الأزمة الاقتصادية في لبنان ضاعفت متاعب اللاجئين
يعيش اللاجئون السوريون في لبنان ظروفا صعبة بالتزامن مع مطالبات بترحليهم

انضم النائب اللبناني، إلياس جرادة، إلى الأصوات المطالبة بترحيل اللاجئين السوريين، حيث قدم مقترح قانون وصفه معارضون بـ "العنصري والتحريضي والمفاجئ"، من نائب تغييري "كان يعوّل عليه بمقاربة الملفات" بطريقة مختلفة عن السلطة السياسية المتجذرة منذ عشرات السنين.

وتخطى جراده كل الذين يرفعون الصوت من خلال الخطابات، محذرين من عدم قدرة لبنان على تحمّل بقاء اللاجئين السوريين في ظل الانهيار الاقتصادي وتحميلهم المسؤولية الكبرى عن ذلك، باقتراحه قانونا ينص على إلزام الحكومة اللبنانية لمفوضية شؤون اللاجئين بتوطين السوريين في بلد ثالث خلال سنة من إقراره، وإلّا ترحيل الوافدين خلسة فورا واعتبار إقامة من لديهم إقامات بموجب شهادة تسجيل صالحة صادرة عن المفوضية منتهية الصلاحية، وإعادتهم قسرا.

وبحسب اقتراح القانون يمنع تسوية أوضاع أي من الرعايا السوريين الوافدين خلسة أو المسجلين لدى المفوّضية بعد مهلة أقصاها سنة من إقرار هذا القانون، ويعتبر مقيماً غير شرعي أي سوري لا يستحصل على الإقامة وفق القوانين المرعية الإجراء، ويتم توقيفه بإشارة من النيابة العامة المختصّة بجرم الإقامة غير المشروعة، على أن يرحّل حكما بعد صدور حكم بحقه يقضى بذلك.

يخشى لاجئون من العودة إلى سوريا بسبب مخاطر الاعتقال أو القتل

واستثنى النائب "التغييري" من اقتراحه البعثات الدبلوماسية السورية والسوريين الذين دخلوا لبنان بقصد السياحة أو التعليم الجامعي أو العمل وفقاً لأحكام قانون العمل وتطبيقاته ومراسيمه التنفيذية، أما السوريون القادمون بهدف العمل، فعليهم الاستحصال على إقامة عمل بمذكرة الخدمة رقم 99/2014 ووفق أحكام البنود المتعلّقة بتعهّد بالمسؤولية عمل شخص أو بموجب سند ملكية أو عقد إيجار، مقابل رسم سنوي يدفع سلفاً بقيمة توازي 200 دولار أميركي.

مبررات.. وعيوب جسيمة

رد جرادة الأسباب الموجبة لاقتراحه إلى أن وجود السوريين أصبح "باب رزق للكثيرين من طالبي اللجوء الذين باتوا يعتمدون على إنجاب الأطفال لرفع قيمة المساعدات التي يقبضونها من المفوضية والدول المانحة وذلك تبعاً لتحديد مبلغ معين عن كل مولود وهو ما يشكّل تغييراً ديمغرافياً على تركيبة المجتمع اللبناني، وهذا الأمر أكد عليه أكثر من محافظ حيث ورد أن هناك ولادتين سوريتين أو أكثر مقابل كل ولادة لبنانية".
 
وبأن هذا الوجود "ساهم في ارتفاع مستوى الجريمة إلى أكثر من ثلاثة أضعافها عما كانت عليه قبل وجود اللاجئين السوريين وفقاً للتقارير الأمنية التي صدرت، في حين تؤكد هذه التقارير امتلاك عدد كبير من اللاجئين لأسلحة حربية تشكل خطراً على السلم الأهلي وتأليف بعضهم لجماعات إرهابية مسلحة تهدد الأمن الوطني". وبأن هذا الوجود "يكلف الخزينة اللبنانية مليارات الدولارات نتيجة استهلاك الطاقة الكهربائية والكثير من الخدمات وأدى إلى المساهمة في زيادة تلويث الأنهر ولا سيما نهر الليطاني بفعل الصرف الصحي للمخيمات الموجودة على ضفافه".

أصوات تعالت مطالبة برحيل السوريين من لبنان فيما وصفها معارضون بمطالب "عنصرية"

ومن مبررات مقترحه كما أورد "انتفاء الخطر الأمني في سوريا وفق ما برز في الانتخابات الرئاسية السورية الأخيرة حيث غادر مئات الآلاف من السوريين إلى سوريا بقصد الاقتراع أو انتخبوا في سفارة بلادهم في لبنان" وبأنه "يمكن ترحيل المعارضين إلى المناطق التي تسيطر عليها المعارضة في سوريا إلى حين ايجاد حل داخلي للحرب في شمال سوريا".

وأشار إلى مذكرة التفاهم التي وقّع عليها لبنان مع مفوضية اللاجئين في العام 2003 حيث اتفق الطرفان كما ذكر "على أنّ لبنان ليس بلد لجوء، وأنّه لا يمكن للمفوضية تسجيل أي نازح أو طالب لجوء إلى بلد ثالث إلا وفقاً لآليّة محدّدة، بحيث يعطى صاحب الطلب إقامة مؤقتة لا تتجاوز السنة، وفي حال تعذّر على المفوضية توطينه في بلد ثالث، يحق حينها للدولة اللبنانية إعادته إلى بلده من دون أي اعتراض من المفوضية".

واعتبر النائب اللبناني أن المفوضية "خالفت بنود الاتفاقيّة منذ بداية النزوح السوري إلى اليوم، بحيث أصبحت تتصرّف كدولة ضمن الدولة" وبأنها "لا تتعاون بشفافية مع السلطات اللبنانية".

 كما صوّب على البرلمان الأوروبي بسبب التوصية التي أصدرها الشهر الماضي والتي دعا خلالها السلطات اللبنانية إلى إبقاء اللاجئين السوريين على أراضي الدولة اللبنانية لأن الحرب السورية مستمرة وهناك خطر على حياتهم في بلدهم، ما اعتبره جراده محاولة لتكريس واقع "يتعارض مع سيادة لبنان ومصالحه الاقتصادية والاجتماعية والخدماتية والمالية والديموغرافية وغيرها، ما يشكّل تهديداً أمنياً وإستراتيجياً على المدى القريب والمتوسط".

اللاجئون السوريون في لبنان يعانون أوضاعا صعبة

قرار جراده أثار ضجة في لبنان لما تضمنه من نزعة وصفت بالعنصرية والتحريضية، عدا عن أن اقتراحه يتضمن بحسب ما تقوله المحامية والناشطة الحقوقية، ديالا شحادة "عيوباً جسيمة سواء لجهة عدم صحة الزعم بأن الاتفاقية المعقودة بين الحكومة اللبنانية والمفوضية سنة 2003 تسمح للأمن العام بترحيل اللاجئين بعد انتهاء مهلة التصريح المؤقت، وإنما الصحيح هو السماح للأمن العام بـ "اتخاذ الاجراءات المناسبة".

ولا "يناسب" لبنان بحسب مقدمة دستوره الملتزمة بالإعلان العالمي لحقوق الانسان وبالاتفاقيات الأممية المصادق عليها لبنان (ومنها الاتفاقية الخاصة بالتعذيب) ترحيل شخص كما تقول شحادة لموقع "الحرة" "إلى بلد هو معرض لخطر الاضطهاد فيه، على الأقل ليس قبل عرضه على القضاء لإثبات صحة ادعائه بهذا الخطر من عدمه. وفي كل الأحوال التزام لبنان بموجب عدم الترحيل يستند للإعلان العالمي والاتفاقية الخاصة بمكافحة التعذيب، والاتفاقيات الدولية الملتزم بها الدستور تعلو على أي قوانين محلية وطنية".

وتقول: "لقد مللنا وسئمنا في لبنان من معزوفة التضليل حول تداعيات طفرة اللجوء السوري، فارتفاع الجريمة مرتبط بارتفاع عدد السكان وهذا طبيعي، مثلما ارتفعت نسبة الاستهلاك والإنفاق وفرص العمل كذلك، عدا عن أن قوى الأمن الداخلي أعلنت في بداية العام الحالي عن انحسار ملحوظ في نسبة الجريمة"!

تتساءل شحادة "كيف خلص النائب الياس جرادة إلى أن اللاجئين السوريين ينجبون أطفالاً بهدف الحصول على مساعدات؟ ألم يطّلع على تقارير المفوضية التي تشير إلى أن أكثرية هؤلاء هم حالياً دون خط الفقر؟ هل شاهد نمط حياتهم الصعبة داخل المخيمات، والتي لا تكفي المساعدات الدولية الشحيحة لوقاية ساكنيها من المعاناة؟" 

علامات استفهام.. وحسم

ويصف رئيس المركز اللبناني لحقوق الإنسان، وديع الأسمر، مقترح القانون بـ "الشعبوي"، قدمه نائب "انتخب على لوائح تدّعي التغيير من بين ذلك تغيير المقاربة السياسية في لبنان، وبدلا من ذلك قام بتجميع الأفكار العنصرية من طرد واحتلال واستيطان، صاغهم في اقتراح لا نعلم الهدف منه".

يخلط اقتراح قانون جراده كما يشرح الأسمر "بين اللاجئ السوري الذي طلب الحماية من الدولة اللبنانية، وبين الطالب والسائح والعامل السوري الذي يدخل حسب القوانين المرعية، وهذا أمر غير مقبول، والخطأ الفظيع في الاقتراح هو الحديث عن إعادة قسرية، ما يعني ارتكاب جريمة دولية، فهل المشرّع جرادة يعلم أن تمكّنه هو من الدخول إلى سوريا متى أراد لا ينفي أن مئات الآلاف من السوريين قد يجدون أنفسهم في معتقلات التعذيب في حال عادوا"!

ويسأل الأسمر "هل يعلم جراده أن لبنان صادق على اتفاقية الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة في عام 2000، إلى جانب بروتوكولها الاختياري في عام 2008، وأن المجلس النيابي أصدر في عام 2017 القانون رقم 65/2017 الذي يجرّم التعذيب، بمعنى أن اقتراحه مخالف للقوانين الدولية، ويضع لبنان في مواجهة مع المجتمع الدولي وأي شخص يطبقه سيواجه ملاحقة قضائية دولية من دون تمكّنه من الاختباء وراء تنفيذ القانون".

ويضيف "ما الذي يمنع السلطة اللبنانية من نزع صفة اللجوء عن كل سوري يقصد بلده، ومنعه من دخول لبنان إذا لم يكن في حوزته إقامة سارية المفعول، وهل يريد جراده أن يخالف لبنان قوانينه بمنع دخول السوريين بصورة شرعية"!

عدد اللاجئين الذين صوتوا لبشار الأسد لم يتجاوز بحسب الأسمر التسعين ألفاً، أما الحديث عن "مئات الآلاف فغير صحيح، وقد كان بإمكان الدولة اللبنانية منع التصويت في السفارة السورية في لبنان على غرار بعض الدول، ومنع أي لاجئ صوّت في بلده من معاودة الدخول إلى لبنان كلاجئ، مع العلم أن من صوت في سوريا هم حلفاء جراده الذي قرر التحالف مع النظام للضغط على اللاجئين".

ويشدد "ما يهدف له الحلفاء المستترين أو العلنيين للنظام السوري هو الضغط على المعارضين السوريين كي يعودوا ويلقوا حتفهم في بلدهم أو للتحكّم بهم من قبل النظام، ولو كان ولاء النائب جراده للبنان لكان قدّم اقتراح قانون لتنظيم آليات اللجوء عامة وليس حصره بالسوريين ولكان اقترح قانوناً يفرض على الجهات الأمنية اللبنانية التشدد أكثر على الحدود بين البلدين لمنع تهريب الأشخاص والمواد".

المشكلة في لبنان يختصرها الأسمر بالقول إن "البعض لا يجرؤ على انتقاد النظام السوري والأجهزة الأمنية اللبنانية لعدم حمايتها الحدود ومنع التهريب، ولا يجرؤ على انتقاد حزب الله لتدخله بالحرب في سوريا ولا انتقاد الأحزاب السياسية لمشاركتها في التهريب، فيصب جام غضبه على الضحايا اللاجئين".

كذلك يرى مدير المرصد لحقوق الإنسان، رامي عبد الرحمن، أن "السياسيين اللبنانيين والميليشيات يصبّون جام غضبهم من فشلهم الاقتصادي وفشل الحكومات المتعاقبة، على اللاجئين الذين تتحمل الأمم المتحدة عبأهم الأكبر، ويعملون على إعادتهم من لبنان إلى سوريا تحت ذرائع مختلفة وقد اعتقل بعضهم عند الحدود السورية اللبنانية"، ويضيف "وجود بعض السوريين الذين يقومون بأعمال تتعارض مع القوانين اللبنانية لا ينفي أن الأغلبية الساحقة منهم منضبطة". 

ويتساءل عبد الرحمن خلال حديث مع موقع "الحرة" "إلى أين يريدون إبعاد السوريين إذا كان الموجودون في مناطق النظام يفروّن منها باتجاه المجهول أو باتجاه مراكب الموت التي تنطلق من لبنان نحو أوروبا" ويشدد "كل القوانين والاقتراحات اللبنانية لن تفيد شيئاً طالما هناك أمم متحدة واتحاد أوروبي يضغطان على الحكومة اللبنانية التي قد تعيد سراً العشرات من اللاجئين لكنها لا تستطيع إعادة الآلاف ليواجهوا الاعتقال والموت في سجون النظام".

سوريون يعبرون الحدود إلى لبنان

توضيح.. واصرار

اقتراح القانون يعبّر عن قناعات جراده كما يشدد في حديث لموقع "الحرة"، "وليس ردة فعل أو عملا شعبويا، وذلك من أجل حقوق الشعب السوري أولا الذي يعيش ظروفا صعبة نتيجة تخلي المجتمع الدولي والمنظمات الدولية عنه، وثانياً من أجل الشعب اللبناني الذي لم يعد بإمكانه تحمّل الأعباء الاقتصادية والاجتماعية والديموغرافية للنزوح".

يرفض جرادة بحسب قوله "مشهدية تحوير الوقائع والحقائق والتهجم على اقتراح القانون ووصفه بصفات لا تمت إلى الواقع بصلة، من دون قراءته، وكأن المطالبة بكرامة الشعب السوري وحقوق الشعب اللبناني والمحافظة على الإثنين هو عمل فاشي بحسب ما وصفته بعض المواقع الإلكترونية، ما يشير إلى نوايا وخبايا معينة".
ويقول: "عرضت اقتراح القانون على النواب، ورغم أن المجالس بالأمانات إلا أنه تم تسريبه، ومع ذلك لمست تجاوباً كبيراً سواء نيابياً أو شعبياً، وليس كما يروّج في الإعلام، وسأستمر به بعد الأخذ بالملاحظات التي تم طرحها".

ويسأل "ما الذي يريده من ينادون بابقاء السوريين في ظل الأوضاع الصعبة؟ من لديهم آراء في القانون والمقاربة احترمناها وأخذنا بها، أما الذين يعترضون بالمطلق فأين بدائلهم".

وعن اللاجئين الذين يخشون العودة بسبب الخوف من توقيفهم من قبل النظام السوري، يعلّق "اقتراح القانون واضح، وسأنشره على الإعلام عند تقديمه، وهو ينص على أن من تنطبق عليه صفة لاجئ، على الحكومة اللبنانية بالتعاون مع مفوضية شؤون اللاجئين تأمين مكان لائق وكريم وآمن له"، وفيما إن كان ذلك المكان داخل أو خارج لبنان يجيب "بحسب ما تقتضيه الضرورة، إما أن تعمل المفوضية على إيجاد هذا المكان، أو أن يبقى في لبنان إذا كانت تنطبق عليه شروط اللجوء السياسي التي ينص عليها القانون اللبناني بشكل واضح، وهؤلاء قلّة".

وعن حظوظ إقرار القانون أجاب بالقول إنه "قانون عادي وليس مستعجلا، بالتالي علينا انتظار عقد جلسات تشريعية بعد انتخاب رئيس للجمهورية، وعلى الرغم من أني لم أقدمه كقانون معجّل، لكني أعتبر أن الضرورة الإنسانية تحتم مقاربته على وجه السرعة".

لاجئون سوريون في طرابلس شمال لبنان، أرشيف

يذكر أنه في الثامن من الشهر الجاري أعلن وزير الخارجية والمغتربين في حكومة تصريف الأعمال، عبد الله بو حبيب، بعد لقائه وفدا من مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، عن توصّل الطرفان إلى اتفاق حول "تسليم الداتا" التابعة لجميع اللاجئين السوريين المتواجدين على الأراضي اللبنانية، وذلك بعد مسار طويل من التفاوض بدأ منذ حوالي السنة.

وشدد بو حبيب على أن لبنان "يعتبر الداتا حقا سياديا، كحق سائر الدول بمعرفة هوية الأشخاص المتواجدين على أراضيها"، مشيراً إلى أن الاتفاق "يخدم مصلحة الطرفين"، اللبناني والأممي، والدول المانحة لجهة عدم استفادة الأشخاص الذين يستغلون هذه التقديمات بصورة غير قانونية، وبالتالي، "يحرمون أشخاصا أحق منهم بهذه التقديمات من الوصول إليها".

أما المستشار العام ورئيس دائرة الشؤون القانونية في المفوضية، لانس بارثولوميوز، فأعلن عن التوصل إلى اتفاقية تتوافق مع المعايير العالمية لحماية البيانات، مشدداً على أن الحكومة اللبنانية "تلتزم بعدم استخدام أي بيانات يتم مشاركتها لأغراض تتعارض مع القانون الدولي، وقد أعادت تأكيد التزامها بمبدأ عدم الإعادة القسرية والتزاماتها بموجب القانون الدولي والمحلي. وفي الوقت الذي ستستكمل فيه المناقشات حول آلية التطبيق وتفاصيلها".

ويسهل على سياسيي لبنان، بحسب شحادة، "الاستقواء على الضعيف المظلوم ويصعب مواجهة القوي الظالم. أزمة اللاجئين سببها وحلها هو عند نظام، بشار الأسد، لا عند اللاجئ الذي يرمي نفسه في البحر كل يوم بحثا عن بلد يصون كرامته".

حزب الله والسلاح الفلسطيني

لبنان يتغير.

سقط النظام السوري. خسر حزب الله حربا جديدة مع إسرائيل. والدولة تبدو جادة في سحب سلاح الحزب.

لكن يظل سلاح آخر، سلاح التنظيمات الفلسطينية في لبنان، وهو أقدم من سلاح حزب الله، وربما يكون ورقة يستخدمها الحزب في مستقبل صراعاته داخل الحدود، وخارجها، وفق محللين.

نظام سقط وجيش تحرك

بعد سقوط نظام بشار الأسد وراء الحدود، في سوريا الجارة، شن الجيش اللبناني ما سماها عملية "إجهاز" على كل المراكز المسلحة خارج المخيمات الفلسطينية، في قوسايا والسلطان يعقوب وحشمش في البقاع شرق لبنان، وهي مراكز كان يدعمها نظام الأسد.

وأعلن الرئيس اللبناني جوزاف عون أن الجيش تسلم ستة مواقع فلسطينية وضبط ما فيها من أسلحة ومعدات.

لجنة الحوار اللبناني الفلسطيني أعلنت، من جانبها، خلو لبنان من أي سلاح فلسطيني خارج المخيمات.

لكن، ماذا عن السلاح داخل المخيمات؟

موقف الحكومة واضح. البيان الوزاري الصادر في السابع عشر من أبريل أكد التزامها ببسط سيادة الدولة على جميع أراضيها "بقواها الذاتية حصراً".

لكن المحلل السياسي اللبناني علي الأمين يقول لـ"الحرة" إن السلاح وإن كان سحب بالفعل من قوات فلسطينية في المناطق اللبنانية كلها، لكن تظل هناك أسلحة في مراكز لحركتي حماس والجهاد الإسلامي في مناطق تابعة لنفوذ حزب الله خصوصاً في ضاحية بيروت الجنوبية.

ويتحدث الأمين عن خلايا لحماس والجهاد الإسلامي "تحت حصانة وإدارة حزب الله ولا تزال موجودة حتى اليوم وتعمل بغطاء من الحزب وتحت إدراته". لكن الأسلحة الموجودة في هذه المراكز من النوعية المتوسطة مثل صواريخ 107 وصواريخ كاتيوشا وبعض المسيرات.

تاريخ إشكالي

منذ عقود، وملف السلاح الفلسطيني له دور محوري في توازنات لبنان، داخليا بين أقطابه السياسية، وخارجيا في علاقاته مع الإقليم.

اتفاق القاهرة الموقع عام 1969 سمح للفلسطينين بالتسلح ضمن المخيمات، والعمل عسكريا ضد إسرائيل انطلاقاً من الأراضي اللبنانية.

بعد سنوات قليلة، عام 1975، كان الاتفاق فتيلة أخرى أدت لانفجار الحرب الأهلية.

وفي يونيو 1987، وقع الرئيس اللبناني أمين الجميل، قانوناً يلغي اتفاق القاهرة مع منظمة التحرير، بعدما صوت البرلمان اللبناني على إلغائه.

لكن ظل السلاح الفلسطيني موجوداً. وخاض فلسطينيون معارك ضد جهات لبنانية وغير لبنانية. لكن دوره في المعارك مع إسرائيل ظل محدودا بعد ما استأثر بها حزب الله منذ بداية الثمانينات.

يعيش في لبنان، حسب تقرير للدولية للمعلومات، حوالي 300 ألف لاجئ فلسطيني، يتوزعون على 12 مخيما، أكبرها مخيم عين الحلوة (50 ألف نسمة) قرب صيدا، جنوب لبنان.

وتنشط عسكريا في لبنان حركة "فتح"، أقدم الحركات الفلسطينية، ولرئيسها محمود عباس موقف معلن يؤيد تسليم السلاح الموجود داخل المخيمات للدولة اللبنانية ضمن خطة أمنية واضحة وضمانات لحماية المخيمات.

تنشط كذلك حركة "حماس"، وهي حليفة لحزب الله، وتعرض عدد من قياداتها لاستهداف إسرائيلي في لبنان منذ اندلاع حرب غزة، أبرزهم صالح العاروري، الذي اغتالته إسرائيل في ضربة بالضاحية الجنوبية لبيروت في الثاني من يناير عام 2024، وحسن فرحات الذي اغتيل في الرابع من أبريل 2025 في صيدا.

وفي لبنان أيضا، نشطت "الجبهة الشعبية– القيادة العامة"، وهو فصيل احتفظ بمواقع عسكرية في البقاع بدعم سوري.

وينشط أيضا تنظيمان سلفيان هما "عصبة الأنصار" و"جند الشام"، ويتركزان في مخيم عين الحلوة ويُعدان من بين الأكثر تطرفاً.

كذلك، في السنوات الأخيرة، ظهرت تنظيمات عصابية مسلحة في غير مخيم تنشط في تجارة المخدرات وغيرها من الأنشطة الإجرامية.

"خرطوشة أخيرة"

تقدر مصادر أن 90 في المئة من السلاح في المخيمات هو سلاح فردي، لكن بعض المخازن تحتوي على ذخيرة من الصواريخ.

وتتولى لجان فلسطينية أمن المخيمات.

وتؤكد مصادر فلسطينية أن الجيش يسيطر بشكل كامل على مداخل هذه المخيمات ومخارجها في المناطق اللبنانية كافة، لكن لا سيطرة فعلية له بعد داخل هذه المخيمات.

يقول المحلل السياسي علي الأمين إن السلاح الموجود داخل المخيمات أو المراكز الأمنية القليلة المتبقية خارجه مرتبط بشكل كبير بسلاح حزب الله.

يضيف "الفصائل الفلسطينية الأساسية والرئيس الفلسطيني محمود عباس لا مانع لديهم من تسليم السلاح الموجود داخل المخيمات"، لكن حزب الله والأحزاب الموالية له ترفض تسليم هذه الأسلحة للتمسك بورقة ضغط على الحكومة اللبنانية واستعمالها كـ"خرطوشة أخيرة قبل الاستسلام".

ويرى الأمين أن سحب السلاح من المخيمات مرتبط بشكل وثيق بسلاح حزب الله وأن الأخير يقوم بإدارة ومراقبة هذا السلاح خصوصاً التابع لحركتي حماس والجهاد الإسلامي الموجود داخل المخيمات وخارجها كون الحزب كان المصدر الأساسي لهذه الأسلحة في مرحلة سابقة.

شمال الليطاني

حصر السلاح بيد الدولة اللبنانية لم يعد مطلبا دوليا فقط.

على وقع قرارات دولية (1701 و1559)، وبالتزامن مع إعادة طرح قانون بايجر 6 في الكونغرس مرة ثانية في مارس 2025، أعلن الجيش اللبناني أنه ضبط منطقة جنوب الليطاني، وسيطر على أكثر من 500 هدف ونقطة كانت تابعة لـ "حزب الله".

واليوم تتجه الأنظار إلى شمال الليطاني والخطوة التالية التي ستتخذ لضبط السلاح، كل السلاح، في لبنان.