عدد اللاجئين السوريين المسجلين في لبنان يصل لنحو 795 ألفا
عدد اللاجئين السوريين المسجلين في لبنان يصل لنحو 795 ألفا

تجتاح شوارع لبنان لوحات إعلانية لحملة تحمل شعار "UNDO The Damage Before It's Too Late"، "تراجعوا عن الضرر قبل فوات الأوان"، تستهدف اللاجئين السوريين، وتطالب اللبنانيين بالاتحاد والتحرك بمسؤولية لتصحيح الوضع بشكل عاجل، بعدما تخطت نسبتهم كما أوردت الـ 40 في المئة من السكان.

الحملة التي أعدتها شركة "Phenomena" للإعلانات، ودعمتها قناة MTV اللبنانية وغرفة التجارة والصناعة والتجارة اللبنانية والمنظمات الاقتصادية اللبنانية ومؤسسة "بيت لبنان العالم" غير الحكومية، لا تقتصر على اللوحات الإعلانية، بل اتخذت من وسائل التواصل الاجتماعي وسيلة للترويج لها.

تستند الحملة على أربع مقاطع فيديو، أحدها يسلط الضوء على ولادات اللاجئين من خلال قصة لاجئ قيل إن اسمه إبراهيم لديه سبعة أطفال وزوجته حامل، سيسمي مولوده بشار إن كان ذكرا وأسماء إن كانت فتاة، للإيحاء بأنه مؤيد للنظام، الفيديو يستند على صور مركبة وأصوات مسجلة، "فهي رسائل رمزية مستوحاة من قصص حقيقية نراها يوميا"، كما يقول مدير شركة "Phenomena"، سامي صعب.

شعار الحملة التي تستهدف اللاجئين السوريين في لبنان

ويشرح صعب في حديث مع موقع "الحرة" أن "الحملة مبادرة شخصية منه، تلقت دعما إعلاميا من دون أي مقابل مادي، كونها حملة وطنية بامتياز تسلط الضوء على موضوع خطير، وهو وجود النازحين السوريين الذين بات عددهم يفوق عدد اللبنانيين، وهي موجهة إلى الأمم المتحدة، لأنها الجهة التي تستطيع حلّ هذه الأزمة. لهذا اخترنا كلمة UNDO ولوّنا UN باللون الأزرق، أما كلمة Damage التي تلفظ باللغة العربية دمج، فللإشارة إلى الخشية من دمج النازحين في لبنان مع اللبنانيين، وما سيترتب عن ذلك ديموغرافيا وإنسانيا واقتصاديا".

ويشدد أن "الحملة إنسانية إلى أبعد الحدود، لم نتعرّض إلى السوريين بالسوء، بل نعتبرهم ضحايا كما اللبنانيين. وفي أحد الفيديوهات، نشير إلى أن سوريا بلدهم وتحتاج إليهم لإعادة إعمارها كما أن لبنان للبنانيين."

لكن وفقا لمدير المركز اللبناني لحقوق الإنسان، وديع الأسمر، فإن هذه الحملة تعتبر "حملة تحريض واضحة على العنف والكراهية"، ويشير في حديث مع موقع "الحرة" إلى أنها "تستهدف اليوم اللاجئين السوريين، ويمكن في المستقبل أن نشهد حملة مماثلة تستهدف الموظفين، وحتى الجيش اللبناني أو قوى الأمن الداخلي في حال رُفعت رواتبهم. وعلى الرغم من خطورة الوضع، إلا أن القضاء اللبناني لا يتدخل في مثل هذه القضايا".

غطاء رسمي؟

استكمالا للحملة، أطلقت وزارة الداخلية، بالتعاون مع مؤسسة "بيت لبنان العالم"، خارطة طريق "لتنظيم الوضع القانوني للنازحين السوريين وآلية عودتهم،" خلال مؤتمر في المقر العام للمديرية العامة للأمن العام، بحضور وزير الداخلية في حكومة تصريف الأعمال القاضي بسام مولوي، والمدير العام للأمن العام بالإنابة اللواء إلياس البيسري، وممولو حملة" تراجعوا عن الضرر قبل فوات الأوان".

خلال كلمتها في المؤتمر، اعتبرت رئيسة مؤسسة "بيت لبنان العالم" بتي هندي أن "وجود عدد كبير من النازحين السوريين في لبنان يشكل تحديا كبيرا للأمن والهوية الوطنية"، وقالت "مقابل كل لبنانيين موجودين في لبنان هناك نازح سوري، ومقابل كل ولادة لطفل لبناني هناك 4 ولادات لأطفال سوريين من دون أوراق ثبوتية، اللبنانيون يزيدون واحد في المئة سنويا، بينما النازحون السوريون يزيدون 4 في المئة سنويا. ووفق هذه النسب، ستتساوى اعداد النازحين السوريين بأعداد اللبنانيين في المستقبل المنظور".

وأشارت إلى أن "كلفة النزوح المباشرة على لبنان بحدود مليار ونصف مليار سنويا وفق البنك الدولي، فيما الكلفة غير المباشرة 3 مليار دولار أي ما مجموعه 4 مليارات ونصف مليار في السنة، أي خلال 13 سنة تقدر بـ 58 مليار دولار"، وسألت "هل علينا ان نسكت كي لا نُتّهم بالعنصرية"؟ 

لوحات إعلانية للحملة انتشرت في العديد من مناطق لبنان

لكن بحسب الناطقة الرسمية باسم المفوضية السامية لحقوق اللاجئين في لبنان، دلال حرب، يبلغ عدد اللاجئين السوريين المسجلين لدى المفوضية 795,322 لاجئا، في حين أن عدد سكان لبنان بلغ بحسب موقع Worldometer الإحصائي 5,261,329  نسمة، وذلك بالاستناد إلى بيانات الأمم المتحدة، ما يعني أن عدد اللاجئين السوريين حوالي 15 في المئة من سكان لبنان. 

أما الإعلامي وليد عبود الذي مثّل رئيس مجلس إدارة الـ mtv ميشال المر في المؤتمر، فأكد دعم القناة اللامتناهي لهذه القضية، مشددا أن لبنان ينتمي للبنانيين فقط، وأن الحفاظ على الهوية اللبنانية ليس عنصرية، بل واجب وطني.

أما رئيس الهيئات الاقتصادية، محمد شقير فتطرق إلى الزحف المستمر للمؤسسات التي يقيمها النازحون في مناطق مختلفة من البلاد، مما أدى إلى "توسع الاقتصاد غير الشرعي الذي بات يمثل بين 55 و60 في المئة من حجم الاقتصاد الوطني"، وأن الأمر لا يقتصر فقط على المؤسسات، بل يمتد أيضا إلى سوق العمل، حيث بات "النازحون ينافسون اللبنانيين على فرص العمل"، أما بالنسبة للاقتصاد الوطني "فالخسائر كبيرة وبمليارات الدولارات".

من جانبه، اعتبر اللواء البيسري أن أزمة النزوح السوري أصبحت مسألة سياسية تتجاذبها الأطراف، مما يعزز الحاجة إلى وضع استراتيجية وطنية لإدارة هذه الأزمة وحلول مستدامة، وجدد "التزام الأمن العام بمبدأ عدم الإعادة القسرية، وباستئناف إطلاق قوافل العودة الطوعيّة قريبا، مع التأكيد بأن لبنان هو بلد عبور وليس بلد لجوء".

وفي كلمته شدد مولوي على رفضه أن يتهجّر اللبنانيون لعدم إيجادهم فرص عمل في بلدهم وأن يحل مكانهم سوريون وأشخاص من جنسيات أخرى، كما عبّر عن رفضه اتهامات العنصرية، مؤكدا ضرورة وضع خطة عودة واضحة وعلى الاستعداد للتفاوض مع المجتمعين الدولي والعربي لحل هذه المعضلة.

"تشويه وتضليل"

تحميل اللاجئين السوريين مسؤولية الأزمات التي يمر بها لبنان تشويه للحقيقة وتضليل للرأي العام كما تؤكد الناشطة الحقوقية المحامية ديالا شحادة، مشددة على أن "المسؤولية الحقيقية تكمن في الفساد المتراكم منذ عقود الذي اعتمد كأجندة أساسية من قبل من يصلون إلى الحكم، خاصة من قبل الأحزاب التي حكمت البلاد منذ الحرب الأهلية وحتى اليوم".

وتشرح شحادة في حديث مع موقع "الحرة" أن "الوضع الاقتصادي لا يتزامن مع بداية أزمة السوريين وطفرتهم إلى لبنان، بل بالعكس، استدرج وجود هؤلاء أموالا ومنحا كثيرة خلقت فرص عمل وزادت من نسبة الاستهلاك المحلي وشغلت حيزا يصل إلى ربع السوق العقاري.

كلام شحادة تؤكده المتخصصة بالاقتصاد النقدي، الدكتورة ليال منصور بالقول "منذ عام 2005، حذّر صندوق النقد الدولي لبنان من المخاطر الاقتصادية، في ذلك الوقت، لم يكن هناك لاجئون سوريون، وعلى مدى سنوات أظهر القطاع المصرفي أنه سالم معافى رغم أنه كان خلف الكواليس يعاني من ضغوطات متزايدة، وفي عام 2011، بدأت بوادر الخطر تلوح في الأفق بالتزامن مع اندلاع الحرب في سوريا، لكن لم يعلن عن ذلك صراحة ولم يصبح الخطر جليا للعيان حتى عام 2016".

ولكن هل يمكن تحميل اللاجئين مسؤولية الانهيار؟ عن ذلك تجيب منصور في حديث مع موقع "الحرة" "بالتأكيد كلا، فالأرقام والنسب تُثبت أن الأزمة الاقتصادية لها أسباب عدة، منها: خلل الميزان التجاري، حيث كانت واردات لبنان أكبر بكثير من صادراته، والفساد المستشري في مختلف القطاعات، وقروض السلطة من المصارف اللبنانية والأجنبية وخاصة بالعملة الأجنبية".

وتضيف "لا يمكن نفي أن اللاجئين زادوا من حدة الأزمات التي يمر بها لبنان، كونهم يشاركون المواطن اللبناني في كل شيء: في قطاع الكهرباء المأزوم، والبنية التحتية المهترئة، وسوء الخدمات العامة لاسيما في الطبابة، والمدارس غير الكفؤة، وكل ذلك ساهم في تسريع الانهيار".

تدحرج الأزمات

وعن تسلسل الأزمات في لبنان، يشرح خبير المخاطر المصرفية محمد فحيلي ذلك بالقول "بدأت الأزمة المصرفية في 17 أكتوبر 2019، عندما هجم مودعون على المصارف مطالبين باسترداد ودائعهم، حيث ظهرت بوادر التعثر عن تلبية السحوبات، في حين بدأت الأزمة النقدية في مارس من العام 2020، بعدما اتخذ رئيس الحكومة الأسبق حسان دياب قرارا بوقف خدمة الدين العام بكل جوانبه".

أما الأزمة الاقتصادية فسببها وفقا لما يقوله فحيلي لموقع "الحرة" "فشل السلطة السياسية في اتخاذ قرارات لإنقاذ لبنان من تداعيات الأزمتين المصرفية والنقدية، حيث لم تلتفت إلى المؤشرات نتيجة سوء إدارتها للمالية العامة منذ مؤتمر باريس 1 في عام 2001، وما تلاه من مؤتمرات عقدها أصدقاء لبنان لمساعدة هذا البلد، وآخرها مؤتمر سيدر، حيث طلبت الأسرة الدولية إجراء إصلاحات مقابل التمويل، لكن السلطة السياسية في لبنان رفضت القيام بذلك".

تفاقمت الأزمة الاقتصادية في لبنان وباتت أزمة اجتماعية خانقة، بحسب فحيلي "فمع تدهور الاقتصاد، ارتفعت نسبة البطالة بشكل ملحوظ نتيجة إغلاق العديد من الشركات، كما ازدادت الضغوطات التضخمية، مما أدى إلى فقدان قيمة الرواتب وازدياد الفقر، وعجزت السلطة السياسية عن تقديم الخدمات العامة، وأكبر دليل على ذلك أنها بحثت تعديل رواتب موظفي القطاع العام، لكن تعديل الرواتب لا يعني بالضرورة تحسينها خاصة مع تفاقم التضخم بشكل يفوق قدرة السلطة على مواكبته".

وظهر تأثير السوريين على اقتصاد لبنان "في عام 2021 بسبب الدعم الكبير والعشوائي للاستيراد، مما جعلهم يتمتعون بقدرة شرائية أكبر من اللبنانيين، مع العلم أن السوريين يسيطرون على قطاعي البناء والزراعة في لبنان منذ فترة طويلة، والعمالة الجديدة تأتي من أثيوبيا والفلبين وبنغلاديش ومصر". 

بعد سرد تدحرج الأزمات في لبنان، يسأل خبير المخاطر المصرفية "كيف يمكن تحميل اللاجئين مسؤولية ذلك لاسيما من كانوا يعانون من الاضطهاد في بلدهم، والحقيقة أن سوء إدارة أزمة اللاجئين من قبل السلطات اللبنانية خلق هذه الضبابية وأفسح المجال للاستغلال السياسي، وبعض الأحزاب حققت مكاسب على حساب المواطنين اللبنانيين أو اللاجئين السوريين".

نتائج عُنفيّة

يقسّم فحيلي، السوريين في لبنان إلى مجموعتين رئيسيتين "أولها اللاجئون الذين هربوا من بلدهم بسبب الاضطهاد الذي تعرضوا له من قبل النظام، حيث يُعرفون بحسب المنطقة التي قدموا منها".

والثانية "من جاؤوا إلى لبنان بحثا عن فرص اقتصادية أفضل وللاستفادة من المساعدات التي تقدمها المنظمات الدولية، خاصة الأوروبية، حيث تسعى هذه الدول إلى إبقاء اللاجئين في لبنان، خشية من تفاقم أزمة اللاجئين لديها، لاسيما مع صعوبات تأقلمهم مع المجتمعات الأوروبية بالطريقة التي يريدها الأوروبيون، ومن هنا تقدم إليهم مساعدات مالية للحؤول دون طرقهم أبوابها".

أيا يكن، يجب أن تضافر الجهود كما يرى صعب "لإيجاد حلّ مشرف، إنساني وقانوني، لملف النازحين، فمن يجب أن يعود إلى وطنه عليه القيام بذلك، ومن لا يمكنه العودة كون لديه حالة معينة يجب إيجاد حل له، لأن الوضع أصبح خطيرا. أعداد النازحين ترتفع بشكل كبير وهناك ولادات من دون تسجيل. لبنان بلد منهار سياسيا واقتصاديا ولا يحتمل كل هذه الأعباء، أولادنا يهاجرون وعدد كبير من النازحين موجودون بطريقة غير شرعية".

أما الأسمر فيشدد أن "المقاربات التحريضية وتحميل الآخرين مسؤولية الأزمات لا يؤديان سوى إلى زيادة العنف والصراعات، والمؤسف أن هناك أشخاصا سيصدّقون الحملة وسيقدمون على ارتكاب جرائم، في حين أن من يقفون خلفها لن يتحملوا أي مسؤولية عن ذلك".

مخاوف لبنانية من حرب جديدة - رويترز
مخاوف لبنانية من حرب جديدة - رويترز

يعيش اللبنانيون حالة من القلق المتزايد مع تصاعد التوترات العسكرية بين حزب الله وإسرائيل، إذ بات شبح الحرب يخيم على حياتهم اليومية، متسللاً إلى تفاصيلها مع كل انفجار أو تحذير من تصعيد جديد.

وخلال الأيام الأخيرة، شهدت الحدود الجنوبية تصعيداً خطيراً مع إطلاق ثلاثة صواريخ من لبنان باتجاه إسرائيل، التي ردّت بسلسلة غارات جوية استهدفت مناطق في الجنوب والبقاع.

هذا التطور أعاد إلى الأذهان مشاهد الحرب الأخيرة، في وقت لم تتعافَ فيه البلاد بعد من تداعياتها، ولم يتم البدء حتى في إعادة إعمار ما دمرته.

لا تزال المنازل المدمرة شاهدة على حرب لم تُطوَ صفحتها بعد، فيما يجد اللبنانيون أنفسهم مجدداً في مواجهة واقع مجهول، حيث لا ضمانات بأن الأيام المقبلة لن تحمل تصعيداً أشد، خصوصاً مع استمرار التهديدات التي قد تتحول في أي لحظة إلى مواجهة مفتوحة تزيد من معاناتهم.

وفي ظل هذا المشهد القاتم، تتجه الأنظار إلى المسؤولين اللبنانيين وإلى مدى قدرتهم على احتواء الأزمة ومنع الانزلاق نحو حرب شاملة. فهل تستطيع السلطات اللبنانية تجنيب البلاد سيناريو كارثياً آخر، أم أن لبنان يقترب من مواجهة جديدة قد تفاقم مآسيه؟

يأس وجمود

في جنوب لبنان، يعيش بعض الأهالي حالة من اليأس وسط تصاعد التوترات الأمنية، حيث تجد سهام، وهي من سكان مدينة صور (فقدت منزلها في الحرب الأخيرة واضطرت إلى استئجار منزل آخر)، نفسها غارقة في الإحباط. تقول بأسى: "للأسف، وكأنّه كُتب علينا أن نعيش في حروب متواصلة، حتى أصبحت أفضّل الموت".

تعكس كلمات سهام مشاعر العجز التي تخيم على كثير من اللبنانيين، وتضيف في حديث لموقع "الحرة" "نحن وُلدنا في الحروب، اللبنانيون يعانون نفسياً"، مؤكدة أن الناس لم يعودوا قادرين على تحمل المزيد من النزوح والمعاناة.

ورغم أن الحرب الأخيرة كانت مكلفة على مختلف الفئات، ترى سهام أن اللبنانيين المقيمين في مناطق محسوبة على حزب الله تحملوا العبء الأكبر، مشيرة إلى أن "هناك قرى دُمّرت بالكامل. المواطنون باتوا في حاجة ماسة إلى الاستقرار وإعادة إعمار منازلهم ومستقبلهم، وليس إلى المزيد من الحروب".

ورغم مخاوفها، تؤكد سهام أنها لن تغادر منزلها إذا اندلعت مواجهة جديدة>

وتحذر من أن العائلات النازحة هذه المرة قد تواجه صعوبات أكبر في إيجاد ملاذ آمن، خاصة مع تصاعد الخطاب الاستفزازي لبعض مسؤولي حزب الله، إلى جانب الحملات الإلكترونية الواسعة التي انطلقت عبر منصات التواصل الاجتماعي، حيث شملت تهديدات صريحة لمعارضي الحزب ومنتقديه، متوعدةً إياهم بـ"التأديب"، وذلك بدلاً من أن يُسلّم الحزب سلاحه للجيش اللبناني، كي ينعم اللبنانيون بالسلام".

وفي ظل التصعيد المتزايد، لا يقتصر القلق على لبنان وحده، بل يمتد إلى الجوار أيضاً لاسيما غزة وسوريا، كما يوضح الباحث في الشأن السياسي نضال السبع لموقع "الحرة".

وشهد لبنان في الأيام الأخيرة ضربات إسرائيلية "عنيفة"، وفق وصف السبع، "استهدفت مناطق عدة رداً على إطلاق صواريخ لم تعلن أي جهة مسؤوليتها عنها".

ويرى السبع أن هذا التصعيد "يعكس مدى هشاشة الوضع الأمني، وسط تحذيرات من إمكانية تفاقم الأمور". 

وفي هذا السياق، يُجري المسؤولون اللبنانيون اتصالات مكثفة مع المجتمع الدولي، ولا سيما الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، في محاولة لاحتواء التوترات ومنع انزلاق لبنان إلى مواجهة شاملة.

وفي هذا الإطار، دعا رئيس لبنان، العماد جوزاف عون، القوى المعنية في الجنوب اللبناني كافة، ولاسيما لجنة المراقبة المنبثقة عن اتفاق نوفمبر 2024، والجيش الى متابعة ما يحصل بجدية قصوى لتلافي أي تداعيات وضبط أي خرق أو تسيّب يمكن أن يهدد الوطن في هذه الظروف الدقيقة. 

كما طلب عون من قائد الجيش العماد رودولف هيكل اتخاذ الإجراءات الميدانية الضرورية للمحافظة على سلامة المواطنين.

في مهب المجهول

تعيش مروى، وهي من سكان بلدة معركة جنوب لبنان، حالة من القلق المستمر، تخشى أن يكون القادم أسوأ. تقول بأسى "في الحرب الأخيرة، اضطررت للنزوح مع عائلتي إلى شمال البلاد، قبل أن نعود بعد إعلان اتفاق وقف النار، لكن لا أشعر بأي أمان. أنا لا أخاف فقط من اندلاع حرب جديدة، فالحرب قائمة أساساً، لكن الخوف هو أن تتوسع وتصبح أشمل".

وترى مروى في حديث لموقع "الحرة" أن القلق يعمّ جميع اللبنانيين، "خصوصاً أهالي الجنوب، الذين يدركون أن أي تصعيد جديد قد يكون أكثر عنفاً وتدميراً". 

هذا الشعور بالخوف المستمر دفعها إلى التردد في المضي قدماً في مشروعها العملي، موضحة "التهديدات مستمرة، وكل يوم نسمع تحذيرات من أن التصعيد قد يعود في أي لحظة. لذلك، نقوم بتأجيل مخططاتنا".

وتضيف: "لبنان لم يعد يشجّع على الاستثمار. نحن نعيش في حالة من العجز، نترقب المصير المجهول واحتمال أن نجد أنفسنا مجدداً في حرب لا نريدها، حرب لا تجلب سوى المزيد من الموت والدمار".

في المقابل، تسعى الحكومة اللبنانية إلى تفادي الانجرار إلى مواجهة مع إسرائيل، وفق ما يشير السبع.

ويشدد: "لبنان غير معني حالياً بأي تصعيد عسكري. بالتوازي، تتحدث تقارير عن زيارة مرتقبة للمبعوثة الأميركية مورغان أورتاغوس، إلى بيروت خلال الأيام المقبلة، في محاولة لفتح قناة تفاوضية مباشرة بين لبنان وإسرائيل، إلا أن هذا التوجه يواجه رفضاً واضحاً، خاصة من رئيس مجلس النواب نبيه بري".

ويحذر السبع من أن "المخاوف تتزايد في الأوساط الدبلوماسية والسياسية من احتمال أن تستغل إسرائيل أي حادث أمني لشن هجمات عسكرية موسعة وإنشاء حزام أمني داخل الأراضي اللبنانية بعمق يتراوح بين 7 و10 كيلومترات. خطوة كهذه قد تفتح الباب أمام توترات جديدة، في وقت لم يتعافَ فيه لبنان بعد من تداعيات المواجهات السابقة".

معادلات جديدة؟

في العاصمة اللبنانية بيروت، يعيش منير، مثل كثير من اللبنانيين، في حالة من القلق المستمر وسط ضبابية المشهد الأمني والسياسي. ويقول "نحن في حالة رعب دائمة، لا نعرف إذا كانت الحرب قد انتهت أم لا. هل سيتوقف إطلاق النار؟ هل ستُطلق صواريخ جديدة على إسرائيل؟ وكيف سيكون الرد الإسرائيلي؟".

ويشير منير إلى غياب أي شعور بالأمان في ظل الوضع الراهن، مضيفاً "نحن في بلد بلا ملاجئ، أي مكان قد يكون مستهدفاً، وأي شخص قد يكون في خطر"، ورغم ذلك، يؤكد "لا خيار أمامنا سوى البقاء، ننتظر ما سيحمله الغد".

أما هناء، التي تقيم بالقرب من الضاحية الجنوبية لبيروت، فتعيش في حالة من التوتر الدائم. تقول "كلما سمعت صوت دراجة نارية أو فرقعة، أعتقد أنه صاروخ"، وتضيف "أعيش على أعصابي، خصوصاً منذ أن عاد القصف الإسرائيلي على غزة. وأنا الآن أنتظر في كل لحظة أن يتصاعد التوتر في لبنان".

في ظل هذه المخاوف، تُتابع قيادة الجيش التطورات بالتنسيق مع اليونيفيل والجهات المعنية لاحتواء الوضع المستجد على الحدود الجنوبية، كما جاء في بيان رسمي، بينما دعا وزير الخارجية والمغتربين يوسف رجي إلى تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار بكامل بنوده.

وبموجب الاتفاق المبرم في نوفمبر، كان من المفترض إخلاء جنوب لبنان من أي أسلحة تابعة لحزب الله، وانسحاب القوات الإسرائيلية من المنطقة، مع نشر الجيش اللبناني لضمان الاستقرار. 

كما نص الاتفاق على أن تتحمل الحكومة اللبنانية مسؤولية تفكيك جميع البنى التحتية العسكرية في الجنوب ومصادرة الأسلحة غير المصرح بها.

ويراقب حزب الله الوضع بحذر، محاولاً تجنب الدخول في مواجهة مباشرة مع إسرائيل، كما يرى السبع، ويقول "الحزب يواجه تحديات معقدة، خصوصاً بعد قطع خطوط إمداده إثر سقوط نظام الأسد، ما يجعله غير مستعد لمغامرة عسكرية جديدة في هذه المرحلة".

من جهتها، ترى إسرائيل، وفق السبع أن "الحزب يمرّ بمرحلة ضعف، وهو ما قد يدفعها إلى محاولة فرض معادلات جديدة على الأرض، من خلال شن حرب تهدف إلى القضاء على ما تبقى من قوة لدى الحزب".