التشويش على GPS تأثر به عدد كبير من اللبنانيين الذين يستخدمون طائرات "الدرون" لأغراض مدنية متنوعة.
التشويش على GPS تأثر به عدد كبير من اللبنانيين الذين يستخدمون طائرات "الدرون" لأغراض مدنية متنوعة.

لم يكن حسين بزوني، صاحب شركة تصوير مناسبات وحفلات، يعلم عندما أطلق طائرة التصوير المسيرة (كوادكوبتر) ليلة الثاني من يونيو الماضي، خلال تصويره لحفل على شاطئ الرميلة قرب مدينة صيدا، جنوب لبنان، أنه سيفقدها للأبد، "كانت إشارة الإرسال للأقمار الاصطناعية ممتازة على الأرض، ولكن حين ارتفعت في الجو انعدمت الإشارة وبلغت صفر، وبغياب الـ GPS فقدتُ السيطرة عليها تماماً، ثم اتجهَت في رحلة أخيرة فوق البحر إلى أن اختفت."

وتتعرض خدمة الـ GPS فوق الأجواء والأراضي اللبنانية لعمليات تشويش وتزييف للمواقع، تحرم نسبة كبيرة من السكان والقطاعات الحيوية من هذه الخدمة، التي باتت ضرورة يعتمدون عليها في أعمالهم وتسيير حياتهم اليومية.

التشويش على GPS تأثر به عدد كبير من اللبنانيين الذين يستخدمون طائرات "الدرون" لأغراض مدنية متنوعة.

وبينما تتهم الدولة اللبنانية الجانب الإسرائيلي بهذا التشويش، وتقدم شكاوى لمجلس الأمن الدولي في هذا الشأن، لم يصدر أي نفي أو تأكيد من إسرائيل بشأن التشويش في لبنان تحديداً، وانما أكد الجيش الإسرائيلي استخدامه لهذا التشويش بشكل عام كإجراء عسكري دفاعي، في وجه الهجمات الصاروخية والطائرات المسيرة التي ترسلها إيران والميليشيات المتحالفة معها في المنطقة.

إسرائيل تشوش على إشارات نظام تحديد المواقع استعدادا لهجوم إيراني محتمل
من تل أبيب إلى بيروت أو القاهرة.. كيف تشوش إسرائيل على أنظمة "جي بي إس"؟
استيقظ الإسرائيليون، الخميس، في تل أبيب ليجدوا أن تطبيقات الخرائط على هواتفهم تشير إلى أنهم في العاصمة اللبنانية بيروت، على بعد حوالي 200 كيلومتر شمالا، مما أدى إلى عرقلة عمل سائقي سيارات الأجرى وأخرجت تطبيقات توصيل الطعام عن الخدمة بشكل مؤقت.

في لبنان كان لبعض القطاعات خسائر فادحة، وحملت بعض الحوادث قصصاً أشبه بأفلام الخيال العلمي، عن طائرات مسيرة تفقد السيطرة، تتساقط من الجو، ترحل عن أصحابها، أو تتجه جميعها نحو نقطة واحدة بتوجيه جماعي. 

وهذه النقطة، كانت مطار بيروت الذي تعرض موقعه الجغرافي لتشويش على الـ GPS، جعله بالنسبة لكل الطائرات "الكوادكوبتر" بمثابة المهبط الخاص بها.

ما جرى مع بزوني تكرر مع زملاء له في المهنة بأكثر من منطقة لبنانية، بعضهم في اليوم نفسه حتى، وفق ما يروي لموقع "الحرة". 

وعلى مدى أشهر المواجهات بين حزب الله واسرائيل، منذ السابع من أكتوبر، تأثر بهذا التشويش عدد كبير من اللبنانيين الذين يستخدمون طائرات "الدرون" لأغراض مدنية متنوعة، مما باتت يؤثر على أعمال وأرزاق الكثير من العاملين في تصوير الحفلات والأعراس، خاصة في موسم الصيف الذي ينتظرونه، ما يلحق بهم خسائر كبيرة.

بحسب محمد شهاب، صاحب شركة متخصصة في التشغيل والصيانة والتدريب على هذا النوع من الطائرات المسيرة للتصوير، منذ بداية الحرب، يكاد لا يمضي يوم دون إبلاغه عن فقدان أو تحطم "درون" بسبب التشويش القائم على خدمة الـ GPS.

يشرح شهاب لموقع "الحرة" ما يجري تقنياً، فضمن برمجة الطائرة، انها حين تفقد الإرسال أو عند اقتراب نفاذ بطاريتها، فإنها تتخذ خيار return home حيث تعود إلى المكان الذي انطلقت منه.

لكن وبسبب التشويش القائم فإن الطائرات المسيرة عن بعد في هذه الحالة، تتخذ اتجاهات عودة مختلفة عن مكان انطلاقها، وتتجه في معظم الحالات نحو مطار بيروت بكونه وجهة التزييف الحاصل على  خدمة الـ GPS، رغم انها تكون بعيدة عشرات الكيلومترات عنه، فتفقد طاقتها او تتحطم خلال الرحلة وتسقط في طريقها، في حين أن مطار بيروت هو no fly zone area وبالتالي لا يمكن للطائرة أن تصله أصلاً، فتسقط قبله إن وصلت.

ويعمل نظام GPS بالاعتماد على الأقمار الصناعيّة التابعة له، والتي تساعد من خلال بثها لإشارات راديو نحو الأرض، في تحديد موقع أي متلق لتلك الإشارات من خلال قياس مسافة بعده عنها من خلال الوقت الذي تتطلبه الإشارة للوصول.

ويميز المتخصصون في شرحهم لمشكلة الـ GPS بين ما يسمى التشويش (jamming) على النظام وبين التزييف أو التلاعب بالنظام (spoofing). 

التشويش على GPS تأثر به عدد كبير من اللبنانيين الذين يستخدمون طائرات "الدرون" لأغراض مدنية متنوعة.

التشويش يحجب الخدمة نهائيا، من خلال بث موجات راديو أقوى تطغى على إشارات الأقمار الصناعية وتحجبها، ما يؤدي إلى عدم قدرة جهاز استقبال GPS على تحديد الموقع الجغرافي، وبالتالي التشويش يطال الأجهزة الأرضية.

أما التلاعب من خلال إظهار موقع مختلف عن الموقع الحقيقي، فيتم باستخدام موجات "جي بي اس" معدّلة كتزييف لموجات الأقمار، حيث يتم إرسال نقطة موقع مختلفة عن قصد إلى الأجهزة المتلقية على الأرض أيضاً.

نصائح للمصورين.. و"القرار للعروسين"

وباتت صالات الأعراس وشركات تصوير الحفلات تضع الزبائن أمام احتمالية تحميلهم جزء من الكلفة في حال إصرارهم على التصوير بطائرات مسيرة.

يقول بزوني "بات حتى العرسان متأثرون بالتشويش الذي يحدد شكل تصوير يوم زفافهم، أصبحوا يختارون معنا إما المخاطرة بإطلاق طائرات، أو خصم تكاليف التصوير الجوي، من ضمن باقة التصوير، هناك خسارة واقعة لا محالة على أحد الأطراف."

يحتفظ بزوني بمقاطع فيديو من تقارير إخبارية تشرح المشكلة ليعرضها على الزبائن خاصة ممن ليسوا على دراية بالتفاصيل التقنية، فيما بات الأمر يتسبب بوقوع مشاكل وسوء فهم مع الكثير من الزبائن، "خاصة اننا في اليوم نفسه قد نتمكن من إطلاق طائرة في النهار أو قبل ساعة مثلاً، ثم يشتد التشويش بعدها او خلال المساء فلا نستطيع خلال الحفل، وهكذا..."

أما الخبير في تشغيل وصيانة هذه الطائرات، فقد نشر عبر صفحاته على مواقع التواصل الاجتماعي، سلسلة فيديوهات تشرح كيفية تعامل مشغلي الطائرات مع مشكلة التشويش.

فبحسب شهاب هناك إجراءات واعدادات يمكن اتخاذها في الطائرة لمنع فقدانها أو تأثرها بالتشويش حالياً، في سبيل تقليل الخسائر قدر الإمكان على المتضررين.

أبرز نصيحة هي "عدم الضغط على خيار return home". وبدلا من ذلك وعبر الإعدادات يمكن تعديل الخطوات المتخذة عند فقدان الإشرارة. وبدلا من return home يمكن اعتماد خيار hover وهو ما سيجعل الطائرة تقف في الجو ثم تهبط في مكانها بعد نفاذ بطاريتها، بدلا من العودة إلى مكان انطلاقها (الذي يشير بسبب التشويش إلى مطار بيروت)، وهو ما يجنب خسارة الطائرة نهائيا.

 نصيحة أخرى يقدمها شهاب عند تعرض الطائرة للتشويش قبل فقدان السيطرة عليها نهائيا، حيث يمكن القيام بعكس الخيارات المتخذة للخروج مما يعرف "كوريدور التشويش" أي النطاق المشوش عليه.

وبالتالي إن كانت الطائرة تتجه إلى الأمام وتعرضت للتشويش يجب فورا إعادتها إلى الوراء، أو إن كانت تتجه إلى الأعلى يجب خفض ارتفاعها وهكذا حتى تخرج الطائرة من نطاق التشويش بعكس الاتجاه الذي دخلته.

 من جهته يعمد بزوني قبل إطلاق طائرته إلى اختبار الإشارة بشكل دقيق وضمن نطاقات مختلفة من مكان التصوير، خاصة وان التشويش يختلف بين منطقة وأخرى واحيانا بالأمتار، فإن كانت الظروف سانحة يطلق الطائرة وإلا فلا يخاطر خاصة وان كلفة الطائرة تصل إلى نحو 3000 دولار، "ليس مبلغاً صغيراً يمكن خسارته بشكل مستمر"، على حد قوله.

ووفقاً لشهاب، فإن التشويش لا يكون مستمراً ولا يتخذ نطاقات محددة أو ثابتة جغرافياً، انما يتنقل بين المناطق والارتفاعات، ويختلف في قوته أيضاً بين منطقة وأخرى، حيث يزداد مع الارتفاعات وفي المناطق المفتوحة.

 الطائرات الكبيرة مهددة أيضاً

 ومن الطائرات الصغيرة المتساقطة، إلى الطائرات الكبيرة المهددة بكوارث، نتيجة التشويش نفسه أيضاً، حيث رصدت تقارير عدة رسمية وغير رسمية، لبنانية ودولية، خلال الأشهر الماضية، تأثيراً كبيراً للتشويش القائم على نظام تحديد المواقع، على حركة الملاحة الجوية، كما البحرية.

 وفي أكثر من مناسبة عبر لبنان الرسمي عن قلقه من تأثير التشويش على الملاحة الجوية بشكل خاص، ما دفعه إلى رفع شكوى إلى مجلس الأمن الدولي في 22 مارس الماضي، ندّد فيها بـ"اعتداءات إسرائيل على السيادة اللبنانية"، عبر التشويش على أنظمة الملاحة وسلامة الطيران المدني في أجواء مطار رفيق الحريري الدولي، منذ بدء الحرب في غزة.

 وفي الأول من أغسطس الجاري، أعلنت وزارة الخارجية اللبنانية، عن تقديم شكوى إلى مجلس الأمن الدولي وأمام الأمين العام للأمم المتحدة عبر بعثتها الدائمة في نيويورك، طالبت بموجبها بإدانة "الاعتداءات الإسرائيلية السيبرانية على لبنان."

 وأفادت الخارجية اللبنانية، أنّ "هذه الاعتداءات تشكل خطرا جديا على خدمات الطيران المدني فيه، وتهدّد أمن شبكات الاتصال والأجهزة والتطبيقات والبيانات الإلكترونية وسلامتها في المنشآت والمرافق الحيوية اللبنانية."

 كما طلبت من بعثتها الدائمة في جنيف تقديم شكوى إلى مقر الاتحاد الدولي للاتصالات (ITU) باتخاذ الإجراءات التقنية اللازمة "لوقف هذه الاعتداءات"، ومساعدة لبنان على ضمان حسن سير شبكات الاتصالات.

 وأشارت الخارجية إلى أن تقديمها الشكاوى، جاء بناءً على تقرير وردها من وزارة الاتصالات اللبنانية كشفت بموجبه أن "مصدر تشويش في شمال إسرائيل أدّى إلى تراجع دقة نظام تحديد المواقع العالمي (GPS) في لبنان"، ما أثر في خدمات النقل والتواصل، كما تبيّن وجود إنذارات متكررة تُظهر الفقدان المتكرر لإشارة (GPS)، وتراجع جودة الخدمة لمشغلي شبكات الهاتف المحمول.

 وأوعزت المديرية العامة للطيران المدني بدورها في تعميم إلى الطيارين الذين يسيّرون طائرات من وإلى مطار بيروت منذ مارس، "بضرورة الاعتماد على التجهيزات الملاحية الأرضية، وعدم الاعتماد على الإشارة التي يلتقطونها عبر GPS نتيجة التشويش القائم في المنطقة، وحفاظا على السلامة."

 وكالة السلامة الجوية الأوروبية EASA كانت أبرزت المخاطر الجسيمة الناجمة عن التشويش والتزييف لإشارات GPS في نشرتها المعلوماتية الأمنية بتاريخ 6 نوفمبر 2023، التي تؤثر على كل شركات الطيران في شرق البحر الأبيض المتوسط، بما في ذلك حركة الإقلاع والهبوط وتحديد الموقع خلال الملاحة وارتفاع مخاطر الاصطدام، فضلاً عن تعطيل العديد من طبقات الحماية المرتبطة بالصدمات، والتي تعتمد على تحديد الموقع الجغرافي والارتفاع، إضافة إلى قياس حالة الطقس والرياح وغيرها.

 وكانت صحيفة نيويورك تايمز، قد نقلت في يوليو الماضي عن باحثين في جامعة تكساس في أوستن، تحديدهم لقاعدة جوية إسرائيلية كمصدر رئيسي لهجمات نظام تحديد المواقع العالمي (GPS) التي عطلت الملاحة الجوية المدنية في الشرق الأوسط.

وقال الباحثان تود همفريز وزاك كليمنتس إنهما "واثقان للغاية" من أن هجمات الانتحال انطلقت من مطار عين شيمر في شمال إسرائيل، في حين رفض الجيش الإسرائيلي التعليق على استفسار الصحيفة.

 وقد برز الشرق الأوسط كنقطة ساخنة للتزييف (spoofing). ولم يذكر باحثو جامعة تكساس عدد هجمات التلاعب التي ربطوها بالقاعدة العسكرية، لكن تحليلًا منفصلاً قدّر أنها أثرت على أكثر من 50 ألف رحلة جوية في المنطقة هذا العام بحسب نيويورك تايمز.

لسنوات تراقب اليونيفيل وقف إطلاق النار بين لبنان وإسرائيل
لسنوات تراقب اليونيفيل وقف إطلاق النار بين لبنان وإسرائيل

 تحت وطأة التوتر المتصاعد على الحدود اللبنانية الإسرائيلية، تجد قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة (اليونيفيل) نفسها في مواجهة تحديات وأخطار غير مسبوقة وسط النزاع المتجدد بين إسرائيل وحزب الله.

وإثر جولة ميدانية خاصة مع الوحدة الإسبانية التابعة لليونيفيل، يكشف تقرير لـ"واشنطن بوست" عن تحول في مهمة هذه القوات من مراقبة هادئة لوقف إطلاق النار إلى دور أكثر خطورة كحاجز بين قوتين متحاربتين.

يقول المقدم الإسباني خوسيه إيريساري، واصفا الواقع الجديد الذي يواجهه أفراد اليونيفيل، "هناك لحظات يكون فيها الوضع هادئا. ثم فجأة: يومان من القتال المستمر"، بعد أن تحولت المنطقة الحدودية، منذ أكتوبر الماضي،  إلى ساحة قتال شبه يومية تهدد بتحويل الاشتباك المحدود إلى حرب شاملة.

"الدور غير المريح"

ولسنوات، راقبت  اليونيفيل وقف إطلاق النار بين لبنان وإسرائيل الذي استمر بشكل أو بآخر منذ عام 2006. لكن منذ بداية الحرب في غزة، أكتوبر الماضي، يعمل حفظة السلام على تخفيف حدة النزاع من خلال نقل الرسائل بين الجيش الإسرائيلي والجماعة اللبنانية المسلحة.

ومع فرار المدنيين بأعداد كبيرة على جانبي الحدود، تغير موقف اليونيفيل من مراقبة الانتهاكات على الحدود إلى دوريات على جبهة قتال، وهو دور غير مريح شبهه إيريساري بكونه حاجزا. قال: "نحن لا نتصرف ضد أي شخص. لكن لو لم تكن اليونيفيل هنا، أنا متأكد جدا أن الوضع سيتصاعد".

وتأسست قوات اليونيفيل عام 1978 لمراقبة انسحاب إسرائيل من لبنان. واليوم، في ظل النزاع الحالي، تسعى جاهدة لتخفيف حدة التوترات من خلال لعب دور الوسيط بين الجيشين اللبناني والإسرائيلي.

وحتى أكتوبر الماضي، كانت هناك آلية وساطة أكثر رسمية تجمع مسؤولين عسكريين من الطرفين في غرفة واحدة تحت إشراف اليونيفيل، لكن هذه الآلية تم تعليقها منذ ذلك الحين. وعلى الرغم من أن حزب الله لم يكن طرفا مباشرا في هذه المحادثات، إلا أن مصالحه كانت تُمثَّل ضمنيا من خلال الجيش اللبناني، وفقا للصحيفة الأميركية.

"خاصة في الجنوب".. مساعدات أممية لتلبية "الاحتياجات العاجلة" بلبنان
أعلن منسق الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية في لبنان، عمران ريزا، الجمعة، عن تخصيص حزمة مساعدات طارئة بقيمة 24 مليون دولار من الصندوق الإنساني للبنان لدعم الفئات الأكثر ضعفا، وتلبية الاحتياجات العاجلة للمتضررين من القصف الإسرائيلي المستمر في الجنوب.

ومع تصاعد التوترات، يقرّ مسؤولو اليونيفيل بقدراتهم المحدودة في حال اندلاع حرب شاملة، إذ يقتصر دورهم على محاولات منع التصعيد، دون امتلاك القدرة الفعلية على وقف الحرب إذا اندلعت بشكل كامل.

في هذا الجانب، يؤكد، ثاناسيس كامبانيس، مدير مركز "القرن الدولي"، أن قوات اليونيفيل صُممت في الأساس لتكون "نموذجا لإدارة النزاع وتجنب التصعيدات غير المقصودة"، وليس لحل الصراعات الجذرية أو مواجهة التصعيدات المتعمدة الناتجة عن انعدام الثقة وسوء التقدير.

ووصلت مخاوف اتساع نطاق النزاع إلى ذروتها هذا الصيف، إثر اغيتال إسرائيل في أواخر يوليو الماضي، لقيادي بارز في حزب الله في ضواحي بيروت. وبعد أقل من شهر، تحديدا في 25 أغسطس الماضي، شهدت المنطقة أعنف تبادل للنيران بين الطرفين.

وفي خضم هذا التصعيد، وجدت قوات اليونيفيل نفسها في قلب الأزمة. يروي النقيب ألفونسو ألبار، عضو الوحدة الإسبانية، كيف تم رفع مستوى التأهب إلى أعلى درجاته (المستوى 3)، مما استدعى لجوء القوات إلى الملاجئ تحت الأرض.

يقول ألبار: "قضينا خمس ساعات في الملجأ، نسمع باستمرار أصوات نظام القبة الحديدية الإسرائيلي المضاد للصواريخ".

ترقب وخوف من "حرب أوسع".. "شعور بالعجز" يطغى على اللبنانيين
لا تزال المخاوف بشأن اندلاع حرب شاملة بين حزب الله والجيش الإسرائيلي تسيطر على الكثير من اللبنانيين مع تواصل التصعيد المستمر بين الطرفين منذ الثامن من أكتوبر الماضي، وفقا لتقرير خاص نشرته صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية.

"انتهاكات هائلة"

ومنذ انسحاب إسرائيل من لبنان عام 2000، شهدت المنطقة الحدودية تحولا في طبيعة الانتهاكات. قبل أكتوبر 2023، كانت هذه الأحداث تقتصر غالبا على حوادث بسيطة، كعبور المزارعين بحيواناتهم للحدود، إضافة إلى بعض الاشتباكات المتفرقة بين حزب الله وإسرائيل.

أما اليوم، فقد تصاعد الوضع بشكل خطير، حيث يشهد الخط الأزرق تبادلا يوميا لعشرات القذائف بين الطرفين.

وتصف كانديس أرديل، المتحدثة باسم اليونيفيل، الوضع الراهن قائلة إن "كمية الانتهاكات هائلة"، غير أنها تضيف أنه بالرغم من القصف، لا يزال حفظة السلام "ينسقون بين الجيشين الإسرائيلي واللبناني لتسهيل المهام اليومية في المنطقة الحدودية، مثل مكافحة الحرائق أو إصلاح المرافق، لحماية العمال الذين يقومون بعملهم فقط".

وتقع قاعدة  الوحدة الإسبانية التابعة لليونيفيل على بعد مئات الأمتار فقط من الخط الأزرق، في نقطة التقاء حدود سوريا وإسرائيل ولبنان. وتضم  109 فردا، من بينهم 36 جنديا من السلفادور.

ومن أبراج المراقبة في موقعها الاستراتيجي، تشهد قوات اليونيفيل المشهد المتوتر بأكمله: الملاجئ العسكرية الإسرائيلية، مواقع إطلاق النار التابعة لحزب الله، ومرتفعات الجولان.

وعلى الرغم من التصعيد الحاد، ظلت قاعدة اليونيفيل بمنأى عن الاستهداف المباشر خلال النزاع الحالي.

ومع ذلك، لم تخلُ المهمة من الخسائر البشرية، فقد قُتل متعاقد مع اليونيفيل هذا الشهر إثر ضربة استهدفت سيارته، كما أصيب حلاق يعمل مع الوحدة الإسبانية بنيران قناص إسرائيلي أثناء توجهه لعمله، وفقا للصحيفة.