شرطة بلدية الغبيري تغلق محلا في سوق سويدان
شرطة بلدية الغبيري تغلق محلا في سوق سويدان

حملات تضييق الخناق على اللاجئين السوريين في لبنان مستمرة، وتتخذ منحى تصاعديا مع فرض بعض البلديات إجراءات تمييزية ضدهم، مما زاد من حالة القلق التي يعيشونها منذ إعلان الحكومة اللبنانية أنه "غير مرحّب بهم، وعليهم العودة إلى بلدهم".

من حظر تجولهم إلى تقييد قدرتهم على استئجار منازل، وإجبارهم على تزويد البلديات ببياناتهم الشخصية، والتهديد بترحيلهم، وغيرها من الإجراءات التي تطال اللاجئين السوريين في الفترة الأخيرة، يترافق ذلك مع خطاب كراهية مستعر ضدهم من قبل مسؤولين لبنانيين ووسائل إعلامية.

ويتضمن ذلك بث شائعات لإثارة الرعب منهم، كتسلل "عناصر وأمراء من داعش" عبر معابر غير شرعية إلى الأراضي اللبنانية، إضافة إلى مداهمة الجيش اللبناني لمخيماتهم، مما زاد من معاناتهم والتحديات التي تواجههم في حياتهم اليومية.

إعادة بلديات لبنانية تصعيد إجراءاتها ضد السوريين، يأتي في إطار تطبيق القرارات الصادرة عن مجلس الوزراء اللبناني الشهر الماضي، وعلى رأسها الطلب من وزير الداخلية والبلديات في حكومة تصريف الأعمال، بسام مولوي، "التعميم على البلديات وجوب الإفادة الفورية عن أي تحركات وتجمعات مشبوهة تتعلق بالنازحين السوريين".

وكذلك "إجراء مسح فوري للنازحين السوريين القاطنين في النطاق البلدي وتكوين قاعدة بيانات عنهم، وإزالة التعديات والمخالفات كافة عن البُنى التحتية الموجودة في أماكن إقامتهم، والتشدّد في تطبيق قانون السير".

كما طلب مجلس الوزراء من مولوي "تعميم التشدد في قمع المخالفات المتعلقة بالمحلات التي تستثمر ضمن النطاق البلدي من قبل سوريين من دون حيازة التراخيص اللازمة والعمل على إقفالها فوراً، وإحالة المخالفين على القضاء المختص، والطلب من الجمعيات كافة، لا سيما الأجنبية منها، وجوب التنسيق مع الوزارات والإدارات والأجهزة العسكرية والأمنية تحت طائلة سحب العلم والخبر منها، بناء على تقارير ترفع لهذه الغاية من قبل الإدارات والأجهزة المعنية، لاسيما من قبل المديرية العامة للأمن العام".

بلديات "تفوّقت بالقمع"

وتتشدد السلطات اللبنانية أكثر فأكثر في التعامل مع ملف اللاجئين السوريين، إلى درجة اعتبار أكثر من مسؤول أن وجودهم أصبح يشكل "خطراً وجودياً" على لبنان.

وقبل أيام، اعتبر مولوي أن "النزوح السوري لم يعد يُحتمل، وهو يهدد ديمغرافية لبنان وهويته"، مثنياً خلال رعايته أعمال مجلس الشؤون البلدية والاختيارية المركزي في قصر اليونيسكو في بيروت، على عمل ودور العديد من البلديات، لا سيما بيروت وطرابلس وسن الفيل والغبيري والدكوانة.

إثناء مولوي على هذه البلديات جاء كونها "كانت سبّاقة في ضبط وجود النازحين السوريين وتطبيق القانون"، لافتاً إلى أن "مشكلة النزوح كبيرة وشائكة، ويجب أن نتعامل معها من منطلق حرصنا على وجود ومصلحة لبنان وبالقانون".

لاجئون سوريون
"تهديد وجودي".. هل دعا قائد الجيش اللبناني إلى قتل السوريين فعلا؟
تداولت وسائل اعلام لبنانية كلاماً خطيراً نسب إلى قائد الجيش اللبناني، العماد جوزيف عون، خلال اجتماع تشاوري للحكومة حول "ملف النزوح السوري إلى لبنان"، عقد في السراي الحكومي قبل ظهر الاثنين الماضي، حيث نقل عنه قوله إن "تهريب السوريين عبر الحدود بات تهديداً وجودياً، وقد نضطر إلى الاشتباك معهم، أو أن نقول للجيش تحركشوا فيهم ليعتدوا عليكم، ليكون لدينا عذر بأن نَقتُل بالقانون".

ودعا مولوي إلى "إزالة المخالفات في كل البلديات والاتحادات، وإلى حماية الأملاك العامة والمشاعات الخاصة بالدولة اللبنانية التي هي حق كل مواطن"، لافتاً إلى أن "البلديات تعوض تقصير الدولة في الأزمات".

من البلديات التي أشاد بها مولوي، بلدية بيروت، التي أطلقت حملة لإزالة كافة أشكال المخالفات والتعديات على الأملاك العامة، وتم تسيير دوريات في شوارع العاصمة على مدار الساعة، تنفيذاً لقرار المحافظ القاضي مروان عبود، حيث يجري العمل على قمع الدراجات النارية غير القانونية، وضبط الأشخاص المخلّين بالقانون، وتسليمهم مع المضبوطات إلى المراجع المختصة.

كما كان لبلدية الدكوانة (قضاء المتن في محافظة جبل لبنان) التي تعرف بتشددها منذ سنوات تجاه السوريين، نصيبها من ثناء مولوي، فسبق أن شنّت حملة إقفال المحلات التي يشغلونها، معلنة "رفضها القاطع السماح للأجانب باستئجار المحلات التجارية في أي سوق من أسواقها".

كما أكدت على "عدم السماح بإدارة المحلات ذات الصناعات الخفيفة، التي تؤثر سلباً على التاجر اللبناني والصناعي، من حيث المضاربة غير المشروعة ونوعية البضائع".

وفي حديث مع موقع "الحرة"، أكد رئيس بلدية الدكوانة، المحامي أنطوان شختورة، أنه "يطبّق قرارات وتعاميم الحكومة، ووزيري الصناعة والداخلية ووزيري العمل سابقاً".

وقال: "البعض يتهمني بالعنصرية رغم أني أتصرف وفقاً للقانون وكرئيس بلدية حقوقي، وإن كان رأي الشخصي حول النزوح السوري أنه أصبح عبئا على البنى التحتية والاقتصاد اللبناني، بالتالي أؤيد عودتهم إلى بلدهم".

وكان وزير الصناعة جورج بوشكيان، قد حذّر المصانع العاملة على الأراضي اللبنانية، من "استخدام عمّال سوريين لا يحوزون أوراقاً وتراخيص قانونية، وذلك تحت طائلة وقف عمل تلك المصانع وسحب تراخيصها".

ويقدر عدد السوريين في منطقة الدكوانة، حسب شختورة، "بحوالي 1500 لاجئ، ومن الإجراءات التي اتخذتها البلدية لضبط تواجدهم، منع تأجير مسكن لمن لا يملك أوراق ثبوتية قانونية، ومنعهم من فتح مؤسسات من دون حيازة التراخيص القانونية".

حملات متواصلة

حظيت بلدية الغبيري (في الضاحية الجنوبية لبيروت) كذلك بإشادة وزير الداخلية. وكانت أعلنت في الـ29 من سبتمبر الماضي، مباشرة شرطتها "إجراءات الكشف على كافة المحال والمؤسسات والشركات وورش المهن الحرة التي يديرها نازحون سوريون في نطاقها البلدي، للتثبت من حيازتهم التراخيص القانونية وفي حال وجود مخالفات تم العمل على إقفالها فوراً".

وأوضحت في بيان أن "هذه الحملة ستستمر يومياً، إضافة إلى الإجراءات الخاصة بمنع الأجانب من قيادة الآليات دون تسجيل أو رخصة قيادة أو أوراق ثبوتية".

وعبر صفحته على منصة "إكس"، أعلن رئيس بلدية الغبيري، معن خليل، "بدء إقفال سوق سويدان الذي يضم أكثر من 50 محلاً تجارياً، ومطاعم معظمها مؤجرة لأجانب، أو يعمل فيه عمال أجانب خلافاً للقانون".

وفي تغريدة أخرى، أعلنت المؤسسات التربوية الواقعة ضمن نطاق البلدية، "مسح أوضاع الطلاب الأجانب المسجلين في مدارسها لناحية استيفاء ذويهم الشروط القانونية للإقامة على الأراضي اللبنانية".

وفي حديث مع موقع "الحرة" أكّد خليل، أنه "يطبق تعاليم وتعاميم الحكومة ووزير الداخلية".

وأضاف: "البلدية سلطة محلية، بالتالي تدخل هذه الإجراءات ضمن مهامها، مع العلم أنه منذ فترة طويلة نضبط المخالفات من دون أن تسلّط وسائل الإعلام الضوء على ذلك. إجراءاتنا بعيدة عن العنصرية، ونشكل يومياً فرقاً إضافية لضبط كل التجاوزات".

ويقدّر عدد اللاجئين السوريين في منطقة الغبيري، كما يقول خليل، "بـ50 ألف سوري"، ويشير إلى أن "النازحين يشكلون ضغطاً اقتصادياً واجتماعياً على كل لبنان وليس فقط منطقتنا".

وتابع :"تسببوا بارتفاع بدلات الإيجارات، وعدم عثور اللبناني الفقير على غرفة لاستئجارها، إضافة إلى ارتفاع الكلفة التشغيلية لمصالح اللبنانيين الذين يدفعون الضرائب على عكس تلك التي تعود للسوريين، مما شكّل عنصر منافسة قوي، وأدى إلى توقف جزء من المصالح اللبنانية".

اللافت هو انضمام "حزب الله" إلى "نادي" المطالبين بعودة اللاجئين إلى سوريا.

والإثنين، دعا أمين عام الحزب، حسن نصر الله، إلى "وضع استراتيجية وطنية شاملة لمعالجة هذا الملف"، مهددا بـ"تسهيل ترحيل السوريين عبر البحر إلى أوروبا".

وقبل أيام، أكّد مسؤول ملف النازحين في "حزب الله"، النائب السابق نوّار الساحلي، أن "ما بين 40 إلى 45 بالمئة ممن يقطنون في لبنان، هم من الجنسية السورية، وهذا أمر غير موجود في أي بلد في العالم".

وفي حديث إذاعي، اعتبر الساحلي أن "النزوح بات يؤثر على الوضع الاقتصادي وفرص العمل"، قائلاً: "للمرة الأولى في تاريخ لبنان، يتفق الفرقاء اللبنانيون على حقيقة خطر النزوح السوري على لبنان؛ لأن الجميع أصبح يشعر به"، معتبراً أنّ "الحلّ يكون ببدء عودة العائلات السورية إلى بلدها".

كما كان لطرابلس في شمال لبنان حصة من ثناء مولوي، وقد سبق أن أصدر محافظ لبنان الشمالي، القاضي رمزي نهرا، في أبريل الماضي، تعميما متعلقاً بتنظيم العمالة الأجنبية في محافظة الشمال "حفاظاً على السلامة والأمن العام".

وقبل أيام أصدر تعميما آخراً لـ "تنظيم وجود النازحين السوريين ومكافحة عمليات التسلُّل غير الشرعي للأراضي اللبنانية"، حيث طلب من كافة القائمقام التعميم على البلديات الواقعة ضمن نطاق محافظة لبنان الشمالي، اتخاذ إجراءات حددها في تعميمه من شأنها تضييق الخناق أكثر على اللاجئين.

شائعات.. "إرهابية"

بعد أن أثار في مارس الماضي زوبعة من الردود على تصريحه حول راتبه الذي "بات أقل مما يتقاضاه النازح السوري"، يستمر محافظ بعلبك، الهرمل بشير خضر، بحملته على اللاجئين.

وقبل أيام، أعلن أن "عددهم في المحافظة بلغ 315 ألف سوري، وهو يفوق عدد اللبنانيّين القاطنين فيها، البالغ حوالي 250 ألفاً".

وفي حديث مع موقع "الحرة"، أرجع خضر ارتفاع عدد اللاجئين في محافظة بعلبك الهرمل إلى "ارتفاع عدد الولادات والزواج المبكر وتعدد الزوجات لديهم"، لافتاً إلى أن "أعداد النازحين الذي عادوا إلى سوريا قليلة جداً مقارنة بالأعداد التي دخلت إلى لبنان، كما أن أعمار نصف السوريين تقريباً في المحافظة دون الـ 15 سنة".

وشدد خضر على أنه "ينفّذ القرارات الصادرة عن وزارة الداخلية، في حين تواجه بعض البلديات عوائق لضبط الوضع وإحصاء عدد النازحين، عدا عن أن بعض رؤساء البلديات يتراخون بتطبيق القانون".

ومن الإجراءات التي اتخذها خضر كما يقول، "إيقاف عمل جميع الأطباء والممرضين والصيادلة السوريين في المستشفيات والمراكز الصحية اللبنانية في المحافظة، كون ذلك ممنوع قانوناً، وتشديد الرقابة على نشاط الجمعيات، باستثناء اليونيسف ومفوضية اللاجئين وبرنامج الأغذية العالمي، حيث بات يمنع على أي جمعية الدخول إلى مخيمات اللاجئين من دون إذنه، ولا تعطى الموافقة على أي مشروع تريد القيام به إذا لم يلحظ اللبنانيين".

وبعد تداول إشاعة "دخول عناصر وأمراء من داعش إلى لبنان"، أوردت إحدى الصحف المحلية أن تقريراً أمنياً يشير إلى وجود "مخطّط إرهابي لدى جماعات أصولية إرهابية لتفجير أعمدة قلعة بعلبك".

وعلّق خضر على ذلك، بالقول: "هذا الخبر عار من الصحة وغير ممكن تقنياً، فتفجير هذه الأعمدة يحتاج إلى خبير متفجرات وكمية كبيرة منها وتمضية ساعات طويلة لزرعها أسفل قواعد الأعمدة، والسبب وراء هذه الاشاعة هو النجاح المدوّي للموسم السياحي في بعلبك هذا العام، والأعداد الكبيرة للسياح، لا سيما الأجانب منهم".

ورغم إجماع غالبية المسؤولين اللبنانيين على ضرورة عودة اللاجئين إلى وطنهم، فإن هذا الملف يشكّل انقساماً حاداً بين بعضهم، لاسيما بين وزير المهجرين عصام شرف الدين، ووزير الخارجية عبد الله بو حبيب.

وقبل يومين، شهد برنامج على قناة محلية سجالاً حاداً بينهما، حيث طلب بو حبيب من شرف الدين "تخفيف الحكي، لأنه لن يستطيع فعل شيء في هذا الملف"، ليرد شرف الدين عليه بالقول: "لا يعنيني ما يقول هذا الرجل. وأقدر عمره"، قبل أن يتطاول عليه بالكلمات.

"تمييز وعنصرية"

سبق أن وجّه وزير الداخلية والبلديات القاضي، مولوي، في مايو الماضي، كتاباً إلى المحافظين، ومن خلالهم إلى القائمقامين والبلديات والمخاتير في القرى التي لا توجد فيها بلديات، والتي يتواجد فيها لاجئون سوريون؛ لـ"إطلاق حملة مسح وطنية لتعداد وتسجيل كافة النازحين السوريين المقيمين ضمن نطاقها".

وطلب من المخاتير "عدم تنظيم أي معاملة أو إفادة لأي نازح سوري قبل ضم ما يُثبت تسجيله، وغيرها من الإجراءات". كذلك وجّه كتاباً إلى وزارة العدل للتعميم على كافة كتاب العدل "بعدم تحرير أي مستند أو عقد لأي نازح سوري دون بيان وثيقة تثبت تسجيله في البلدية".

الأزمة الاقتصادية في لبنان ضاعفت متاعب اللاجئين
"فورا وقسرا".. نائب لبناني يثير ضجة بمقترح قانون لترحيل اللاجئين
انضم النائب اللبناني، إلياس جرادة، إلى الأصوات المطالبة بترحيل اللاجئين السوريين، حيث قدم مقترح قانون وصفه معارضون بـ "العنصري والتحريضي والمفاجئ"، من نائب تغييري "كان يعوّل عليه بمقاربة الملفات" بطريقة مختلفة عن السلطة السياسية المتجذرة منذ عشرات السنين.

كما توجّه إلى المفوضية العليا لشؤون اللاجئين، آملا التجاوب بإقفال ملفات "الذين يعودون إلى بلادهم طوعاً وإخطار مفوضية الأمم المتحدة بذلك، وعدم إعادة فتح ملفاتهم، حتى لو عاودوا الدخول إلى لبنان، وإفهام النازحين السوريين أن ورقة اللجوء لا تعتبر إقامة، وتزويد المديرية العامة للأمن العام بداتا (معلومات) مفصلة عنهم".

وخلال لقائه مع رئيس مجلس النواب نبيه بري، الإثنين، اعتبر مولوي أن معضلة النزوح السوري "ينبغي أن تحل بطريقة علمية ومنطقية وبالمتابعة والمثابرة بدءاً بالسياسة، ولاحقاً بكل الإجراءات الإدارية والأمنية التي تنفّذ على الأرض، وهذا ليس موضوعاً للمزايدة".

قرارات الحكومة ووزير الداخلية اللبنانية دليل جديد، كما يرى مدير المركز اللبناني لحقوق الإنسان، وديع الأسمر، على "تهرّب المسؤولين اللبنانيين من مسؤوليتهم".

وقال: "بدلاً من تعريف اللاجئ ووضع آلية جدّية لإدارة ملف اللجوء، يتم تحميل المسؤولية تارة إلى الأمم المتحدة ومنظماتها، وتارة أخرى إلى المجتمع الدولي، وحالياً تم رمي المسؤولية على البلديات، مما فتح باباً لإشكاليات وتجاوزات غير قانونية".

وشرح الأسمر في حديث لموقع "الحرة"، أن "القانون اللبناني يحدد شروط لقيادة الآليات، يجب تطبيقها على اللبنانيين والأجانب وليس فقط على السوريين، كذلك الأمر فيما يتعلق بالمحال التجارية، لا أن يتم التمييز بناء على العرق، مما يجعل من هذه القرارات عنصرية، كما أن الدخول إلى منازل اللاجئين عنوة بذريعة تطبيق القانون أمر مخالف للقانون".

وأضاف: "للأسف يتعرض العديد من اللاجئين للانتهاكات بسبب سوريين يقيمون في لبنان بصورة غير قانونية، وبرضى السلطات اللبنانية المرتهنة للنظام السوري، والتي لا تجرؤ على منعهم من الخروج والدخول إلى لبنان متى أرادوا ذلك".

مصير مرهون

يساهم خطاب وإجراءات التحريض ضد اللاجئين في إثارة مشاعر العداء ضدهم، وتحميل المقيمين منهم في بلدة ما وزر ما يقوم به أحدهم.

مثال على ذلك ما حصل قبل أيام في برجا -إقليم الخروب، بعد اتهام لاجئ سوري بالتحرش بطفل، حيث طالب أهالي البلدة، البلدية ومخاتيرها "العمل سريعاً على تنظيم وجود الغرباء خصوصاً النازحين السوريين، مؤكدين على وجوب التشدّد في الإجراءات التي تحفظ أبناء البلدة ومصلحتهم وتحمي أبناءهم".

ومما دعا إليه الأهالي في بيان "منع تجول النازحين السوريين بعد الساعة السادسة مساءً إلا بتصريح من البلدية، وملاحقة كل سوري يفتح متجراً، وقمع القيادة العشوائية للدراجات النارية وغيرها".

ومنذ أعوام يتعرض اللاجئون السوريون في لبنان، بحسب المرصد "الأورومتوسطي"، إلى "ممارسات تمييزية وعنصرية، عدا عن القوانين التي تحد من قدرتهم على التمتع بحقوقهم الأساسية، لا سيما الحق في الصحة والعمل، إضافة إلى تعرّضهم لعدد كبير من الاعتداءات التي تسبّبت بمقتل عدد منهم وإحراق بعض المخيمات، والتي تكون غالباً مدفوعة بخطابات كراهية وتحريض".

"الهدف من القرارات التي تتخذها السلطات اللبنانية لإغلاق كل سبل العيش أمام اللاجئين السوريين، وادعاءات دخول مسلحين سوريين تابعين لتنظيم داعش عبر معابر غير شرعية وغيرها من الأكاذيب" كما يقول مدير المرصد السوري لحقوق الإنسان، رامي عبد الرحمن، هو "تضييق الخناق عليهم لدفعهم إلى العودة إلى حضن النظام السوري، ولا علاقة لانتشار الجريمة وانهيار الاقتصاد اللبناني بذلك".

وسيبقى مصير اللاجئين السوريين "الذين يواجهون عنصرية متزايدة في لبنان وتركيا" مرهوناً بحسب ما يقول عبد الرحمن لموقع "الحرة"، بـ"الحل السياسي في سوريا، في وقت تعجز الدول الأوروبية عن استيعاب عددهم، فقد تستقبل المئات والآلاف منهم لكن قطعاً ليس الملايين".

مصارف لبنان

في تحول تاريخي لعمل القطاع المصرفي اللبناني، أقرّ مجلس النواب الخميس تعديلات على قانون السرية المصرفية تسهّل للهيئات الناظمة الحصول على كامل المعلومات المتعلّقة بالحسابات.

جاءت الخطوة تلبية لمطلب رئيسي من مطالب صندوق النقد الدولي.

واعتبر رئيس الوزراء اللبناني، نواف سلام، القرار "خطوة ضرورية نحو الإصلاح المالي المنشود وركيزة أساسية لأي خطة تعافٍ، ولكشف الحقائق" بشأن الأزمة المالية التي بدأت عام 2019.

والجمعة، نُشر في الجريدة الرسمية اللبنانية قانون تعديل بعض المواد المتعلقة بسرية المصارف في لبنان، بما في ذلك تعديل المادة 7 (هـ) و (و) من القانون المتعلق بسرية المصارف الذي أقرّ عام 1956، وكذلك تعديل المادة 150 من قانون النقد والتسليف الصادر في عام 1963، بموجب القانون رقم 306 الصادر في 28 تشرين الأول 2022.

وينص التعديل الجديد على تعديل المادة 7 (هـ) من القانون المتعلق بسرية المصارف بما يسمح بمشاركة معلومات مصرفية بين مصرف لبنان، ولجنة الرقابة على المصارف، والمؤسسة الوطنية لضمان الودائع، في إطار تعزيز مراقبة القطاع المصرفي وحماية النظام المالي. 

ويشمل التعديل أيضا صلاحيات تعديل وإنشاء مؤسسة مختلطة لضمان الودائع المصرفية.

أما المادة 7 (و) فتتيح للجهات المعنية، مثل مصرف لبنان ولجنة الرقابة على المصارف، طلب معلومات مصرفية محمية بالسرية دون تحديد حساب أو عميل معين. ويتيح التعديل إصدار طلبات عامة للحصول على معلومات عن جميع الحسابات والعملاء، إلا أن هذه الطلبات يمكن أن تكون قابلة للاعتراض أمام قاضي الأمور المستعجلة، ويخضع الاعتراض للأصول القانونية المتعلقة بالاعتراض على العرائض.

وفي ما يتعلق بالمادة 150 من قانون النقد والتسليف، تضمن التعديل رفع السرية المصرفية بشكل كامل وغير مقيد أمام مصرف لبنان ولجنة الرقابة على المصارف، بالإضافة إلى المدققين والمقيمين المعينين من قبل مصرف لبنان أو اللجنة.

وتشمل التعديلات الحسابات الدائنة والمدينة، سواء كانت ضمن أو خارج الميزانية، كما تتيح رفع السرية المصرفية عن سجلات ومستندات ومعلومات تعود إلى أشخاص معنويين أو حقيقيين يتعاملون مع المصارف أو المؤسسات المالية الخاضعة للرقابة. ويشمل تطبيق هذا التعديل بأثر رجعي لمدة عشر سنوات من تاريخ صدور القانون.

وقد شهد لبنان خلال الأسابيع الماضية نقاشات حادة، رأى فيها معارضون للخطوة أن هذا القانون ورفع السرية المصرفية طي لصفحة من تاريخ لبنان المالي العريق من خلال "إلغاء ميزة تفاضلية،" وبأن كشف الفساد ليس معطلاً بسبب السرية المصرفية.

ويرى المتحمسون للقانون أن من شأن التعديلات الجديدة تعزيز الشفافية في القطاع المصرفي في لبنان وتحسين مراقبة ومراجعة العمليات المصرفية، في وقت يشهد فيه القطاع المصرفي تحديات كبيرة في ظل الأزمة المالية المستمرة.

وأوضحت "المفكرة القانونية" وهي منظمة حقوقية غير حكومية، في بيان أصدرته أن التعديل يخوّل "الهيئات الرقابيّة والهيئات النّاظمة للمصارف، وتحديدًا مصرف لبنان ولجنة الرقابة على المصارف والمؤسسة الوطنية لضمان الودائع، طلب الحصول على جميع المعلومات المصرفية، من دون أن يربط طلب المعلومات بأيّ هدف معيّن، وإمكانية التدقيق في الحسابات بالأسماء، تصحيحا لقانون 2022" والذي تضمن بعض التعديلات.

يعتمد لبنان السرية المصرفية منذ عام 1956، وكان لذلك أثر كبير في جذب رؤوس الأموال والودائع وتوفير مناخ الاستقرار الاقتصادي. وبموجب هذا القانون تلتزم المصارف الخاضعة لأحكامه السرية المطلقة، إذ لا يجوز كشف السر المصرفي سواء في مواجهة الجهات الخاصة أو السلطات العامة، وسواء كانت قضائية أو إدارية أو مالية، إلا في حالات معينة في القانون وردت على سبيل الحصر، وهي:

1- إذن العميل او ورثته خطيًا.
2- صدور حكم بإشهار افلاس العميل.
3- وجود نزاع قضائي بينه وبين البنك بمناسبة الروابط المصرفية. 
4- وجود دعاوى تتعلق بجريمة الكسب غير المشروع. 
5- توقف المصرف عن الدفع، إذ ترفع في هذه الحالة السرية المصرفية عن حسابات أعضاء مجلس الإدارة والمفوضين بالتوقيع ومراقبي الحسابات. 
6- الاشتباه في استخدام الأموال لغاية تبييضها، وعندها ترفع السرية المصرفية بقرار من هيئة التحقيق الخاصة لمصلحة المراجع القضائية المختصة والهيئة المصرفية العليا، وذلك عن الحسابات المفتوحة لدى المصارف أو المؤسسات المالية.

وبالفعل ومنذ إقرار هذا القانون ازدهر القطاع المصرفي اللبناني واستطاع جذب رؤوس أموال، لكن كل ذلك تغير مع اندلاع الحرب الأهلية في منتصف السبعينيات، وبدأت الليرة اللبنانية رحلة الانهيار. خمسة عشر عاما من الاقتتال، انتهت بتسويات سياسية، تبعها نظام اقتصادي جديد، قاده منذ عام 1993 الراحل رفيق الحريري رئيسا للحكومة، ورياض سلامة حاكما لمصرف لبنان المركزي، سعيا وراء الاستقرار. 

وبعد أربع سنوات من استلام منصبه، نجح سلامة في تثبيت سعر العملة اللبنانية، عند 1500 مقابل الدولار الأميركي.

استمرت تلك المعادلة أكثر من عقدين، لكنها كانت تحتاج إمدادات لا تنقطع من العملة الصعبة للمحافظة على استمرارها. وفي محاولة لسد العجز، سعت المصارف اللبنانية لجذب حصيلة كبيرة من العملة الخضراء عبر تقديم فوائد مرتفعة على الودائع الدولارية، فوائد تراوحت بين 15 و 16 في المئة.

نتيجة للفوائد البنكية المرتفعة، شهدت ودائع القطاع المصرفي اللبناني نمواً سنوياً وصل ذروته بقرابة 12 مليار دولار خلال عام 2009.

أغرت الفوائد العالية المقيمين والمغتربين، ليصل إجمالي الودائع في المصارف اللبنانية إلى أكثر من 177 مليار دولار في نهاية نوفمبر عام 2018. 

منذ عام 2017، تراجع الاحتياطي في خزينة مصرف لبنان، رغم محاولات جذب الدولار. وفي صيف عام 2019، لاحت بوادر صعوبة في توافر الدولار في الأسواق اللبنانية، فارتفع سعر صرفه مقابل الليرة للمرة الأولى منذ أكثر من 20 عاما، ما دفع الحكومة لاتخاذ إجراءات استثنائية. لكن البعض يرى أن تلك القرارات جاءت متأخرة.

في أكتوبر 2019، انفجر الشارع اللبناني مطالبا بإسقاط السلطة السياسية، وأغلقت المصارف أبوابها، لكن تقارير صحفية تحدثت عن عمليات تحويل لأرصدة ضخمة الى خارج البلاد.

في تقرير لصحيفة فاينانشال تايمز البريطانية، نُشر في صيف 2020، فإنه، وفقا لكبير موظفي الخدمة المدنية المالية السابق في لبنان ومدير عام وزارة المالية السابق ألان بيفاني، قام مصرفيون بتهريب ما يصل إلى 6 مليارات دولار من لبنان منذ  أكتوبر 2019، في تحايل على الضوابط التي تم إدخالها لوقف هروب رأس المال، مع غرق البلاد في أسوأ أزمة مالية منذ ثلاثين 30 عاما، بينما بات مصير مليارات الدولارات مجهولًا. 

بدأت الأزمة المالية بالظهور تدريجيا، لكنها انفجرت حرفيا منذ اندلاع الاحتجاجات في شهر أكتوبر عام 2019. وتشير تقارير رسمية إلى أن أموالا طائلة تصل إلى مليارات الدولارات تم تحويلها إلى الخارج، بينما تم حجز ودائع صغار زبائن البنوك، من دون ضمانات لحماية ودائع المواطنين، ولا سيولة نقدية.

وتقدر تقارير دولية والمصرف المركزي اللبناني أن ودائع صغار زبائن البنوك بحوالي 121 مليار دولار منها ودائع لغير المقيمين تُقدّر بـ20 مليار دولار، وأصحابها لبنانيون وعراقيون ويمنيون وليبيون ومصريون ومن دول الخليج، إضافة لودائع للسوريين، يقدر المصرفيون بأنها أكثر من 3 مليارات دولار.

وفيما تجري التحقيقات حول آلية تهريب الأموال، لم يصل المحققون المحليون ولا حتى الدوليون إلى جواب شاف، لكن كانت دائما "المصالح المتشابكة داخل النظام اللبناني" جزءا من الجواب.

وتعتبر البنوك اللبنانية مرآة للنظام من حيث التقسيم الطائفي، فغالبيتها تابعة لجهات سياسية ومقربين منها، الأمر الذيث كان واضحا في انعدام الرقابة على عمليات إدخال أموال حزب الله المهربة أو غير الشرعية إلى هذه البنوك، مما يعني عمليات تبييض وشرعنة لهذه الأموال.

منذ منذ عام 2001، وضعت الولايات المتحدة حزب الله على قائمة المنظمات الإرهابية، وفرضت عليه عقوبات ضمن خطة لمكافحة تمويل الإرهاب. وفي هذا الإطار صدر قانون مكافحة تبييض الأموال رقم 44، عام 2015، والذي لم يتم تعطبيقه، واكتفى مصرف لبنان بتعاميم، لم تغير واقع الحال.

بدأ لبنان في يناير 2022 مفاوضات رسمية مع صندوق النقد الذي طالما شدد على أنه لن يقدم أي دعم طالما لم تقرّ الحكومة إصلاحات على رأسها تصحيح الموازنة وإعادة هيكلة القطاع المصرفي وإصلاح المؤسسات العامة والتصدي للفساد المستشري.

وأعلن الصندوق في أبريل من العام ذاته اتفاقا مبدئيا على خطة مساعدة بقيمة ثلاثة مليارات دولار على أربع سنوات، لكنّ تطبيقها كان مشروطا بإصلاحات لم يتم تنفيذ معظمها.

في سبتمبر عام 2024، أوقف الحاكم السابق لمصرف لبنان، رياض سلامة، وهو حتى اليوم قيد التحقيق في اتهامات بغسيل الأموال وشراء وبيع سندات خزينة الحكومة اللبنانية. ومنذ انهيار حزب الله اللبناني، في حربه مع إسرائيل، وصعود ما سمي بالعهد الجديد، أقرت حكومة نواف سلام مشروع قانون لإعادة هيكلة المصارف، استجابةً لمطالب صندوق النقد الدولي، الذي اشترط تنفيذ إصلاحات جذرية، بينها رفع السرية المصرفية، كشرط أساسي لأي دعم مالي للبنان، كما تأتي في ظل إدراج مجموعة العمل المالي (FATF) لبنان على اللائحة الرمادية بسبب ثغرات خطيرة في مكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب.

من المتوقع أن تسهم هذه التعديلات في تعزيز الشفافية المالية، ومكافحة الفساد وتبييض الأموال والتهرب الضريبي، كما يُتوقع أن تفتح الباب أمام إعادة هيكلة النظام المالي اللبناني بالكامل، واستعادة ثقة المجتمع الدولي، وتأمين الدعم المالي اللازم من الجهات المانحة.

إلا أن نجاح هذه الخطوة لا يقاس فقط بالكشف عن الحسابات، بل العبرة في التنفيذ في ظل نظام قضائي شبه مهترئ وتورط بعض من أصحاب النفوذ السياسي والمالي أنفسهم.

لبنان اليوم أمام مفترق طرق، فإما أن يسلك طريق العهد الجديد الذي وعد به اللبنانيون، أو يظل الفساد العنوان الأبرز في سياسات لبنان المالية المقبلة.