أطفال سوريون في لبنان.. أرشيفية
أطفال سوريون في لبنان.. أرشيفية

شهدت منطقة الأشرفية في لبنان جريمة مروعة، إذ أقدمت عصابة "بالدخول إلى منزل (المواطن اللبناني) نزيه الترك بمساعدة الخادمة الأجنبية التي كانت تعمل لديه وتم قتله والاعتداء على زوجته وسرقة محتويات المنزل والصيغة والأموال وفروا إلى جهة مجهولة"، بحسب ما أكد المفوض السابق لدى المحكمة العسكرية، القاضي بيتر جرمانوس

وأضاف جرمانوس في تغريدة عبر صفحته على منصة "أكس": "نتكلم عن منطقة أمنية بامتياز في قلب العاصمة. تفكك وفوضى ودمار".

وسرعان ما تداول رواد مواقع التواصل الاجتماعي صورة عن بطاقة هوية العاملة الأجنبية التي تحمل الجنسية السورية، وعقد الخدمة الذي أبرمه الترك مع المكتب ATs office المشغّل لها، بتاريخ 16 مارس ولغاية 15 أبريل.

شكلّت الجريمة سلاحاً جديداً لبعض السياسيين اللبنانيين، حاولوا استغلاله في معركتهم ضد اللاجئين السوريين، التي تهدف إلى ترحيلهم إلى بلادهم رغم تحذيرات منظمات حقوقية بشأن أخطار ذلك، في حين أكد بعض الناشطين أن الجريمة عمل فردي يتحمل مسؤوليتها منفذوها فقط.

ومنذ مدة تصعّد الحكومة اللبنانية معركتها على اللاجئين السوريين في مختلف الساحات والمحافل المحلية والدولية.

وتطبيقاً لتعاميم وزير الداخلية بسام مولوي، تفرض بعض البلديات إجراءات تمييزية بحقهم، بحجة الضغوط الاقتصادية والوضع الأمني وعودة الأمن إلى بعض المناطق في سوريا.

مسؤولية جماعية!

بعد الجريمة التي وقعت في الأشرفية، كرّر النائب نقولا صحناوي في تغريدة مطالبة وزير الداخلية "باتخاذ إجراءات طارئة لتعزيز الأمن في العاصمة"، كما طالب "بلدية بيروت بتدريب وتجهيز فوج الحرس وإعادة نشره في شوارع العاصمة، ومحافظ بيروت باتخاذ الإجراءات اللازمة لتنفيذ التعميم رقم 363 الذي صدر منذ أسبوعين".

ومما جاء في تعميم محافظ بيروت "الطلب من جميع النازحين السوريين المقيمين ضمن نطاق مدينة بيروت تقديم أوراقهم وتسجيل مكان إقامتهم وعقود الإيجار في البلدية، كما طلب من مالكي الشقق والعقارات عدم توقيع أي عقد إيجار قبل إعلام المحافظة والتدقيق من تسجيله في البلدية وحيازة النازح السوري على إقامة شرعيّة وعدم إسكان في مسكن واحد أكثر من القدرة الاستيعابية لهذا المسكن".

ومنع المحافظ في التعميم "استثمار أي مؤسسة وممارسة أي مهنة حرّة، دون وجود ترخيص قانوني لهذا العمل أو الاستثمار"، وطلب من جميع المؤسسات ضمن النطاق البلدي "التي تستخدم للعمل لديها عمال من النازحين السوريين التقيد بإجراءات محددة".

من جانبه، اعتبر الوزير السابق ميشال فرعون في تغريدة أن "الجريمة البشعة التي شهدتها الأشرفيّة، تؤكّد ضرورة التعاطي الرسمي بمسؤوليّة وشموليّة أكبر وأكثر حزماً مع ملف النازحين السوريّين، الذي بات يشكّل أيضاً ملفّاً أمنيّا، مع ارتفاع معدّل الجريمة في صفوف النازحين التي تلاحق اللبنانيّين الآمنين".

وفي ذات السياق، رأى نائب رئيس "التيار الوطني الحر" للشؤون الخارجية، ناجي حايك، أن "جريمة قتل نزيه الترك في الأشرفية تؤكد أن الحل المجدي ليس بتنظيم لجوء السوريين في لبنان، بل بإعادتهم إلى بلادهم الآمنة".

واستنكر رئيس منظمة SEAL، وأمين عام الاتحاد اللبناني للجوجيتسو، الفريد رياشي "الجريمة الداعشية" كما وصفها، متسائلاً عن سبب عدم تعاون "الحكومة اللبنانية والأحزاب التي تدعي رفضها للاجئين وعلى رأسها حزب الله" مع المبادرة التي تقدم بها "بالتنسيق مع الإدارة الذاتية في شمال-شرق سوريا ونصّت على عودة اللاجئين السوريين بهذه المناطق حيث كنا اعطينا كل الضمانات الأمنية وحتى عرضنا المساعدة اللوجستية (لنقلهم) ولكن لا حياة لمن تنادي إلا بالشعارات الفضفاضة".

أما المحامي ميشال فلّاح فاعتبر أن جريمة الأشرفية "تؤكد المؤكد: الغزو السوري للبنان، لاجئين، نازحين.. بات خطراً وجودياً. إذ لم تعد مسألة مزاحمة غير مشروعة على العمل، فَحياة اللبنانيين مهدَدة" وأضاف "كل مسؤول قبض ثمن بقائهم، شريك في جريمة قتل نزيه الترك اليوم".

وذهبت "الحملة الوطنية لإعادة النازحين السوريين" إلى حد اتهام اللاجئين بتحويل لبنان إلى ملاذ للجريمة، "حيث يتورطون بشكل متزايد" كما أشارت في بيان "في العمليات الإجرامية المختلفة، بما في ذلك العمليات الإرهابية، والقتل، وعصابات السرقة، وتجارة المخدرات، والتزوير، وبيع اللحوم الفاسدة، وإثارة النعرات الطائفية، مما أدى إلى انهيار منظومة الأمن في البلاد."

وطالبت الحملة "الحكومة اللبنانية باتخاذ إجراءات فورية وصارمة لمواجهة هذا العمل الإجرامي المتزايد، وتحقيق الأمن والسلامة للمواطنين، بما في ذلك تعزيز التدابير الأمنية وتكثيف الرقابة على النازحين السوريين ونشاطاتهم".

تصويب طائفي وعنصري

وعلى الجانب الآخر، يرفض العديد من اللبنانيين تحميل جميع اللاجئين وزر جرائم وأفعال مخالفة للقانون يرتكبها عدد من السوريين بدوافع فردية، منهم المحلل السياسي، نضال السبع، الذي ردّ على تغريدة نائب رئيس التيار الوطني الحر للشؤون الخارجية، بتغريدة جاء فيها، أن الجريمة "عمل فردي يتحمل مسؤوليتها المنفذ وليس الشعب السوري، كفو شركم وتحريضكم على الشعب السوري، بالأمس كان معلمك في دمشق".

وفي حديث مع موقع "الحرة" أكد السبع أن التصويب على اللاجئين السوريين في لبنان "بدأ منذ عام 2011، وهو تصويب مغلّف، خلفيته طائفية وعنصرية".

ويشرح: "على الرغم من مرور أكثر من عشر سنوات على اللجوء السوري إلى لبنان، لم نشهد أحداثاً أمنية في المخيمات، بل أحداث فردية غير منظمة، تستغلها بعض الأطراف السياسية، خاصة التيار الوطني الحر، الذي يتغزّل بالتحالف مع سوريا قبل عهد رئيس الجمهورية السابق ميشال عون وبعده، ويستغل في ذات الوقت كل حادث أمني لتوجيه الاتهامات ضد السوريين وتحميلهم مسؤولية ما يحدث في البلد والدفع باتجاه ترحيلهم".

ويضيف السبع "لم نسمع ذات التحريض ضد العراقيين من طوائف محددة الذين لجأوا إلى لبنان عام 2003، حيث تتم مقاربة الأمور والتعامل مع اللاجئين بمعايير مزدوجة".

والمفارقة، بحسب المحلل السياسي أن "أزمات لبنان التاريخية، مثل حرب 1860 والحرب الأهلية عام 1975، لم يكن السوريون طرفاً فيها، ودخول الجيش السوري إلى لبنان جاء بناء على طلب الزعماء الموارنة والسلطة اللبنانية والجامعة العربية حينها".

ويشدد على أن "بعض الأطراف اللبنانية تستغل قضية اللاجئين السوريين لحشد الدعم المسيحي، مع العلم أن التعايش بين المسيحيين والآخرين في لبنان طويل، في وقت تتجنب هذه الأطراف الحديث عن الآثار الاقتصادية الإيجابية لوجود اللاجئين، ومنها وصول مساعدات بقيمة 9 مليارات دولار إلى لبنان منذ بداية اللجوء السوري، إضافة إلى استئجار السوريين 100,000 شقة سكنية، مما يوفر دخلاً للكثير من العائلات اللبنانية".

كما أن الحضور السوري ليس جديداً، يقول السبع "فقبل عام 2011 كان يوجد مليون سوري في لبنان، عملوا في مختلف المهن بقبول ورضا من الشعب اللبناني، كونهم ماهرون وينجزون أعمالهم على أكمل وجه وأجرهم قليل، وإبعادهم سيؤدي إلى أزمة عمالة، فالمهن التي يعملون بها لا يعمل فيها اللبنانيون الذين إن اتخذوا قرار العمل فيها لن ينافسهم السوريون حينها".

كذلك يعتبر مدير المرصد السوري لحقوق الإنسان، رامي عبد الرحمن، أن ما يجري بمثابة "استغلال لبعض الأفعال الفردية من قبل سياسيين لبنانيين في إطار تأليب الرأي العام على اللاجئين السوريين، حيث بات اللاجئون سلعة للتجاذب السياسي بين الأطراف اللبنانية، وهذا شكل من أشكال العنصرية".

ويشدد عبد الرحمن، في حديث مع موقع "الحرة"، على أنه "لا مجال على الإطلاق لعودة اللاجئين السوريين إلى الأراضي السورية بسبب المخاوف الحقيقية من الاعتقال والاحتجاز من قبل سلطات النظام الأمنية، فسوريا ليست بلداً آمناً في الوقت الراهن، لذلك نشهد هجرة عكسية حتى من مناطق النظام، وهناك من يدفعون آلاف الدولارات للوصول إلى لبنان، ومنه إلى أوروبا بحثاً عن ملاذ آمن". 

تحريف الحقيقة

وحاول موقع "الحرة" التواصل مع المكتب الذي وظّف العاملة السورية، إلا أن رقم الهاتف المذكور على عقد التوظيف الذي تم تداوله عبر وسائل التواصل الاجتماعي كان مغلقاً، في حين أوضح مجلس نقابة أصحاب مكاتب استقدام عاملات المنازل في لبنان، أنه لا يوجد ترخيص لشركة أو مؤسسة في قطاع الاستقدام باسم  ATs office ومن الممكن أن تكون شركة تنظيف أو شركة وهميه تقوم بتوظيف عاملات مخالفات لشروط الإقامة. 

وأشار مجلس النقابة إلى أن "عدداً من العاملات اللواتي تركن عملهن يلجأن للعمل في شركات تنظيف أو من خلال أسماء وهمية، وكلتا الحالتين مخالفتين لشروط الإقامة" وأن "مكافحة هذه الحالات تتطلب ملاحقة قانونية من قبل الأجهزة المختصة لأن عواقبها وخيمة على المجتمع".

وطلب من المواطنين التأكد من أن صاحب المكتب حاصل على ترخيص من وزارة العمل، عند طلبهم استقدام عاملة في الخدمة المنزلية، وذلك تفادياً للوقوع في المحظور من ناحية خسارة أموالهم او من ناحية متابعة وضع العاملة، وتجنباً لاستغلال السماسرة اللذين يعملون بطريقة غير قانونية ومخالفة لشروط استقدام العاملات في الخدمة المنزلية.

وبغض النظر عن المكتب الذي وظّف العاملة المتهمة بالتورط وآخرين في الجريمة، فإن تحميل جميع اللاجئين السوريين مسؤولية ما حصل أمر مرفوض، كما يؤكد مدير مركز سيدار المحامي "محمد صبلوح".

ويشدد صبلوح في حديث مع موقع "الحرة" على أن "بعض السياسيين اللبنانيين يستغلون هكذا حوادث لتوجيه الاتهامات والانتقادات للاجئين السوريين في لبنان، وإثارة النعرات العنصرية والطائفية، يظهر هذا السلوك السياسي بوضوح في خطابات بعض المسؤولين اللبنانيين وقرارات الحكومة والمؤسسات الأمنية التي لا تتماشى مع القوانين الدولية والإنسانية".

ويشير إلى حادثة مقتل شاب سوري في بيروت في نوفمبر الماضي، بعدما تعرض لركلة من قبل شرطي البلدية وهو يقود دراجته النارية، ويعلّق قائلاً "في حين لا نعلم مصير من كان برفقته على الدراجة النارية، فيما إن فارق الحياة في المستشفى من عدمه، فإن تصرف الشرطي ترجمة للخطابات العنصرية، وفوق هذا أخلي سبيله بكفالة مالية، دون أي مبالاة بحقوق الضحية وذلك في انتهاك واضح للعدالة".

كما أن تحميل اللاجئين السوريين مسؤولية الأزمة الاقتصادية في لبنان يعد بحسب صبلوح "تحريفاً لحقيقة أن الفساد السياسي يقف خلف ذلك".

ويؤكد مدير مركز "سيدار" على أن "هناك طرق متعددة لضبط وجود اللاجئين، من دون اللجوء إلى التأليب العنصري الذي قد يؤدي إلى خسارة أرواح بشرية".

ويشدد على أن "المعارضين السوريين لا يشكلون سوى نسبة ضئيلة، لا تتجاوز 5 إلى 6% من إجمالي الوجود السوري في لبنان، وبالتالي فإنهم يستحقون النظر إلى ملفهم بحكمة وإنسانية مع الالتزام بالقوانين المحلية والاتفاقيات الدولية لاسيما من قبل المؤسسات الأمنية، بينما البقية لن يعارض أحد ترحيلهم ضمن الضوابط والمعايير الدولية".

مصارف لبنان

في تحول تاريخي لعمل القطاع المصرفي اللبناني، أقرّ مجلس النواب الخميس تعديلات على قانون السرية المصرفية تسهّل للهيئات الناظمة الحصول على كامل المعلومات المتعلّقة بالحسابات.

جاءت الخطوة تلبية لمطلب رئيسي من مطالب صندوق النقد الدولي.

واعتبر رئيس الوزراء اللبناني، نواف سلام، القرار "خطوة ضرورية نحو الإصلاح المالي المنشود وركيزة أساسية لأي خطة تعافٍ، ولكشف الحقائق" بشأن الأزمة المالية التي بدأت عام 2019.

والجمعة، نُشر في الجريدة الرسمية اللبنانية قانون تعديل بعض المواد المتعلقة بسرية المصارف في لبنان، بما في ذلك تعديل المادة 7 (هـ) و (و) من القانون المتعلق بسرية المصارف الذي أقرّ عام 1956، وكذلك تعديل المادة 150 من قانون النقد والتسليف الصادر في عام 1963، بموجب القانون رقم 306 الصادر في 28 تشرين الأول 2022.

وينص التعديل الجديد على تعديل المادة 7 (هـ) من القانون المتعلق بسرية المصارف بما يسمح بمشاركة معلومات مصرفية بين مصرف لبنان، ولجنة الرقابة على المصارف، والمؤسسة الوطنية لضمان الودائع، في إطار تعزيز مراقبة القطاع المصرفي وحماية النظام المالي. 

ويشمل التعديل أيضا صلاحيات تعديل وإنشاء مؤسسة مختلطة لضمان الودائع المصرفية.

أما المادة 7 (و) فتتيح للجهات المعنية، مثل مصرف لبنان ولجنة الرقابة على المصارف، طلب معلومات مصرفية محمية بالسرية دون تحديد حساب أو عميل معين. ويتيح التعديل إصدار طلبات عامة للحصول على معلومات عن جميع الحسابات والعملاء، إلا أن هذه الطلبات يمكن أن تكون قابلة للاعتراض أمام قاضي الأمور المستعجلة، ويخضع الاعتراض للأصول القانونية المتعلقة بالاعتراض على العرائض.

وفي ما يتعلق بالمادة 150 من قانون النقد والتسليف، تضمن التعديل رفع السرية المصرفية بشكل كامل وغير مقيد أمام مصرف لبنان ولجنة الرقابة على المصارف، بالإضافة إلى المدققين والمقيمين المعينين من قبل مصرف لبنان أو اللجنة.

وتشمل التعديلات الحسابات الدائنة والمدينة، سواء كانت ضمن أو خارج الميزانية، كما تتيح رفع السرية المصرفية عن سجلات ومستندات ومعلومات تعود إلى أشخاص معنويين أو حقيقيين يتعاملون مع المصارف أو المؤسسات المالية الخاضعة للرقابة. ويشمل تطبيق هذا التعديل بأثر رجعي لمدة عشر سنوات من تاريخ صدور القانون.

وقد شهد لبنان خلال الأسابيع الماضية نقاشات حادة، رأى فيها معارضون للخطوة أن هذا القانون ورفع السرية المصرفية طي لصفحة من تاريخ لبنان المالي العريق من خلال "إلغاء ميزة تفاضلية،" وبأن كشف الفساد ليس معطلاً بسبب السرية المصرفية.

ويرى المتحمسون للقانون أن من شأن التعديلات الجديدة تعزيز الشفافية في القطاع المصرفي في لبنان وتحسين مراقبة ومراجعة العمليات المصرفية، في وقت يشهد فيه القطاع المصرفي تحديات كبيرة في ظل الأزمة المالية المستمرة.

وأوضحت "المفكرة القانونية" وهي منظمة حقوقية غير حكومية، في بيان أصدرته أن التعديل يخوّل "الهيئات الرقابيّة والهيئات النّاظمة للمصارف، وتحديدًا مصرف لبنان ولجنة الرقابة على المصارف والمؤسسة الوطنية لضمان الودائع، طلب الحصول على جميع المعلومات المصرفية، من دون أن يربط طلب المعلومات بأيّ هدف معيّن، وإمكانية التدقيق في الحسابات بالأسماء، تصحيحا لقانون 2022" والذي تضمن بعض التعديلات.

يعتمد لبنان السرية المصرفية منذ عام 1956، وكان لذلك أثر كبير في جذب رؤوس الأموال والودائع وتوفير مناخ الاستقرار الاقتصادي. وبموجب هذا القانون تلتزم المصارف الخاضعة لأحكامه السرية المطلقة، إذ لا يجوز كشف السر المصرفي سواء في مواجهة الجهات الخاصة أو السلطات العامة، وسواء كانت قضائية أو إدارية أو مالية، إلا في حالات معينة في القانون وردت على سبيل الحصر، وهي:

1- إذن العميل او ورثته خطيًا.
2- صدور حكم بإشهار افلاس العميل.
3- وجود نزاع قضائي بينه وبين البنك بمناسبة الروابط المصرفية. 
4- وجود دعاوى تتعلق بجريمة الكسب غير المشروع. 
5- توقف المصرف عن الدفع، إذ ترفع في هذه الحالة السرية المصرفية عن حسابات أعضاء مجلس الإدارة والمفوضين بالتوقيع ومراقبي الحسابات. 
6- الاشتباه في استخدام الأموال لغاية تبييضها، وعندها ترفع السرية المصرفية بقرار من هيئة التحقيق الخاصة لمصلحة المراجع القضائية المختصة والهيئة المصرفية العليا، وذلك عن الحسابات المفتوحة لدى المصارف أو المؤسسات المالية.

وبالفعل ومنذ إقرار هذا القانون ازدهر القطاع المصرفي اللبناني واستطاع جذب رؤوس أموال، لكن كل ذلك تغير مع اندلاع الحرب الأهلية في منتصف السبعينيات، وبدأت الليرة اللبنانية رحلة الانهيار. خمسة عشر عاما من الاقتتال، انتهت بتسويات سياسية، تبعها نظام اقتصادي جديد، قاده منذ عام 1993 الراحل رفيق الحريري رئيسا للحكومة، ورياض سلامة حاكما لمصرف لبنان المركزي، سعيا وراء الاستقرار. 

وبعد أربع سنوات من استلام منصبه، نجح سلامة في تثبيت سعر العملة اللبنانية، عند 1500 مقابل الدولار الأميركي.

استمرت تلك المعادلة أكثر من عقدين، لكنها كانت تحتاج إمدادات لا تنقطع من العملة الصعبة للمحافظة على استمرارها. وفي محاولة لسد العجز، سعت المصارف اللبنانية لجذب حصيلة كبيرة من العملة الخضراء عبر تقديم فوائد مرتفعة على الودائع الدولارية، فوائد تراوحت بين 15 و 16 في المئة.

نتيجة للفوائد البنكية المرتفعة، شهدت ودائع القطاع المصرفي اللبناني نمواً سنوياً وصل ذروته بقرابة 12 مليار دولار خلال عام 2009.

أغرت الفوائد العالية المقيمين والمغتربين، ليصل إجمالي الودائع في المصارف اللبنانية إلى أكثر من 177 مليار دولار في نهاية نوفمبر عام 2018. 

منذ عام 2017، تراجع الاحتياطي في خزينة مصرف لبنان، رغم محاولات جذب الدولار. وفي صيف عام 2019، لاحت بوادر صعوبة في توافر الدولار في الأسواق اللبنانية، فارتفع سعر صرفه مقابل الليرة للمرة الأولى منذ أكثر من 20 عاما، ما دفع الحكومة لاتخاذ إجراءات استثنائية. لكن البعض يرى أن تلك القرارات جاءت متأخرة.

في أكتوبر 2019، انفجر الشارع اللبناني مطالبا بإسقاط السلطة السياسية، وأغلقت المصارف أبوابها، لكن تقارير صحفية تحدثت عن عمليات تحويل لأرصدة ضخمة الى خارج البلاد.

في تقرير لصحيفة فاينانشال تايمز البريطانية، نُشر في صيف 2020، فإنه، وفقا لكبير موظفي الخدمة المدنية المالية السابق في لبنان ومدير عام وزارة المالية السابق ألان بيفاني، قام مصرفيون بتهريب ما يصل إلى 6 مليارات دولار من لبنان منذ  أكتوبر 2019، في تحايل على الضوابط التي تم إدخالها لوقف هروب رأس المال، مع غرق البلاد في أسوأ أزمة مالية منذ ثلاثين 30 عاما، بينما بات مصير مليارات الدولارات مجهولًا. 

بدأت الأزمة المالية بالظهور تدريجيا، لكنها انفجرت حرفيا منذ اندلاع الاحتجاجات في شهر أكتوبر عام 2019. وتشير تقارير رسمية إلى أن أموالا طائلة تصل إلى مليارات الدولارات تم تحويلها إلى الخارج، بينما تم حجز ودائع صغار زبائن البنوك، من دون ضمانات لحماية ودائع المواطنين، ولا سيولة نقدية.

وتقدر تقارير دولية والمصرف المركزي اللبناني أن ودائع صغار زبائن البنوك بحوالي 121 مليار دولار منها ودائع لغير المقيمين تُقدّر بـ20 مليار دولار، وأصحابها لبنانيون وعراقيون ويمنيون وليبيون ومصريون ومن دول الخليج، إضافة لودائع للسوريين، يقدر المصرفيون بأنها أكثر من 3 مليارات دولار.

وفيما تجري التحقيقات حول آلية تهريب الأموال، لم يصل المحققون المحليون ولا حتى الدوليون إلى جواب شاف، لكن كانت دائما "المصالح المتشابكة داخل النظام اللبناني" جزءا من الجواب.

وتعتبر البنوك اللبنانية مرآة للنظام من حيث التقسيم الطائفي، فغالبيتها تابعة لجهات سياسية ومقربين منها، الأمر الذيث كان واضحا في انعدام الرقابة على عمليات إدخال أموال حزب الله المهربة أو غير الشرعية إلى هذه البنوك، مما يعني عمليات تبييض وشرعنة لهذه الأموال.

منذ منذ عام 2001، وضعت الولايات المتحدة حزب الله على قائمة المنظمات الإرهابية، وفرضت عليه عقوبات ضمن خطة لمكافحة تمويل الإرهاب. وفي هذا الإطار صدر قانون مكافحة تبييض الأموال رقم 44، عام 2015، والذي لم يتم تعطبيقه، واكتفى مصرف لبنان بتعاميم، لم تغير واقع الحال.

بدأ لبنان في يناير 2022 مفاوضات رسمية مع صندوق النقد الذي طالما شدد على أنه لن يقدم أي دعم طالما لم تقرّ الحكومة إصلاحات على رأسها تصحيح الموازنة وإعادة هيكلة القطاع المصرفي وإصلاح المؤسسات العامة والتصدي للفساد المستشري.

وأعلن الصندوق في أبريل من العام ذاته اتفاقا مبدئيا على خطة مساعدة بقيمة ثلاثة مليارات دولار على أربع سنوات، لكنّ تطبيقها كان مشروطا بإصلاحات لم يتم تنفيذ معظمها.

في سبتمبر عام 2024، أوقف الحاكم السابق لمصرف لبنان، رياض سلامة، وهو حتى اليوم قيد التحقيق في اتهامات بغسيل الأموال وشراء وبيع سندات خزينة الحكومة اللبنانية. ومنذ انهيار حزب الله اللبناني، في حربه مع إسرائيل، وصعود ما سمي بالعهد الجديد، أقرت حكومة نواف سلام مشروع قانون لإعادة هيكلة المصارف، استجابةً لمطالب صندوق النقد الدولي، الذي اشترط تنفيذ إصلاحات جذرية، بينها رفع السرية المصرفية، كشرط أساسي لأي دعم مالي للبنان، كما تأتي في ظل إدراج مجموعة العمل المالي (FATF) لبنان على اللائحة الرمادية بسبب ثغرات خطيرة في مكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب.

من المتوقع أن تسهم هذه التعديلات في تعزيز الشفافية المالية، ومكافحة الفساد وتبييض الأموال والتهرب الضريبي، كما يُتوقع أن تفتح الباب أمام إعادة هيكلة النظام المالي اللبناني بالكامل، واستعادة ثقة المجتمع الدولي، وتأمين الدعم المالي اللازم من الجهات المانحة.

إلا أن نجاح هذه الخطوة لا يقاس فقط بالكشف عن الحسابات، بل العبرة في التنفيذ في ظل نظام قضائي شبه مهترئ وتورط بعض من أصحاب النفوذ السياسي والمالي أنفسهم.

لبنان اليوم أمام مفترق طرق، فإما أن يسلك طريق العهد الجديد الذي وعد به اللبنانيون، أو يظل الفساد العنوان الأبرز في سياسات لبنان المالية المقبلة.