شارع مظلم في بيروت
السلطات في العراق تشك بامتلاك الجماعة أسلحة- صورة تعبيرية

"هل وصلوا إلى لبنان؟" كان السؤال الأبرز الذي تكرر لدى الرأي العام اللبناني خلال الأيام الماضية، وذلك بعد تقارير صحفية ربطت بين حادثتي انتحار شهدتهما الضاحية الجنوبية لبيروت، وبين جماعة "القربان"، التي ذاع صيتها الشهر الماضي في العراق، حيث قيل إنها تختار بالقرعة من بين أعضائها من يجب أن ينتحروا. 

كان أبرز ظهور إعلامي لهم في بيان صادر عن وكالة الاستخبارات والتحقيقات في وزارة الداخلية العراقية، في شهر مايو الماضي، أعلنت فيه إلقاء القبض على أربعة أشخاص في قضاء سوق الشيوخ بمحافظة ذي قار، قالت إنهم من أعضاء جماعة "القربان"، وأحالتهم إلى التحقيق واصفة الجماعة بـ "المنحرفة". 

وانتشر بعدها سيل من التقارير والتحقيقات التي حاولت تشريح أفكار ومعتقدات هذه الجماعة، والتي أجمعت بمعظمها على تأليههم للإمام علي بن أبي طالب، متحدثة عن ممارسات متطرفة لا تتوقف عند "الانتحار بالقرعة" بين أعضائها، كنوع من تقديم القربان البشري.

الأمر أثار قلقا وخوفا في المجتمع اللبناني، من إمكانية انتشار أفكار متطرفة من هذا النوع في الدولة التي تشهد أصلاً أزماتها الخاصة اجتماعيا واقتصاديا وسياسيا، وما أفرزته من ارتفاع في نسب البطالة والجرائم والتسرب التعليمي، وتدهور في واقع الصحة النفسية، فضلا عن تزايد حالات الانتحار المسجلة. 

انتحار صادم يثير التكهنات

بتاريخ 29 يونيو، سجل انتحار شاب علي فرحات في منطقة حارة حريك في الضاحية الجنوبية لبيروت، وذلك بعدما رمى بنفسه من الطابق الثالث وهو عارٍ من ملابسه. الشاب اللبناني كان قد وصل قبل أسبوعين إلى لبنان قادما من كندا، مكان إقامته، برفقة زوجته وطفلهما. 

كاد الخبر أن يمر مرور الكرام لولا أن زوجته، فاطمة فخر الدين، وبعد ساعات من انتحاره، قفزت بدورها من أعلى بناء في منطقة حي السلم محاولة الانتحار، بجسد عارٍ هي أيضا، إلا أنها لم تصطدم فورا بالأرض ما حال دون وفاتها، الأمر الذي أثار تساؤلات، ودفع الأجهزة الأمنية إلى فتح تحقيق خاص بالواقعتين، لاسيما بعدما جرى حديث عن ارتباط لعلي وزوجته بجماعة "القربان"، وأنهم كانوا ضحايا "قرعة الانتحار" التي وقعت عليهما. 

كثيرة هي المعلومات والفرضيات التي طرحتها التقارير الإعلامية حول صلة فرحات بتلك المجموعة المتطرفة، بعضها يتحدث عن انضمام علي وزوجته إلى هذه الجماعة في كندا، وآخرون يقولون في أفريقيا، والبعض الآخر يتحدث عن العثور على دلائل في هاتف علي تكشف ارتباطه بهذه الجماعة، وسط تناقل روايات تتحدث عن سلوكيات غريبة سبقت ورافقت واقعة الانتحار، إلا أن أيّا من هذه الروايات لم يجر تأكيده من مصدر موثوق حتى اللحظة. 

ورغم أن تقارير إعلامية نقلت عن أهل علي "صدمتهم" جراء اكتشاف انضمام ولدهم لهذه الجماعة، إلا أن بيانا منسوبا إليهم نفى كل ما ورد في الإعلام من معلومات تربط ولدهم بهذه الجماعة، طالبين من الوسائل الإعلامية توخي الحذر والدقة في نقل المعلومات، واصفين المعلومات المتناقلة بأنها "تكهنات وفرضيات وادعاءات كاذبة" غير مقرونة بأي أدلة، مبدين استنكارهم لها. 

وفي اتصال مع موقع "الحرة" أكد عم الشاب، علي فرحات، أن التحقيقات حتى الآن لم تصل إلى نتيجة حول هذا الأمر، ولم تصل إلى أي جديد في اليومين الماضيين، وبالتالي ليست هناك أي رواية دقيقة بانتظار ما ستكشفه الأجهزة الأمنية.

وكانت صحيفة "نداء الوطن" اللبنانية أول من نشر تقريرا حول هذه الواقعة وطرحت فرضية ارتباط فرحات بهذه الجماعة بناء على معلوماتها، فيما يتحدث التقرير عن تدخل للسلطات الكندية في القضية، وإغلاق مخيمات صيفية تابعة لجمعية إسلامية تسمى "الهدى" ومركز "الولاية"، في كندا، وذلك "خشية أن يكون هدفها تعميم ثقافة التطرف الديني بين الشباب"، بحسب الصحيفة. 

هذا الأمر نفاه أيضا البيان المنشور لعائلة فرحات، حيث أكد أنه "لا يوجد حتى الآن أي تدخل من الدولة الكندية بما جرى على صعيد التحقيق مع العائلة"، مكتفين بنفي رسمي صادر عن الجمعيتين حول إقفال مخيمات لهما وتوقيف أنشطة، حيث أكدتا أن إلغاء أحد المخيمات التي كانت ستقام ناتجة عن عطل طرأ على إمدادات المياه للمخيم، لم يكن ممكنا معه الإبقاء على المخيم نتيجة الحاجة للمياه وارتفاع درجات الحرارة. 

موقع "الحرة" تواصل مع الصحفية رمال جوني، معدة التقرير، للوقوف على معلوماتها ورأيها من بيانات النفي للرواية التي قدمتها، إلا أنها اعتذرت عن التصريح "لأسباب صحية". 

التحقيقات ترصد تصرفات غريبة 

مصدر في قوى الأمن الداخلي، التي تتولى التحقيقات اليوم في هذه القضية، أكد في تصريح لموقع "الحرة" أن تحقيقات الأجهزة الأمنية لم تبيّن حتى الآن أي صلة لما حصل بجماعة "القربان"، موكدا أن التحقيقات لا تزال مستمرة في القضية. 

وأضاف المصدر، الذي فضل عدم الكشف عن اسمه لعدم امتلاكه إذنا بالتصريح، أن التحقيقات بينت انخراط الشاب "بنوع معين من الشعائر والتصرفات الغريبة جدا، كرفض التكنولوجيا وعدم النوم على السرير وغير ذلك، فضلا عن غرابة فعل الانتحار وهو عارٍ، لكن لم يتضح بأي جماعة يرتبط فعليا". 

وإذ يستبعد المصدر المعلومات المتداولة عن تواجد لـ "جماعة القربان" في لبنان، يؤكد أن الأجهزة الأمنية تدقق أيضا في هذه الادعاءات، واصفا المعلومات المتناقلة اليوم بـ "تحليلات، ونحن لا نستطيع أن نحلل وإنما نحقق ونعتمد على ما يظهره التحقيق، وهذا يحتاج إلى وقت لكشف كامل الملابسات". 

وبحسب المصدر فقد جرى التحقيق مع الزوجة أيضا، وقد نفت ارتباطها بهذه الجماعة، دون أن تكشف عن تفاصيل جديدة، لافتا إلى أن "ما فعلته الزوجة، في محاولة انتحارها، لا يقل غرابة أيضا".

"انحرافات مرفوضة"

وقد أعادت هذه الواقعة التذكير بجماعة شيعية متطرفة أخرى كانت قد تواجدت في بعض القرى جنوبي لبنان، تسمي نفسها "حزب الأمير"، تؤله بدورها علي بن أبي طالب، وتمارس طقوسا خاصة وغريبة، ارتبط اسمها في النهاية بجريمة قتل في بلدة عربصاليم جنوبي البلاد، لتنقطع أخبارها من بعدها. 

وأثيرت مخاوف من إمكانية عودة اتجاهات فكرية متطرفة ومغالية كتلك للظهور، في الوسط الشيعي في لبنان، بعدما ثبت حضورهم في العراق خلال الفترة الماضية. 

يؤكد الشيخ، ياسر عودة، لموقع "الحرة" على عدم تواجد "جماعة القربان" في لبنان، وفق معلوماته، ويضيف "ولكن من الممكن أن يتواجد لهم أتباع في لبنان، ففي النهاية لبنان مفتوح على كل العالم وثقافاته، إضافة إلى أن منابر المغالاة واستغلال أهل بيت النبوة متواجدة أيضا في لبنان".

ويشير إلى زنه "وبتواجد أشخاص يعيشون حالات نفسية مرضية معينة، وفي ظل ضائقة اقتصادية ومعيشية بسبب فساد السلطة الحاكمة، يمكن أن تجد من ينتحر قربةً للإمام علي أو أهل بيت النبي أو أي أحد آخر".

من جهته يرى الشيخ، محمد الفوعاني، أن هذه المجموعات "تسير على نهج شيطاني لا ينتمي إلى الإسلام والتشيع بصلة"، واصفا تأليههم للإمام علي بأنه "كفر وزندقة لا يمكن القبول بها إسلاميا لدى مختلف المذاهب أو المراجع". 

ويضيف أنه وفي زمن مواقع التواصل الاجتماعي، وما يمكن أن تحمله من أفكار عابرة للحدود، قد تحضر هكذا جماعات في لبنان، "ولكن ليس بحجم كبير، وإنما يبقون في الظل، فالبيئة الشيعية في لبنان حتما غير حاضنة لهكذا جماعات ولا متجاوبة مع أفكار كتلك لا من قريب ولا من بعيد".

ويشدد الفوعاني في حديثه لموقع "الحرة" على "عدم تواجد لفكرة القربان في كل العالم الإسلامي، ولا في القرآن الكريم ولا في السنة الصحيحة، ليس هناك أي تواجد في الدين الاسلامي لفكرة تقديم النفس كقربان عبر الانتحار عراة".

يروي عودة، من جهته، نشأة "جماعة القربان" في العراق، في ظل حكم صدام حسين، ويقول: "انطلاقتهم كانت من ذي قار، اتجهوا ليحسبوا أنفسهم على آل الصدر، وتحديدا السيد محمد صادق الصدر، وفي حينها تبرأ منهم بشكل واضح، فخفت تواجدهم وما عادوا يظهرون أنفسهم، ليعاودوا الظهور مؤخرا". 

ويشدد على أن الجو العام للبيئة الشيعية في لبنان لا يقبل بصورة عامة هذه الأفكار، "ولا يمكن لجماعات كتلك أن تحضر بصورة فاقعة في المجتمع".

ويوضح أن علماء الشيعة في جبل عامل (جنوب لبنان) والبقاع في لبنان، لم يكن لديهم تاريخيا هذا التطرف الفكري ولم تكن في خطاباتهم المغالاة، "رغم أن هذه التيارات كانت متواجدة تاريخيا في دول أخرى كالعراق أو إيران، لكنهم لم يصلوا إلى لبنان، لأن المراجع الكبار هنا كانوا بعيدين عن تلك الأفكار وبقي الناس متأثرين بهم". 

ولا يبدي عودة استغرابا من ظهور جماعات متطرفة كتلك، ويقول إن "هناك مجلدات محشوة بمئات الروايات المجموعة عشوائيا والتي تتضمن كثيرا من المغالاة والتطرف والمخالفة لكتاب الله، تجد فيها هذه الجماعات منطلقا، وهنا مسؤولية المجاميع العلمية والمرجعيات ورجال الدين أن يخاطبوا المجتمع في هذه القضايا وعدم تجنبها".

ويختم "نحتاج لمن يتجرأ اليوم على انتقاد هذه الممارسات والأفكار، وقد حاول كثيرون من قبل أن يقوموا بهذا الدور فجرى تكفيرهم ومهاجمتهم، وبالنتيجة نحصل على تراث موبوء مخالف لكتاب الله". 

كيف تصل إسرائيل إلى هذه الدقة في إصابة أهدافها؟ وما هي الاستراتيجية والأهداف؟
كيف تصل إسرائيل إلى هذه الدقة في إصابة أهدافها؟ وما هي الاستراتيجية والأهداف؟

طائرة تحلّق في الأجواء. صاروخ لا تراه لكن تشاهد أثره: سيارة تتحول في ثوان إلى حطام، أو شقة سكنية تتحول إلى كتلة لهب.

الهدف كادر أو قيادي في حزب الله.

والمشهد يتكرر.

في لبنان، تهدئة معلنة.. هذا على الأرض.

لكن في السماء، تواصل الطائرات الإسرائيلية المسيّرة التحليق وتنفيذ ضربات دقيقة تخلّف آثاراً جسيمة، ليس في ترسانة الحزب العسكرية فقط، بل في البنية القيادية كذلك.

وفيما يحاول الحزب امتصاص الضربات، تتوالى الأسئلة: كيف تصل إسرائيل إلى هذه الدقة في إصابة أهدافها؟ أهو التقدّم التكنولوجي المحض، من ذكاء اصطناعي وطائرات بدون طيار؟ أم أن هناك ما هو أخطر؟ اختراقات بشرية داخل صفوف الحزب تُستغلّ لتسهيل تنفيذ الضربات؟ وما هي الاستراتيجية الإسرائيلية هنا والأهداف؟

"اختراق بشري"

استهداف تلو الآخر، والرسالة واضحة: اليد الإسرائيلية طويلة بما يكفي لتصل إلى أي نقطة في لبنان، والعين الإسرائيلية ترى ما لا يُفترض أن يُرى.

يصف القائد السابق للفوج المجوقل في الجيش اللبناني، العميد المتقاعد جورج نادر العمليات الإسرائيلية الأخيرة بأنها "بالغة التعقيد، تعتمد على تناغم نادر بين التكنولوجيا المتقدّمة والاختراق الاستخباراتي البشري"، مشيراً إلى أن "تحديد هوية القادة الجدد الذين حلّوا مكان المُغتالين يتم عبر تقنيات متطوّرة تشمل بصمات العين والصوت والوجه"، متسائلاً "من أين حصلت إسرائيل على أسماء القادة والكوادر الجدد؟ الجواب ببساطة: عبر اختراق بشري فعّال".

ويتابع نادر "حتى الأمين العام لحزب الله، حسن نصر الله، المعروف بتشدده الأمني وإقامته في مواقع محصّنة، لم يكن بمنأى عن محاولات التتبّع، إذ تحدّثت تقارير استخباراتية دولية عن اختراق بشري ساعد في تحديد موقعه".

ويرى أن "ما نشهده هو منظومة اغتيال متطوّرة ومتعددة الأبعاد، تمزج بين الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا المتقدمة والعمل البشري الدقيق. هذه الثلاثية تفسّر نجاح العمليات الأخيرة، والأثر العميق الذي تتركه في هيكلية حزب الله، سواء على المستوى العملياتي أو المعنوي".

من جانبه، يرى الباحث في الشأن السياسي نضال السبع أن هذه الاستهدافات "تعكس مزيجاً من التفوق التقني الإسرائيلي والاختراق الأمني الداخلي في بنية الحزب، وكما هو واضح فإن إسرائيل تمتلك قائمة أهداف تتعامل معها تباعاً، وفقاً لمعلومات دقيقة يتم تحديثها باستمرار، ما يتيح لها تنفيذ عمليات مدروسة بعناية شديدة، ويحدّ من قدرة حزب الله على المناورة أو استعادة توازنه سريعاً".

صمت وعجز

على الرغم من الضربات المتتالية التي تلقاها الحزب منذ 27نوفمبر الماضي، والتي أودت بحياة عدد كبير من كوادره، لم يقم بالرد، ويُفسّر نادر ذلك بـ"ضعف فعلي في القدرة على الرد، أكثر من كونه خياراً استراتيجياً".

ويقول نادر "ليس بالضرورة أن الحزب لا يريد الرد، بل الحقيقة أنه لم يعد يمتلك القدرة. هو يعاني من تراجع عملياتي ملحوظ، وتصدّع في هيكليته القيادية، يرافقه حصار سياسي داخلي وخارجي يزداد ضيقاً".

ويضيف "حتى لو قرّر الرد، فما الذي يمكنه فعله فعلاً؟ هل يملك القدرة على تنفيذ عملية نوعية تترك أثراً؟ المعطيات الحالية تشير إلى أن هذه القدرة باتت شبه معدومة، لا سيما بعد خسارته الغطاء السياسي الذي كان يوفره له بعض الحلفاء، ومع تزايد عزلته على الصعيدين العربي والدولي".

ويختم نادر بالقول "تصريحات الحزب تعكس حالة من التردد والارتباك. فتارةً يتحدّث عن التزامه بقرارات الدولة، وتارةً يلوّح بحق الرد. لكن الواقع على الأرض يقول إنه في وضع حرج: محاصر سياسياً، وعاجز عسكرياً، وأي مغامرة جديدة قد تكلّفه الكثير... وهو يعلم ذلك جيداً".

من جانبه، يرى السبع أن حزب الله لا يسعى حالياً إلى الرد، بل يركّز على "مرحلة إعادة التقييم والاستعداد"، مشيراً إلى أن الحزب "رغم الخسائر، لا يزال يحتفظ ببنية عسكرية كبيرة، تفوق في بعض جوانبها إمكانيات الجيش اللبناني نفسه، لكنه في المقابل، يقرأ المشهد اللبناني الداخلي بدقة، ويدرك حساسية التزامات الدولة تجاه المجتمع الدولي، ولا سيما مع توقف خطوط إمداده من سوريا، ما يدفعه إلى التريّث في اتخاذ قرار المواجهة".

خريطة استراتيجية تغيرت

يرى الباحث نضال السبع أن الإسرائيليين يشعرون بالتفوق. يضيف "عزز هذا الانطباع عدد من العوامل، أبرزها سقوط النظام السوري كحليف استراتيجي، والتقدم الميداني في غزة، وعجز الحزب عن تنفيذ ضربات نوعية، فضلاً عن ازدياد عزلته السياسية في الداخل اللبناني، لا سيما بعد انتخاب جوزاف عون رئيساً للجمهورية وتشكيل نواف سلام للحكومة".

يشبّه السبع ما يجري اليوم في لبنان بالمشهد الذي أعقب حرب يوليو 2006، "حيث توقفت العمليات العسكرية رسمياً، فيما بدأت إسرائيل التحضير لما وصفته آنذاك بـ(المعركة الأخيرة)، مستغلة فترة الهدوء الطويل لإعادة التموضع وتكثيف الجهوزية".

يقول إن "حزب الله دخل مرحلة إعادة تقييم وتجهيز بعد سلسلة الضربات التي تلقاها في الأشهر الماضية، في حين تسعى إسرائيل إلى منعه من التقاط الأنفاس، عبر استمرارها في تنفيذ عمليات نوعية ودقيقة، تشبه إلى حدّ بعيد تلك التي نفذتها في الساحة السورية بعد العام 2011، عندما استباحت الأجواء السورية".

ويضيف أن "المشهد ذاته يتكرر اليوم في لبنان، حيث باتت الطائرات المسيّرة الإسرائيلية جزءاً من المشهد اليومي، تنفّذ عمليات اغتيال متتالية".

كسر البنية القيادية

لكن هل تؤثر هذه العمليات على بنية الحزب؟

يوضح السبع أن "الاستهدافات الأخيرة تطال كوادر داخل حزب الله، لكن الضربة الكبرى وقعت خلال حرب الشهرين، حين تعرّضت قيادات الصف الأول والثاني للاغتيال، أما اغتيال كوادر من الصف الثالث، فله تأثير محدود ولا يحدث خللاً جذرياً في الهيكل التنظيمي للحزب".

من جهته، يرى العميد المتقاعد جورج نادر أن أهداف إسرائيل من تصفية الكوادر العسكرية تلامس عمقاً استراتيجياً أكبر، موضحاً: "الرسالة الأساسية التي تبعث بها إسرائيل من خلال هذه العمليات هي التأكيد على قدرتها على استهداف أي عنصر أو قائد في حزب الله، وفي أي موقع داخل الأراضي اللبنانية، ما يكرّس واقعاً أمنياً جديداً تتحكم فيه بالمجال الجوي للبنان".

ويؤكد نادر أن وراء هذا الاستهداف "رسالة مباشرة مفادها أن لا أحد بمنأى، ما يترك أثراً نفسياً بالغاً على العناصر، ويقوّض شعورهم بالأمان".

خريطة استهدافات

رسمت إسرائيل، خلال السنوات الماضية، خريطة دقيقة لاستهداف قيادات حزب الله، عبر عمليات اغتيال شكّلت ضربة قاسية للحزب. ومن بين أبرز هذه العمليات، اغتيال ثلاثة من أمنائه العامين.

ففي 16 فبراير 1992، اغتيل عباس الموسوي، الأمين العام الأسبق لحزب الله، في غارة جوية استهدفت موكبه في جنوب لبنان.

وفي سبتمبر 2024، قتل حسن نصر الله، بصواريخ خارقة للتحصينات، في الضاحية الجنوبية لبيروت، وبعد أسابيع، في أكتوبر 2024، اغتيل هاشم صفي الدين، خلفية نصر الله، في عملية مماثلة.

وطالت الاغتيالات شخصيات بارزة في الجناح العسكري للحزب، أبرزهم عماد مغنية، الذي قُتل في فبراير 2008، إثر تفجير سيارة مفخخة في أحد أحياء دمشق، وفي مايو 2016، لقي مصطفى بدر الدين، خليفة مغنية مصرعه في تفجير استهدفه قرب مطار دمشق.

واغتيل فؤاد شكر، القائد البارز في وحدة "الرضوان"، في يوليو 2024، بواسطة طائرة استهدفته داخل مبنى سكني في الضاحية الجنوبية.

وفي سبتمبر 2024، لقي إبراهيم عقيل، عضو مجلس الجهاد والرجل الثاني في قيادة الحزب بعد مقتل شكر، المصير ذاته، إثر ضربة بطائرة استهدفته في الضاحية.

ويرى نادر أن "هذه الاغتيالات لا تكتفي بالتأثير الرمزي، بل تُحدث خللاً فعلياً في التراتبية القيادية داخل الحزب، إذ يصعب تعويض القادة المستهدفين بسرعة أو بكفاءة مماثلة، ما يربك الأداء الميداني والتنظيمي، ويجعل من عمليات الاغتيال أداة استراتيجية تستخدم لإضعاف حزب الله من الداخل".