لقطة عامة لمطار بيروت
لقطة عامة لمطار بيروت

يتأهب اللبنانيون لاحتمال ضربة عسكرية إسرائيلية كبيرة رداً على الهجوم الصاروخي الذي استهدف ملعباً لكرة القدم في بلدة مجدل شمس بالجولان، السبت، الذي أسفر عن مقتل 12 فتى وفتاة وإصابة آخرين.

واتهمت إسرائيل حزب الله، المدعوم من إيران، بالمسؤولية عن الهجوم، متوعدة إياه بـ "ثمن باهظ"، فيما نفى الحزب مسؤوليته عن ذلك مهدداً برد قوي على الضربة الإسرائيلية المرتقبة.

التهديدات المتبادلة بين حزب الله وإسرائيل رفعت مستوى الخوف لدى اللبنانيين من انزلاق البلاد نحو حرب واسعة، بعد انخراط حزب الله في حرب غزة، مع إعلانه جنوب لبنان جبهة دعم وإسناد لحركة حماس بعد الهجوم الدموي الذي نفذته الأخيرة على إسرائيل في السابع من أكتوبر.

ورغم نفي حزب الله مسؤوليته عن الهجوم، واستنكار الحكومة اللبنانية استهداف المدنيين، وبذل العديد من المسؤولين الدوليين جهوداً دبلوماسية لإقناع إسرائيل بعدم التصعيد مع حزب الله، خوفاً من اندلاع حرب إقليمية واسعة النطاق، فإن المخاوف من ضربة إسرائيلية كبيرة لم تتراجع.

ورفع الجيش الإسرائيلي جاهزيته إلى "المرحلة التالية" من القتال في شمال البلاد، كما تعهد رئيس أركانه، هرتسي هاليفي، خلال جولة تفقدية في مجدل شمس، بضرب حزب الله "بصورة قاسية"، وتحقيق الأمن وإعادة السكان في الشمال إلى ديارهم.

وفوض مجلس الوزراء الأمني الإسرائيلي، الحكومة برئاسة بنيامين نتانياهو، بتحديد "طريقة وتوقيت" الرد على الهجوم الصاروخي على هضبة الجولان.

واليوم، الاثنين، أكد نتانياهو من موقع سقوط الصاروخ أن الرد الإسرائيلي "سيأتي وسيكون قاسيا"، على ما نقلت "فرانس برس".

بدء العد العكسي

تعيش ريان في حالة من القلق والترقب والحذر الشديد بسبب الأخبار المتداولة على وسائل الإعلام اللبنانية والإسرائيلية من هجوم إسرائيلي كبير ووشيك، قائلة "أتابع التطورات على مدار الساعة عبر مجموعات الواتساب، للأسف اختلطت الأخبار الحقيقية بالشائعات، ولم نعد نستطيع التمييز بينها، لكن ما بات مؤكداً أن العد العكسي لضربة إسرائيلية كبيرة قد بدأ".

وتخشى ريان أن يطال القصف العاصمة بيروت، حيث تعيش، وما يزيد من مخاوفها كما تقول لموقع "الحرة" " وجود مركز للجماعة الإسلامية بالقرب من منزلي، التي تشارك إلى جانب حزب الله في العمليات العسكرية على الجبهة الجنوبية"، مشددة "ما الذنب الذي ارتكبناه لكي نعيش كل هذه المخاوف، من فوّض حزب الله على زج بلدنا في حرب لا ناقة لنا فيها ولا جمل، وإلى متى سنبقى رهن ميليشيا عسكرية تحرّك وطننا ومستقبلنا كيفما تشاء".

وتضيف "كنا نتوقع أن تحصل الضربة في الساعات الماضية، لذلك لم أتمكن من النوم الليلة الفائتة، خاصة بعد أن ألغت بعض شركات الطيران رحلاتها، وطلبت بعض الدول من رعاياها مغادرة لبنان فوراً، فهذا كان مؤشراً كبيراً على إمكانية وقوع هجوم وشيك".

وفي ظل الظروف الصعبة والخطيرة التي يمر بها لبنان، حزمت ريان حقائبها، واضعة فيها أوراق عائلتها الثبوتية وبعضاً من ملابسها وملابس والدها وشقيقتها، وتقول "لا أعرف الوجهة التي قد نضطر للذهاب إليها، لكن بالحد الأدنى أفعل ما يفترض بأي لبناني القيام به في هذه الأوقات العصيبة".

وتضيف "لا نعلم متى سندخل إلى المجهول، كما أن أحداً لا يمكنه توقع المناطق التي ستطالها الضربات الإسرائيلية، وما إذا كان الرد سيكون محدوداً أو سيدفع إلى توسّع الحرب بين حزب الله وإسرائيل. لا نعرف ما الذي ينتظرنا. حقاً إنه شعور لا يمكن وصفه، فنحن نترقب مستقبلنا دون أن نستطيع التحكم به".

وبعد تزايد التوقعات بضربة إسرائيلية انتقامية، أعلنت شركة طيران الشرق الأوسط اللبنانية، عن تأجيل العديد من رحلاتها من وإلى لبنان، الإثنين، لأسباب قالت إنها تتعلق بتوزيع "المخاطر التأمينية على الطائرات".

واليوم الاثنين، أعلنت مجموعة الطيران الألمانية "لوفتهانزا" تعليق خدماتها إلى بيروت حتى الخامس من أغسطس.

وأفاد ناطق باسم "لوفتهانزا" وكالة "فرانس برس" بأنه تم إلغاء رحلات المجموعة إلى لبنان، نتيجة "التطوّرات الجارية في الشرق الأوسط".

كما علقت شركتا" إير فرانس" و"ترانسافيا" رحلاتهما إلى بيروت، الإثنين والثلاثاء "بسبب الوضع الأمني" في البلد، على ما نقلت" فرانس برس" عن متحدث باسم مجموعة إير فرانس-كاي إل إم.

من ناحية أخرى، نشرت السفارة الأميركية في لبنان على منصة "إكس" مقطع فيديو لمساعدة وزير الخارجية الأميركية للشؤون القنصلية رينا بيتر، ذكّرت خلاله المواطنين الأميركيين في لبنان ببعض النقاط الأساسية المتعلقة بالاستعداد للأزمة، داعية الرعايا الأميركيين ممن لا يريدون مغادرة لبنان للاستعداد للبقاء في أماكنهم لفترة طويلة.

ترقب وقلق

الحياة في البلدات الجنوبية البعيدة عن الحدود "شبه طبيعية، رغم الحذر وتراجع حركة تجول المواطنين"، كما تصف ريم، وتقول "مع كل تصعيد عسكري أو تهديد، يلتزم الناس منازلهم بعد تأمين حاجياتهم من طعام وشراب. يحاولون التكيف مع الظروف الصعبة، لكن يبقى القلق والترقب جزءاً لا يتجزأ من حياتهم اليومية، ومنذ التوعّد الإسرائيلي بالرد على هجوم الجولان لم نتمكن وأفراد عائلتي من النوم كالمعتاد، إذ نترقب اللحظة التي ستنفذ فيها إسرائيل تهديداتها".

تواصل ريم، وهي ابنة بلدة معركة الجنوبية، حديثها قائلة لموقع "الحرة" "هذه المرة إذا وقعت الحرب ستكون ضروساً. كلنا كلبنانيين تعبنا جداً ولم يعد بإمكاننا تحمّل المزيد".

وتشير إلى أن "التداعيات المتزايدة للحرب المحتملة تأتي في وقت يعاني فيه لبنان أزمة اقتصادية خانقة"، لافتة إلى أن "القطاع الصحي ليس في أفضل حالاته، لاسيما مع هجرة عدد كبير من الأطباء".

وكان تسجيل صوتي لنقيب المستشفيات الخاصة في لبنان، سليمان هارون، جرى تداوله أمس عبر "واتساب"، رفع منسوب خوف اللبنانيين، إذ طلب خلاله من المستشفيات أن تكون على جاهزية تامة، وفق خطة الطوارئ الموضوعة بالاتفاق مع وزارة الصحة.

وفي حديث صحفي، أكد هارون أنه أرسل التسجيل إلى مجموعة واتساب تضم أصحاب المستشفيات. وعن مدى قدرة المستشفيات على الصمود، أوضح نقيب المستشفيات الخاصة: "إذا كانت الضربات شبيهة بما يحصل في غزة من حيث استهداف المستشفيات باعتبارها أهدافاً عسكرية، فلا حول لنا ولا قوة. أما إذا كانت شبيهة بحرب يوليو 2006، فالمستشفيات قادرة على استيعاب الجرحى والتعامل مع الحالات الصحية الطارئة".

تفاؤل حذر

وبعد ما يزيد عن عشرة أشهر من التهديدات المتبادلة بين حزب الله وإسرائيل، تقول منال إنها اعتادت الوضع الحالي، شارحة "وصلت الأمور مرات عدة خلال هذه الأشهر إلى حافة الهاوية، وفي كل مرة شهدنا تدخلاً من أطراف دولية لتهدئة الأمور. نأمل أن يحدث الشيء نفسه هذه المرة، فجميع الأطراف لا تريد حرباً واسعة لأنها مكلفة على الجميع واستنزافية وطويلة المدى".

لكن الإرادة الدولية الواضحة في تجنب الوصول إلى حرب واسعة لا يمنع، بحسب ما تقوله منال لموقع "الحرة" من أن "خطأ واحداً كبيراً قد يؤدي إلى الانزلاق إلى حرب واسعة".

ورغم ذلك، لم تستعد منال للسيناريو الأسوأ وهي التي تسكن في الضاحية الجنوبية، وتقول "لا أتوقع أن نشهد أحداثاً مماثلة لحرب يوليو 2006".

وتضيف: "حتى في الجنوب، حيث الخطر أكبر، يمضي الناس حياتهم بشكل شبه طبيعي، فكيف إذا كان الأمر يتعلق بسكان الضاحية الجنوبية وبيروت؟ استبعد أن تطالهما الضربة الإسرائيلية المرتقبة، كونها ستكون إعلان حرب صريح، لا أعتقد أن إسرائيل في وارد شنها".

واليوم الاثنين، أجرى وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن اتصالاً هاتفياً مع الرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ، لبحث الهجوم الصاروخي في مجدل شمش، وبحسب ما نقلت وكالة "رويترز"، شدد بلينكن على "أهمية تجنب تصعيد الصراع".

وبحث الجانبان "جهود التوصل إلى حل ديبلوماسي للسماح للمواطنين على جانبي الحدود بين إسرائيل ولبنان بالعودة إلى منازلهم، بالإضافة إلى الجهود الجارية للتوصل إلى وقف لإطلاق النار في غزة والإفراج عن الرهائن المحتجزين هناك".

وفي ظل تصاعد التوتر بين حزب الله وإسرائيل، كشف وزير الخارجية اللبناني عبد الله بو حبيب، الأحد، أن الحكومة اللبنانية "طلبت من الولايات المتحدة حث إسرائيل على ضبط النفس".

وقال بو حبيب إن الولايات المتحدة "طلبت من الحكومة اللبنانية نقل رسالة إلى حزب الله، تطالبه بالتحلي بضبط النفس أيضا".

وفي إطار متابعة الأوضاع الطارئة المستجدة، أجرى رئيس الحكومة اللبناني، نجيب ميقاتي، اتصالات ديلوماسية مكثفة شدد خلالها على أن "الحل يبقى في التوصل إلى وقف شامل لإطلاق النار والتطبيق الكامل للقرار الدولي الرقم 1701، للتخلص من دورة العنف التي لا جدوى منها، وعدم الانجرار إلى التصعيد الذي يزيد الأوضاع تعقيداً ويؤدي إلى ما لا تحمد عقباه".

كما جدد رئيس الحكومة خلال هذه الاتصالات التشديد على موقف الحكومة "بإدانة كل أشكال العنف ضد المدنيين"، وأن "وقف إطلاق النار بشكل مستدام على كل الجبهات هو الحل الوحيد الممكن لمنع حدوث مزيد من الخسائر البشرية، ولتجنب المزيد من تفاقم الأوضاع ميدانيا".

وقد تلقى ميقاتي اتصالاً من وزير خارجية بريطانيا، ديفيد لامي، الذي "جدد دعوة جميع الأطراف إلى ضبط النفس منعاً للتصعيد"، كما دعا "إلى حل النزاعات سلمياً وعبر تطبيق القرارات الدولية ذات الصلة".

وتتبادل إسرائيل وجماعة حزب الله، المصنفة ارهابية، القصف بشكل شبه يومي عبر الحدود منذ الهجوم الذي شنته حماس في 7 أكتوبر على إسرائيل، وأدى إلى اندلاع الحرب في قطاع غزة.

ومنذ بدء التصعيد، على خليفة الحرب في غزة، استهدف حزب الله شمال إسرائيل، بأكثر من 6000 صاروخ و300 طائرة مسيرة، فيما ردت إسرائيل بشن هجمات، أغلبها على جنوب لبنان، وفقا لوكالة "بلومبيرغ" الأميركية.

آلية عسكرية في القصير.

لم تكد الجبهة الجنوبية للبنان تهدأ قليلاً بعد الحرب الأخيرة بين حزب الله وإسرائيل، حتى اشتعلت الجبهة الشمالية الشرقية المحاذية للحدود السورية، بتصعيد أمني خطير خلال الأيام الماضية.

وشهدت المنطقة الحدودية اشتباكات عنيفة بين قوات تابعة للإدارة السورية الجديدة ومسلحين من عشائر لبنانية، حيث امتدت النيران من داخل الأراضي السورية إلى الأراضي اللبنانية، ما دفع الجيش اللبناني إلى التدخل مباشرة.

وانطلقت شرارة هذه المواجهات بعد أن "قرر الأمن العام السوري يوم الخميس الماضي تنفيذ عمليات واسعة لمكافحة الاتجار بالمخدرات وتفكيك معامل الكبتاغون"، وفقاً للباحث والمتخصص في القانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الجنائي الدولي، المحامي نبيل الحلبي.

مدينة القصير في سوريا (فرانس برس)
القصير السورية.. بوابة صعود وأفول "حدود حزب الله"
قبل 12 عاما.. كسر حزب الله الحدود بين سوريا ولبنان، واختار دعم نظام بشار الأسد ضد مناهضيه من فصائل "الجيش السوري الحر".. وبعدما وضع كل ثقله العسكري هناك، تمكن من إحكام السيطرة على القصير "الاستراتيجية"، وكل القرى والبلدات التابعة لها.

وقال الحلبي، لموقع "الحرة": "شملت هذه العمليات مداهمات في مناطق عدة داخل الأراضي السورية، خاصة في قرى ريف حمص الغربي، سيما في قرى حاويك وجرماش وهيت، التي كانت تعد مراكز رئيسية لتهريب المخدرات".

وأوضح الحلبي أن هذه القرى كانت خاضعة "لسيطرة حزب الله اللبناني، وتمتد من منطقة القصير السورية إلى منطقة الهرمل داخل الأراضي اللبنانية، وتضم عائلات تحمل الجنسية اللبنانية وتنتمي إلى عشائر الهرمل، مثل عائلات زعيتر، نون، وجعفر..".

وأضاف: "وخلال عمليات تفكيك مستودعات المخدرات، اندلعت اشتباكات بين الأمن السوري ومسلحين تابعين لهذه العائلات، ما أسفر عن سقوط قتلى وجرحى وأسرى من الجانبين، لتجري بعدها عملية تبادل".

وأكد الحلبي أن "هذه المناطق استخدمت كذلك كخط أمني لتهريب عناصر النظام السوري السابق بعد سقوطه إلى لبنان، خاصة أفراد الفرقة الرابعة التابعة لماهر الأسد. كما توجد مؤشرات على مشاركة مجموعات من هذه الفلول في العمليات العسكرية انطلاقاً من داخل الأراضي اللبنانية، حيث تجمعهم شراكة طويلة مع حزب الله في تجارة الكبتاغون".

يذكر أنه يوم الخميس الماضي، أعلنت الإدارة السورية الجديدة، عن إطلاق حملة واسعة النطاق بهدف إغلاق ما وصفته "منافذ تهريب الأسلحة والممنوعات".

وفي سياق التصعيد، أجرى الرئيس اللبناني، العماد جوزاف عون، يوم الجمعة الماضي اتصالاً هاتفياً مع الرئيس السوري أحمد الشرع، لبحث "التنسيق لضبط الوضع على الحدود ومنع استهداف المدنيين".

أبعاد متعددة؟

ما يحدث على الحدود اللبنانية-السورية "لا يرتبط بخلفية سياسية مباشرة، بل هو صراع على النفوذ والسيطرة يحمل أبعاداً طائفية"، وفق العميد الركن المتقاعد رئيس مركز الشرق الأوسط للدراسات والعلاقات العامة، الدكتور هشام جابر.

وقال جابر، لموقع "الحرة"، إن "هناك أكثر من خمس بلدات سورية على الحدود يقطنها لبنانيون من الطائفة الشيعية ينتمون إلى عشائر بعلبك-الهرمل، مثل عائلات زعيتر، علاو، ناصر الدين، وجعفر. هذه العشائر مسلحة، وعندما تحركت هيئة تحرير الشام للسيطرة على هذه القرى، اندلعت مواجهات بين الطرفين".

من جهته، رأى الباحث في شؤون الأمن القومي والاستراتيجي، العميد المتقاعد يعرب صخر، في تغريدة عبر صفحته على منصة "إكس"، أن ما يجري على الحدود " يمثل عزم إدارة العمليات العسكرية السورية على مطاردة ذيول النظام وفلول حزب الله الذين يتلطون باسم العشائر ويتذرعون بتداخل الحدود والقرى، يحاولون إعادة تنظيم خلاياهم وفتح ممرات تهريب السلاح والمخدرات لتمويل أنفسهم".

ودعا صخر إلى تجريد هذه العشائر من سلاحها تنفيذاً للقرارين الدوليين 1701 و1559، والإسراع بتنفيذ القرار 1680 لترسيم الحدود وانتشار الجيش اللبناني عليها.

أما الحلبي، فأشار إلى أن "حمل العشائر للسلاح يعود إلى جذور تاريخية قديمة، لكن الوضع تفاقم مع ظهور حزب الله، الذي وفّر لهذه العشائر غطاءً ودعماً حيث أصبحت تمتلك أسلحة ثقيلة".

وأضاف أن "مقاطع فيديو انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي تظهر نقل آليات عسكرية ثقيلة من داخل الأراضي السورية إلى لبنان، بينما يواجه الجيش اللبناني قيوداً سياسية تمنعه من مواجهة هذه العصابات، تفادياً للصدام مع حزب الله".

وكشف أن "الجيش السوري دعم الأمن العام السوري في عملياته ضد هذه العصابات، ونجح في السيطرة على القرى الحدودية التي شهدت الاشتباكات، ما دفع المسلحين إلى الانسحاب نحو الأراضي اللبنانية واستخدام الراجمات والمدفعية من منطقة الهرمل لقصف الأراضي السورية. وردّ الجيش السوري بقصف مصادر النيران، ما أدى إلى سقوط أحد صواريخه على نقطة تابعة للجيش اللبناني، الذي رد بدوره على القصف وأصدر بياناً لتوضيح الموقف".

وقال الجيش اللبناني، في البيان، إنه "بناءً على توجيهات رئيس الجمهورية جوزاف عون، أصدرت قيادة الجيش أوامر للوحدات المنتشرة على الحدود الشمالية والشرقية بالرد على مصادر النيران التي تُطلق من الأراضي السورية وتستهدف الأراضي اللبنانية، وقد باشرت الوحدات الرد باستخدام الأسلحة المناسبة".

ورغم تبادل القصف، أكد الحلبي أنه "لم تقع معارك مباشرة بين الجيشين اللبناني والسوري"، مشيراً إلى أن "ما حدث اقتصر على تبادل القصف بين الجيش السوري وعصابات التهريب المتمركزة في لبنان".

من جانبه، قال الباحث في الشأن السياسي، نضال السبع، أن "الاشتباكات جاءت في توقيت حساس، تزامن مع فشل تشكيل الحكومة اللبنانية قبل أيام، والغارات الإسرائيلية على مناطق البقاع وجنوب لبنان".

ورأى السبع، في حديث لموقع "الحرة"، أن "الهدف من هذه العمليات هو استنزاف حزب الله عسكرياً، رغم تصريحات هيئة تحرير الشام أن عملياتها تستهدف تجار المخدرات والمهربين. خاصة أن الموفد الأميركي السابق، أموس هوكستين، وخلال زيارته الأخيرة للبنان، دعا إلى سحب سلاح حزب الله جنوب وشمال نهر الليطاني، وهو مطلب جرى التأكيد عليه خلال زيارة نائبة المبعوث الأميركي إلى الشرق الأوسط، مورغان أورتاغوس، إلى قصر بعبدا".

مفتاح استقرار الحدود

ويعاني الجيش اللبناني من نقص حاد في العديد، خاصة على الحدود اللبنانية-السورية الممتدة على طول 375 كيلومتراً، وفق ما سبق أن أكده مصدر مطلع لموقع "الحرة".

وقال المصدر إن "المعايير العسكرية تتطلب وجود 200 جندي لكل كيلومتر، ما يعني حاجة الجيش اللبناني إلى نحو 75 ألف جندي لتأمين هذه الحدود، في حين أن مجموع عديد الجيش المنتشر على كامل الأراضي اللبنانية لا يتجاوز 80 ألف جندي".

العدد الفعلي للجنود المنتشرين على الحدود اللبنانية-السورية قبل سقوط نظام الأسد لم يكن يتجاوز بحسب المصدر 4 آلاف عنصر، مما شكّل تحدياً كبيراً في تأمين الحدود، ولتعويض النقص، أقام الجيش اللبناني أبراج مراقبة، إلا أن الطبيعة الجغرافية الصعبة للحدود تزيد من تعقيد المهمة.

وبعد سقوط نظام الأسد، أعلن الجيش اللبناني عن نشر قوات إضافية لتعزيز الأمن على طول الحدود الشرقية والشمالية مع سوريا، وعقب المواجهات الأخيرة بدأ بتنفيذ تدابير أمنية استثنائية على امتداد الحدود، يتخلّلها تركيز نقاط مراقبة، وتسيير دوريات، وإقامة حواجز ظرفية.

وأعلنت الوكالة الوطنية للإعلام أن الجيش اللبناني يستكمل انتشاره اليوم الاثنين، في المنطقة الحدودية الشمالية لمدينة الهرمل مع سوريا، بعد انسحاب مقاتلي العشائر خلف الحدود التي ينتشر فيها الجيش.

في إطار التدابير الأمنية التي تقوم بها المؤسسة العسكرية في مختلف المناطق، دهمت وحدات من الجيش اللبناني تؤازر كلاً منها دورية من مديرية المخابرات منازل مطلوبين في بلدَتي القصر- الهرمل والعصفورية - عكار، وضبطت كمية كبيرة من القذائف الصاروخية والرمانات اليدوية والأسلحة الحربية والذخائر، بحسب ما أعلن الجيش في بيان اليوم الاثنين.

وفي السياق، توقع السبع أن تستمر الاشتباكات على الحدود اللبنانية-السورية في الفترة المقبلة.

وأشار إلى أن الاشتباكات "تأتي في إطار الضغوط المتزايدة على حزب الله. ومع ذلك، سيحاول الحزب تجنب الانجرار إلى هذه المعركة، نظراً لوضعه العسكري الحرج، خاصة بعد فقدانه خطوط إمداده بالأسلحة عبر سوريا والضغط الإسرائيلي المتواصل منذ دخول اتفاق وقف إطلاق النار حيز التنفيذ، كما أن الحزب يدرك أن إسرائيل قد لا تنفذ بنود الاتفاق، ما يزيد من احتمالية تصعيد الأوضاع".

من جهته، رأى جابر أنه " لا يجوز أن تتصارع فئات مسلحة لبنانية مع الجانب السوري الرسمي في ظل صمت الدولة اللبنانية. لذلك، تدخل الجيش اللبناني وطلب من مسلحي العشائر الانسحاب، واستخدم مدافعه لإسكات مرابض هيئة تحرير الشام".

واعتبر جابر أن الحل الأمثل للوضع الراهن يكمن في "التواصل المباشر بين الحكومتين اللبنانية والسورية. فلبنان لا يرغب في مواجهة عسكرية مع أطراف تابعة للإدارة السورية الجديدة، خاصة أن الاشتباكات بين الجيشين اللبناني والسوري نادرة تاريخياً. لذا، يجب التركيز على الجهود الدبلوماسية لتجنب التصعيد العسكري وضمان احترام الحدود بين البلدين".

كما شدد جابر على ضرورة معالجة قضية اللبنانيين المقيمين في القرى السورية الحدودية، مشيراً إلى أهمية ربطها بملف اللاجئين السوريين في لبنان.

وأكد أن "هذا الملف يتطلب حلولاً شاملة ومتكاملة، خصوصاً مع تشكيل الحكومة اللبنانية الجديدة".

أما الحلبي، فدعا الجيش اللبناني إلى "الاستفادة من المبادرة السورية لمكافحة عصابات تهريب المخدرات".

وأوضح أن "هذه العصابات لم تعد تجد ملاذاً آمناً داخل الأراضي السورية كما كان في السابق بعد تمكّن قوات الأمن السورية من السيطرة على مناطقها الحدودية، فالهروب إلى الجرود أو الأراضي السورية بات خياراً غير متاح، ما يتيح فرصة للجيش اللبناني لتطهير المنطقة اللبنانية من هذه العصابات".

وأكد الحلبي على ضرورة التنسيق الأمني بين لبنان وسوريا لاحتواء التصعيد، محذراً من أن "استمرار قصف العصابات من الأراضي اللبنانية نحو سوريا سيدفع الجيش السوري إلى الرد، خاصة أن القرى السورية الحدودية مأهولة بالسكان، ولن يسمح باستمرار تعرضها للنيران. لذلك، يجب التحرك سريعاً لحماية أمن المدنيين على جانبي الحدود، لأن تفاقم الأمور سيؤدي إلى خسائر فادحة للطرفين".