اللبنانيون يعانون جراء الأزمة الاقتصادية المستمرة منذ 2019
اللبنانيون يعانون جراء الأزمة الاقتصادية المستمرة منذ 2019

أطلق تقرير دولي، صادر عن مؤسسة "غالوب"، صرخة مدوية عن عمق معاناة الموظفين في لبنان، كاشفاً الصورة القاتمة لغرق هؤلاء في مستنقع التوتر والحزن، إذ سجلوا أعلى معدلات هذه المشاعر السلبية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، بالإضافة إلى ترتيب منخفض لمشاركتهم في العمل.

ويضيء التقرير، الذي يحمل عنوان "حالة مكان العمل العالمية 2024"، على مسار انهيار الجهاز الوظيفي في لبنان، حيث يواجه الموظفون منذ بدء الأزمة الاقتصادية عام 2019 أوضاعاً صعبة تتسم بتدهور قيمة العملة الوطنية، مما أدى إلى تآكل قيمة رواتبهم وانخفاض قدرتهم الشرائية بشكل كبير.

يُذكَر أن تقرير "غالوب" (وهي شركة تحليلات واستشارات عالمية)، يقدّم تحليلاً لحالة الموظفين في بيئة العمل وحياتهم اليومية، معتمداً على نتائج استطلاعات تجريها المؤسسة سنوياً، تشمل أكثر من 160 بلداً، مستهدفة ألف شخص في كل بلد.

ويرتكز التقرير على 4 مقاييس هي: مشاركة الموظفين (لقياس مدى انخراطهم وتحفيزهم في عملهم)، والمشاعر السلبية اليومية (تحدد مدى معاناة الموظفين من التوتر أو الغضب في مكان العمل)، بالإضافة إلى سوق العمل (تقيم آراء الموظفين بشأن مناخ العمل واستعدادهم للانتقال إلى وظيفة جديدة)، وتقييم الحياة (لقياس مستوى رضا المشاركين عن حياتهم ورؤيتهم للمستقبل).

جحيم من المشاعر السلبية

يعاني الموظفون اللبنانيون، بحسب تقرير "غالوب"، من أعلى معدلات التوتر والحزن اليومي في بيئة عملهم على مستوى المنطقة، إذ أظهرت النتائج أن 68 في المئة منهم يعانون من التوتر يومياً، بينما يشعر 41% منهم بالحزن أثناء العمل، أما العام الماضي فاحتل لبنان المرتبة الثانية في ترتيب بلدان المنطقة لجهة معاناة الموظفين من التوتر اليومي في بيئة عملهم، وذلك بنسبة 67 في المئة".

كما بيّنت الأرقام الأخيرة أن حالة الغضب اليومي في بيئة العمل لدى الموظفين في لبنان هي ثالث أعلى نسبة في المنطقة، إذ وصلت إلى 40%، وحافظ هذا البلد على المرتبة التي سجلها العام الماضي.

وتعود أسباب النتائج التي سجلها، بحسب رئيس المؤسسة اللبنانية للتأهيل والتطوير، أستاذ السياسات العامة والادارة في الجامعة اللبنانية، برهان الدين الخطيب، إلى "شعور الموظف اللبناني بعدم الاستقرار وصعوبة التخطيط لحياته العملية والخاصة، بسبب عدم الاستقرار السياسي والاقتصادي والأزمات المتلاحقة".

وأخطر ما كشفه التقرير، بحسب ما يقوله الخطيب لموقع "الحرة"، أن "لبنان يحتل المركز السابع في ‏المنطقة لجهة نية الموظفين ترك عملهم، إذ أن 50% منهم يبحثون عن وظيفة جديد"، ويرجع الخطيب ذلك إلى "تدني الرواتب والسعي لتحسين وضعه، إضافة إلى عدم تطبيق عقود العمل وعدم الالتزام بقوانين العمل وغياب الرقابة والتفتيش على المؤسسات لضمان تطبيق القوانين الحمائية".

وفيما يتعلق بمشاركة الموظفين في لبنان، وصلت النسبة إلى 8%، ليحتل هذا البلد المرتبة قبل الأخيرة بين 17 دولة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، متقدماً فقط على مصر التي سجلت نسبة مشاركة 6%.

ويرجع الخطيب ذلك إلى "طغيان الوساطات والعلاقات الشخصية والمناطقية والطائفية والسياسية والمنفعية. بالإضافة إلى اعتماد عدد من القادة الإداريين سياسة فرق تسد، وعدم تحضير القيادات المستقبلية سعياً الى بقائهم في مواقعهم".

وعلى الصعيد العالمي، كشف التقرير أن حوالي 20 في المئة من العاملين على مستوى العالم يشعرون بالوحدة أو الغضب أو الحزن بشكل يومي، بينما يشعر 41 بالمئة منهم بالتوتر.

وأظهر أن 23% من الموظفين حول العالم مشاركون في عملهم، وهي أعلى نسبة منذ إطلاق التقرير  عام 2009. كما أظهر أن 62% من الموظفين غير مشاركين في عملهم، مما يعني أنهم يعملون دون شغف حقيقي، في حين أن 15% من الموظفين غير راضين عن عملهم ويعيقون عمل زملائهم. 

وأشار التقرير إلى أن انخفاض مشاركة الموظفين في عملهم يكلّف الاقتصاد العالمي حوالي 8.9 تريليون دولار.

متطلبات بيئة العمل

كما احتل لبنان أدنى مرتبة بين بلدان منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا من حيث مناخ العمل، وذلك رغم الأهمية الكبيرة التي تُعطى لبيئة العمل كعامل مؤثر على إنتاجية الموظفين في القطاعين العام والخاص، بحسب ما يؤكده الخطيب.

 ويشرح الخطيب أن" البيئة الإيجابية تساهم في تحسين رفاهية الموظفين وزيادة رضاهم الوظيفي، كما تحد من التوتر وتحسن الصحة العقلية. وهذه العوامل تؤدي إلى زيادة الإنتاجية، وجودة الخدمات المقدمة، والابتكار".

كما تؤثر بيئة العمل الإيجابية على "قيم الموظفين ومواقفهم وسلوكياتهم، مما يساهم في خلق ثقافة من الاحترام والتعاون والثقة داخل المؤسسة".

أما الرئيسة السابقة لرابطة موظفي الإدارة العامة، نوال نصر، فتعتبر أن الحديث عن بيئة العمل والقدرة على الانخراط فيها بشكل فعال، يعني الحديث عن "الكفاءة والمؤهلات والخبرة لدى الموظفين. ولطالما تميز هؤلاء في لبنان بها ونهضوا بالإدارة العامة والقطاع العام، وأمنوا بمسؤولية ونجاح شؤون الوطن والمواطن، حتى فوجئوا بأرتال من موظفي المحسوبيات اقتحمت الإدارات دون أي معايير أو ضوابط قانونية أو منطقية، وعلى مرأى من كل أجهزة الرقابة المعنية".

واحتل موظفو المحسوبيات، بحسب نصر، مراكز الموظفين الأكفاء، ونافسوهم على صلاحية اتخاذ القرار، واستفزوهم بالرواتب العالية. وعاثوا في هذه الإدارات خللاً وحولوها إلى ملكيات خاصة، مما حد كثيراً من دور الكفاءات والمؤهلات الموجودة فيها". 

كما أن الحديث عن بيئة العمل يشمل، وفقاً لما تقوله نصر لموقع "الحرة" "أدوات الإنتاجية، وفي مقدمتها التكنولوجيا، التي بدأ العمل عليها منذ عقود واستُقدمت لأجلها خبرات الدول الممولة بالقروض. رغم ذلك، ما زالت هذه الأدوات خجولة، وما زال الموظفون، بالإضافة إلى همومهم الحياتية، يرزحون بين الملفات الورقية، مع كل ما يرافق ذلك من شح في مختلف مستلزمات العمل، مثل القرطاسية، والأجهزة، والوقود، وغيرها."

وتضيف أن العمل يتطلب بيئة صحية نظيفة، وكفاية واستقراراً مادياً ومعنوياً، لتحقيق الرضا والرغبة والقدرة، وبالتالي إنتاجية أفضل.

"كتلة مهمّشة"

معدو تقرير "غالوب" حافظوا على بعض ماء الوجه للبنان بعدم إزالته كلياً من لائحة الدول، كما ترى نصر، وتؤكد أنه تم تحويل موظفي الإدارة العامة إلى كتلة مهمّشة لا تحصل على أبسط احتياجاتها الأساسية، "إذ تلامس رواتبهم العدم، والحوافز المعطاة لهم تفشل تماماً أن تكون عنصر ترغيب، لأنها بالكاد تمكّنهم من القيام بفروض السخرة، فما هي إلا أدوات ترهيب وقنابل موقوتة، إذ إنهم مهددون بوقفها في أي لحظة".

وبعد ما يقارب الخمس سنوات على الأزمة الاقتصادية، يعيش الموظفون، بحسب نصر "في قلق وخوف مما قد يحصل لهم في أي لحظة، سواء كان ذلك من نقل أو طرد تعسفي، أو من مستلزمات طارئة لعائلاتهم، كأن يمرض أحد أفرادها، أو يطرد أحد الأبناء بسبب العجز عن دفع القسط المدرسي، أو أن يصاب أحدهم بفيروس ما بسبب البيئة الموبوءة المفروض على الموظف تقبلها، التي تستثنى أجنحة القادة منها".

وتضيف "آخر البدع التعنيف المادي والمعنوي عبر التمييز الاستنسابي الذي يواجهه الموظفون دون أدنى احترام للمعايير القانونية والدستورية والإنسانية، وحين يستصرخون أجهزة الرقابة يجدونها بين المميزين ودون المهام الأساسية التي وجدت من أجلها".

واللحظة المحتومة الأكثر رعباً لدى الموظفين، بحسب نصر "لحظة إنهاء خدماتهم وخروجهم من الوظيفة بعد عمر من الشقاء والصبر دون أدنى أمل في لقمة عيش كريمة أو حبة دواء، فتعويضاتهم احتجزت في ضمائر القائمين عليها".

ويؤكد تقرير "غالوب" أن مشكلات الصحة النفسية ليست كلها مرتبطة بالعمل، إلا أن العمل يعتبر عاملاً مؤثراً في تقييمات الحياة والمشاعر اليومية. 

ويوضح أن الموظفين الذين يكرهون وظائفهم يعانون من مستويات عالية من التوتر والقلق اليومي، بالإضافة إلى ارتفاع مستويات المشاعر السلبية الأخرى.

وأشار التقرير إلى أن الشعور بعدم الاندماج الفعّال في العمل يمكن أن يكون له تأثير مشابه، أو حتى أسوأ من البطالة، على جوانب الرفاهية مثل الضغط والغضب والقلق والوحدة. من جهة أخرى، عندما يجد الموظفون عملهم وعلاقات العمل ذات معنى، فإن ذلك يرتبط بمستويات عالية من الرضا اليومي وانخفاض المشاعر السلبية.

وأبرز التقرير أن نصف الموظفين الذين يشعرون بالاندماج في العمل يزدهرون في حياتهم بشكل عام، مما يسلط الضوء على أهمية ذلك الشعور وتأثيره الإيجابي على الأداء المهني والحياة الشخصية.

نهج تدميري.. ومواجهة

معالجة الصحة النفسية للموظفين، تتطلب بحسب تقرير "غالوب" دعم الازدهار في الحياة والاندماج في العمل، ويرى التقرير أن على أصحاب العمل توفير مزايا ومرونة مناسبة لدعم رفاهية الموظفين، دون إهمال أكبر رافعة لديهم لتقييم حياة الموظف: بناء فرق منتجة وعالية الأداء.

ولا بد، بحسب الخطيب، من "إنشاء بيئة عمل إيجابية ومنتجة ومحفزة، تسودها عوامل الاستقرار المادي والنفسي والوظيفي، وذلك من خلال بناء ثقافة مؤسسية تشجع العلاقات الهادفة والحقيقية بين الزملاء، والتصرف كعائلة، فعندما يثق فريق العمل ببعضه البعض، يتحقق التميز في العمل".

كما ينصح الخطيب بإثارة "الطاقة الإيجابية لتعزيز السعادة في العمل وتحفيز الموظفين للاستمرار في بذل الجهد، وتقديرهم ومنحهم المكافآت المالية مع التعبير عن الامتنان الذي له تأثير أكبر في تعزيز الرضا الوظيفي"، مشدداً على أن "التقييم الوظيفي يجب أن يكون المعيار الوحيد للتقدير والمكافآت".

لكن السلطات اللبنانية تستمر، بحسب نصر، في تبني نهج غير فعال، بل تدميري في إدارة الشؤون العامة.

وتشدد على أنه "رغم الأزمة التي طالت الإدارة العامة والموظفين في لبنان على كل الصعد، ورغم معاناتهم، ناضل هؤلاء لاستعادة قدراتهم على القيام بالمهام الموكلة إليهم للنهوض من جديد بالإدارة العامة، وما لها من دور أساسي في قيام الدولة الراعية لشؤون الوطن والمواطن. لكن الحائط المسدود الذي يواجه هذا الهدف ما زال قائماً وصلباً."

وتؤكد نصر أن "تمكين الموظفين من المشاركة الفاعلة في بيئة العمل لاستعادة الإدارة العامة والنهوض بها من جديد، رهن قرار السلطة السياسية، كما رهن قرار متخذ وبإصرار من قبل الموظفين، ومن قبل كل الحريصين على الوطن". 

وتختم نصر مشددة على أنه "لا تنازل عن الإدارة العامة، لا تنازل عن القطاع العام، وبالتالي لا تنازل عن علم واسم لبنان ليتصدر لوائح الدول في كل التقارير التي تعنى بمؤشرات النهوض والعودة إلى الحياة".

دبابة إسرائيلية في بلدة حولا جنوب لبنان - فرانس برس

تنتهي غدا، الثلاثاء، مهلة تمديد اتفاق وقف إطلاق النار بين لبنان وإسرائيل، وسط ترقب واسع فيما إذا كانت إسرائيل ستلتزم بالانسحاب الكامل من الأراضي اللبنانية، خصوصا بعد الحديث، في الأيام القليلة الماضية، عن نية إسرائيل البقاء في خمس نقاط حدودية استراتيجية.

 ويرفض لبنان رسميا أي وجود عسكري إسرائيلي على أراضيه، ويؤكد على ضرورة الانسحاب الإسرائيلي الكامل بحسب الاتفاق، من دون استثناءات.

وكان رئيس مجلس النواب، نبيه بري، أعلن أن الولايات المتحدة أبلغته بأن إسرائيل ستنسحب في 18 فبراير من القرى الجنوبية، لكنها ستبقى في 5 نقاط.

وقال عون إنه أبلغ الأميركيين، باسمه وباسم رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون، ورئيس الحكومة القاضي نواف سلام، "رفضنا المطلق لذلك".

وأضاف في حديث مع إعلاميين، الخميس الماضي، قوله: "رفضت الحديث عن أي مهلة لتمديد فترة الانسحاب، ومسؤولية الأميركيين أن يفرضوا الانسحاب".

والاثنين، عبّر رئيس الجمهورية، عن تخوف لبنان من عدم تحقيق الانسحاب الكامل في موعده غدا الثلاثاء. وقال "سيكون الردّ اللبناني من خلال موقف وطنيّ موحّد وجامع".

وأكد عون، أن "خيار الحرب لا يفيد، وسنعمل بالطرق الدبلوماسية لأن لبنان لم يعد يحتمل حربا جديدة"، وقال إن "الجيش جاهز للتمركز في القرى والبلدات التي سينسحب منها الإسرائيليون".

وأكد أن "المهم هو تحقيق الانسحاب الإسرائيلي"، وأن سلاح حزب الله "سيأتي ضمن حلول يتفق عليها اللبنانيون".

والأحد، شدد الأمين العام لحزب الله، نعيم قاسم، على ضرورة أن تنسحب إسرائيل في 18 فبراير بالكامل. 

وقال "ليس لها ذريعة، لا نقاط خمسة ولا تفاصيل أخرى تحت أي ذريعة وتحت أي عنوان، هذا هو الاتفاق". وأضاف أن "مسؤوليّة الدولة اللبنانيّة أساساً وحصراً في هذه المرحلة أن تعمل بكل جهد، بالضغوطات السياسيّة، بعلاقاتها، بأيّ عمل من الأعمال من أجل أن تجعل إسرائيل تنسحب".

خلفيات استراتيجية

"لقد بدأت مرحلة مغايرة في لبنان بعد انكفاء حزب الله عن المواجهات الحربية مع إسرائيل وتشكيل لجنة دولية للمساعدة في تطبيق القرار 1701،" يقول الكاتب والصحفي مجد بو مجاهد لموقع "الحرة".

ومهّد لهذه المرحلة الجديدة "انتخاب رئيس للجمهورية اللبنانية ثم تكليف رئيس للحكومة خارج موافقة محور "الممانعة،" ثم تشكيل حكومة منسجمة مع التطلعات الدولية، يضيف.

هذه التطورات المتسارعة التي خفّضت من قوة حزب الله وسيطرته على القرارات اللبنانية"  حصلت "بعد كلّ خسائر حزب الله الحربية واغتيال غالبية من قادته السياسيين والعسكريين".

بالتوازي، بقيت إسرائيل "في قرى جنوب لبنان مع عمليات حربية استهدفت البنى التحتية الخاصة لحزب الله ولا تزال تصرّ على المكوث في 5 مواقع استراتيجية للمراقبة"، يتابع بو مجاهد.

المواقع التي تريد إسرائيل البقاء فيها تقع في الجنوب اللبناني، وهي تلال وليست قرى، وفقا للعميد المتقاعد، رئيس مركز الشرق الأوسط للدراسات والعلاقات العامة، الدكتور هشام جابر.

النقاط الخمس، وفق جابر، هي "تلة العويضة جنوبي مرجعيون غربي الخيام، والتي تشرف على القطاع الشرقي والجليل الأعلى، وتلة الحمامص في القطاع الأوسط المطلة على كامل هذا القطاع، بالإضافة إلى تلة العزيزية، وجبل البلاط، والبياضة التي تشرف على الجليل الغربي والساحل الفلسطيني".

يقول العميد المتقاعد لموقع "الحرة" إن الجيش اللبناني يتمركز حاليا في تلة البياضة، كما أن هناك موعقين لقوات اليونيفيل.

هل سيُطلب من الجيش اللبناني الانسحاب؟ يتساءل.

"ويبدو أن إسرائيل تسعى للسيطرة على موقعي اليونيفيل، نظرا لموقعهما المشرف" على المنطقة، يضيف.

معركة "الالتزام"

يرى مسؤول جهاز الإعلام والتواصل في حزب "القوات اللبنانية"، شارل جبور أن الدولة اللبنانية مطالبة بأمرين أساسيين.

"أولا ممارسة أقصى الضغوط من خلال علاقاتها مع الولايات المتحدة وسائر الدول الغربية والعربية لخروج إسرائيل ضمن الموعد المحدد في 18 فبراير".

وثانيا أن تنف اتفاق وقف إطلاق النار الذي وقعت عليه الحكومة اللبنانية السابقة وكان حزب الله عضوا أساسيا فيها ولولا موافقته على هذا الاتفاق لما توقفت الحرب.

بالتالي، يضيف جبور، "يجب تنفيذ هذا الاتفاق لجهة تفكيك بنية حزب الله العسكرية بدءا من جنوب الليطاني وصولا إلى شمال الليطاني أي كل لبنان".

في حال استمرار الوجود الإسرائيلي، فإن بقاءه سيكون مدعوما وفق ما يقول جبور لموقع "الحرة"، "من الولايات المتحدة ومغطى منها، ما سيجعل المواجهة معه معقدة. 

في المقابل، لا يزال حزب الله يعتمد النهج نفسه الذي اتبعه مع القرار 1701، من خلال التذاكي بالتخفي تحت الأرض والاحتفاظ بترسانته العسكرية، متصورا أن بإمكانه تكرار سيناريو عام 2006، وفقا للمسؤول في حزب القوات اللبنانية.

"لكن اليوم، هذا الأسلوب لم يعد ينطلي على المجتمع الدولي، الذي بات أكثر وضوحا في سعيه لإنهاء المشروع الإيراني في لبنان المتمثل بحزب الله".

ويشدد جابر على أن "لبنان، الذي يحظى بدعم دولي، يجب أن يكثف الضغوط الدبلوماسية عبر الدول الداعمة له لإجبار إسرائيل على الانسحاب".

ويقول إن "فرنسا بدأت بالتضامن مع لبنان وتسعى للضغط على إسرائيل، في حين يجري الحديث عن تمديد لبقاء القوات الإسرائيلية، سواء حتى 28 شباط أو لما بعد عيد الفطر. إلا أن الإدارة الأميركية لم توافق على هذا التمديد حتى الآن، لذلك الموضوع دقيق جدا".

ويذهب بو مجاهد إلى أن "لبنان في وضع جديد يتطلب التعامل بكثير من الرويّة السياسية بحثاً عن حلول تفاوضية مع المجتمع الدوليّ لانسحاب إسرائيل، وذلك يحصل إذا عملت الدولة اللبنانية على ضمان بلورة سلطتها جنوب لبنان والتصدي لكلّ محاولات إعادة تمدّد محور "الممانعة" فيه".

تحديات مواجهة الدويلة

رغم التصريحات الرسمية التي أكدت أهمية أن يشمل نفوذ الدولة اللبنانية كلّ الأراضي اللبنانية، لكن ستكون هناك كما يقول بو مجاهد "تحديات جمة لأن اتخاذ قرار نزع سلاح حزب الله في كلّ المناطق اللبنانية ليس سهلاً إذا لم تتخلّله مفاوضات أو سبلاً ناجعة تبعد التوترات عن الداخل اللبناني".

ويضيف "تنشغل الحكومة اللبنانية حالياً في صياغة البيان الوزاري، لكن محور "الممانعة" يحاول تضمين البيان الوزاري عبارة الاستراتيجية الدفاعية، والأجواء السياسية الحالية تشكّل صعوبات لا تزال تعرقل أي نزع لسلاح حزب الله في كلّ الأراضي اللبنانية".

وعن احتمال نجاح الحكومة اللبنانية في نزع سلاح حزب الله، يرى جابر أنه "في ظل استمرار الاحتلال الإسرائيلي لمواقع في الجنوب، لا يجب أن تتسرع الحكومة في هذا الملف، ولا أعتقد أن أحداً سيقبل بذلك".

ويوضح جابر أن لبنان "ينفذ اتفاق وقف النار بالتدريج، وتنفيذ الاتفاق يجب أن يكون من الطرفين، وبما أن إسرائيل لم تلتزم بالقرار واخترقته مراراً، فمن غير المنطقي أن تنزع الحكومة اللبنانية سلاح حزب الله في هذا التوقيت".

ويشير إلى أن أي تسوية تتعلق بسلاح حزب الله ستتطلب استراتيجية دفاعية، تحتاج إلى وقت طويل للإعداد والإقرار.

ويتوقع أن يستغرق الأمر شهورا، حتى يتم وضع السلاح في المخازن تحت إشراف الجيش اللبناني.

ويتساءل: "هل يمكن للبنان أن ينتظر كل هذا الوقت بينما تبقى إسرائيل محتلة للجنوب؟"، ويشير إلى أن استمرار الوضع الحالي سينعكس سلباً على الداخل اللبناني، وعلى العهد والحكومة الجديدة.

ويحذر جابر من أن فشل دفع إسرائيل إلى الانسحاب من كامل الجنوب اللبناني "سيؤدي إلى تصعيد محتمل، حيث قد يلجأ حزب الله إلى مقاومة محلية، أي لن يقصف إسرائيل بالطائرات المسيرة والصواريخ، بل سيعتمد على عناصره من أبناء القرى، الذين لم ينسحبوا ولم يُطلب منهم تسليم أسلحتهم الخفيفة".

ويضيف أن أي استهداف إسرائيلي لمناطق خارج جنوب الليطاني قد يدفع حزب الله إلى تصعيد أوسع، يشمل قصف مواقع إسرائيلية، خاصة تلك التي تنطلق منها الصواريخ.

ويرى بو مجاهد أنه "ليس من المرجّح أن يواجه حزب الله إسرائيل بعد اتخاذها قراراً بالبقاء في مواقع استراتيجية جنوب لبنان، لأنه ليس قادراً على خوض مواجهة بعد كلّ خسائره في الأشهر الماضية، ولأن هناك ضغوطاً سياسية لبنانية ودولية على محور "الممانعة".

ودخلت في 27 نوفمبر الماضي حيّز التنفيذ هدنة هشة أوقفت إطلاق النار بين إسرائيل وحزب الله.

وعلى الرغم من وقف النار، تواصل إسرائيل توجيه ضربات في لبنان، وسط تبادل للاتهامات بين الطرفين بخرق الهدنة.

ونص الاتفاق على مهلة 60 يوماً لانسحاب القوات الإسرائيلية من جنوب لبنان في مقابل تعزيز الجيش اللبناني وقوة الأمم المتحدة انتشارهما. في المقابل، على الحزب الانسحاب من منطقة جنوب نهر الليطاني وتفكيك أي بنى عسكرية متبقية له فيها.

وبعدما أكدت اسرائيل أنها لن تلتزم مهلة الانسحاب المحددة، مُدّد الاتفاق حتى 18 فبراير. ويجري الحديث الآن عن بقاء إسرائيل في مواقع استراتيجية في جنوب لبنان بعد هذا التاريخ.