بعد أقل من 24 ساعة على تأكيد وزير التربية اللبناني في حكومة تصريف الأعمال، عباس الحلبي، إجراء الامتحانات الرسمية في موعدها، صدم طلاب الشهادة المتوسطة "البروفيه" باتخاذ الحكومة قرار إلغاء امتحاناتهم لهذا العام، على أن يتخذ القرار بالنسبة للأعوام المقبلة على ضوء موقف وزير التربية.
إصرار الحلبي على مدى الأشهر السابقة على أن الامتحانات الرسمية ستجري في موعدها ودعوته "جميع التلاميذ إلى عدم الرهان على تأجيل الشهادة المتوسطة لأنها ستجري حكماً"، انتهى اليوم ومعه معاناة تلاميذ المدارس الرسمية الذين رفضوا إجراء الامتحانات بسبب انقطاعهم عن التعليم من 8 يناير إلى 6 مارس، نتيجة إضراب الأساتذة المطالبين بتحسين أوضاعهم المالية جرّاء تراجع قيمة رواتبهم مع ارتفاع سعر صرف الدولار.
وعمق إضراب المدارس الرسمية الفجوة بينها وبين المدارس الخاصة، لكن ذلك لم يمنع الحلبي من تحديد تاريخ إجراء الامتحانات الرسمية بدءاً من 6 يوليو المقبل، مؤكداً أنها ستكون جديّة، ولافتاً الى أنه "لا يجوز بعد ما مرّ على التلاميذ في لبنان أن يبقوا من دون شهادة رسمية ولهذا نحن مصرّون على إجراء الامتحانات كي لا نخسر قيمة العلم في بلدنا".
وكان وزير التربية قد أكد على توفّر الأموال لإجراء الامتحانات، لافتاَ في حديث إعلامي إلى أن "عدد الأطر البشرية المطلوبة لتأمين الامتحانات هو 12500 شخص، وقد تمّ التأمين باستثناء القصور في جبل لبنان، وهو ما نعمل على حلّه". وعن دعوات مقاطعة المراقبة والتصحيح، أجاب "لدينا بدائل"، لكن مصادر مطلعة أشارت إلى إلغاء الامتحانات الرسمية للشهادة المتوسطة نظراً لعدم وجود تمويل كافٍ لها.
وكانت اللجنة الفاعلة للأساتذة المتعاقدين في التعليم الأساسي الرسمي، حذرت في الخامس من الشهر الجاري من تعليق مشاركتها في الامتحانات، لافتة إلى أن "أسبوعاً مضى على عدم قبض المستحقّات المالية للفصل الثاني للأساتذة المتعاقدين في المحافظات، باستثناء محافظتَي الجنوب والنبطيّة، والسبب عدم توافر الاعتمادات اللّازمة".
وتساءلت في بيان، "منذ متى تُصرف مستحقات مالية لأساتذة دون آخرين؟ هل بتنا في فيدراليات؟ ولمَ التّمييز بين المحافظات؟"، مشيرة إلى أنها ناشدت وزير التربية لحلّ هذه المعضلة، لكن "للأسف مضى الأسبوع الأول من دون تحويل الأموال إلى الأساتذة. ونطرح علامات استفهام حول توافر اعتمادات لقبض مستحقّات الفصل الثالث، وبدل النقل".
وتساءلت اللجنة أيضاً عن مصير قرار رفع أجر الساعة الجديد (150 ألف ليرة)، وحوافز شهري أبريل ومايو، ممهلة وزارة التربية "أسبوعاً لقبض المستحقات، قبل إعلان الأساتذة تعليق المشاركة في الامتحانات الرسمية مراقبةً وتصحيحاً وإدارياً"، وذكرت "أنها ستتخذ الموقف المناسب مع بدء السنة الدراسية المقبلة، في حال عدم تصحيح نسبة أجر الساعة".
يبلغ عدد تلاميذ الشهادة الرسمية، 104 آلاف (61 ألف شهادة متوسطة و43 ألف ثانوية عامة)، بحسب رئيسة اللجنة نسرين شاهين التي أكدت قبل أيام أن "أساتذة الرسمي هم من يراقبون في الامتحانات، وبسب عدم دفع الحقوق، رفضوا العام الماضي أن يراقبوا وطالبوا بدفع بدل مراقبة لائق، استخفت وزارة التربية بهم، وصدر التعميم الذي يسمح لأساتذة الخاص بالمراقبة، وحصلت مشاركة منهم وبالتالي، لم يأبه أحد لحقوق الأساتذة، ورفضنا حينها مشاركة أساتذة الخاص، لأن الاستعانة بهم جاءت في سياق استبدال أساتذة الرسمي والتهرب من دفع حقوقهم ولأنهم غير تابعين للتفتيش التربوي كما أساتذة الرسمي".
وأضافت شاهين في منشور عبر صفحتها على فيسبوك "هذا العام، رفض أساتذة الرسمي المشاركة وكذلك أساتذة الخاص. طلبت الوزارة من المدارس الاستعانة بأساتذة مستعان بهم (من يعلمون اللاجئين) والأساتذة على صناديق المدارس.... وحتى الآن وزارة التربية في حالة فوضى وتخبط، إذ أنها غير قادرة على إجراء الامتحانات من دون مراقبين. والأساتذة يرفضون المشاركة مقابل فتات لن يكفيهم بدل مواصلات".
وأشارت إلى أن "مدير عام التربية عماد الأشقر اجتمع بالمعنيين في القطاع الخاص وأبلغهم أن الوزارة ستنقل التلاميذ من منطقة إلى منطقة ومن محافظة إلى محافظة لإجراء الامتحانات، طالباً منهم عدم لوم الوزارة محملا إياهم سبب ذلك لعدم إجبار أساتذة الخاص على المراقبة".
وأضافت "أنا سأجيبكم عن المعنيين في المدارس الخاصة: من يصر على إجراء امتحانات فارغة بلا معايير تربوية، هذا مصيره. لو دفعتم حقوق أساتذة الرسمي لما وصلتم إلى هذا الفشل الذريع بتوفير مقومات الامتحانات وصولاً لاستدعاء من في القبور وتحميل أساتذة الخاص فشلكم بعدما ظلمتم أساتذة الرسمي".
إضافة إلى ذلك، كتبت شاهين أن "الموتى سيراقبون في الامتحانات الرسمية"، مبينة "حصل أن أرسلت وزارة التربية تبليغا للمدارس الرسمية بأسماء المراقبين وتبين أن بينهم أساتذة في ذمة الله وأحدهم استاذ توفي منذ سنتين. في لبنان موتى ينتخبون وموتى يراقبون"... مشددة "عام دراسي فاشل من الألف إلى الياء".
ويفضي قرار مجلس الوزراء اللبناني إلى استبدال امتحانات الشهادة المتوسطة بالعلامات المدرسية لهذا العام، ومنح التلاميذ إفادات، وسط مخاوف بشأن المستوى التعليمي للطلاب، لاسيما بعد صدور تقرير لمركز الدراسات اللبنانية الشهر الماضي، تحت عنوان "كلفة التعليم في لبنان إنفاق الخزينة وإنفاق المجتمع"، والذي أشار إلى أنه "بعد الإغلاق القسري والتعثّر في إطلاق السنة الدراسية لسنتين متتاليتين مع تخفيض أيام التدريس إلى 96 يوماً، خاصّة في الرسمي مع 60 يوم تدريس فعلي، سيسجل لبنان تراجعاً في فعالية سنوات التعليم، على الأقل ثلاث سنوات، ليصل إلى نصف متوسطه السابق، في ظل غياب خطة تعافٍ فعالة وتعويض للفاقد التعليمي".