عامل في الدفاع المدني اللبناني يبحث بين الأنقاض بعد تدمير الطوابق العليا من مبنى في غارة عسكرية إسرائيلية على الضاحية الجنوبية لبيروت في 30 يوليو 2024.
عامل في الدفاع المدني اللبناني يبحث بين الأنقاض بعد تدمير الطوابق العليا من مبنى في غارة عسكرية إسرائيلية على الضاحية الجنوبية لبيروت في 30 يوليو 2024.

أعلن الجيش الإسرائيلي أن طائرات حربية تابعة له "قضت" على القائد العسكري في حزب الله، فؤاد شكر، في الضاحية الجنوبيّة لبيروت، الثلاثاء، متهما إياه بالمسؤولية عن إطلاق صاروخ على مُرتفعات الجولان المحتلّة.

وحدد الجيش الإسرائيلي هويته على أنه أكبر قيادي عسكري في جماعة حزب الله اللبنانية.

ومقتل شكر هو الأحدث في سلسلة من عمليات الاغتيال الإسرائيلية في لبنان منذ أكتوبر عندما اندلعت أعمال قتالية بين حزب الله والجيش الإسرائيلي بالتوازي مع الحرب في قطاع غزة.

ومنذ بداية الحرب في غزة في 7 أكتوبر، إثر الهجوم غير المسبوق الذي شنته حماس على الأراضي الإسرائيلية، يَجري تبادل يومي للقصف على الحدود بين الجيش الإسرائيلي وحزب الله المدعوم من إيران.

وبلغ إجمالي القتلى من أعضاء حزب الله جراء الهجمات الإسرائيلية منذ ذلك الحين 350 قتيلا.

فؤاد شكر

كان شكر من أبرز الشخصيات العسكرية في حزب الله منذ أن أسسه الحرس الثوري الإيراني قبل أكثر من أربعة عقود.

وفؤاد شكر، وفق وزارة الخارجية الأميركية، "قيادي عسكري رفيع" في حزب الله في جنوب لبنان أدّى "دورا أساسيا" في "عمليات عسكرية للحزب في سوريا".

وهو أيضا "أحد العقول المُدبرة لتفجير ثكنات مشاة البحرية الأميركية" في بيروت عام 1983، وهو تفجير أسفر عن مقتل 241 عسكريا أميركيا.

ووضعت واشنطن مكافأة بقيمة تصل إلى خمسة ملايين دولار مقابل قتله، بحسب الموقع الإلكتروني (مكافآت من أجل العدالة) التابع للحكومة الأميركية.

وفرضت واشنطن عقوبات على شكر في 2015 بسبب دور حزب الله في مساعدة الجيش السوري.

وقالت إسرائيل إنه كان الذراع اليمنى لحسن نصر الله الأمين العام لحزب الله وإنه المسؤول عن هجوم في هضبة الجولان التي تحتلها أسفر عن مقتل 12 طفلا وفتى.

لكن على جانب آخر، نفى حزب الله تورطه في الهجوم.

محمد ناصر

تقول مصادر أمنية كبيرة في لبنان إن ناصر، وهو قيادي كبير في حزب الله، كان مسؤولا عن قسم العمليات على الجبهة في الجماعة اللبنانية.

وقُتل ناصر في غارة جوية إسرائيلية في الثالث من يوليو.

وأعلنت إسرائيل مسؤوليتها قائلة إنه قاد وحدة مسؤولة عن إطلاق النار من جنوب غرب لبنان صوب إسرائيل.

طالب عبد الله

قُتل عبد الله القيادي الكبير في حزب الله في 12 يونيو في هجوم أعلنت إسرائيل مسؤوليتها عنه، وقالت إنه استهدف مركز قيادة وتحكم في جنوب لبنان.

وقالت مصادر أمنية في لبنان إنه كان قيادي المنطقة المركزية للحدود الجنوبية في حزب الله وكانت له المكانة نفسها مثل ناصر.

ودفع مقتله الجماعة إلى إطلاق وابل ضخم من الصواريخ عبر الحدود صوب إسرائيل.

وسام الطويل

كان الطويل، القيادي في قوة النخبة التابعة لحزب الله "قوة الرضوان"، أول قيادي بارز من الجماعة اللبنانية تقتله إسرائيل في أحدث جولة من القتال.

وذكر مصدر كبير أنه كان متمركزا مع حزب الله في سوريا والعراق واضطلع بدور بارز في توجيه عمليات الجماعة في الجنوب منذ أكتوبر.

وقُتل الطويل وعضو آخر بحزب الله في الثامن من يناير، حينما هوجمت السيارة التي كانا على متنها في قرية بجنوب لبنان، وأعلنت إسرائيل لاحقا مسؤوليتها عن الهجوم.

صالح العاروري - غير مؤكدة من إسرائيل 

قُتل العاروري، نائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، في هجوم استهدف مكتب حماس في الضاحية الجنوبية لبيروت في الثاني من يناير.

ورغم اتهام رئيس وزراء لبنان وحزب الله ومسؤولين آخرين لإسرائيل، لم يؤكد الجيش الإسرائيلي أو ينف تورطه في مقتل العاروري.

مخاوف لبنانية من حرب جديدة - رويترز
مخاوف لبنانية من حرب جديدة - رويترز

يعيش اللبنانيون حالة من القلق المتزايد مع تصاعد التوترات العسكرية بين حزب الله وإسرائيل، إذ بات شبح الحرب يخيم على حياتهم اليومية، متسللاً إلى تفاصيلها مع كل انفجار أو تحذير من تصعيد جديد.

وخلال الأيام الأخيرة، شهدت الحدود الجنوبية تصعيداً خطيراً مع إطلاق ثلاثة صواريخ من لبنان باتجاه إسرائيل، التي ردّت بسلسلة غارات جوية استهدفت مناطق في الجنوب والبقاع.

هذا التطور أعاد إلى الأذهان مشاهد الحرب الأخيرة، في وقت لم تتعافَ فيه البلاد بعد من تداعياتها، ولم يتم البدء حتى في إعادة إعمار ما دمرته.

لا تزال المنازل المدمرة شاهدة على حرب لم تُطوَ صفحتها بعد، فيما يجد اللبنانيون أنفسهم مجدداً في مواجهة واقع مجهول، حيث لا ضمانات بأن الأيام المقبلة لن تحمل تصعيداً أشد، خصوصاً مع استمرار التهديدات التي قد تتحول في أي لحظة إلى مواجهة مفتوحة تزيد من معاناتهم.

وفي ظل هذا المشهد القاتم، تتجه الأنظار إلى المسؤولين اللبنانيين وإلى مدى قدرتهم على احتواء الأزمة ومنع الانزلاق نحو حرب شاملة. فهل تستطيع السلطات اللبنانية تجنيب البلاد سيناريو كارثياً آخر، أم أن لبنان يقترب من مواجهة جديدة قد تفاقم مآسيه؟

يأس وجمود

في جنوب لبنان، يعيش بعض الأهالي حالة من اليأس وسط تصاعد التوترات الأمنية، حيث تجد سهام، وهي من سكان مدينة صور (فقدت منزلها في الحرب الأخيرة واضطرت إلى استئجار منزل آخر)، نفسها غارقة في الإحباط. تقول بأسى: "للأسف، وكأنّه كُتب علينا أن نعيش في حروب متواصلة، حتى أصبحت أفضّل الموت".

تعكس كلمات سهام مشاعر العجز التي تخيم على كثير من اللبنانيين، وتضيف في حديث لموقع "الحرة" "نحن وُلدنا في الحروب، اللبنانيون يعانون نفسياً"، مؤكدة أن الناس لم يعودوا قادرين على تحمل المزيد من النزوح والمعاناة.

ورغم أن الحرب الأخيرة كانت مكلفة على مختلف الفئات، ترى سهام أن اللبنانيين المقيمين في مناطق محسوبة على حزب الله تحملوا العبء الأكبر، مشيرة إلى أن "هناك قرى دُمّرت بالكامل. المواطنون باتوا في حاجة ماسة إلى الاستقرار وإعادة إعمار منازلهم ومستقبلهم، وليس إلى المزيد من الحروب".

ورغم مخاوفها، تؤكد سهام أنها لن تغادر منزلها إذا اندلعت مواجهة جديدة>

وتحذر من أن العائلات النازحة هذه المرة قد تواجه صعوبات أكبر في إيجاد ملاذ آمن، خاصة مع تصاعد الخطاب الاستفزازي لبعض مسؤولي حزب الله، إلى جانب الحملات الإلكترونية الواسعة التي انطلقت عبر منصات التواصل الاجتماعي، حيث شملت تهديدات صريحة لمعارضي الحزب ومنتقديه، متوعدةً إياهم بـ"التأديب"، وذلك بدلاً من أن يُسلّم الحزب سلاحه للجيش اللبناني، كي ينعم اللبنانيون بالسلام".

وفي ظل التصعيد المتزايد، لا يقتصر القلق على لبنان وحده، بل يمتد إلى الجوار أيضاً لاسيما غزة وسوريا، كما يوضح الباحث في الشأن السياسي نضال السبع لموقع "الحرة".

وشهد لبنان في الأيام الأخيرة ضربات إسرائيلية "عنيفة"، وفق وصف السبع، "استهدفت مناطق عدة رداً على إطلاق صواريخ لم تعلن أي جهة مسؤوليتها عنها".

ويرى السبع أن هذا التصعيد "يعكس مدى هشاشة الوضع الأمني، وسط تحذيرات من إمكانية تفاقم الأمور". 

وفي هذا السياق، يُجري المسؤولون اللبنانيون اتصالات مكثفة مع المجتمع الدولي، ولا سيما الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، في محاولة لاحتواء التوترات ومنع انزلاق لبنان إلى مواجهة شاملة.

وفي هذا الإطار، دعا رئيس لبنان، العماد جوزاف عون، القوى المعنية في الجنوب اللبناني كافة، ولاسيما لجنة المراقبة المنبثقة عن اتفاق نوفمبر 2024، والجيش الى متابعة ما يحصل بجدية قصوى لتلافي أي تداعيات وضبط أي خرق أو تسيّب يمكن أن يهدد الوطن في هذه الظروف الدقيقة. 

كما طلب عون من قائد الجيش العماد رودولف هيكل اتخاذ الإجراءات الميدانية الضرورية للمحافظة على سلامة المواطنين.

في مهب المجهول

تعيش مروى، وهي من سكان بلدة معركة جنوب لبنان، حالة من القلق المستمر، تخشى أن يكون القادم أسوأ. تقول بأسى "في الحرب الأخيرة، اضطررت للنزوح مع عائلتي إلى شمال البلاد، قبل أن نعود بعد إعلان اتفاق وقف النار، لكن لا أشعر بأي أمان. أنا لا أخاف فقط من اندلاع حرب جديدة، فالحرب قائمة أساساً، لكن الخوف هو أن تتوسع وتصبح أشمل".

وترى مروى في حديث لموقع "الحرة" أن القلق يعمّ جميع اللبنانيين، "خصوصاً أهالي الجنوب، الذين يدركون أن أي تصعيد جديد قد يكون أكثر عنفاً وتدميراً". 

هذا الشعور بالخوف المستمر دفعها إلى التردد في المضي قدماً في مشروعها العملي، موضحة "التهديدات مستمرة، وكل يوم نسمع تحذيرات من أن التصعيد قد يعود في أي لحظة. لذلك، نقوم بتأجيل مخططاتنا".

وتضيف: "لبنان لم يعد يشجّع على الاستثمار. نحن نعيش في حالة من العجز، نترقب المصير المجهول واحتمال أن نجد أنفسنا مجدداً في حرب لا نريدها، حرب لا تجلب سوى المزيد من الموت والدمار".

في المقابل، تسعى الحكومة اللبنانية إلى تفادي الانجرار إلى مواجهة مع إسرائيل، وفق ما يشير السبع.

ويشدد: "لبنان غير معني حالياً بأي تصعيد عسكري. بالتوازي، تتحدث تقارير عن زيارة مرتقبة للمبعوثة الأميركية مورغان أورتاغوس، إلى بيروت خلال الأيام المقبلة، في محاولة لفتح قناة تفاوضية مباشرة بين لبنان وإسرائيل، إلا أن هذا التوجه يواجه رفضاً واضحاً، خاصة من رئيس مجلس النواب نبيه بري".

ويحذر السبع من أن "المخاوف تتزايد في الأوساط الدبلوماسية والسياسية من احتمال أن تستغل إسرائيل أي حادث أمني لشن هجمات عسكرية موسعة وإنشاء حزام أمني داخل الأراضي اللبنانية بعمق يتراوح بين 7 و10 كيلومترات. خطوة كهذه قد تفتح الباب أمام توترات جديدة، في وقت لم يتعافَ فيه لبنان بعد من تداعيات المواجهات السابقة".

معادلات جديدة؟

في العاصمة اللبنانية بيروت، يعيش منير، مثل كثير من اللبنانيين، في حالة من القلق المستمر وسط ضبابية المشهد الأمني والسياسي. ويقول "نحن في حالة رعب دائمة، لا نعرف إذا كانت الحرب قد انتهت أم لا. هل سيتوقف إطلاق النار؟ هل ستُطلق صواريخ جديدة على إسرائيل؟ وكيف سيكون الرد الإسرائيلي؟".

ويشير منير إلى غياب أي شعور بالأمان في ظل الوضع الراهن، مضيفاً "نحن في بلد بلا ملاجئ، أي مكان قد يكون مستهدفاً، وأي شخص قد يكون في خطر"، ورغم ذلك، يؤكد "لا خيار أمامنا سوى البقاء، ننتظر ما سيحمله الغد".

أما هناء، التي تقيم بالقرب من الضاحية الجنوبية لبيروت، فتعيش في حالة من التوتر الدائم. تقول "كلما سمعت صوت دراجة نارية أو فرقعة، أعتقد أنه صاروخ"، وتضيف "أعيش على أعصابي، خصوصاً منذ أن عاد القصف الإسرائيلي على غزة. وأنا الآن أنتظر في كل لحظة أن يتصاعد التوتر في لبنان".

في ظل هذه المخاوف، تُتابع قيادة الجيش التطورات بالتنسيق مع اليونيفيل والجهات المعنية لاحتواء الوضع المستجد على الحدود الجنوبية، كما جاء في بيان رسمي، بينما دعا وزير الخارجية والمغتربين يوسف رجي إلى تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار بكامل بنوده.

وبموجب الاتفاق المبرم في نوفمبر، كان من المفترض إخلاء جنوب لبنان من أي أسلحة تابعة لحزب الله، وانسحاب القوات الإسرائيلية من المنطقة، مع نشر الجيش اللبناني لضمان الاستقرار. 

كما نص الاتفاق على أن تتحمل الحكومة اللبنانية مسؤولية تفكيك جميع البنى التحتية العسكرية في الجنوب ومصادرة الأسلحة غير المصرح بها.

ويراقب حزب الله الوضع بحذر، محاولاً تجنب الدخول في مواجهة مباشرة مع إسرائيل، كما يرى السبع، ويقول "الحزب يواجه تحديات معقدة، خصوصاً بعد قطع خطوط إمداده إثر سقوط نظام الأسد، ما يجعله غير مستعد لمغامرة عسكرية جديدة في هذه المرحلة".

من جهتها، ترى إسرائيل، وفق السبع أن "الحزب يمرّ بمرحلة ضعف، وهو ما قد يدفعها إلى محاولة فرض معادلات جديدة على الأرض، من خلال شن حرب تهدف إلى القضاء على ما تبقى من قوة لدى الحزب".