جنوب لبنان
لبنان تأثر من المواجهات بين إسرائيل وحزب الله - تعبيرية

أكثر من تسعة أشهر مرت على إعلان الأمين العام لحزب الله، حسن نصر الله، انخراط الحزب في حرب غزة، من خلال فتح جبهة جنوب لبنان كجبهة "دعم وإسناد" لحركة حماس.

انطلقت عمليات "الدعم والإسناد" في الثامن من أكتوبر، بإطلاق حزب الله النار على أهداف إسرائيلية، وبعد التزامه وإسرائيل بقواعد الاشتباك بداية، تصاعدت وتيرة هجماتهما تدريجياً، وذلك من حيث نوعية السلاح المستخدم والعمق الجغرافي للاستهدافات.

كما وسّعت إسرائيل ميدان مواجهتها مع حزب الله متخطية تبادل قصف المواقع والبنى التحتية إلى عمليات الاغتيال، ناقلة الصراع إلى مرحلة جديدة، حيث نجحت باستهداف قادة من الحزب، عبر عمليات عسكرية وأمنية، تجاوزت حدود جنوبي لبنان إلى سوريا ومعقل الحزب في الضاحية الجنوبية لبيروت.

وأدى فتح الجبهة الجنوبية، إلى خسائر بشرية ومادية كبيرة على جانبي الحدود، وسط مخاوف لبنانية من احتمال تكبّد المزيد من الخسائر الفادحة إذا ما نفذ الجانب الإسرائيلي تهديده بشن عملية عسكرية واسعة النطاق ضد لبنان.

ومنذ الثامن من أكتوبر حتى التاسع من الشهر الحالي، سجّلت وزارة الصحة اللبنانية 1904 إصابات، من بينها 466 قتيلا، معظمهم من مسلحي حزب الله، أما عدد النازحين فبلغ 96829 شخصاً.

وفيما يتعلق بالأضرار المادية، نقلت "الدولية للمعلومات" عن المجلس الوطني للبحوث العلمية، أن الأراضي الزراعية المحروقة في لبنان، بلغت حتى الثامن من الشهر الحالي، 17 مليون متر مربع، بالإضافة إلى الخسائر الناتجة عن عدم تمكن المزارعين من زراعة أراضيهم، لا سيما التبغ والقمح.

كما تضرر 1,880 منزلاً بشكل كلي، و1,500 منزل بشكل كبير، و5,600 منزل بأضرار طفيفة، أما المؤسسات التجارية والصناعية، فقد تضرر منها 220 مؤسسة.

وفي كلمة ألقاها نصر الله، الأربعاء، أكد أن حزب الله ماضٍ في معركته حتى تتوقف الحرب في غزة، مؤكداً أن التزامه بمعركة "طوفان الأقصى" كان حاسماً ونهائياً منذ اليوم الأول. واعتبر أن أهداف معركته "تتحقق يوماً بعد يوم"، وأن الإسرائيلي "يقر بذلك من خلال استنزافه وجيشه على كل الصعد". لكن السؤال هل نجحت جبهة جنوب لبنان في دعم وإسناد غزة؟

بين التأثير.. واللاواقعية

"تُقيّم الحرب بنتائجها، وهي تُعرّف بأنها ممارسة للسياسة بوسائل أخرى"، كما يشدد الخبير العسكري والاستراتيجي اللبناني، العميد المتقاعد، ناجي ملاعب، مشيراً إلى أن اللجوء إلى الحرب يصبح أمراً لا مفر منه عندما تغلق الأفق السياسية"، معتبراً أن "القضية الفلسطينية وشعب غزة المحاصر هما مثال حيّ على ذلك".

في غزة، يعاني الفلسطينيون من الحصار الإسرائيلي المطبق "مما دفعهم إلى هجوم السابع من أكتوبر، الذي رغم أنه أدى إلى تدمير غزة، إلا أن من نتائجه أنه نجح في إعادة القضية الفلسطينية إلى الواجهة، لا سيما بين الشباب الجامعي في الدول الداعمة لإسرائيل، كما أثّر على نتائج الانتخابات الفرنسية".

في الصراع الحالي بين حماس وإسرائيل، لعب حزب الله، المدعوم من إيران بحسب ما يقوله ملاعب لموقع "الحرة" "دوراً مؤثراً بفتحه جبهة الجنوب، حيث أجبر إسرائيل على تعزيز دفاعاتها الجوية والقبة الحديدية في شمالها واستدعاء فرقتين للقتال، أي أنه خفف الضغط عن غزة وأضاف عبئاً على إسرائيل".

ومن نتائج فتح حزب الله لجبهة جنوب لبنان كما يرى ملاعب أنها "أدت إلى تغيير واضح في الاستراتيجيات الإسرائيلية، حيث أصبحت الجبهة الشمالية لها أولوية قصوى، ما قد يضطرها للجلوس على طاولة المفاوضات والقبول بالحل الأميركي الشامل في المنطقة. هذا الحل، بحسب الرؤية الأميركية، يهدف إلى دمج إسرائيل في المنطقة كدولة تعيش بسلام مع جيرانها".

ويشير ملاعب إلى أن "زيارات وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، للرياض ومصر والأردن ورام الله، تأتي في إطار جهود تطبيع العلاقات بين السعودية وإسرائيل، والتي كانت قريبة من التحقق. لكن من نتائج الحرب الحالية أيضاً أن الجلوس على طاولة المفاوضات في المستقبل أصبح مستحيلاً دون الاعتراف بالحقوق الوطنية الفلسطينية. ما يعزز ضمان أمن إسرائيل وأمن الدول العربية المحيطة بها في حال الاعتراف بدولة فلسطينية، وذلك ضمن الحل الأميركي المقبول في المنطقة عربياً".

من جانبه يعتبر رئيس مركز الشرق الأوسط للدراسات والعلاقات العامة، العميد الركن المتقاعد، الدكتور هشام جابر، أن "حزب الله نجح إلى حد ما في أن يكون جبهة مساندة عسكرية"، موضحاً أن "تجميد الجيش الإسرائيلي لعدد من فرق قواته على الحدود اللبنانية قلل من عدد القوات المتاحة لعملياته في غزة، مما خفف من الضغط على القطاع".

ورغم ذلك ما يزال الجيش الإسرائيلي كما يقول جابر لموقع "الحرة" "يمتلك عدداً كبيراً من القوات في غزة التي تعد منطقة صغيرة نسبياً من حيث مساحتها".

أما الباحث في الشأن السياسي، نضال السبع، فيعتبر أن "جبهة الجنوب اللبناني كانت الأكثر تأثيراً على الإسرائيليين مقارنة بالجبهات الأخرى"، شارحاً "أطلقت الجبهة العراقية بعض الصواريخ ثم توقفت، بينما الجبهة اليمنية لم تحدث تأثيراً باعتراضها السفن في البحر الأحمر. في المقابل، نتيجة القرب الجغرافي لوجود حزب الله من إسرائيل، كان له تأثيراً أكبر".

ومع ذلك، يشدد السبع في حديث مع موقع "الحرة" على أن "تدخل حزب الله في المعارك لم يؤدِ إلى وقف الحرب على غزة"، حيث "استكملت إسرائيل مشروعها هناك بغض النظر عن اشتعال الجبهات الأخرى ومدى تأثيرها".

ويرى السبع أن المعركة الحالية التي بدأها حزب الله في 8 أكتوبر تختلف عن حرب يوليو 2006، موضحاً أنه "في حرب يوليو كان هناك تحضير أفضل للحزب مع حلفائه خاصة إيران، فهو قبل خوض أي معركة أو حرب وتعريض لبنان لتدمير واسع، يستشير حلفاءه لضمان تعويض المتضررين، ولكن في المعركة الأخيرة، وبعد مفاجأة قائد حركة حماس في غزة، يحيى السنوار لحلفائه، اندفعت الأطراف إلى المشاركة والمساندة دون تحضير أو معرفة فيما إن كان سيتم تأمين تعويضات إعادة الإعمار". 

لكن الباحث والكاتب السياسي اللبناني، مكرم رباح، يشدد على أن "أي حديث عن نجاح جبهة جنوب لبنان في مساندة غزة هو غير واقعي وغير صادق".

ويشير رباح في حديث مع موقع "الحرة" إلى أن "فتح هذه الجبهة لم يؤدي إلا إلى زيادة معاناة اللبنانيين والفلسطينيين بتعريضهم للمزيد من القتل وسفك الدماء، بعد إعطاء إسرائيل ذريعة قانونية للدفاع عن نفسها، كما هو الحال في حرب يوليو 2006 رغم أن حسن نصر الله ادعى حينها أن إسرائيل هي من ابتدأت الحرب".

دعم "رسمي".. وانقسام 

يدفع لبنان ثمناً باهظاً نتيجة فتح حزب الله لجبهة الجنوب، بحسب ما يقوله ملاعب "سواء على صعيد الدمار أو القتلى أو النازحين" مشيراً إلى "المساعي الأميركية بالتعاون مع فرنسا، لإعادة النازحين على جهتي الحدود".

كما يشير السبع إلى أن "الجنوب اللبناني تعرض لعملية تدمير كبيرة جداً، كما تعرضت المناطق الإسرائيلية في الشمال للتدمير والتهجير. وهذا يمثل مشكلة للإسرائيليين الذين يسعون الآن لتطبيق القرار 1701 والتوصل إلى تسوية قبل العام الدراسي القادم".

وعن انعكاس المعارك على علاقة حزب الله مع الأطراف اللبنانية يعلّق السبع "منذ تأسيس لبنان عام 1926 كان منقسماً بين محورين فيما يتعلق بالموقف من إسرائيل، ولم تختلف الخريطة السياسية منذ ذلك الحين، لاسيما عامي 1943 تاريخ استقلاله و1982 تاريخ الاجتياح الإسرائيلي له، واليوم لا يزال المحورين على موقفهما".

كذلك يرى جابر أن فتح جبهة جنوب لبنان أدى إلى "حرب استنزاف على مدى تسعة أشهر"، مشيراً إلى وجود "انقسام في الرأي داخل لبنان حول ضرورة فتح حزب الله لهذه الجبهة، وهو ما تستغله إسرائيل في إطار الحرب النفسية".

"تبنت الحكومة في عهد رئيسها، نجيب ميقاتي، النهج نفسه الذي تبنته الحكومات المتعاقبة منذ عام 2005 بتغطية حزب الله سياسياً ورفع شعار (شعب جيش مقاومة)"، وفقاً لما يقوله السبع، "فيما يحول عدم انتخاب رئيس جمهورية للبنان، دون الدفع إلى حوار وطني داخلي لتحديد المسؤوليات والخطوات المناسبة للتعامل مع الأحداث في الجنوب اللبناني".

لكن ما يقوم به حزب الله يؤكد بحسب رباح أنه "هو من يسيطر على الدولة اللبنانية، وأن قرار الحرب والسلم بيده".

وبسبب ما يقوم به حزب الله أصبح المجتمع الدولي ينظر إلى لبنان وفقاً لما يقوله رباح "كمنصة إطلاق صواريخ لإيران، وليس كدولة ذات سيادة، ولذلك تنطلق المحادثات الدولية المتعلقة بهذا البلد من مفهوم أن حزب الله يحتجز لبنان كرهينة" محذراً من "محاولات إيران استغلال الدماء العربية في أي صفقة مستقبلية". 

وعلى عكس رباح يعتبر جابر أن المجتمع الدولي "يتفهم ما أقدم عليه حزب الله، نظراً لتضامن محور الممانعة الذي لا يقتصر على لبنان فحسب، بل يشمل أيضاً العراق والحوثيين في اليمن".

في السلم كما في الحرب؟

بعد استئناف المفاوضات الرامية إلى وقف الحرب في غزة وإطلاق سراح الرهائن المحتجزين في القطاع، يطرح السؤال فيما إن كان وقف إطلاق النار سينسحب على جبهة جنوب لبنان، عن ذلك يجيب السبع بالإشارة إلى زيارة المبعوث الأميركي، عاموس هوكستين، إلى لبنان مؤخراً، حيث "نقل إلى رئيس مجلس النواب، نبيه بري، بأن الإسرائيليين يعتزمون حسم المعركة في رفح خلال أسبوعين إلى ثلاثة، وإذا لم يتم التوصل إلى اتفاق سياسي، فإن الولايات المتحدة لا تضمن عدم شن إسرائيل حرباً واسعة على جنوب لبنان".

بعد وصول هذه الرسالة، تصاعد الحديث الإسرائيلي وفقاً لما يقوله السبع "عن نية شنّها حرباً واسعة. ولكن يبدو أن رسائل أميركية جديدة وصلت إلى لبنان، مفادها أن الأمور تحت السيطرة، وأن هناك حرص على عدم اتساع نطاق العمليات العسكرية في الجنوب، مما أدى إلى تراجع التهديدات والحديث عن قرب التوصل إلى اتفاق".

كما يرى جابر أن وقف إطلاق النار في غزة سيمتد إلى جبهة جنوب لبنان، قائلاً "أعلن حزب الله ذلك بوضوح، وهو أنه لن يطلق أي صاروخ على شمال إسرائيل إلا إذا استمرت الأخيرة في ذلك (القصف)"، مشدداً على أن "الحزب ملتزم بعدم فتح حرب شاملة، حيث إنه لا يرغب في أن يكون المبادر ببدئها".

وفي حال توقفت الحرب في غزة، توقع جابر أن "يعود حزب الله إلى قواعد الاشتباك الأساسية، بما في ذلك قصف مزارع شبعا وتلال كفرشوبا، التي يعتبرها أراض لبنانية محتلة".

وكذلك يشير ملاعب إلى أن حزب الله التزم سابقاً بوقف إطلاق النار عقب التهدئة المؤقتة في غزة، ولكن الأمر الآن مرهون كما يقول "أولاً بموافقة حماس على ذلك، ومن ثم إسرائيل التي تفصل بين جبهتي غزة وجنوب لبنان، وإن كان حزب الله يربط بينهما"، من دون أن يستبعد أن تشن إسرائيل حرباً واسعة على لبنان "رغم إدراكها أن حزب الله اكتسب خبرات جديدة في التعامل مع أسلحتها، وبأنه يحتفظ بعدد كبير من الصواريخ البعيدة المدى التي تطال الداخل الإسرائيلي وليس فقط على عمق 10 أو 30 كيلومتراً".

لكن لرباح رأي آخر، حيث يقول "مخطئ من يعتقد أن وقف إطلاق النار في غزة سينسحب على لبنان. إسرائيل لا تتعامل مع الموضوع من هذا المنظور، بل تعتبر أن حزب الله يشكّل خطراً مستمراً على جبهتها الشمالية وأن استمراره بالتسلح في لبنان وسوريا سيحول دون استقرار هذين البلدين".

وكان وزير الدفاع الإسرائيلي، يوآف غالانت، أكد قبل أيام خلال لقائه جنوداً في جبل حرمون أنه، حتى لو تم التوصل إلى "اتفاق لإطلاق سراح المخطوفين... في الجنوب، فإن هذا لا يشمل ما يحدث هنا في الشمال إلا في حال توصل حزب الله إلى تسوية".

واندلعت الحرب في قطاع غزة، إثر هجوم حماس غير المسبوق على مواقع ومناطق إسرائيلية في السابع من أكتوبر، مما أسفر عن مقتل 1200 شخص، معظمهم مدنيون، وبينهم نساء وأطفال، وفق السلطات الإسرائيلية.

وخلال الهجوم، اختطفت حماس 251 رهينة، ما زال 116 منهم محتجزين في غزة، بينهم 42 يقول الجيش الإسرائيلي إنهم لقوا حتفهم.

وردا على الهجوم، تعهدت إسرائيل بـ"القضاء على حماس"، وتنفذ منذ ذلك الحين حملة قصف أُتبعت بعمليات برية منذ 27 أكتوبر، أسفرت عن مقتل أكثر من 38 ألف فلسطيني، معظمهم نساء وأطفال، وفق ما أعلنته السلطات الصحية بالقطاع.

حزب الله

عادت "جمعية القرض الحسن"، الذراع المالي لحزب الله، إلى الواجهة مجددا مع تداول تقارير إعلامية تشير إلى جهود أميركية لإضعاف الحزب ماليا.

الجمعية، التي كانت تدير أكثر من 30 فرعا في مختلف المناطق اللبنانية قبل آخر حرب مع إسرائيل، تثير جدلا واسعا بشأن دورها في تمويل الحزب. 

وتحاصر الجمعية التي تقدم نفسها كمؤسسة خدمات مالية تشمل قروضا دون فوائد مقابل رهونات، اتهامات بتبييض الأموال لتمويل أنشطة حزب الله.

ويزداد الجدل تعقيدا في ظل غياب الرقابة الرسمية التي يفترض أن يقوم بها مصرف لبنان على أنشط "القرض الحسن" المالية.

ومع تصاعد الضغوط الدولية على لبنان لسحب سلاح حزب الله وإغلاق قنوات تمويله، ومع ربط المساعدات الدولية وإعادة الإعمار بتنفيذ إصلاحات مالية واقتصادية، يتساءل كثير من اللبنانيين حول تأثير استمرار عمل "القرض الحسن" على مسار التعافي الاقتصادي في البلاد. 

فهل تستطيع الدولة اللبنانية اتخاذ خطوات حاسمة لإغلاق هذه "المؤسسة المالية" المخالفة لقانون النقد والتسليف؟

تجاوز الترخيص

تأسست جمعية "القرض الحسن" عام 1982 بموجب ترخيص "علم وخبر" صادر عن وزارة الداخلية اللبنانية، وفقاً للخبير الاستراتيجي في المخاطر المصرفية والاقتصادية، الدكتور محمد فحيلي. 

يوضح فحيلي أن "هذا الترخيص يتيح للجمعية تقديم قروض ذات طابع اجتماعي. وفي البداية، افتتحت الجمعية مكاتبها داخل عدد من المصارف اللبنانية في مناطق نفوذ حزب الله، حيث بدأت بمنح قروض صغيرة جداً تتراوح قيمتها بين 100 و3000 دولار".

ومع مرور الوقت، وسّعت الجمعية نطاق خدماتها لتتجاوز حدود الترخيص الممنوح لها، كما يقول فحيلي لموقع "الحرة".

"أصبحت تقدم خدمات مالية مشابهة للخدمات المصرفية، مثل استقبال الودائع ومنح القروض وإصدار بطاقات الدفع البلاستيكية، إضافة إلى توفير الصرافات الآلية. هذه التجاوزات تمت نتيجة غياب الرقابة من قبل السلطة المعنية، وهي وزارة الداخلية التي منحتها الترخيص".

بدوره، يؤكد الصحفي الاقتصادي، خالد أبو شقرا، أن الجمعية تحولت تدريجياً إلى ما يشبه المصرف غير المرخص، لا سيما بعد تركيب أجهزة الصراف الآلي وتقديم قروض بمبالغ كبيرة سنوياً، بالإضافة إلى استقبال الودائع النقدية والذهبية ودفع أرباح عليها.

ويشدد أبو شقرا في حديث لموقع "الحرة" على أن نشاط "القرض الحسن يمثل مخالفة واضحة لقانون النقد والتسليف اللبناني". ويلفت إلى أن جميع المسؤولين في الجمعية منتمون إلى حزب الله ويخضعون لعقوبات أميركية مفروضة من وزارة الخزانة ومكتب مراقبة الأصول الأجنبية".

ويرى الكاتب والمحلل السياسي، الدكتور مكرم رباح، في حديث لموقع "الحرة" أن "القرض الحسن لا يُعد عقبة بحد ذاته أمام مسار الإصلاح، بل يمثل اختباراً لمدى جدية الدولة اللبنانية في التعامل مع ملف سلاح حزب الله". ويشير رباح إلى أن "القرض الحسن هو سلاح مالي يُدار خارج إطار الدولة".

وتنص المادة 200 من قانون النقد والتسليف على تجريم أي شخص أو مؤسسة تمارس عمليات التسليف دون ترخيص من مصرف لبنان، فيما تلزم المادة 206 بملاحقة المخالفين أمام المحاكم الجزائية.

وفرضت وزارة الخزانة الأميركية عقوبات على "القرض الحسن" عام 2007، وأعقبتها بعقوبات إضافية في 2021 طالت ستة من موظفيه. وقد اتُهم هؤلاء باستخدام حسابات شخصية في مصارف لبنانية لتحويل أكثر من 500 مليون دولار إلى الجمعية، مما أتاح لها الوصول إلى النظام المالي الدولي.

وفي سياق متصل، سبق أن وصف المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي أفيخاي أدرعي في تغريدة عبر منصة "إكس"، الجمعية بـ"المصرف الأسود لحزب الله"، مشيراً إلى أنها تُستخدم كقناة خلفية لتبييض الأموال الناتجة عن تجارة المخدرات التي يديرها الحزب، ويمتد نشاطها إلى أميركا اللاتينية.

وفي حديث سابق لموقع "غلوبس" الإسرائيلي، أشار خبير الحرب المالية، عوزي شايع، إلى أن "القرض الحسن" يمثل الخزينة المالية لحزب الله، حيث تُدار من خلاله الحسابات المالية للمنظمة، فضلاً عن تمويل الأنشطة التجارية والخيرية.

خطر مزدوج

يشير تقرير لمنظمة الدفاع عن الديمقراطيات إلى أن "كبار ممولي حزب الله امتلكوا حسابات في القرض الحسن، واستخدم موظفو الجمعية حسابات شخصية في المصارف اللبنانية الكبرى لتنفيذ معاملات نيابة عن الجمعية، مما أتاح لها الوصول إلى النظام المصرفي اللبناني"، 

وأوضحت المنظمة، في التقرير الذي حمل عنوان "القرض الحسن التابع لحزب الله والقطاع المصرفي في لبنان،" أن وزارة الخزانة الأميركية فرضت عام 2019 عقوبات على "بنك جمال تراست" لتورطه في تسهيل وصول "القرض الحسن" إلى القطاع المصرفي، "وهو ما كان أحد الأسباب الرئيسية وراء فرض تلك العقوبات"، وعقب ذلك تقدم المصرف بطلب إلى مصرف لبنان للحصول على الموافقة لتصفيته، وهو ما تم بالفعل.

وفي ديسمبر 2020، تمكنت مجموعة من القراصنة الإلكترونيين تدعى "Spiderz" من اختراق حسابات جمعية "القرض الحسن"، و"نشرت معلومات تتعلق بنحو 400 ألف حساب مرتبط بالجمعية، تضمّنت أسماء شخصيات بارزة في حزب الله. 

ومن بين تلك الشخصيات قائد قوة الرضوان الذي اغتالته إسرائيل وسام الطويل، وإبراهيم علي ضاهر، رئيس الوحدة المالية للحزب، وحتى المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي" وفقا لما نشره موقع "غلوبس".

وعقب هذا الاختراق، أصدرت بعض المصارف اللبنانية بيانات نفت فيها وجود حسابات رسمية باسم "القرض الحسن"، بحسب ما أشارت إليه "منظمة الدفاع عن الديمقراطيات".

وأوضحت أنه "رغم صحة هذه البيانات من الناحية القانونية، إذ لا توجد حسابات مسجلة باسم الجمعية، إلا أن الوثائق المسربة كشفت أن مسؤولي الجمعية استخدموا حساباتهم الشخصية لإجراء معاملات نيابة عنها".

وفي إطار الجهود الأميركية لمساعدة لبنان على تجاوز أزمته الاقتصادية، حملت مورغان أورتاغوس، نائبة المبعوث الأميركي إلى الشرق الأوسط، خلال زيارتها إلى بيروت في أبريل الماضي، رسائل متعددة تضمنت التركيز على ملف الإصلاحات الاقتصادية والمالية إلى جانب الشق الأمني المتعلق بنزع سلاح حزب الله.

وفي هذا السياق، يقول فحيلي أن "الولايات المتحدة تعتبر جمعية القرض الحسن إحدى الأذرع المالية لحزب الله. لكن إذا طبّق لبنان القرار 1701 بشكل صارم، فإن الجمعية ستصبح مجرد تفصيل صغير، في حال فرضت وزارة الداخلية حدوداً واضحة على أنشطتها ضمن إطار الترخيص الممنوح لها، فلن تشكل خطراً على مستوى تبييض الأموال أو تمويل الإرهاب".

"سلاح" يجب ضبطه

خلال زيارة وفد مجموعة العمل المالي إلى لبنان، شدد الوفد، وفقاً لما يقول أبو شقرا، "على ضرورة تعزيز الرقابة على المؤسسات المالية غير المرخصة والتي لا تلتزم بالأنظمة والقوانين المعمول بها. هذه المؤسسات، سواء كانت القرض الحسن أو غيرها، قد تساهم بشكل أو بآخر في عمليات تبييض الأموال وتمويل الأنشطة العسكرية، مما يستدعي فرض إجراءات رقابية صارمة للحد من هذه الأنشطة غير القانونية".

وفي ظل تجاوز الجمعية لحدود أنشطتها المسموح بها، يؤكد فحيلي أن المسؤولية تقع على عاتق السلطة اللبنانية التي تمتلك الصلاحيات لتطبيق القانون على المخالفين. ويشدد على ضرورة أن تقوم وزارة الداخلية بإبلاغ إدارة الجمعية بوضوح بحدود الترخيص وإلزامها بالالتزام به.

وبشأن إدراج لبنان على اللائحة الرمادية لمجموعة العمل المالي، نفى فحيلي وجود علاقة مباشرة بين القرار وأنشطة "القرض الحسن". 

وأوضح أن "المشكلة الأساسية تكمن في غياب الرقابة على المعاملات النقدية، خاصة بعد فقدان الثقة بالمنظومة المصرفية وابتعاد المواطنين عن استعمال وسائل الدفع المتاحة من خلال القطاع المصرفي والإفراط في استعمال الأوراق النقدية، وقرار مصرف لبنان بتجفيف السيولة بالليرة اللبنانية، والذي سمح باستبدال مبالغ نقدية كبيرة بالدولار الأميركي". 

ويضيف أن "هذا القرار، في ظل غياب الرقابة، أعطى مساحة إضافية لمن يريد تبييض الأموال. وزاد الأمور تعقيداً ظهور عدد كبير من الجمعيات المدنية، وكان معظمها غير مرخص، عقب انفجار مرفأ بيروت".

بالنسبة لمطالب صندوق النقد الدولي، يؤكد فحيلي "رغم أنه لا يتدخل في التفاصيل، فإنه بالتأكيد يهتم بأن تكون جميع المؤسسات التي تقدم خدمات مصرفية مرخصة رسميًا وتحت إشراف الجهات الرقابية الرسمية"، وأضاف قوله: "إذا كانت الحكومة اللبنانية تسعى إلى إعادة الانتظام المالي، فإن ذلك يستوجب وجود مؤسسات مرخصة من قبل مصرف لبنان وخاضعة لرقابته".

وفي السياق ذاته، يقول أبو شقرا إن "المجتمع الدولي وصندوق النقد الدولي يطالبان بمعالجة ملفات يعتبرانها أكثر إلحاحاً من ملف القرض الحسن، تشمل إصلاح القطاع المصرفي وإعادة هيكلته، واستعادة الانتظام المالي، ومعالجة الفجوة المالية، وإصلاح قطاع الطاقة، وخاصة قطاع الكهرباء، فضلاً عن إصلاح السرية المصرفية والخروج من اللائحة الرمادية المرتبطة بتبييض الأموال".

ويشير أبو شقرا إلى أنه "رغم قدرة السلطات اللبنانية على وضع حد للنشاط المالي والمصرفي لجمعية القرض الحسن، إلا أن التوازنات السياسية التي شهدتها البلاد في الفترة الماضية حالت دون التعامل الجدي مع الجمعية".

ويعتبر أبو شقرا أن "معالجة ملف القرض الحسن ترتبط أساساً بالتسوية السياسية"، وقال إن القضية لا تقتصر على الإصلاحات المالية فقط، "بل تتطلب مقاربة شاملة تأخذ في الاعتبار الأبعاد السياسية والأمنية والعسكرية".

من جانبه يدعو رباح إلى إغلاق الجمعية فوراً ومنعها من التظاهر بأي شرعية مالية، وأوضح أن "القرض الحسن، سواء كان له ارتباط مباشر بالحرس الثوري الإيراني أم لا، يظل مؤسسة غير حكومية تمارس أنشطة مالية خارج إطار القانون".