تربوية، هذا مصيره. لو دفعتم حقوق أساتذة الرسمي لما وصلتم إلى هذا الفشل الذريع بتوفير مقومات الامتحانات وصولاً لاستدعاء من في القبور وتحميل أساتذة الخاص فشلكم بعدما ظلمتم أساتذة الرسمي".

إضافة إلى ذلك، كتبت شاهين أن "الموتى سيراقبون في الامتحانات الرسمية"، مبينة "حصل أن أرسلت وزارة التربية تبليغا للمدارس الرسمية بأسماء المراقبين وتبين أن بينهم أساتذة في ذمة الله وأحدهم استاذ توفي منذ سنتين. في لبنان موتى ينتخبون وموتى يراقبون"... مشددة "عام دراسي فاشل من الألف إلى الياء".

ويفضي قرار مجلس الوزراء اللبناني إلى استبدال امتحانات الشهادة المتوسطة بالعلامات المدرسية لهذا العام، ومنح التلاميذ إفادات، وسط مخاوف بشأن المستوى التعليمي للطلاب، لاسيما بعد صدور تقرير لمركز الدراسات اللبنانية الشهر الماضي، تحت عنوان "كلفة التعليم في لبنان إنفاق الخزينة وإنفاق المجتمع"، والذي أشار إلى أنه "بعد الإغلاق القسري والتعثّر في إطلاق السنة الدراسية لسنتين متتاليتين مع تخفيض أيام التدريس إلى 96 يوماً، خاصّة في الرسمي مع 60 يوم تدريس فعلي، سيسجل لبنان تراجعاً في فعالية سنوات التعليم، على الأقل ثلاث سنوات، ليصل إلى نصف متوسطه السابق، في ظل غياب خطة تعافٍ فعالة وتعويض للفاقد التعليمي".

لبنان وسوريا

تحت أضواء ثريات ذهبية، وفي قمة حافلة باتفاقات تجارية، وبرمزية كبيرة، أدهش الرئيس الأميركي دونالد ترامب العالم من الرياض، بإعلان مفاجئ: الولايات المتحدة سترفع العقوبات عن سوريا.

تجمد الحاضرون لحظة، ثم ضجت القاعة بالتصفيق. 

لسنوات، عزلت العقوبات الأميركية نظام الأسد، ورسمت المعالم الجيوسياسية للمنطقة. لكن الآن، بإعلان واحد، بدأت الخريطة تتغير.

في بيروت، كان التأثير فوريا. إذ سارع رئيس الوزراء نواف سلام إلى إصدار بيان وصف فيه قرار ترامنب بأنه فرصة نادرة للبنان، البلد الذي ابتلعته دوامة الانهيار الاقتصادي، وحروب حزب الله. 

شكر سلام السعودية على دورها في التوسط في هذا الشأن.

في غضون ذلك، لمّح ترامب نفسه إلى رؤية أوسع.

"هناك فرصة في لبنان لتحرير نفسه من نفوذ حزب الله"، قال من على المنصة، "يمكن للرئيس جوزاف عون بناء دولة خالية من حزب الله".

كانت رسالة ترامب واضحة: تغيير واشنطن موقفها من سوريا له امتدادا تشمل لبنان أيضا.

ولكن ما الذي يعنيه هذا القرار حقا بالنسبة للبنان؟ 

رغم الأهمية البالغة لقرار الرئيس الأميركي، يشير الباحث في المعهد اللبناني لدراسات السوق، خالد أبو شقرا،أن ذلك "لا يعني بالضرورة رفع جميع العقوبات المفروضة على دمشق".

في حديث مع موقع "الحرة،" يوضح أبو شقرا أن العقوبات الأميركية تنقسم إلى نوعين "عقوبات تنفيذية يستطيع الرئيس إلغاؤها بقرار منه، وعقوبات تشريعية يفرضها الكونغرس، وأبرزها قانون قيصر الذي فرض على سوريا عام 2019".

"إلغاء قانون قيصر يتطلب تشريعا جديدا"، يضيف.

يعد قانون قيصر، وفق أبو شقرا، "من أشد القوانين تأثيرا على الاقتصاد السوري، إذ يمنع الاستيراد والتعامل بالعملة الصعبة، ويعزل سوريا عن نظام سويفت (SWIFT)، ما يعيق استيراد التقنيات المستخدمة في قطاعات حيوية مثل الطيران والصناعات العسكرية والكهرباء".

ويلفت أبو شقرا، من ناحية أخرى، إلى "معلومات تفيد بأن الرئيس الأميركي قد يتمكن من تجميد العقوبات المفروضة عبر قانون قيصر لفترة تصل إلى ستة أشهر، لكن رفعها بشكل نهائي يبقى من صلاحيات الكونغرس".

ويشير إلى أن "العقوبات الأوروبية المفروضة على النظام السوري، وشخصيات محددة، لا تزال قائمة، وتشمل أيضا شخصيات جديدة ظهرت في السلطة بعد سقوط نظام بشار الأسد".

تداعيات إيجابية

يرجح أبو شقرا أن يكون لقرار ترامب رفع رفع العقوبات عن سوريا تداعيات إيجابية على لبنان، على مستويات متعددة، أبرزها:

1-المساعدة في ما يتعلق باللاجئين السوريين في لبنان

يشير أبو شقرا إلى أن وجود حوالي مليون سوري في لبنان عبء اقتصادي كبير، تتراوحت كلفته السنوية بين مليار  و 1.3 مليار دولار سنويا، بينما كانت المساعدات الدولية أقل من ذلك بكثير. 

"عودة ولو جزء من هؤلاء اللاجئين إلى سوريا، ستخفف من الضغط على الاقتصاد اللبناني، وتسهم في تخفيف الأعباء المالية على الدولة اللبنانية.

2- تخفيف الضغط على العملة الصعبة

عاد السوريون إلى بلادهم، وتوقفت عمليات التحويل غير الرسمية، قد يتراجع الطلب على الدولار في السوق اللبنانية، ما يُسهم في استقرار سعر الصرف، ويخفف من الأعباء المالية على المواطنين اللبنانيين.

3- تسهيل استجرار الغاز المصري والكهرباء من الأردن

لطالما حالت العقوبات المفروضة على سوريا دون تفعيل مشروع استجرار الغاز المصري والكهرباء من الأردن. ومع رفع العقوبات، قد يعاد إحياء هذا المشروع الحيوي، ما سيتيح للبنان استجرار 300 ميغاوات من الكهرباء من الأردن، بالإضافة إلى تشغيل معمل دير عمار بقدرة 500 ميغاوات، ما سيرفع التغذية الكهربائية في البلاد إلى حوالي 800 ميغاوات.

4- مشروع خط النفط من العراق

ناقش الوفد الوزاري اللبناني، الذي زار دمشق حديثا، وضم وزير المالية ياسين جابر، إمكانية إعادة تفعيل مشروع خط النفط من كركوك إلى بيروت أو دير عمار. يتيح هذا المشروع للبنان في حال تنفيذه استيراد النفط الخام من العراق وتكريره في البلاد، ما سيعزز الإيرادات عبر تصدير النفط المكرر إلى الخارج، ويحقق إيرادات كبيرة لخزينة الدولة.

5- عودة الشركات اللبنانية للاستثمار في سوريا

هناك أيضأ إيجابيات تتعلق بإمكانية عودة الشركات اللبنانية للاستثمار في سوريا، إذ قد تستقطب سوريا الكفاءات اللبنانية من مهندسين ومحامين وغيرهم. العديد من هؤلاء اكتسبوا خبرات واسعة خلال فترة الأزمة السورية، ما قد يسهم في إعادة الإعمار في سوريا عند رفع العقوبات.

6- ازدهار العقارات في الشمال اللبناني

يُتوقع أن تشهد مناطق الشمال اللبناني ازدهارا بسبب زيادة الطلب على الإيجارات والعقارات. قد تختار بعض الشركات أن تتخذ لبنان مركزا لانطلاق عملياتها في سوريا، وتحديدا لاستقبال موظفيها وطواقمها التنفيذية، ما سيرتفع الطلب على العقارات والشقق الفندقية والمكاتب في هذه المناطق.

ووفقا لوزير المالية اللبناني ياسين جابر فإنّ "قرار رفع العقوبات عن سوريا يشكّل أيضاً دفعاً ايجابياً في انعكاساته على مستوى ما يقوم به لبنان من تحضيرات لتأمين عبور النفط العراقي الى مصفاة طرابلس وخط الفايبر أوبتيك وكذلك لخط الربط الكهربائي الخماسي وتأمين نقل الغاز والكهرباء من مصر والأردن إلى لبنان".

وأضاف جابر في بيان "سنستمر في اتصالاتنا مع الاشقاء العراقيين لإنجاز كل الاجراءات والاعمال للتعجيل في إتمام التجهيزات المطلوبة على هذا الصعيد، كما أننا سنعمل على تفعيل كل ما يخدم الاقتصاد اللبناني والإفادة من رفع الحصار عن سوريا من حركة نقل وترانزيت من لبنان نحو دول المشرق والخليج العربي وسواها، باعتبارها منفذاً حيوياً واساسياً مساعداً في عملية الإعمار والاستنهاض الاقتصادي ككل".

بين الإصلاح والإخفاق

قد يشكّل رفع العقوبات عن سوريا فرصة ذهبية للبنان، "لكن ذلك يتطلب إصلاحات جذرية في قطاعات حيوية ما زالت تحتكرها الدولة، مثل الاتصالات والكهرباء والمياه والنفايات، مما يعيق دخول القطاع الخاص ويحدّ من فرص الاستثمار".

ويشير أبو شقرا إلى أن "تحسين البنية التحتية في هذه المجالات يعدّ ضروريا لجذب الشركات الأجنبية، سواء للاستثمار في لبنان أو لاستخدامه كنقطة انطلاق نحو سوريا. من دون إصلاحات ملموسة، ستظل التكاليف مرتفعة والخدمات دون المستوى المطلوب، مما سيبعد المستثمرين الأجانب عن الساحة اللبنانية".

على صعيد القطاع المالي، يصف الباحث في المعهد اللبناني لدراسات السوق، الوضع بأنه شبه مشلول "بورصة بيروت، التي تعاني من غياب النشاط وتراجع عدد الشركات المدرجة فيها، باتت عاجزة عن جمع التمويل اللازم للشركات اللبنانية الراغبة في التوسع أو الاستثمار في إعادة الإعمار السوري. هذا الواقع يضعف من قدرة لبنان على المنافسة مع دول أخرى أكثر جاهزية مثل تركيا والسعودية والإمارات، التي تمتلك بنية تحتية متطورة وقدرة أعلى على جذب الاستثمارات".

في المحصلة، يرى أبو شقرا أن رفع  العقوبات عن سوريا يضع "لبنان أمام خيارين؛ إما أن يقتنص الفرصة ويبدأ بإصلاحات جذرية في قطاعاته الحيوية، أو يفوّتها ويبقى في أزمته".