Smoke rises as seen from Israel-Lebanon border in northern Israel
دخان يتصاعد في شمال إسرائيل الاثنين.

يوما بعد يوم تزداد خطوط المواجهة في جنوب لبنان، مع تصاعد عمليات حزب الله "كما ونوعا وعمقا"، كما أعلن أمين عام الحزب حسن نصر الله، السبت، في حين هدد وزير الدفاع الإسرائيلي، يوآف غالانت، بإمكانية أن "ينتهي الأمر بسكان بيروت إلى نفس وضع غزة".

وبالتوازي مع التصعيد الميداني، تشتعل خطابات الطرفين بالتحذير والتهديد والوعيد المتبادل. وتعليقا على سؤال "الحرة" بشأن ما إذا كانت الولايات المتحدة على توافق مع الحكومة الإسرائيلية في تعاملها مع حزب الله وعما إذا كانت واشنطن قد طلبت من إسرائيل عدم التصعيد مع الحزب وجر الولايات المتحدة إلى حرب واسعة، قال المتحدث باسم الخارجية الأميركية ماثيو ميلر "لن أدخل في تفاصيل محادثات داخلية مع حكومة إسرائيل".

وأضاف "سأقول إنكم استمعتم إلينا نقول علنا عدة مرات إن أحد أهدافنا الأساسية هو منع هذا الصراع من الاتساع، وهذا يعني منعه من الاتساع من حيث منع صراع إضافي في شمال إسرائيل مع حزب الله. ومنع اتساع نطاق الصراع إلى بلدان أخرى في المنطقة".

والاثنين، قصف حزب الله مواقع وتجمعات الجيش الإسرائيلي، حيث أعلن عن استهداف قوة مشاة في موقع الضهيرة، وقوة ‏مشاة أخرى قرب ثكنة ‏برانيت، كما أعلن عن استهدافه مواقع الراهب والرمثا وحدب يارون والمالكية.

في المقابل، أعلن المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي، افيخاي ادرعي، في تغريدة عبر صفحته على موقع "إكس"، الاثنين، عن استهداف "طائرات حربية بنى إرهابية ومواقع عسكرية لحزب الله ردا على عمليات إطلاق القذائف في اليوم الأخير".

وأدرعي إلى تنفيذ الجيش الإسرائيلي "غارات على مواقع إطلاق قذائف في جنوب لبنان، واستهداف مقاتل شارك في عملية الإطلاق نحو إسرائيل". وقال إن دبابة إسرائيلية قصفت خلية حاولت إطلاق قذيفة مضادة للدروع نحو منطقة بلدة شتولا".

اللبنانيون يترقبون تطورات المشهد الأمني ـ صورة أرشيفية.

يترقب اللبنانيون تطورات المشهد الأمني الذي يزداد احتداماً بعد إطلاق 3 صواريخ باتجاه إسرائيل، وردّ الأخيرة بغارات جوية واسعة استهدفت عدة قرى لبنانية في الجنوب والشرق. 

ومع استمرار احتفاظ حزب الله بسلاحه متجاوزاً اتفاق الهدنة، تبدو المواجهة مفتوحة على مزيد من التصعيد.

ففي تحدٍّّ للاتفاقيات الدولية وخطاب قسم رئيس لبنان جوزاف عون والبيان الوزاري، يواصل حزب الله تمسكه بسلاحه، ما يجعل احتمالات التهدئة شبه معدومة. 

في المقابل، تواصل إسرائيل استهداف بنيته التحتية وقياداته العسكرية بضربات جوية، في محاولة لإضعافه أو القضاء عليه.

والسبت الماضي، اعترض الجيش الإسرائيلي 3 صواريخ أُطلقت من منطقة لبنانية تبعد نحو 6 كيلومترات عن الحدود، في ثاني عملية إطلاق عبر الحدود منذ توقف القتال في نوفمبر بموجب اتفاق وقف إطلاق النار الذي رعته الولايات المتحدة.

وردّاً على الهجوم، أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو، أنه أصدر تعليمات، بالتنسيق مع وزير الدفاع يسرائيل كاتس، للجيش "بالتحرك بقوة ضد عشرات الأهداف الإرهابية في لبنان".

من جانبه، نفى حزب الله مسؤوليته عن الصواريخ التي أُطلقت باتجاه إسرائيل، في وقت يواجه فيه تحديات متزايدة بعد الخسائر التي تكبدها في الحرب الأخيرة. 

ورغم تهديد مسؤوليه بالرد على الضربات الإسرائيلية والتأكيد على أن "للصبر حدود"، يرى مراقبون أنه يواجه صعوبات في تنفيذ تهديداته.

وفي ظل استمرار الغارات الإسرائيلية على مواقع وقيادات الحزب، يفرض السؤال نفسه: هل تكفي هذه الضربات لتحقيق أهداف إسرائيل؟ أم أن حزب الله قادر على امتصاصها وإعادة بناء قدراته مجدداً؟

حسم أم استنزاف؟

"نجحت إسرائيل في جمع معلومات دقيقة عن حزب الله تشمل الأسماء والمواقع والأسلحة"، كما يشير الخبير الاستراتيجي العميد المتقاعد ناجي ملاعب، مؤكداً أن السكان في المناطق المستهدفة "لا يخشون المسيّرات الإسرائيلية أو صوتها، لأنهم يدركون أنهم ليسوا في دائرة الاستهداف، وهو ما يعكس تمييز إسرائيل بين حزب الله والمجتمع المدني اللبناني".

ويقول ملاعب لموقع "الحرة"، "إسرائيل تختار أهدافها بعناية، مستهدفة الأشخاص الذين تعتبرهم جزءاً من حزب الله، مما يجعل بقية السكان يدركون أنهم خارج دائرة الاستهداف".

القضاء على حزب الله "ليس أمراً سهلاً"، كما يرى ملاعب "فالغارات الجوية وحدها لا تحسم المعارك، كما أن اكتشاف الأنفاق التابعة للحزب يؤكد أن بنيته العسكرية لا تعتمد فقط على السلاح المكشوف، بل على استراتيجيات بديلة تعزز استمراريته".

ويشير إلى تصريحات الأمين العام للحزب، نعيم قاسم، الذي أكد أن "حتى إذا تم قطع طرق الإمداد من سوريا، فإن الحزب يمتلك مخزوناً يكفيه لسنوات، مما يجعل من الصعب القضاء على سلاحه عبر الهجمات العسكرية فقط".

من جانبه يؤكد العميد الركن المتقاعد، رئيس مركز الشرق الأوسط للدراسات والعلاقات العامة، الدكتور هشام جابر، أن "إسرائيل ستواصل هجماتها على لبنان إذ إن يظل الهدف الأسمى لها القضاء على حزب الله عسكرياً، لكن تحقيق ذلك صعب جداً. ومع ذلك، تسعى إسرائيل من خلال ضرباتها المتكررة إلى إضعاف الحزب إلى الحد الأدنى الذي تريده."

ويقول جابر لموقع "الحرة" إن"الضربات الجوية تُحدث دماراً، لكنها لا تكفي للقضاء على الحزب أو إضعافه بالكامل. حزب الله لا يزال يمتلك قدرات عسكرية مخفية، وهو يعمل على إعادة تنظيم صفوفه رغم الاستهدافات المستمرة."

أما مسألة تسليم سلاح الحزب للدولة اللبنانية، فيرتبط وفق جابر "بإدماجه في استراتيجية دفاعية وطنية تشرف عليها السلطة العسكرية."

تجدر الإشارة إلى أنه بموجب اتفاق وقف إطلاق النار المبرم في نوفمبر، كان من المفترض أن يجري إخلاء جنوب لبنان من أي أسلحة لحزب الله وأن تنسحب القوات الإسرائيلية من المنطقة، وأن ينشر الجيش اللبناني قوات فيها.

وينص الاتفاق على أن الحكومة اللبنانية مسؤولة عن تفكيك جميع البنى التحتية العسكرية في جنوب لبنان ومصادرة جميع الأسلحة غير المصرح بها.

مفتاح الحل

أكد الأمين العام لحزب الله، نعيم قاسم، رفضه التخلي عن سلاح الحزب المصنف جماعة إرهابية، متجاهلاً التزامات الدولة اللبنانية وتعهداتها الرسمية، بما في ذلك اتفاق وقف إطلاق النار بين لبنان وإسرائيل، الذي وافق عليه الحزب عبر رئيس مجلس النواب نبيه بري والحكومة اللبنانية.

وفي مقابلة تلفزيونية على قناة "المنار"، في 9 مارس، أكد قاسم أن "رئيس الجمهورية تحدث عن حصرية السلاح، ونحن أيضاً مع حصرية السلاح بيد قوى الأمن الداخلي والجيش اللبناني لضبط الأمن والدفاع، ولسنا ضد أن يكونوا هم المسؤولين. نرفض منطق الميليشيات ونرفض أن يشارك أحد الدولة في حماية أمنها، لكن نحن لا علاقة لنا بهذا الموضوع، نحن مقاومة".

وبعد إطلاق الصواريخ من جنوب لبنان، دعا الرئيس اللبناني جوزاف عون القوى المعنية في الجنوب اللبناني كافة، لاسيما لجنة المراقبة المنبثقة عن اتفاق نوفمبر 2024، والجيش، إلى متابعة ما يحصل بجدية قصوى لتلافي أي تداعيات وضبط أي خرق أو تسيّب يمكن أن يهدد الوطن في هذه الظروف الدقيقة. 

كما طلب عون من قائد الجيش العماد رودولف هيكل، اتخاذ الإجراءات الميدانية الضرورية للمحافظة على سلامة المواطنين، والتحقيق لجلاء ملابسات ما حصل".

من جانبه، يرى ملاعب أن "انسحاب إسرائيل إلى الحدود الدولية المعترف بها في اتفاقية عام 1949 سيساهم في تعزيز دور الدولة اللبنانية في استعادة سلطتها على السلاح".

ورغم ذلك يلفت ملاعب إلى أن "قرار حزب الله ليس محلياً بالكامل، بل مرتبط ارتباطاً وثيقاً بإيران، لذلك مستقبل سلاح الحزب يتأثر بشكل رئيسي بالعلاقة بين إيران والولايات المتحدة، وخلال الشهرين المقبلين سيتم تحديد ما إذا كانت الجهود الأميركية ستؤدي إلى صفقة بين الطرفين أو ما إذا كنا نتجه نحو تصعيد جديد".

وفي حال فشلت الجهود الدبلوماسية، يحذر ملاعب، من أن "البديل سيكون المواجهة العسكرية، ما قد يؤدي إلى تصعيد دموي في المنطقة، بما في ذلك تفعيل إيران لأذرعها".

وعن السيناريوهات المحتملة للمرحلة المقبلة في حال لم يسلم الحزب سلاحه، يرى جابر أن "إسرائيل ستواصل غاراتها على لبنان وعمليات الاغتيال التي تستهدف كوادر وقيادات حزب الله، في إطار سعيها المستمر لإضعافه أو القضاء عليه".

كما لم يستبعد لجوء إسرائيل إلى تنفيذ عمليات كوماندوز ضد أهداف محددة، "فرغم صعوبة هذا الخيار وتكلفته العالية، يبقى احتمالاً قائماً".