جانب من الحدود اللبنانية الإسرائيلية

أشار تقرير لصحيفة "ليبراسيون" الفرنسية، إلى أن حزب الله اللبناني حفر مئات الكيلومترات من الأنفاق في لبنان، على مدار 30 عاما، يتراوح عمقها ما بين 40 و80 مترا، وذلك باستخدام تكنولوجيا كورية شمالية، معتبرا أنها "أكثر خطورة" من أنفاق حركة حماس تحت قطاع غزة.

وقال التقرير إن أنفاق حزب الله "أكثر تعقيدا وخطورة" من أنفاق حماس، لدرجة أن تفجير أحد تلك الأنفاق (في لبنان) قد يتسبب في "هزات وانهيارات أرضية"، لافتا إلى أن حزب الله بدأ في حفرها "تحسبا لأي غزو إسرائيلي".

وقالت الصحيفة إن "حزب الله بدأ في حفر تلك الأنفاق في الثمانينيات، وتسارع الأمر في نهاية التسعينيات، من أجل الاستعداد لأي عملية إسرائيلية داخل الأراضي اللبنانية".

كما لفتت إلى أن إسرائيل "استخدمت قنابل الفوسفور الأبيض في المناطق الحدودية جنوبي لبنان بعد هجمات السابع من أكتوبر، لحرق النباتات والكشف عن مداخل الأنفاق"، مضيفة أنه "تم بالفعل تدمير 12 فتحة لنفق من هذا النوع".

ونقلت الصحيفة الفرنسية عن مصدر عسكري إسرائيلي، قوله إن "الجيش يستخدم أجهزة كشف حركة وألياف ضوئية متصلة بشبكة الجيل الرابع، بجانب الروبوتات والمسيّرات ومصادر معلومات أخرى، في محاولة لرسم خريطة شبكة الأنفاق".

وقال الجنرال السابق الذي عمل في جنوب لبنان، أوليفييه باسو، للصحيفة، إن "الأنفاق الأولى كانت من صناعة الفصائل الفلسطينية في السيتينيات، قبل أن يوسّعها حزب الله في الثمانينيات وأواخر التسعينيات. وتطورت تلك الأنفاق بشكل رئيسي في أعقاب حرب عام 2006، في إطار سعي حزب الله لتوفير وسيلة دفاعية ضد أي عملية برية إٍسرائيلية".

وتشير التقديرات إلى أن بعض الأنفاق "ضيقة جدا تكفي لعمليات تسلل الأفراد إلى إسرائيل"، في حين أن بعض الأنفاق الأخرى "أوسع ومخصصة لبطاريات الصواريخ البالستية الإيرانية، مثل (فاتح 110)"، حسب الصحيفة.

من جانبه أشار مركز "ألما" الإسرائيلي للأبحاث، في تقرير عام 2024، إلى وجود "أنفاق مليئة بالمتفجرات حُفرت أسفل نقاط استراتيجية، وهي سليمة وغير مستخدمة منذ عدة سنوات". وأضاف أن "أي انفجار في تلك الأنفاق قد يسبب هزات وانهيارات أرضية، وهو تكتيك استخدم من قبل خلال الحرب العالمية الأولى".

وكانت إسرائيل قد أعلنت عام 2018 اكتشاف سلسلة أنفاق من جنوب لبنان باتجاه أراضيها، مشيرة إلى أن أحدها تم حفره على عمق 55 مترا، وهو "الأطول والأكثر تجهيزا" من بين 6 أنفاق تم اكتشافها، بحسب فرانس برس.

وأكدت قوة الأمم المتحدة المؤقتة العاملة في جنوب لبنان "يونيفيل"، أن النفق يعبر الحدود نحو إسرائيل ويشكل "انتهاكا" للقرار الدولي 1701، الذي أنهى حربا استمرت 33 يوما بين إسرائيل وحزب الله عام 2006.

ومن بين الأنفاق الستة التي أعلن الجيش الإسرائيلي العثور عليها، أكدت يونيفيل، حينذاك، "وجود 5 قريبة من الخط الأزرق في شمال إسرائيل، وتبيّن أن 3 أنفاق منها تعبر الخط الأزرق".

وفي ديسمبر 2018، أطلقت إسرائيل عملية للكشف عن الأنفاق وتدميرها، أطلقت عليها "درع الشمال"، وبموجبها أكدت تدمير الأنفاق الستة.

وواصل باسو حديثه للصحيفة، وقال إن السلطات اللبنانية تنفي وجود الأنفاق، والتي يقع الجزء الأكبر مها "تحت المزارع والمصانع الخاصة، مما يسمح بإدخال معدات الحفر الثقيلة دون لفت انتباه غير مرغوب فيه".

وادعى أن حزب الله "يشتري الأراضي ليحولها فيما بعد إلى ما يطلق عليه محمية طبيعية. وربما أقاموا بها معسكرات تدريب أو مخابئ للأسلحة أو ممرات تقود إلى الأنفاق".

يذكر أن الجيش الإسرائيلي حاول تهدئة مخاوف سكان الشمال بعد هجمات السابع من أكتوبر، حيث أكد "إجراء عمليات بحث واسعة النطاق لتحديد البنية التحتية الإرهابية بجميع أنواعها، سواء تحت الأرض أو فوقها"، بحسب صحيفة "يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية.

والأسبوع الماضي، حذر المتحدث الرسمي باسم "يونيفيل"، من أن هناك "تحولا مثيرا للقلق في الأيام الماضية"، وذلك على خلفية القصف المتبادل بين الجيش الإسرائيلي وميليشيات حزب الله اللبناني، منذ الثامن من أكتوبر الماضي.

وقال أندريا تيننتي، في تصريحات صحفية: "شهدنا خلال الأيام القليلة الماضية تحولاً مثيراً للقلق في تبادل إطلاق النار، بما في ذلك استهداف مناطق بعيدة عن الخط الأزرق"، الذي يفصل بين لبنان وإسرائيل، ووضعته الأمم المتحدة في 7 يوليو سنة 2000، لكن لا يعتبر حدودا دولية.

وتابع: "الدمار والخسائر في الأرواح والإصابات التي شهدناها تثير قلقاً عميقاً، ونناشد جميع الأطراف المعنية وقف الأعمال العدائية على الفور لمنع المزيد من التصعيد".

ودفع التصعيد أكثر من 80 ألف إسرائيلي إلى النزوح من منازلهم في المنطقة الشمالية وفق السلطات، كما نزح أكثر من 87 ألفا في جنوب لبنان، وفق الأمم المتحدة.

لبنان حزب الله

يترقب اللبنانيون أول اختبار لقياس حجم التأييد الشعبي لحزب الله بعد الخسائر التي مُنّي بها، والدمار الذي لحق بالسكان، والبلد عموما، جراء الحرب مع إسرائيل.

وستعبر نتائج الانتخابات البلدية المقررة في مايو المقبل، ضمنا، عن مزاج الشارع، الشيعي خصوصا، حيال قضايا أبرزها سلاح الحزب وتقاعسه في إعادة إعمال المناطق المتضررة جراء الحرب.

يأتي ذلك على خلفية حالة تملل، متزايدة، من تداعيات الحرب، وما رافقها من دمار واسع في القرى الجنوبية، ونزوح آلاف العائلات من مناطقها، وتراجع في الخدمات الأساسية، إلى جانب أزمات اقتصادية خانقة.

وبينما يحاول حزب الله الإيحاء بتماسك قاعدته من خلال رفع شعارات بعيدة عن الواقع، فإن جزءا من جمهوره بات يبحث عن حلول ملموسة لأزماته اليومية، ولإعمار ما دمرته الحرب، بعيدا عن الخطابات الأيديولوجية.

المؤشرات كثيرة إلى أن الباب بات مشرعا أمام تغييرات مفصلية في المشهد المحلي، ولو على مستوى بعض البلديات، ويرجح مراقبون، تحدثوا موقع "الحرة"، أن يقول الشارع الشيعي كلمته بشأن حزب الله في الانتخابات النيابية  2026.

تحدي الانتخابات

رغم الدمار الهائل الذي خلفته الحرب لا سيما جنوب لبنان، ورغم استمرار عمليات الاغتيال الإسرائيلية ضد عناصر من حزب الله واستهداف ترسانته العسكرية، "تتجه السلطات اللبنانية إلى إجراء الانتخابات البلدية، بعد أن كانت قد أجلتها لعامين متتاليين دون مبرر قانوني أو مقنع، متذرعة تارةً بغياب التمويل وتارةً أخرى بأوضاع أمنية ولوجستية"، كما يقول الباحث في تطوير القوانين والأنظمة الانتخابية، عاصم شيّا.

وفي حديث لموقع "الحرة"، يرى شيا أن "المشكلة الحالية التي تواجه إجراء الانتخابات البلدية ليست تقنية بقدر ما هي تنظيمية، خاصة في البلدات الجنوبية المدمرة". 

"هناك خياران أمام الجهات المعنية: إما نصب خيام داخل البلدات المتضررة إذا أصرّ السكان على الاقتراع فيها، أو نقل مراكز الاقتراع إلى بلدات مجاورة أكثر استقرارًا، على أن تُستخدم مبانٍ عامة مثل المدارس، الحسينيات، أو الكنائس لهذا الغرض".

لكن التحدي الأبرز، بحسب شيا، يكمن في تأمين "هيئة القلم"، أي الموظفين المكلفين بإدارة العملية الانتخابية، ومعظمهم من النساء العاملات في القطاع العام، لا سيما في التعليم، واللواتي يُبدين تحفظًا على التوجه إلى مناطق غير آمنة.

وتجدر الإشارة إلى أنه بحسب تقرير التقييم السريع للأضرار والاحتياجات في لبنان لعام 2025، الصادر عن البنك الدولي في 7 مارس، تقدّر احتياجات إعادة الإعمار والتعافي في أعقاب الصراع الذي شهده لبنان بنحو 11 مليار دولار أميركي.

ويعد قطاع الإسكان الأكثر تضرراً، مع أضرار تقدَّر بنحو 4.6 مليار دولار، فيما بلغت الأضرار التي لحقت بالمقومات المادية 6.8 مليار دولار.

أما من الناحية الجغرافية، فيشير التقرير إلى أن أكثر المناطق تضرراً هي محافظتا النبطية والجنوب، تليهما محافظة جبل لبنان التي تضم الضاحية الجنوبية لبيروت.

حقل تجارب؟

يلاحظ الباحث عاصم شيا، الذي يراقب الأنماط الانتخابية منذ عام 2009، أن القوى السياسية استخدمت الانتخابات البلدية عام 2016 كـ"حقل تجارب" لقراءة المزاج الشعبي، بعدما راودها القلق من قانون الانتخاب رقم 25/2008 (قانون الستين)، الذي أصبح يشكل خطراً عليها بسبب تطور وعي الخصوم المستقلين.

يقول شيا إن "تأجيل الانتخابات النيابية عامي 2013 و2015، مقابل إجراء الانتخابات البلدية عام 2016، كان مدروساً، الهدف منه مراقبة اتجاهات الناخبين. وفعلاً، كشفت الانتخابات عن نقمة واسعة، ما دفع الأحزاب إلى اللجوء إلى تكتيكات جديدة، أبرزها الدفع بمرشحين "نظيفي الكف" وغير حزبيين ظاهرياً، ليترأسوا اللوائح، ثم إحاطتهم بأعضاء بلديين حزبيين يضمنون ولاء المجلس للحزب. هذه المقاربة ساعدت في ضمان المكاسب لاحقاً في انتخابات 2018".

كذلك، "تم اللجوء إلى توظيف آلاف في مؤسسات رسمية رغم عدم الحاجة الفعلية إليهم، كما جرى التعاقد مع أعداد كبيرة في الوزارات، خصوصاً التعليم، فيما اعتُبر رشوة انتخابية مقنّعة لتأمين الأصوات".

اليوم يتكرر المشهد نفسه، بحسب شيّا، "تُسرع القوى السياسية إلى إجراء الانتخابات البلدية لا لمعالجة أزمات المجالس، بل لرصد اتجاهات الناخبين، تمهيداً لاستخدام الوظائف العامة والعسكرية مجددًا كأداة لاستمالة الأصوات"، فهذه الانتخابات، في نظره، ليست سوى مختبر سياسي يساعد القوى التقليدية على إعادة تنظيم صفوفها استعداداً للمعركة الأهم: انتخابات 2026 النيابية.

في المناطق التي تعرف بـ"الحاضنة" لحزب الله، يعاني معظم السكان، الذين تعرضت منازلهم للتدمير جزئياً أو كلياً، من بطء الإجراءات المتعلقة بإعادة الإعمار، إضافة إلى تأخر استجابة الحزب لتقديم التعويضات اللازمة لترميم المنازل أو تعويض الأثاث المتضرر.

وقال الأمين العام لحزب الله، نعيم قاسم، بشأن إعادة إعمار المناطق المتضررة من الحرب، في 14 ديسمبر، أن "إعادة الإعمار مسؤولية الدولة،" التي تعاني أصلا من أزمة مالية خانقة. ودعا "الأشقاء العرب والدول الصديقة في المساعدة في إعادة الاعمار".

صراع عائلي تحت رايات حزبية؟

لا تعكس الانتخابات البلدية بالضرورة موازين القوى السياسية بشكل دقيق، وفقا لشيّا، "لأنها غالباً ما تكون امتداداً لصراعات عائلية داخلية.

"قد تُطرح لوائح تبدو متنافسة لكنها في الواقع تابعة للحزب نفسه، تختلف فقط حول المواقع أو التفاصيل، في مشهد يختلط فيه النفوذ العائلي بالحسابات الحزبية"، يقول شيا.

وعند تحليل تأثير الحرب الأخيرة على توجهات الناخبين، يرى شيّا ضرورة التمييز بين فئتين "الأولى تضمّ مؤيدي حزب الله، الذين رغم تضررهم من الحرب، زاد ارتباطهم به. أما الفئة الثانية، فهي من الشيعة غير المنضوين ضمن الثنائي الشيعي، هؤلاء يبدون استياءً واضحاً من الحرب ويحملون "الثنائي" مسؤولية ما جرى. ويُتوقع أن تتخذ هذه الفئة موقفاً مغايراً في الانتخابات المقبلة".

ويرى الكاتب، الصحفي مجد بو مجاهد أن "ثمة طابعا مجتمعيّا خاصا باستحقاق الانتخابات البلدية والاختيارية في لبنان في غالبية المناطق اللبنانية بخاصّة في القرى، ولا يمكن الحديث عن طابع سياسي سوى في بعض المدن الكبرى المتنوعة طائفياً كمدينة بيروت. 

"لذلك لا يمكن اعتبار الاستحقاق البلديّ بمثابة مقياس للتوجه الشعبيّ السياسي لدى المواطنين الشيعة أو سواهم من المواطنين اللبنانيين، من دون إغفال أنّ ثمة مدناً يغيب عنها التنافس السياسي في الاستحقاق الانتخابيّ البلديّ الحاليّ رغم أنه كان ظاهراً في استحقاقات بلدية سابقة".

اللافت وفق ما يقوله بو مجاهد لموقع "الحرة" أنّ "الأجواء الشيعية المجتمعية لا تبدو مهتمّة في استحقاق الانتخابات البلديّة مقارنة مع بيئات مجتمعية مغايرة تتطلّع بحيوية نحو خوض الاستحقاق والتنافس بين اللوائح على مستوى مجتمعيّ، لا سياسي".

ويشرح: "خروج المجتمع الشيعي من حرب ألحقت به خسائر كبرى، منها ضرب البنى التحتية والأراضي، سبب لتراجع الاهتمام الشيعي بخوض تنافس مجتمعيّ على الانتخابات البلدية، ولذلك كانت لافتة ظاهرة تشكيل لائحة واحدة فحسب في كثير من البلدات بعيداً عن خوض منافسة بين اللوائح".

إذا تضاعفت النقمة على "الثنائي الشيعي" _ أي حزب الله وحركة أمل _ من المواطنين في المناطق ذات الحضور الشيعي، فإنها ستظهر، وفق بو مجاهد، "في استحقاق الانتخابات النيابية المقبلة، لا في استحقاق الانتخابات البلدية".

"حتى الآن، هناك امتعاض شيعيّ واضح من حزب الله بخاصة بسبب تأخّر إعادة الإعمار، لكنّ تطوّر ذلك الامتعاض من عدمه سيكون مرتبطاً بما ستعرفه الأشهر اللاحقة من متغيرات".

النزاهة موضع شك؟

الحديث عن انتخابات نزيهة "غير واقعي"، يشدد شيّا، "لا بسبب حزب الله فقط، بل بسبب جميع الأحزاب التي تسيطر على مناطق نفوذها بشكل كامل ومدروس، ما يقيد قدرة المعارضين على خوض المعركة بتكافؤ".

يستشهد شيا بلائحة معارضة في بعلبك "تواجه صعوبات جمّة في التواصل مع الناخبين، في وقت تُستغل فيه الحرب والخطاب السياسي في الجنوب لتأليب الرأي العام عبر العاطفة، خصوصاً من قبل حزب الله وحركة أمل".

ويؤكد أن المعركة البلدية يجب أن تبقى محلية الطابع، "هدفها تحسين الخدمات وتفعيل دور البلديات". ويذكّر شيّا أن "الثنائي الشيعي لم يحصل في انتخابات 2022 النيابية على أكثر من 47% من أصوات الناخبين الشيعة مجتمعَين"، ما يعكس تراجعاً في شعبيته.

أما بو مجاهد فيرى أنه "قد يكون لتسليم حزب الله سلاحه والتقليل من سيطرته على المناطق الشيعية إذا حصل، نتائج تسرّع الحلول في المناطق المتضرّرة من الحرب".

ويضيف "كيفية تغيّر المزاج الانتخابي داخل البيئة الشيعية ستظهر في الانتخابات النيابية السنة المقبلة، لا في الانتخابات البلدية التي ستحصل خلال أسابيع. وتالياً، لا ترجيحات في قدرة الانتخابات البلدية على التغيير، والرهان سيكون على الانتخابات النيابية".