لاجئون سوريون
التصريحات المنسوبة لقائد الجيش اللبناني أشعلت الجدل

تداولت وسائل إعلام لبنانية، منها جريدة الأخبار،  وموقع أساس ميديا، تصريحات نسبت إلى قائد الجيش اللبناني، العماد جوزيف عون، خلال اجتماع تشاوري للحكومة حول "ملف النزوح السوري إلى لبنان"، عقد في السراي الحكومي قبل ظهر الاثنين الماضي، حيث نقل عنه قوله إن "تهريب السوريين عبر الحدود بات تهديداً وجودياً، وقد نضطر إلى الاشتباك معهم، أو أن نقول للجيش تحركشوا فيهم ليعتدوا عليكم، ليكون لدينا عذر بأن نَقتُل بالقانون".

كما تداول أن وزير الثقافة اللبناني محمد وسام المرتضى دعم موقف قائد الجيش، بالقول "لا تلتفت إلى القانون وافعل ما يجب فعله"، فتدخل الأمين العام لمجلس الوزراء القاضي محمود مكية، قائلاً "إذا أردتم احترام نص القانون فيجب إعلان حالة الطوارئ في المناطق الحدودية واتخذوا التدابير التي ترغبون بها، لأنه حينها يمكن للجيش الانتشار والسيطرة على المعابر".

بدلاً من اللقاء التشاوري، كان من المقرر أن تنعقد جلسة لمجلس الوزراء لكن لم يكتمل النصاب القانوني لها، وبعد أن أسف رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي لعدم حضور الوزراء المتغيبين عن الجلسة، "لا سيما الذين تصدح حناجرهم طوال النهار بمواقف من هذا الملف، من باب المزايدة ليس إلا"، عقد الاجتماع مع الوزراء الحاضرين وقائد الجيش والمدير العام للأمن العام.

وشدد ميقاتي خلال الاجتماع على أن الحكومة لم تتأخر يوماً عن اتخاذ القرارات المناسبة في ملف اللاجئين، وأن الجيش وسائر الأجهزة الأمنية يقومون بواجباتهم في هذا المجال، لكن "المطلوب هو اتخاذ موقف وطني جامع وموّحد بشأن كيفية مقاربة هذا الملف لا سيما النزوح المستجد لمئات السوريين عبر نقاط عبور غير شرعية".

نفي.. واستغراب

لم تمر 48 ساعة على تداول الحديث المنسوب إلى قائد الجيش، حتى ضج خبر إصابة ثلاثة سوريين أثناء محاولتهم التسلل إلى الأراضي اللبنانية بطريقة غير شرعية عند الحدود الشمالية، حيث "انفجر بهم لغمان أرضيان في الجانب السوري من الحدود"، بحسب ما ذكر الجيش اللبناني، ليتولى الصليب الأحمر اللبناني نقلهم إلى إحدى المستشفيات في شمال لبنان.

لكن وسائل إعلام لبنانية أكدت أن السوريين أصيبوا حين كانوا يحاولون العبور إلى الداخل اللبناني عبر معبر عبيدان البرّي غير الشرعي، في محلّة العرموطة في خراج بلدة خط البترول على الضفة اللبنانية لمجرى النهر الكبير في منطقة وادي خالد الحدودية، ما يدفع كما يقول رئيس مركز "سيدار" للدراسات القانونية، المدافع عن حقوق الإنسان، المحامي محمد صبلوح، إلى "التخوف من اللجوء للألغام للحد من هجرة السوريين".

وشدد مصدر قريب من الجيش اللبناني اتصل به موقع "الحرة" على أن عون "ليس مجرماً"،  وقال: "خلال اللقاء التشاوري بدأ عون حديثه عن المسؤوليات، مشيراً إلى عدم لعب القضاء دوره، فهو يطلق سراح المهرّبين وتجار المخدرات بعد توقيفهم من قبل الجيش الذي بات يتمنى أن يطلق هؤلاء النار لكي يكون لديه عذراً شرعياً للرد عليهم".

وفيما إن كان قائد الجيش يعتبر أن اللاجئين أصبحوا يشكلون خطراً وجودياً على لبنان كما تداولت وسائل إعلام لبنانية أجاب المصدر "بالتأكيد".

كما ردّ وزير الثقافة على ما سرّبته وسائل الإعلام من خلال تغريدة عبر صفحته على موقع التواصل الاجتماعي "إكس" جاء فيها "إلى السفلة العملاء المأجورين مروّجي الدعاية الكاذبة ومستولدي الفتن: قائد الجيش لم يقل أنه يريد قتل النازحين المتسللين عبر الحدود بصورة غير شرعية. نحن كنا موجودين في الاجتماع وسمعنا جيّداً مداخلته... قائد الجيش حذّر من الخطر الوجودي على لبنان بفعل تسلل الإرهابيين ومخطّطات الشرّ التي ترمي إلى تثبيت النازحين وكنّا قد سبقناه وقلنا هذا الأمر بحرفيّته".

وأضاف "كل شخص أو جهة إعلامية يبثّ هذه الأخبار الملفّقة يقتضي ملاحقته وسيلاحق وسوف تنزل به أشدّ العقوبات بجملة جرائم منها توهين الجيش والمس بصورته وهيبته".

من جانبه استغرب صبلوح إثارة هذه الضجة من قبل مسؤولين لبنانيين "وإن كان صحيحاً فإن هذا الكلام خطير، فاللجوء إلى الخيار الدموي لا يغطيه القانون اللبناني ولا الاتفاقيات الدولية، وما يخيف أكثر الكلام الذي تم تداوله في الجلسة نفسها حول الطلب من الجمعيات كافة، لا سيما الأجنبية منها وجوب التنسيق مع الوزارات والإدارات والأجهزة العسكرية والأمنية تحت طائلة سحب العلم والخبر منها، ما يعني محاولة إسكات المنظمات الحقوقية التي تدعم السوريين وتوصل صرختهم".

ضحايا الأمل

ينصب اهتمام الأجهزة الأمنية اللبنانية في الفترة الأخيرة على مكافحة تهريب الأشخاص والتسلل غير الشرعي عبر الحدود البريّة، وفي هذا الإطار أعلن الجيش اللبناني قبل يومين إحباط وحدات منه بتواريخ مختلفة خلال الأسبوع الحالي، محاولة تسلل نحو 1250 سوري عند الحدود اللبنانية السورية.

 

وبعد الاجتماع التشاوري في السراي، أعلن وزير الإعلام في حكومة تصريف الأعمال زياد المكاري "أننا نرى آلاف النازحين السوريين من الشباب يدخلون البلد والجيش لا يمكنه ملاحقة ومتابعة هذا الموضوع بمفرده، هناك مشاكل لوجستية ومادية كثيرة، وهناك مشاكل لها علاقة بتهريب الاشخاص، إضافة إلى العصابات التي تتحرك والقضاء الذي لا يقوم بواجباته، فالأمور معقدة بشكل لا يوصف ولا يستخف أحد بهذا الأمر".

وأضاف "لقد سمعنا أرقاماً يا ليت يمكن لكل الشعب اللبناني أن يعرف ما يحصل ويعرف خطر أزمة النزوح الثاني التي تحصل. في كل الأحوال نقول بوجوب ذهاب وفد حكومي لبناني إلى سوريا، وهذا الموضوع يجب أن يبت في أسرع وقت".

لكن المتسللين عبر الحدود، كما يرى رئيس المركز اللبناني لحقوق الإنسان، وديع الأسمر، "ضحايا البحث عن مستقبل أفضل بعدما قطعوا الأمل بوطنهم، والدليل إصابة المتسللين الثلاثة بلغمين أرضيين، أما اتهام السوريين بدخول لبنان من أجل القتال أو الاستفادة المادية فأمر عار من الصحة، فهم إما يضعون أملهم في هذا البلد أو يتخذونه محطة لركوب قوارب الموت إلى أوروبا، لذلك يخاطرون بحياتهم عند اجتيازهم الحدود رغم أنه من واجب نظام بلدهم تأمين الحماية لهم، ومن واجب السلطة اللبنانية رفع الصوت على هذا النظام الذي يستغل قضيتهم للضغط على اللبنانيين، من دون استبعاد أن يكون أحد أهدافه من ذلك، التدخل في الانتخابات الرئاسية اللبنانية".

المبدأ الأساسي هو أن حق اللجوء مكرّس لكل إنسان، لكن الأمر المستغرب بحسب الأسمر أن "أغلبية محاولات التسلل تتم من مناطق بعيدة عن لبنان يسيطر عليها النظام السوري بشكل كامل، لذلك على السلطة اللبنانية استدعاء السفير السوري لمعرفة أسباب سماح جيش نظامه لهؤلاء بالعبور لأن ذلك لا يمكن أن يجري إلا بموافقته".

وفيما يتعلق بالمعابر غير الشرعية يعلّق الأسمر "الموضوع ليس بجديد، سبق أن أثرناه عدة مرات، لا يقتصر التهريب في هذه المعابر على البشر، بل يطال كذلك البضائع، والأجهزة الأمنية اللبنانية على علم بهذه الممرات وهي بغالبيتها تحت حماية نواب ووزراء وسلطات الأمر الواقع، وبدلاً من ملاحقة حيتان التهريب المسؤولة عنها يتم ايقاف صغار المهربين"، وتساءل "لماذا لم تغلق الأجهزة الأمنية هذه المعابر ولماذا لا تحقق الأجهزة القضائية فيما يمكن تسميته تشابك المصالح بين الأجهزة الأمنية على الحدود اللبنانية السورية"؟

كذلك يؤكد صبلوح على أنه "لا يمكن للسوريين التسلل إلى لبنان من دون مهربين، ولا يمكن للمهربين العمل من دون غطاء أمني، بالتالي على الجيش اللبناني توقيف المهربين واغلاق الحدود بالتنسيق مع النظام السوري، لاسيما وأن الحكومة اللبنانية على تواصل دائم مع أركان هذا النظام".

تشديد الخناق

قبل أيام أعلن قائد الجيش أنّ "انتشارنا على طول الحدود، تتخلّله صعوبات كثيرة، سواء طبيعة المنطقة الجغرافيّة أو نقص العديد، لكن عسكريّينا يبذلون قصارى جهودهم لحمايتها ومنع عمليات التهريب والنزوح غير الشرعي"، مبيّناً أنهم "يتعرّضون لشتّى أنواع الشائعات والاتهامات بالتقصير، فيما الحقيقة تثبتها الوقائع اليومية بالجهود الجبّارة التي تقوم بها الوحدات المنتشرة على الأرض".

ودعا كل مشكّك إلى "زيارة الحدود والاطلاع ميدانياً على الوضع الذي ينذر بالأسوأ قريباً فكفى تنظيراً واتهامات باطلة، وليقفوا خلف الجيش، لأنه كان صمام الأمان للبنان وسيبقى كذلك، ولن يحيد عن قسمه وواجباته".

ويوم الاثنين الماضي طلبت الحكومة اللبنانية من الأجهزة الأمنية والعسكرية التعاون والتنسيق فيما بينها لتوحيد الجهود وتعزيز التدابير المتخذة، لا سيما من قبل أفواج الحدود البرية في الجيش والمراكز الحدودية كافة، إضافة إلى تعزيز نقاط التفتيش على المسالك التي يستخدمها المتسللون، وتنفيذ عمليات مشتركة شاملة ومنسقة تستهدف شبكات التهريب وإحالتهم على القضاء المختص، كما وإغلاق نقاط العبور غير الشرعية ومصادرة الوسائل والأموال المستخدمة من قبل المهربين وفقا للأصول، على أن يترافق ما تقدم مع تغطية إعلامية واسعة.

ومن جملة القرارات التي أصدرتها الحكومة لتضييق الخناق على السوريين، "الطلب من وزارة الداخلية التعميم على البلديات وجوب الإفادة الفورية عن أي تحركات وتجمعات مشبوهة تتعلق بالنازحين السوريين، لاسيما لناحية تهريبهم ضمن نطاقها، وإجراء مسح فوري للقاطنين منهم في النطاق البلدي وتكوين قاعدة بيانات عنهم، وإزالة التعديات والمخالفات كافة عن البُنى التحتية (كهرباء، ماء، صرف صحي،...) الموجودة في أماكن إقامتهم، وكذلك التشدد في قمع المخالفات المتعلقة بالمحلات التي تستثمر ضمن النطاق البلدي من قبل سوريين".

كما دعت وزارة العدل إلى الطلب من النيابات العامة التشدد في الإجراءات القانونية المتعلقة بالضالعين في تهريب الأشخاص والداخلين إلى لبنان بطرق غير مشروعة، والطلب من السلطات القضائية الإسراع في المحاكمات التي تخفف من مشكلة الاكتظاظ في السجون واتخاذ الإجراءات المناسبة التي من شأنها ترحيل المحكومين السوريين وابعادهم مع مراعاة الاتفاقات الدولية والقوانين ذات الصلة.

استمرار الحكومة في حملتها العنصرية ضد اللاجئين يعتبره صبلوح "أمراً خطيراً سيزيد من مستوى الكراهية بين اللبنانيين والسوريين وسيوصل إلى ما لا تحمد عقباه".

ويشير صبلوح إلى طرق عدة يمكن من خلالها "معالجة مشكلة التسلل وملف اللاجئين بعيداً عن العنصرية، منها اغلاق المعابر غير الشرعية، ونزع صفة اللجوء عن السوريين الذين قصدوا وطنهم وعادوا إلى لبنان، وهؤلاء يقارب عددهم نحو 500 ألف، وفي حال رحّلتهم الحكومة اللبنانية لا يمكن لأحد أن يعترض على قرارها، كونه لا خطر عليهم بالتعرض للتوقيف والتعذيب في وطنهم، لكن تضييق الخناق على اللاجئين وترحيلهم بقرارات عشوائية أمر يخالف الاتفاقيات الدولية التي صادق عليها لبنان كونه يعرضهم لخطر الاعتقال والتعذيب والموت على يد النظام السوري".

لبنان وحماس

في حدث معبر وغير مسبوق، أظهرت الدولة اللبنانية صلابة في موقفها، وأجبرت حركة حماس، التي طالما استخفت بالسيادة اللبنانية، على الانصياع.

بعد تحذير حازم، من مجلس الدفاع الوطني اللبناني، سلمت حماس عددا من المطلوبين بتهمة إطلاق صواريخ من جنوب لبنان نحو إسرائيل، وهو تصعيد لم تكن الدولة اللبنانية لتواجهه بردع مباشر في السابق، إذ غالبا ما كانت تتم معالجة خروقات كهذه ضمن تفاهمات خلف الكواليس، خصوصا بوجود غطاء سياسي لحماس في لبنان من حزب الله. 

لكن هذه المرة، بدا الأمر مختلفا تماما.

الرسالة كانت واضحة: لم يعد بإمكان أي جهة أن تتصرف خارج سلطة الدولة اللبنانية.

استعادة السيادة

في أبريل الماضي، أعلن الجيش اللبناني ضبط عدة صواريخ ومنصات إطلاق واعتقل عددا من الأشخاص في جنوب لبنان، وقال إن التحقيقات جارية تحت إشراف القضاء.

حماس، التي اعتادت التلاعب بالسيادة اللبنانية مسنودة بتحالفاتها الإقليمية وصلاتها بحزب الله، وجدت نفسها الآن مجبرة على تسليم المطلوبين، في خطوة تعكس هشاشة موقفها وانحسار الدعم الذي طالما استفادت منه.

هذه الاستجابة السريعة تأتي بعد الهزيمة العسكرية التي تعرضت لها الحركة في غزة خلال الحرب الأخيرة مع إسرائيل. فبينما تكبدت حماس خسائر فادحة، أظهرت التطورات الميدانية في لبنان تراجعا واضحا في تأثيرها ونفوذها.

فهل نحن أمام إعادة صياغة لدور حماس في لبنان؟ أم أن الحركة تسعى لتجنب مواجهة جديدة قد تكون مكلفة في ظل تغير الموازين السياسية والأمنية في المنطقة؟

نقطة التحول المفصلية

أصبحت بيروت منذ عام 2019 حاضنة رئيسية لقيادات حماس ومحطة مهمة لوجودها السياسي والأمني، كما ذكر مركز "كارنيغي".

ولا شك أن اللحظة التي أُعلنت فيها استراتيجية "وحدة الساحات" 

وقبل هجوم حماس على إسرائيل في أكتوبر 2023 وتشكيل غرفة عمليات مشتركة في الضاحية الجنوبية لـ"محور الساحات،" أعلنت حماس وحزب الله استراتيجية "وحدة الساحات".

وبدت تلك اللحظة وكأنها "تمهيد لانقلاب شامل على الوضع اللبناني ومحاولة لفرض سيطرة محور الممانعة على كامل الأراضي اللبنانية وعلى جميع القوى السياسية دون استثناء مع بروز دور حركة حماس كعامل فلسطيني رديف لحزب الله في لبنان".

نشاط حماس في لبنان "يتعارض مع السياسة الرسمية الفلسطينية في التعاطي مع الشأن اللبناني"، يقول مدير مركز تطوير للدراسات الاستراتيجية والتنمية البشرية الباحث الفلسطيني، هشام دبسي لموقع "الحرة".

وتبنت حماس إطلاق صواريخ من لبنان خلال المواجهة التي بدأها حزب الله ضد إسرائيل عام 2023 على خلفية الحرب في قطاع غزة، لكن التطورات الميدانية وعمليات الاغتيال التي نفذتها إسرائيل قلبت المشهد رأساً على عقب".

وجاءت "تداعيات الضربات الإسرائيلية على حزب الله ومحور الممانعة في لبنان قاسية ليس فقط على حركة حماس بل على حزب الله ذاته"، يقول دبسي لموقع "الحرة".

وشكّلت عملية اغتيال نائب رئيس مكتب حماس السياسي، صالح العاروري في لبنان في يناير 2024، وفق ما يقوله دبسي "نقطة تحول رئيسية في مسار حركة حماس التي كانت تعيش حالة من الصعود على المستويين الفلسطيني واللبناني".

ويتابع "لكن نتائج الحرب الأخيرة وضعت الحركة في مأزق تحالفها مع حزب الله إذ لم تعد قادرة على فك ارتباطها بهذا التحالف كما لا تستطيع اتخاذ خطوة تراجع منهجية تقتضي بتسليم سلاحها للدولة اللبنانية والالتزام بالشرعية الفلسطينية ممثلة بمنظمة التحرير وسفارة فلسطين في لبنان".

يذكر أن العاروري، قتل مع اثنين من قادة الجناح العسكري للحركة، في ضربة إسرائيلية استهدفت مكتبا للحركة في الضاحية الجنوبية للعاصمة اللبنانية بيروت، أحد معاقل جماعة حزب الله اللبنانية.

رسالة واضحة

حذّر مجلس الدفاع الوطني اللبناني حماس من استخدام الأراضي اللبنانية للقيام بأي أعمال تمس بالأمن القومي اللبناني تحت طائلة اتخاذ أقصى التدابير والإجراءات اللازمة لوضع حد نهائي لأي عمل ينتهك السيادة اللبنانية.

يتجلى في خطوة المجلس هذه بعدان أساسيان، يشرحهما دبسي "الأول هو انقلاب موازين القوى الداخلية لصالح الدولة اللبنانية في مواجهة سلاح الميليشيات حيث يعكس هذا التحرك تحولاً نوعياً نحو تعزيز سيطرة الدولة على السلاح وتقليص نفوذ الجماعات المسلحة".

الثاني "هو ترجمة خطاب القسم الرئاسي والبيان الوزاري إلى خطوات عملية تهدف إلى حصر السلاح بيد الدولة اللبنانية وفي هذا الإطار جاء إطلاق مجموعة من حركة حماس صواريخ من الأراضي اللبنانية نحو إسرائيل ليشكل اختباراً لمدى جدية العهد الجديد في فرض سيادة الدولة وقد كان الرد الإسرائيلي العنيف بمثابة إنذار لما قد تترتب عليه مثل هذه العمليات من تداعيات خطيرة".

وبالتالي فإن الدولة اللبنانية بسياساتها الجديدة لا يمكنها وفق ما يشدد دبسي "التغاضي عن هذه التطورات أو التعامل معها كما كان يحدث في السابق، بل على العكس جاء توجيه الإنذار لحركة حماس كرسالة واضحة بأن قرار السلاح والسيادة بات في يد الدولة اللبنانية ولن يُسمح لأي طرف بتجاوزه".

وفي ما يتعلق بتقييم استجابة حركة حماس لطلب تسليم المطلوبين، يرى دبسي أن الحركة "في البداية كانت مترددة وحاولت الاعتماد على علاقاتها التقليدية مع حزب الله وباقي قوى محور الممانعة في لبنان لكن مع إدراكها أن حزب الله لن يقدم لها الدعم ولن تستطيع الاحتماء بمظلته أو بمظلة أي من القوى اللبنانية الأخرى لم يبق أمامها سوى خيارين إما تسليم العناصر المطلوبة للدولة اللبنانية أو مواجهة الدولة دون أي غطاء لبناني داخلي ودون أي غطاء فلسطيني أيضاً".

ويشير دبسي إلى "أن منظمة التحرير الفلسطينية طالبت حماس مرارا بتسليم المطلوبين وعدم استخدام الأراضي اللبنانية لإطلاق الصواريخ حتى لا تعرض مجتمع اللاجئين الفلسطينيين لردود الفعل الإسرائيلية".

وبناء على ذلك اضطرت حركة حماس "في نهاية المطاف للاستجابة لمطلب الدولة اللبنانية كخيار إجباري لا مفر منه".

تصدّع التحالف

كشفت التطورات الأخيرة عمق الخلافات والتباينات الميدانية بين حماس وحزب الله، إذ لم يعد أي منهما قادراً على مساندة الآخر في ظل الظروف الراهنة، بحسب ما يرى دبسي.

ويشرح أن "حزب الله الذي أعلن التزامه بموقف الدولة اللبنانية لم يعد قادراً على تقديم الغطاء لحماس أو حمايتها، ما يعكس حالة من التباعد بين الطرفين، خاصة وأن حزب الله يشعر بأن حماس قد خدعته بعملية 'طوفان الأقصى'، إذ لم تنسق العملية معه ولم تُعلمه بموعدها مسبقاً".

في المقابل، "تشعر حماس بأن حزب الله لم يكن وفياً بما يكفي في دعمه للحالة الفلسطينية ولم يلتزم بتعهداته كما تتصور الحركة. وهكذا، باتت العلاقة بين الطرفين أقرب إلى تبادل الاتهامات وتحميل المسؤولية؛ فحزب الله يلقي اللوم على حماس بسبب التصعيد الميداني غير المنسق، بينما ترى حماس أن حزب الله استخدم إطلاق النار من لبنان كغطاء دون التشاور معها".

في ظل هذه التوترات، عادت قضية سحب السلاح الفلسطيني من المخيمات إلى الواجهة، وسط توقعات بإعلان الدولة اللبنانية عن خريطة طريق واضحة لتنفيذ هذه الخطوة، وفقاً لدبسي.

يُذكر أن ملف السلاح الفلسطيني في لبنان ينقسم إلى محورين: السلاح داخل المخيمات وخارجها. وقد أنجز ملف السلاح خارج المخيمات بالكامل، بينما يجري العمل حالياً لضبط السلاح داخل المخيمات.

وتندرج هذه القضية ضمن إطار القرار 1559 الصادر عام 2003، والذي ينص على نزع سلاح الميليشيات والقوى الأجنبية غير اللبنانية، بما فيها السلاح الفلسطيني.

يشير دبسي إلى أن "الشرعية الفلسطينية سبق أن أعلنت دعمها لتطبيق القرارين 1559 و1701، وأبدت استعدادها للتعاون الكامل مع الدولة اللبنانية لتنظيم الوجود المسلح داخل المخيمات وخارجها".

وكان الرئيس الفلسطيني محمود عباس قد أكد خلال زيارته السابقة إلى قصر بعبدا في عهد الرئيس ميشال سليمان على تسهيل عمل الحكومة اللبنانية في إنهاء هذا الملف، لكن التطبيق تعثر بفعل هيمنة "محور الممانعة".

وفي هذا السياق، تتجه الأنظار إلى زيارة عباس المرتقبة إلى لبنان في 21 مايو، "حيث يتوقع أن تحمل مؤشرات حول كيفية تنفيذ المبادرة السياسية والأمنية المتعلقة بسحب السلاح من المخيمات بالتنسيق مع السلطة الفلسطينية"، وفقاً لدبسي.