أكثر من تسعة أشهر مرت على إعلان الأمين العام لحزب الله، حسن نصر الله، انخراط الحزب في حرب غزة، من خلال فتح جبهة جنوب لبنان كجبهة "دعم وإسناد" لحركة حماس.
انطلقت عمليات "الدعم والإسناد" في الثامن من أكتوبر، بإطلاق حزب الله النار على أهداف إسرائيلية، وبعد التزامه وإسرائيل بقواعد الاشتباك بداية، تصاعدت وتيرة هجماتهما تدريجياً، وذلك من حيث نوعية السلاح المستخدم والعمق الجغرافي للاستهدافات.
كما وسّعت إسرائيل ميدان مواجهتها مع حزب الله متخطية تبادل قصف المواقع والبنى التحتية إلى عمليات الاغتيال، ناقلة الصراع إلى مرحلة جديدة، حيث نجحت باستهداف قادة من الحزب، عبر عمليات عسكرية وأمنية، تجاوزت حدود جنوبي لبنان إلى سوريا ومعقل الحزب في الضاحية الجنوبية لبيروت.
وأدى فتح الجبهة الجنوبية، إلى خسائر بشرية ومادية كبيرة على جانبي الحدود، وسط مخاوف لبنانية من احتمال تكبّد المزيد من الخسائر الفادحة إذا ما نفذ الجانب الإسرائيلي تهديده بشن عملية عسكرية واسعة النطاق ضد لبنان.
ومنذ الثامن من أكتوبر حتى التاسع من الشهر الحالي، سجّلت وزارة الصحة اللبنانية 1904 إصابات، من بينها 466 قتيلا، معظمهم من مسلحي حزب الله، أما عدد النازحين فبلغ 96829 شخصاً.
وفيما يتعلق بالأضرار المادية، نقلت "الدولية للمعلومات" عن المجلس الوطني للبحوث العلمية، أن الأراضي الزراعية المحروقة في لبنان، بلغت حتى الثامن من الشهر الحالي، 17 مليون متر مربع، بالإضافة إلى الخسائر الناتجة عن عدم تمكن المزارعين من زراعة أراضيهم، لا سيما التبغ والقمح.
كما تضرر 1,880 منزلاً بشكل كلي، و1,500 منزل بشكل كبير، و5,600 منزل بأضرار طفيفة، أما المؤسسات التجارية والصناعية، فقد تضرر منها 220 مؤسسة.
وفي كلمة ألقاها نصر الله، الأربعاء، أكد أن حزب الله ماضٍ في معركته حتى تتوقف الحرب في غزة، مؤكداً أن التزامه بمعركة "طوفان الأقصى" كان حاسماً ونهائياً منذ اليوم الأول. واعتبر أن أهداف معركته "تتحقق يوماً بعد يوم"، وأن الإسرائيلي "يقر بذلك من خلال استنزافه وجيشه على كل الصعد". لكن السؤال هل نجحت جبهة جنوب لبنان في دعم وإسناد غزة؟
بين التأثير.. واللاواقعية
"تُقيّم الحرب بنتائجها، وهي تُعرّف بأنها ممارسة للسياسة بوسائل أخرى"، كما يشدد الخبير العسكري والاستراتيجي اللبناني، العميد المتقاعد، ناجي ملاعب، مشيراً إلى أن اللجوء إلى الحرب يصبح أمراً لا مفر منه عندما تغلق الأفق السياسية"، معتبراً أن "القضية الفلسطينية وشعب غزة المحاصر هما مثال حيّ على ذلك".
في غزة، يعاني الفلسطينيون من الحصار الإسرائيلي المطبق "مما دفعهم إلى هجوم السابع من أكتوبر، الذي رغم أنه أدى إلى تدمير غزة، إلا أن من نتائجه أنه نجح في إعادة القضية الفلسطينية إلى الواجهة، لا سيما بين الشباب الجامعي في الدول الداعمة لإسرائيل، كما أثّر على نتائج الانتخابات الفرنسية".
في الصراع الحالي بين حماس وإسرائيل، لعب حزب الله، المدعوم من إيران بحسب ما يقوله ملاعب لموقع "الحرة" "دوراً مؤثراً بفتحه جبهة الجنوب، حيث أجبر إسرائيل على تعزيز دفاعاتها الجوية والقبة الحديدية في شمالها واستدعاء فرقتين للقتال، أي أنه خفف الضغط عن غزة وأضاف عبئاً على إسرائيل".
ومن نتائج فتح حزب الله لجبهة جنوب لبنان كما يرى ملاعب أنها "أدت إلى تغيير واضح في الاستراتيجيات الإسرائيلية، حيث أصبحت الجبهة الشمالية لها أولوية قصوى، ما قد يضطرها للجلوس على طاولة المفاوضات والقبول بالحل الأميركي الشامل في المنطقة. هذا الحل، بحسب الرؤية الأميركية، يهدف إلى دمج إسرائيل في المنطقة كدولة تعيش بسلام مع جيرانها".
ويشير ملاعب إلى أن "زيارات وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، للرياض ومصر والأردن ورام الله، تأتي في إطار جهود تطبيع العلاقات بين السعودية وإسرائيل، والتي كانت قريبة من التحقق. لكن من نتائج الحرب الحالية أيضاً أن الجلوس على طاولة المفاوضات في المستقبل أصبح مستحيلاً دون الاعتراف بالحقوق الوطنية الفلسطينية. ما يعزز ضمان أمن إسرائيل وأمن الدول العربية المحيطة بها في حال الاعتراف بدولة فلسطينية، وذلك ضمن الحل الأميركي المقبول في المنطقة عربياً".
من جانبه يعتبر رئيس مركز الشرق الأوسط للدراسات والعلاقات العامة، العميد الركن المتقاعد، الدكتور هشام جابر، أن "حزب الله نجح إلى حد ما في أن يكون جبهة مساندة عسكرية"، موضحاً أن "تجميد الجيش الإسرائيلي لعدد من فرق قواته على الحدود اللبنانية قلل من عدد القوات المتاحة لعملياته في غزة، مما خفف من الضغط على القطاع".
ورغم ذلك ما يزال الجيش الإسرائيلي كما يقول جابر لموقع "الحرة" "يمتلك عدداً كبيراً من القوات في غزة التي تعد منطقة صغيرة نسبياً من حيث مساحتها".
أما الباحث في الشأن السياسي، نضال السبع، فيعتبر أن "جبهة الجنوب اللبناني كانت الأكثر تأثيراً على الإسرائيليين مقارنة بالجبهات الأخرى"، شارحاً "أطلقت الجبهة العراقية بعض الصواريخ ثم توقفت، بينما الجبهة اليمنية لم تحدث تأثيراً باعتراضها السفن في البحر الأحمر. في المقابل، نتيجة القرب الجغرافي لوجود حزب الله من إسرائيل، كان له تأثيراً أكبر".
ومع ذلك، يشدد السبع في حديث مع موقع "الحرة" على أن "تدخل حزب الله في المعارك لم يؤدِ إلى وقف الحرب على غزة"، حيث "استكملت إسرائيل مشروعها هناك بغض النظر عن اشتعال الجبهات الأخرى ومدى تأثيرها".
ويرى السبع أن المعركة الحالية التي بدأها حزب الله في 8 أكتوبر تختلف عن حرب يوليو 2006، موضحاً أنه "في حرب يوليو كان هناك تحضير أفضل للحزب مع حلفائه خاصة إيران، فهو قبل خوض أي معركة أو حرب وتعريض لبنان لتدمير واسع، يستشير حلفاءه لضمان تعويض المتضررين، ولكن في المعركة الأخيرة، وبعد مفاجأة قائد حركة حماس في غزة، يحيى السنوار لحلفائه، اندفعت الأطراف إلى المشاركة والمساندة دون تحضير أو معرفة فيما إن كان سيتم تأمين تعويضات إعادة الإعمار".
لكن الباحث والكاتب السياسي اللبناني، مكرم رباح، يشدد على أن "أي حديث عن نجاح جبهة جنوب لبنان في مساندة غزة هو غير واقعي وغير صادق".
ويشير رباح في حديث مع موقع "الحرة" إلى أن "فتح هذه الجبهة لم يؤدي إلا إلى زيادة معاناة اللبنانيين والفلسطينيين بتعريضهم للمزيد من القتل وسفك الدماء، بعد إعطاء إسرائيل ذريعة قانونية للدفاع عن نفسها، كما هو الحال في حرب يوليو 2006 رغم أن حسن نصر الله ادعى حينها أن إسرائيل هي من ابتدأت الحرب".
دعم "رسمي".. وانقسام
يدفع لبنان ثمناً باهظاً نتيجة فتح حزب الله لجبهة الجنوب، بحسب ما يقوله ملاعب "سواء على صعيد الدمار أو القتلى أو النازحين" مشيراً إلى "المساعي الأميركية بالتعاون مع فرنسا، لإعادة النازحين على جهتي الحدود".
كما يشير السبع إلى أن "الجنوب اللبناني تعرض لعملية تدمير كبيرة جداً، كما تعرضت المناطق الإسرائيلية في الشمال للتدمير والتهجير. وهذا يمثل مشكلة للإسرائيليين الذين يسعون الآن لتطبيق القرار 1701 والتوصل إلى تسوية قبل العام الدراسي القادم".
وعن انعكاس المعارك على علاقة حزب الله مع الأطراف اللبنانية يعلّق السبع "منذ تأسيس لبنان عام 1926 كان منقسماً بين محورين فيما يتعلق بالموقف من إسرائيل، ولم تختلف الخريطة السياسية منذ ذلك الحين، لاسيما عامي 1943 تاريخ استقلاله و1982 تاريخ الاجتياح الإسرائيلي له، واليوم لا يزال المحورين على موقفهما".
كذلك يرى جابر أن فتح جبهة جنوب لبنان أدى إلى "حرب استنزاف على مدى تسعة أشهر"، مشيراً إلى وجود "انقسام في الرأي داخل لبنان حول ضرورة فتح حزب الله لهذه الجبهة، وهو ما تستغله إسرائيل في إطار الحرب النفسية".
"تبنت الحكومة في عهد رئيسها، نجيب ميقاتي، النهج نفسه الذي تبنته الحكومات المتعاقبة منذ عام 2005 بتغطية حزب الله سياسياً ورفع شعار (شعب جيش مقاومة)"، وفقاً لما يقوله السبع، "فيما يحول عدم انتخاب رئيس جمهورية للبنان، دون الدفع إلى حوار وطني داخلي لتحديد المسؤوليات والخطوات المناسبة للتعامل مع الأحداث في الجنوب اللبناني".
لكن ما يقوم به حزب الله يؤكد بحسب رباح أنه "هو من يسيطر على الدولة اللبنانية، وأن قرار الحرب والسلم بيده".
وبسبب ما يقوم به حزب الله أصبح المجتمع الدولي ينظر إلى لبنان وفقاً لما يقوله رباح "كمنصة إطلاق صواريخ لإيران، وليس كدولة ذات سيادة، ولذلك تنطلق المحادثات الدولية المتعلقة بهذا البلد من مفهوم أن حزب الله يحتجز لبنان كرهينة" محذراً من "محاولات إيران استغلال الدماء العربية في أي صفقة مستقبلية".
وعلى عكس رباح يعتبر جابر أن المجتمع الدولي "يتفهم ما أقدم عليه حزب الله، نظراً لتضامن محور الممانعة الذي لا يقتصر على لبنان فحسب، بل يشمل أيضاً العراق والحوثيين في اليمن".
في السلم كما في الحرب؟
بعد استئناف المفاوضات الرامية إلى وقف الحرب في غزة وإطلاق سراح الرهائن المحتجزين في القطاع، يطرح السؤال فيما إن كان وقف إطلاق النار سينسحب على جبهة جنوب لبنان، عن ذلك يجيب السبع بالإشارة إلى زيارة المبعوث الأميركي، عاموس هوكستين، إلى لبنان مؤخراً، حيث "نقل إلى رئيس مجلس النواب، نبيه بري، بأن الإسرائيليين يعتزمون حسم المعركة في رفح خلال أسبوعين إلى ثلاثة، وإذا لم يتم التوصل إلى اتفاق سياسي، فإن الولايات المتحدة لا تضمن عدم شن إسرائيل حرباً واسعة على جنوب لبنان".
بعد وصول هذه الرسالة، تصاعد الحديث الإسرائيلي وفقاً لما يقوله السبع "عن نية شنّها حرباً واسعة. ولكن يبدو أن رسائل أميركية جديدة وصلت إلى لبنان، مفادها أن الأمور تحت السيطرة، وأن هناك حرص على عدم اتساع نطاق العمليات العسكرية في الجنوب، مما أدى إلى تراجع التهديدات والحديث عن قرب التوصل إلى اتفاق".
كما يرى جابر أن وقف إطلاق النار في غزة سيمتد إلى جبهة جنوب لبنان، قائلاً "أعلن حزب الله ذلك بوضوح، وهو أنه لن يطلق أي صاروخ على شمال إسرائيل إلا إذا استمرت الأخيرة في ذلك (القصف)"، مشدداً على أن "الحزب ملتزم بعدم فتح حرب شاملة، حيث إنه لا يرغب في أن يكون المبادر ببدئها".
وفي حال توقفت الحرب في غزة، توقع جابر أن "يعود حزب الله إلى قواعد الاشتباك الأساسية، بما في ذلك قصف مزارع شبعا وتلال كفرشوبا، التي يعتبرها أراض لبنانية محتلة".
وكذلك يشير ملاعب إلى أن حزب الله التزم سابقاً بوقف إطلاق النار عقب التهدئة المؤقتة في غزة، ولكن الأمر الآن مرهون كما يقول "أولاً بموافقة حماس على ذلك، ومن ثم إسرائيل التي تفصل بين جبهتي غزة وجنوب لبنان، وإن كان حزب الله يربط بينهما"، من دون أن يستبعد أن تشن إسرائيل حرباً واسعة على لبنان "رغم إدراكها أن حزب الله اكتسب خبرات جديدة في التعامل مع أسلحتها، وبأنه يحتفظ بعدد كبير من الصواريخ البعيدة المدى التي تطال الداخل الإسرائيلي وليس فقط على عمق 10 أو 30 كيلومتراً".
لكن لرباح رأي آخر، حيث يقول "مخطئ من يعتقد أن وقف إطلاق النار في غزة سينسحب على لبنان. إسرائيل لا تتعامل مع الموضوع من هذا المنظور، بل تعتبر أن حزب الله يشكّل خطراً مستمراً على جبهتها الشمالية وأن استمراره بالتسلح في لبنان وسوريا سيحول دون استقرار هذين البلدين".
وكان وزير الدفاع الإسرائيلي، يوآف غالانت، أكد قبل أيام خلال لقائه جنوداً في جبل حرمون أنه، حتى لو تم التوصل إلى "اتفاق لإطلاق سراح المخطوفين... في الجنوب، فإن هذا لا يشمل ما يحدث هنا في الشمال إلا في حال توصل حزب الله إلى تسوية".
واندلعت الحرب في قطاع غزة، إثر هجوم حماس غير المسبوق على مواقع ومناطق إسرائيلية في السابع من أكتوبر، مما أسفر عن مقتل 1200 شخص، معظمهم مدنيون، وبينهم نساء وأطفال، وفق السلطات الإسرائيلية.
وخلال الهجوم، اختطفت حماس 251 رهينة، ما زال 116 منهم محتجزين في غزة، بينهم 42 يقول الجيش الإسرائيلي إنهم لقوا حتفهم.
وردا على الهجوم، تعهدت إسرائيل بـ"القضاء على حماس"، وتنفذ منذ ذلك الحين حملة قصف أُتبعت بعمليات برية منذ 27 أكتوبر، أسفرت عن مقتل أكثر من 38 ألف فلسطيني، معظمهم نساء وأطفال، وفق ما أعلنته السلطات الصحية بالقطاع.