مخيمات اللاجئين السوريين على الحدود اللبنانية
مخيمات اللاجئين السوريين على الحدود اللبنانية

بالدفعة الجديدة التي عبرت من أراضيه إلى سوريا يكون لبنان استأنف "حملة العودة الطوعية للسوريين"، وبينما يواصل المسؤولون فيه التأكيد على هذا العنوان ومراحله يوضح خبراء قانون وحقوقيون لموقع "الحرة" جانبا آخر تكمن تداعياته بالسياق والتفاصيل.

وقالت "الوكالة الوطنية للإعلام" إن الدفعة دخلت الأراضي السورية عبر معبري الزمراني بريف دمشق وجوسيه بريف حمص، ويبلغ عدد أفرادها نحو 330 شخصا، مضيفة أنهم "سجلوا أسماءهم في وقت سابق لدى مراكز الأمن العام لتأمين عودتهم إلى بلدهم".

وعلى الطرف الآخر من الحدود، نشرت وكالة أنباء النظام السوري (سانا)، صباح الثلاثاء، صورا للقادمين، وقالت إنهم "عبروا إلى قراهم وبلداتهم الآمنة والمحررة من الإرهاب، وسط إجراءات ميسرة من قبل الجهات المعنية".

كما أضافت الوكالة أن "عودة اليوم تشكّل بداية أساسية في عملية متواصلة ومستدامة لتمكين السوريين الموجودين في لبنان بصورة شرعية وغير شرعية بالعودة إلى بلادهم".

وجاء تسيير الدفعة باتجاه سوريا رغم تحذيرات أطلقتها منظمات حقوق إنسان دولية، بينها "هيومن رايتس ووتش" ومنظمة "العفو الدولية".

وقالت الأخيرة، قبل يومين، إن "سوريا لا تزال غير آمنة، وسبق أن وثّقنا ما واجهه اللاجئون السوريون من تعذيب وعنف جنسي واختفاء قسري واعتقال تعسفي بعودتهم".

المنظمة ذاتها أضافت، في بيان، أن "لبنان اعتمد سلسلة من السياسات التقييدية المصممة للضغط على اللاجئين للعودة إلى سوريا، بما فيها القيود على الإقامة والعمل والتنقل"، وأن "مثل هذه القيود تثير مخاوف بشأن قدرة اللاجئين على تقديم موافقتهم الحرة والمستنيرة".

واعتبرت أيضا أن "السلطات اللبنانية بتسهيلها عمليات العودة هذه تتعمّد تعريض اللاجئين السوريين لخطر الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان".

"عودة طوعية" أم ترحيل؟

ويقول لبنان، الذي يشهد أزمة اقتصادية حادة منذ خريف عام 2019، إنه يستضيف نحو مليوني سوري، أقل من 800 ألف منهم مسجلون لدى الأمم المتحدة، وهو أعلى عدد من اللاجئين في العالم نسبة لعدد السكان.

وكانت الأيام التي سبقت تسيير الدفعة الجديدة شهدت زيادة غير مسبوقة في جرعة التضييق وتقييد نشاطات السوريين في لبنان، لأسباب وضعها مسؤولون ونواب في نطاق "الحل الجذري لمشكلة النزوح السوري"، على حد تعبيرهم.

المحامية والحقوقية اللبنانية، ديالا شحادة تشير إلى وجود فرق قانوني بين "الترحيل" و"العودة الطوعية"، وتستغرب في المقابل مسمى "حملة العودة الطوعية" التي تعلن عنها السلطات اللبنانية.

وتشرح شحادة في حديثها لموقع "الحرة" أن "الترحيل قرار رسمي صادر عن السلطات اللبنانية لإخراج أجانب قسرا (ومقيدين) من البلاد وإعاتهم إلى بلدهم"، وبالحالة السورية عبر الحدود البرية، لتتسلمهم سلطات النظام السوري هناك.

أما "العودة الطوعية" فتقوم على تسجيل طلبات من سوريين راغبين بالعودة، ومن ثم تسهيل أمور عبورهم إلى الحدود، لاعتبارات من قبيل: أنهم لا يحملون إقامات صالحة أو دخلوا خلسة، أو غير قادرين على دفع رسوم الغرامات، وفق الحقوقية اللبنانية.

وتعتبر أن "ما يسمى بـ(حملة العودة الطوعية) اسمٌ غريب، لأن العودة إما أن تكون طوعية أو قسرية. وبالتالي نتحدث عن ترحيل".

وتوضح أيضا أنه يمكن لـ"العودة" أن تحمل في طياتها جانبا قسريا "إذا حصلت بناء على ضغوط سياسية وإجراءت تعسفية، من مداهمات وتوقيفات أو هدم مخيمات والحرمان من الإقامة".

وينطبق ما سبق على الأشخاص الموجودين في المخيمات وغير الراغبين بالعودة إما لأسباب أمنية أو سياسية- قانونية، أو لأن مناطقهم ما زالت مدمرة في وقت تغيب إجراءات النظام السوري.

وتتابع الحقوقية: "هنا العودة بظاهرها تكون طوعية لكنها تتضمن إجراءات قسرية دفعت اللاجئين مضطرين للعودة".

"عوامل ثني وردع"

وبعد 13 عاما من الحرب، لا تزال الأمم المتحدة تؤكد أن "سوريا غير آمنة لعودة اللاجئين"، وأيضا "لجنة التحقيق الدولية المستقلة"، التي أشارت في تقرير لها مؤخرا إلى أن "غياب عنصر الآمان" ينسحب على كل جغرافيا البلاد.  

وفي غضون ذلك لطالما أعلن الاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء فيه أنهم لن يمولوا إعادة الإعمار في سوريا، ما لم يروا انتقالا سياسيا "جاريا بحزم"، وهو الموقف الذي عكسته الولايات المتحدة الأميركية مرارا على لسان مسؤوليها.

وتؤكد واشنطن دائما على استمرارها في فرض العقوبات حتى التوصل إلى "حل سياسي"، بموجب القرار الأممي 2254، الذي لم يلتزم به النظام السوري، وتبناه مجلس الأمن في ديسمبر 2015 كخريطة طريق للسلام في سوريا.

وعلى مدى الأيام الماضية كان نواب ومسؤولون لبنانيون وضعوا "مشكلة النزوح السوري" على قائمة أولوياتهم وخطاباتهم، ورغم أنهم انقسموا بشأن بعض الآراء تقاطعوا عن نقطة استئناف "حملة العودة".

وجاء ذلك بعد سلسلة إجراءات تقييدية وتحريضية استهدفت أعمال ونشاطات سوريين في عموم المناطق، ولأسباب اندلعت شرارتها مجددا بحادثة مقتل المسؤول في حزب "القوات اللبنانية"، باسكال سليمان.

ويؤكد المدير التنفيذي لـ"المركز السوري للعدالة والمساءلة"، محمد العبد الله، أن "رغبة الأشخاص وتوقيعهم على أوراق بأنهم مغادرين طوعا لا يعني بالضرورة أن ما حصل (عودة طوعية)".

ويتحدث لموقع "الحرة" عن إجراءات تتخذها حكومات بطريقة متعمدة تسفر عن "ثني اللاجئين عن البقاء في بلد ما"، واتخاذ قرار "العودة القسرية" بشكل غير مباشر.

"معيار البلد الآمن"

من بين تلك الإجراءات تعقيد ظروف الإقامة وفرض عقبات قانونية في مواضيع العمل والأمن، إضافة إلى التهديد الدائم بالاعتقال والترحيل.

ويقول الحقوقي السوري إنها "تصنف ضمن عوامل الردع والثني، وتخالف اتفاقية اللاجئين الخاصة بالأمم المتحدة"، كما تعد جزءا من خطوات "الترحيل القسري".

علاوة على ذلك، يشير العبد الله إلى معيار آخر بمسألة الترحيل و"العودة"، يتعلق بما إذا كان الأشخاص سوف يعودون إلى بلد آمن أم لا.

ويضيف أن عودة السوريين إلى بلادهم "محفوفة بمخاطر الاعتقال والتعذيب والقتل والإخفاء القسري"، ولذلك ما يحصل "عودة قسرية حتى لو وقع الأشخاص من تلقاء أنفسهم على (العودة الطوعية)".

ويتابع أن "الترحيل مع وجود مخاطر في سوريا ينتهك معيار (حظر الإعادة القسرية لبلد يتعرض فيه الشخص للتعذيب أو إساءة معاملة وانتهاك حقوق الإنسان)".

ويعتمد الإجراء المطبق، وفق قول الحقوق السوري، على "عوامل الردع والثني، ومنها حملة الترهيب، التي شارك فيها نواب ووزراء ووسائل إعلام وليس فقط الجمهور".

"بين اللاجئ والمقيم"

وحسب المدير العام للأمن العام اللبناني بالإنابة، اللواء الياس البيسري، فإن قافلة الثلاثاء "تشكل بداية وانطلاقة جديدتين لمسار طويل يتطلب رعاية رسمية".

ويتطلب أيضا، وفق حديثه للوكالة الوطنية للإعلام "متابعة وتواصل مع الجانب السوري ومفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين لحسن التنفيذ ووضع هذا الملف على سكة الحل النهائي".

وتشير الحقوقية اللبنانية شحادة إلى أنه يجب التفريق دائما بين "اللاجئين والمقيمين".

ويمنح القانون الدولي "صفة اللاجئ" للإنسان وليس السلطات المحلية، حتى لو كانت سلطات دولة غير موقعة على الاتفاقية الدولية للاجئين.

وتقول الحقوقية إن "الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والذي وقعت عليه كل الدول وتبنته يعترف بحق اللجوء من دولة يتعرض فيها الإنسان للاضطهاد والقتل والإخفاء القسري إلى أخرى (أي الهرب إليها)".

ولا يعني ذلك أن له أي حق بالدولة إلا حق عدم الترحيل، وفق شحادة.

وتشير إلى أن "الترحيل عندما يستهدف أشخاصا لاجئين يكون مخالفا للقوانين الدولية".

وإذا كان لبنان ملتزما بالحد الأدنى بالقوانين الدولية "يجب أن يعمل مع القضاء المختص للنظر في ادعاءات أنهم معرضين للاضهاد وإثباتها أو دحضها قبل تنفيذ القرار"، حسب الحقوقية اللبنانية.

ماذا عن "مفوضية اللاجئين"؟

بالنسبة لموقف مفوضية اللاجئين في الأمم المتحدة: "يحق للاجئين العودة إلى وطنهم في الوقت الّذي يختارونه، إذا قرّروا ذلك بناء على الغاية".

ويعتبر "قرار العودة" فرديا يتخذه اللاجئون أنفسهم، ولا يعود الأمر للمفوضية أو لأي فرد آخر لاتخاذ القرار بشأن العودة، نيابة عن اللاجئين.  

ولا تنظم المفوضية حاليا العودة إلى سوريا، كما توضح عبر موقعها الرسمي، ولكن يمكنها تقديم بعض الدعم للاجئين الّذين اتخذوا بأنفسهم قرار العودة إلى ديارهم الآن.

وتواصل العمل أيضا مع السلطات اللّبنانية والشركاء لضمان الاستمرار في استضافة اللاجئين في لبنان، الّذين لم يتخذوا قرارا بالعودة إلى سوريا، حتى يتمكنوا من العودة إلى ديارهم بأمان وكرامة.

وتوضح المتحدثة باسم المفوضية في لبنان، ليزا أبو خالد، أنه خلال رحلات العودة التي جرت في عام 2023، تواصلت المفوضية مع بعض العائلات العائدة بينما كانت تستعد للمغادرة. 

وقد أشار العديد من العائلات التي أكدت عودتها كجزء من الرحلة التي تيسرها المديرية العامة للأمن العام إلى أنها اتخذت قرار العودة بنفسها، حسب حديث أبو خالد لموقع "الحرة".

لكنها تردف أن "المفوضية لم تتواصل مع جميع الأشخاص العائدين".

وتضيف أنها "تؤكد أن لكل لاجئ الحق في العودة الطوعية إلى بلده، ونحن نعمل بثبات مع البلدان لمحاولة ضمان تنفيذ جميع رحلات العودة بصورة طوعية وآمنة وكريمة".

وتشير إلى أن تأكيد "المفوضية على أن الطوعية والسلامة والكرامة معايير دولية رئيسية يجب الحفاظ عليها في أي موقف يتعلق بعودة اللاجئين".

تحركات لرفض تعديل القانون في العراق. أرشيفية
تحركات لرفض تعديل القانون في العراق. أرشيفية

صيف عام 2024 خرج عشرات العراقيين إلى وسط بغداد احتجاجا على اقتراح برلماني لتعديل قانون الأحوال الشخصية وخفض سن الزواج من 18 إلى 15 للذكور وتسع سنوات للإناث.

وعلت الأصوات حينها التي تنادي "زواج تسع سنوات، باطل، زواج تسع سنوات، باطل". ولكن ورغم الاعتراضات استمر مجلس النواب العراقي بمناقشة التعديل المقترح.

هذا التعديل، رغم أنه يجري في العراق، إلا أن جذوره تعود إلى إيران وبفتوى من الخميني، والتي يدفع نفوذها إلى تشريع زواج القاصرات، وهو ما يكشفه برنامج "الحرة تتحرى" الذي تبثه قناة "الحرة".

نفوذ تشريع زواج القاصرات الإيراني، يحدث في اتجاهين مختلفين في العراق على الطريق لإلغاء قانونه المدني الحالي واستبداله بآخر طائفي، أما لبنان فيمنع من استبدال قانونه الطائفي الراهن بآخر مدني.

التعديل في العراق قدمه النائب، رائد المالكي أحد أعضاء الإطار التنسيقي الأغلبية البرلمانية التي تجمع الأحزاب الشيعية العراقية.

وقال حينها إن المقترح "يأتي انسجاما مع أحكام الدستور العراقي وتنفيذا لأحكام المادة 41 من الدستور العراقي التي نصت بشكل واضح وصريح على أن العراقيين أحرار في أحوالهم الشخصية بحسب دياناتهم ومعتقداتهم ومذاهبهم وينظم ذلك بقانون".

ورغم محاولات "الحرة" التواصل مع النائب المالكي، قوبل طلبنا بالرفض بحجة عدم وجود ظروف ملائمة.

سطوة على العائلة

انتشار ظاهرة زواج القاصرت في العراق. أرشيفية - تعبيرية

الناشطة الحقوقية العراقية، بشرى العبيدي قال إنه هذه ليست المرة الأولى إذ "نعاني من رفض الأحزاب الدينية لوجود قانون الأحوال الشخصية في العراق بوضعه الحالي".

النائبة العراقية، سروة عبد الواحد رئيسة كتلة الجيل الجديد شرحت لـ "الحرة" وجهة نظر النواب المعارضين لمشروع القانون، وقالت إنهم "يريدون أن يكون لرجل الدين السطوة على العائلة العراقية، وهذا خطر جدا، نحن نبحث عن دولة مدنية، دولة تحفظ حقوق الجميع، دولة أن تكون هي من لديها سطوة وسيطرة على الأسر العراقية بالكامل، وليس رجال الدين من أي مكون كان".

وأضافت أن "هذا التعديل يؤدي إلى انفكاك الأسر العراقية، فلهذا نحن رفضنا هذا التعديل. حاولنا إيجاد حلول لعدم تمريره، لكن مع الأسف هناك الأغلبية الشيعية، أو أغلبية الأحزاب الشيعية متفقة على تمرير هذا التعديل".

وبعد سقوط نظام حزب البعث في العراق عام 2003 صدر قرار حكومي في أواخر العام ذاته، قضى باستبدال قانون الأحوال الشخصية المدني وأقر العمل بالقضاء المذهبي. لكن وبعد أقل من شهر من الاحتجاجات تم إلغاء القرار.

وقالت العبيدي إن الحركة النسوية في العراق جاهدت وناضلت باتجاه إلغاء هذا القرار، معيدة التذكير في 2014 بمشروع قانون الأحوال الشخصية الجعفرية السيء الصيت، كان هذا مشروع القانون يبيح زواج من هي بعمر تسع سنوات، بل وحتى تحت سن التسع سنوات.

ولسنوات استمرت جهود الناشطات العراقيات لمنع محاولات الأحزاب الشيعية خفض سن الزواج.

وتكشف الناشطة العبيدي أن محاولات أخرى في 2015، وفي 2017 استهدفت فتح باب لتعديل قانون الأحوال الشخصية، حتى يتم تحويله قانون أحوال شخصية جعفرية.

وقالت إنهم قالوا لنا لماذا أنتم تعترضون وهناك زواج لطفلات بهذه الأعمار.

زواج الأطفال في العراق

زواج القاصرات قائم رغم مخالفته للقانون. أرشيفية

رغم أن عقد الزواج خارج إطار المحاكم ممنوع بموجب المادة العاشرة من قانون الأحوال الشخصية العراقي، إلا أنه ووفقا لتقارير حقوقية يحدث بالفعل ويشكل حوالي عشرين في المئة من إجمالي عدد الزيجات في البلاد.

وبحسب تقرير لمنظمة هيومن رايتس ووتش الحقوقية بين يناير وأكتوبر 2023، صدقت المحاكم العراقية في جميع أنحاء البلاد على قرابة 38 ألف حالة زواج جرت خارج إطار المحاكم مقارنة بـ 211 ألف حالة زواج مدني، ومعظم الزيجات غير المسجلة تشمل فتيات دون 18 عاما.

محمد جمعة، محام عراقي متخصص في قضايا العنف الأسري قال "على من يتزوج خارج المحكمة، هنالك عقوبة، العقوبة الآن هي غرامة 250 ألف دينار، يعني تقريبا أقل من 200 دولار، فهذه الغرامة بسيطة، يدفعوها وخلاص".

وأضاف "تخيلوا فقط أننا في المستقبل لا نريد أن نتساهل في العقوبة، نريد أن نرفع العقوبة تماما. سيكون زواج القاصرات لدينا في العراق، مضاعفا مضاعفا مضاعفا، بأعداد كبيرة جدا".

مدينة الصدر شرق بغداد والمعروفة باسم منطقة البسطاء، هنا ووفقا لمحكمة الأحوال الشخصية يشكل زواج القاصرات أكثر من نصف الزيجات في هذه المنطقة ذات الأغلبية الشيعية.

وفي 2023 تم تسجيل أكثر من 5 آلاف حالة زواج لقاصرات في قضاء الصدر، وهي تشكل حوالي 60 في المئة من حالات الزواج في هذه المنطقة.

وتواصلت "الحرة" مع عدد من ضحايا الزواج المبكر لكنهن رفضن الحديث أمام الكاميرا، وبعد محاولات وافقت إحداهن على مشاركة قصتها شريطة إخفاء هويتها.

نور (اسم مستعار) إحدى الضحايا قالت "أنا تزوجت بعمر قاصر، كنت جدا صغيرة، يعني تقريبا حوالي 14 سنة، كنت يعني ما أفهم، ولا أعرف الزواج بالضبط. أنا عن نفسي ما أحد قالي انه أنت راح تتزوجين، وراح يصير كذا وكذا".

وفقا لروايتها أدى زواج نور بعمر صغير إلى تعرضها للعنف والاغتصاب الزوجي، وتقول إنها عانت من الضرب والعنف، ورغم أنها طفلة حرمت من التعليم، ومع تعرضها للاغتصاب من زوجها أصبحت حامل، ولكن العنف الجنسي تسبب في إجهاضها.

في غرب العراق لا تخلو محافظة الأنبار من زواج القاصرات، وظاهرة تشكل وفقا لأرقام أممية حوالي 17 في المئة من العقود المبرمة.

وقالت باسمة (اسم مستعار) لـ "الحرة" إنه تزوجت بعمر 14 عاما، وكانت صغيرة لا تعلم ما الذي يحدث بين الزوج والزوجة، وهو ما يجعل زوجها يضربها دائما.

وأضافت أنها حملت وأصبح لديها أطفال، ولكن الضغوطات التي تعرضت لها جعلتها تفكر بالانتحار. مشيرة إلى أن الصعوبات لم تنته بوفاة زوجها، إذ وجدت نفسها مسؤولة عن طفلين وهي في عمر صغير.

وفي سبتمبر الماضي، قضت المحكمة الاتحادية العليا العراقية بأن مواد قانون الأحوال الشخصية الجديد تتماشى مع دستور البلاد. وهي ما قد تمثل خطوة على طريق الإقرار النهائي للتشريع.

ويقول المحامي، جمعة إنه "سيتم تشريع هذا التعديل لأن هنالك ضغط كبير جدا. هذا القانون سيؤدي الى تقوية المؤسسة الدينية على حساب مؤسسات الدولة وعلى حساب المؤسسات القضائية. وهذا هو الهدف الفعلي للقانون، أن تتحكم المؤسسة الدينية تتحكم في حياة الأسرة العراقية".

لبنان.. في اتجاه معاكس

العامل الاقتصادي يؤثر في قرار تزويج القاصرات

من العراق إلى لبنان البلد الذي يسير في اتجاه معاكس ويعتمد بالفعل قوانين الأحوال الشخصية الطائفية، ينعكس هذا على زواج القاصرات.

وبالفعل يُسمح في البلاد بزواج القاصرات، ولذلك تنتشر حملات التوعية بشكل كبير لمحاولة إيقاف الظاهرة خاصة في ظل إقرار الدستور بحق الطوائف الثمانية عشرة المعترف بها في إدارة شؤون أحوالها الشخصية.

وتقول المحامية في التجمع النسائي الديمقراطي اللبناني، غادة نقولا تقول إن "توجهنا هو قانون مدني للأحوال الشخصية"، مشيرة إلى اعتقادها أن "كل الطوائف أصبحت مدركة لخطورة الموضوع".

وأضافت أن العائق الوحيد عن إحدى الطوائف وهي "الطائفة الشيعية" التي تصر على سن صغيرة لتزويج الطفلات والأطفال.

وبحسب المادة التاسعة من الدستور اللبناني يتاح "حرية الاعتقاد مطلقة، والدولة بتأديتها فروض الإجلال لله تعالى، تحترم جميع الأديان والمذاهب، وهي تضمن أيضا للأهلين على اختلاف مللهم، احترام نظام الأحوال الشخصية والمصالح الدينية".

وتقول ليلى عواضة وهي محامية من منظمة كفى اللبنانية "مثلا عند الطائفة الجعفرية تسمح بزواج التسع سنين، وعند الطائفة السنية حددوا سن الزواج بـ 18 سنة، كذلك الأمر عند الطوائف المارونية والطوائف الأرثوذكسية والطوائف الدرزية".

في عام 2021 استجابت الطائفة السنية في لبنان لمطالب المجتمع المدني ورفعت الحد الأدنى لسن الزواج إلى 18 عاما، إلا أن الطائفة الشيعية بقيت الوحيدة في البلاد التي تعتمد سن تسع سنوات كسن شرعي لزواج الإناث.

وتشير عواضة إلى أنه بالرغم أن "المحكمة الجعفرية خاضعه إداريا لمجلس الوزراء، لكن الأحكام التي تطبقها وفقا لتعاليم المرجعية عند الطائفة الجعفرية"، وحتى الآن القانون الجعفري في البلاد لم يجر أي تعديل لسن الحضانة، او تعديل لسن الزواج.

وأضاف النظام الطائفي التعددي للأحوال الشخصية "يحد من مواطنية الافراد"، إذ قد يعود إلى "قوانين تابعة لبلدان أخرى".

مفاجأة في الأرقام

طوائف تتمسك بالقانون الذي يتيح زواج القاصرات. أرشيفية

في تقريرها الصادر نهايات عام 2016 أعلنت منظمة الأمم المتحدة للطفولة "يونيسف" أن 6 في المئة من اللبنانيات اللواتي تتراوح أعمارهن بين 20 إلى 24 عاما تزوجن قبل سن الـ 18.

لكن في ربيع عام 2024 شكلت دراسة أعدها التجمع النسائي الديمقراطي اللبناني مفاجأة ففارق الأرقام كان ملحوظا.

وكشفت الدراسة أن هناك أرقام مقلقة جدا في الدراسة، تظهر ارتفاعا بنسبة تزويج القصر، وتتحدث عن نسبة 20 في المئة تزوجوا دون سن الـ 18، حوالي 87 في المئة منهم نساء، ونتحدث عن 10 في المئة من النساء تزوجن بين عمر الـ 13 و15 عام.

وقالت رشا وزنة مسؤولة التواصل في التجمع النسائي الديمقراطي اللبناني إن "الفقر والعجز الاقتصادي، من أبرز الأسباب في السنوات الأخيرة التي كانت وراء تزويج الطفلات والأطفال".

وأضافت أن مجتمع اللبناني "معقد" إذ يوجد ثقافات مختلفة حسب المناطق، مشيرة إلى رصد حالات فيها عنف جسدي وعنف لفظي، وأخطار بسبب الحمل المبكر تصل لحد الوفاة.

وفي محافظة بعلبك ذات الأغلبية الشيعية شمال شرق لبنان التقت "الحرة" بإحدى ضحايا زواج القاصرات.

وقالت ندى (اسم مستعار) إن "زواج القاصرات شائع بشكل كبير بالضيعة"، مشيرة إلى أنها تزوجت وهي ابنة 17 عاما.

وذكرت أن العريس كان يكبرها بـ 14 عاما، ولكن تم إجبارها على الزواج لتعاني قسوة التجربة.

وقالت إنه مباشرة تم العرس، وتم إجبارها للذهاب للحفلة، ومن أسبوع بدأ بضربها، واستمر على هذا الأمر، حتى وهي حامل.

أمام هذا الوضع طلبت ندى الطلاق ولم تحصل عليه إلا بعد سنوات، فالمحاكم الجعفرية المختصة بشؤون الأحوال الشخصية للطائفة الشيعية لا تعطي المرأة هذا الحق إلا بعد موافقة الزوج.

وقالت إنها تطلقت في 2023 أي بعد أن وصلت لسن الـ 25 عاما، مؤكدة أنها عانت الكثير من العذاب، واضطرت للتنازل عن حقوقها، ولم تتمكن حصولها على حضانة ابنتها.

في محاولة لتعديل الوضع القانوني للمحاكم الجعفرية تحركت جهات حقوقية في لبنان لتوحيد قوانين الأحوال الشخصية واستبدالها بتشريع موحد يطبق على جميع الطوائف.

وتقدم التجمع النسائي الديمقراطي بمقترح قانون تبناه عدد من نواب البرلمان اللبناني، ومن بينهم النائب أنطوان حبشي.

وقال حبشي، وهو نائب عن حزب القوات اللبنانية إن كل المناطق في لبنان فيها زواج قاصرات، ولهذا نرى أن العامل الاجتماعي الاقتصادي هو عامل مهم، والعامل الديني يلعب دورا أساسيا من دون شك".

الآلاف من القاصرات كن ضحايا للزواج في بلاد يهيمن عليها نظام طهران وتحوم فوقها فتوى للخميني قارب عمرها على نصف قرن.