الإيجارات المبالغ فيها في لبنان أثارت استياء واسعاً على مواقع التواصل الاجتماعي
الإيجارات المبالغ فيها في لبنان أثارت استياء واسعاً على مواقع التواصل الاجتماعي

يشهد لبنان موجة نزوح واسعة من البلدات والمناطق المحسوبة على حزب الله، وذلك في ظل تصاعد مخاوف اندلاع حرب شاملة بين الحزب وإسرائيل. تأتي هذه التحركات عقب اغتيال القيادي في الحزب فؤاد شكر في الضاحية الجنوبية لبيروت، وتزايد التهديدات من قبل حزب الله بالرد على العملية، فيما تستعد إسرائيل لأي ردود فعل محتملة.

في خضم التصعيد العسكري، بدأ العديد من اللبنانيين البحث عن مساكن في مناطق آمنة، لكنهم واجهوا استغلال بعض ملاك العقارات للأوضاع الحالية، حيث شهدت أسعار الإيجارات ارتفاعاً كبيراً، كما فرض البعض شروطاً قاسية على المستأجرين، بما في ذلك دفع عدة أشهر سلفاً.

وأثارت الأسعار المبالغ فيها للإيجارات، استياء واسعاً على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث عبّر مواطنون عن غضبهم من استغلال البعض الأزمات والحروب لتحقيق مكاسب مادية. يأتي ذلك في وقت يمر فيه لبنان بظروف اقتصادية صعبة، حيث بلغت نسبة الفقر فيه 44% من مجموع السكان، وفقاً لتقرير البنك الدولي الصادر في مايو 2024 بعنوان "تقييم وضع الفقر والإنصاف في لبنان 2024: التغلب على أزمة طال أمدها".

ارتفاع غير مبرر

بدأت خلود وزوجها رحلة البحث عن شقة في جبل لبنان بعيداً عن معقل حزب الله في الضاحية الجنوبية، حيث يقيمان وطفلاهما، وذلك بعد اغتيال شكر. وحتى الآن، لم يتمكنا من العثور على شقة للإيجار بسبب ارتفاع الأسعار.

وتوضح خلود في حديث لموقع "الحرة" أن "الشقة غير المفروشة التي كانت تُؤجر بـ250 دولاراً شهرياً أصبحت الآن بـ 800 دولار، بينما الشقة التي كان إيجارها 500 دولار وصلت إلى 1500 دولار، هذا عدا عن عمولة المكتب".

وتروي خلود تجربة مؤلمة حصلت معها بالقول "عندما وجدنا شقة بسعر معقول نسبياً، طلب المالك منا دفع ستة أشهر إيجار مقدماً وافقنا، ولكن بعد أن قطعنا مسافة طويلة لتسليم المبلغ، فوجئنا بأنه قد أجّرها لشخص آخر!"

وتعبّر خلود عن استيائها قائلة "بعض الملاك يستغلون وضعنا، وكأنهم يتاجرون بمعاناتنا. نحن نسعى للهروب من الموت، وهم يهدفون لزيادة أرباحهم".

تضاعفت بدلات الإيجار منذ منتصف يوليو، كما تؤكد المستشارة القانونية للجنة الأهلية للمستأجرين، المحامية مايا جعارة، "رغم تزايد نسبة الشغور نتيجة مغادرة العديد من اللبنانيين لوطنهم، وقد وصلت في بيروت على سبيل المثال إلى 20% في الشقق العادية و40% في الشقق الفخمة".

وتصف جعارة في حديث لموقع "الحرة" ارتفاع بدلات الإيجار بأنه "غير مبرر، وهو يجبر العديد من النازحين على الانتقال إلى منازل أقاربهم أو مراكز إيواء، مما يزيد من معاناتهم في ظل الظروف الصعبة التي يعيشونها"، مشددة على أن "استغلال الأزمة لتحقيق أرباح يعد غير أخلاقي".

كما يؤكد رئيس نقابة الوسطاء والاستشاريين العقاريين، وليد موسى، وجود ارتفاع كبير في أسعار الإيجارات، مشيراً إلى أن تحديد الأسعار يتم بطريقة عشوائية.

ويوضح موسى في حديث لموقع "الحرة" أن "تحديد بدل الإيجار من حق المالك"، ولكنه في ذات الوقت يلقي باللوم على غياب الرقابة الحكومية، "ما أدى إلى انفلات الأمور في هذا القطاع"، ويشدد على ضرورة "وجود عقود إيجار بين المالك والمستأجر لتفادي الفوضى في المستقبل".

فيما يخص الأحاديث المتداولة على مواقع التواصل الاجتماعي حول وصول أسعار الإيجارات إلى ألفي دولار، أوضح موسى أن "الأسعار تختلف بناء على عدة عوامل، مثل الموقع وغيره، ولا يمكن تعميم هذا الرقم بشكل مطلق".

ما وراء ارتفاع الأسعار؟

كذلك تواجه دانا صعوبة شديدة في البحث عن مأوى جديد، وفي حديثها لموقع "الحرة"، تقول "لا أحب مغادرة منزلي، لكن حتى العاصمة بيروت حيث أسكن ليست بأمان، وأنا أريد أن أحافظ على حياتي وحياة أفراد والديّ الطاعنين في السن".

وتضيف "الأسعار خيالية، شقة من غرفتين، بالكاد تصلح للسكن في مناطق بعيدة عن بيروت ومعاقل حزب الله، لا يقل إيجارها عن 500 دولار، مع ضرورة دفع ثلاثة إلى ستة أشهر سلفاً عدا عن شهر تأمين وعمولة مكتب. وأنا موظفة براتب 600 دولاراً. كيف يمكن لثلاثة أفراد أن يؤمنوا احتياجاتهم بالمبلغ المتبقي؟

"اللبنانيون لا يمكنهم تحمّل تكاليف حرب جديدة والغالبية العظمى ترفض النزوح إلى مدرسة أو مركز إيواء كما كان يجري خلال الحروب السابقة"، كما تقول دانا، مشددة "ما يحدث هو جريمة بحقنا من قبل من يريدون توريط لبنان بالحرب ومن يستغلون الوضع لجني الأرباح".

تعتبر عقود الإيجارات اتفاقات بين المستأجرين والمؤجرين، كما يقول الباحث في المعهد اللبناني لدراسات السوق، خالد أبو شقرا، حيث "ينص القانون على أن العقد هو شريعة المتعاقدين، ما يتيح لمالك العقار تحديد السعر الذي يراه مناسباً. وفي ظل اقتصاد حر يخضع لقواعد العرض والطلب، يؤدي ارتفاع الطلب وقلة العرض إلى زيادة الأسعار، والعكس صحيح".

ويرجع أبو شقرا في حديث لموقع "الحرة" ارتفاع بدلات الإيجار إلى عدة عوامل متداخلة، وهي "أولاً، أدت الأوضاع الأمنية المتأججة، وخاصة في مناطق مثل الجنوب والضاحية، إلى نزوح أعداد كبيرة من السكان بحثاً عن مناطق أكثر أمناً، مما زاد الطلب على المساكن بشكل ملحوظ ودفع المؤجرين إلى رفع الأسعار استغلالاً لحالة الطوارئ.

ثانياً، توقف المصارف عن منح قروض الإسكان قلص بشكل كبير قدرة اللبنانيين على شراء مساكن خاصة بهم، مما زاد من الاعتماد على الإيجارات ورفع الطلب على الشقق السكنية.

ثالثاً، الانهيار الاقتصادي الشامل الذي يشهده لبنان، والتدهور الحاد في القيمة الشرائية لليرة اللبنانية، أديا إلى اختلال كامل في آليات السوق العقارية، يضاف إلى ذلك غياب الرقابة الحكومية الفعالة، الأمر الذي ساهم في تفاقم الأزمة وجعل العديد من العائلات عاجزة عن تأمين سكن مناسب.

رابعاً، وجود شريحة من المجتمع اللبناني قادرة على دفع بدلات إيجار مرتفعة شجع بعض الملاك على رفع أسعار عقاراتهم، مستغلين حاجة الكثيرين إلى السكن".

خارج حدود القدرة

بعض الأسر اللبنانية تعاني من عدم القدرة على استئجار منزل بأي بدل إيجار، ومن بينهم حسن، الذي يروي معاناته قائلاً "بعد حوالي عشرة أشهر، عاد شبح النزوح ليطرق أبوابنا من جديد. كنا قد نزحنا من جنوب لبنان، واعتقدنا أننا وجدنا ملاذاً آمناً في منزلنا في الضاحية الجنوبية، وإذ بنا نجد أنفسنا مجبرين على الرحيل مرة أخرى".

يتابع حسن في حديث لموقع "الحرة" أنه عقب اغتيال شكر، قرر وعائلته مغادرة الضاحية. وبعدما اطلع على أسعار الإيجارات في جبل لبنان، فوجئ بأسعار الإيجارات، ونتيجة لذلك، اختار الانتقال إلى منزل خاله في الدامور".

ويشرح "حزمنا أمتعتنا وكأننا نغادر إلى الأبد. ملابسنا، مؤونتنا، وصورنا التي تحمل ذكريات العمر، أصبحت مجرد حمولة ثقيلة نحملها على أكتافنا."

ويضيف "فرض علينا الانتقال من منزل إلى آخر، وتحمّل مأساة تلو الأخرى. كل ما نتمناه الآن هو عدم اندلاع حرب جديدة، لأن الثمن سيدفعه الأبرياء، ونأمل أن يأتي يوم نعود فيه إلى حياتنا الطبيعية ونعيش في سلام وأمان".

الفئات القادرة على دفع الإيجار إما تمتلك بحسب ما يقوله أبو شقرا "قدرات مالية أو تتبع سياسة التكيف أي تحرم نفسها من بعض الاحتياجات الأساسية لتأمين بدل الإيجار، مما يثقل قدرتها الشرائية" ويشير إلى أن "عدداً كبيراً من اللبنانيين يعتمدون على التحويلات الخارجية من أقاربهم في الخارج منذ الأزمة الاقتصادية المستمرة منذ عام 2019، والتي أدت إلى انهيار سعر صرف العملة الوطنية".

ويشدد أبو شقرا على أنه من الصعب تحديد حجم الطلب على الشقق وعدد المؤجر منها ومتوسط الإيجار في الفترة الحالية، موضحاً أن البلديات هي الجهة المسؤولة عن توفير هذه البيانات، "إلا أن العديد منها إما معطل كلياً أو مشلول بسبب تراجع القدرات المادية، مما يعيقها عن أداء دورها بشكل فعال".

حق.. وليس سلعة

أثارت قضية النازحين جدلاً واسعاً، حيث دعا بعض الناشطين على وسائل التواصل الاجتماعي إلى عدم تأجير المنازل لهم ورفع أسعار الإيجارات بشكل كبير. هؤلاء الناشطون برروا موقفهم بأن النازحين هم من مناصري حزب الله، وأن عليهم تحمل تبعات الصراعات التي يرون أن الحزب مسؤول عنها.

في المقابل، ظهرت مبادرات فردية وجماعية تسعى لتأمين مساكن للنازحين دون مقابل، في محاولة للتخفيف من معاناتهم والوقوف بجانبهم في ظل الظروف الصعبة التي يمرون بها.

الدعوات لعدم تأجير النازحين تجسدت في الواقع بتعرّض عائلة نازحة من الجنوب للطرد من منزل كانت قد استأجرته قبل يوم واحد فقط في قرية غريفة الشوفية.

هذا الحادث أثار ضجة كبيرة، ما دفع الهيئة العامة للمجلس المذهبي لطائفة الموحدين الدروز إلى دعوة أبناء الجبل إلى التضامن الوطني واحتضان النازحين كضيوف مكرمين، مشددة خلال اجتماع عقدته أمس الخميس، على ضرورة رفض أي استغلال مادي من أصحاب الشقق والمنازل للنازحين الذين اضطرتهم الحرب إلى ترك بيوتهم.

كما دعا رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي، النائب تيمور جنبلاط، جميع المالكين إلى "عدم الاستغلال المادي ومراعاة المعدلات الطبيعية لأسعار إيجارات الشقق والمنازل التي يستأجرها النازحون من أبناء الجنوب، والتعامل مع مقتضيات هذه المرحلة بمنتهى التضامن الوطني والاجتماعي والإنساني". جاء ذلك خلال اجتماع مشترك ضمّ النواب أعضاء كتلة اللقاء الديمقراطي، ووكلاء داخلية "التقدمي"، وبعض المؤسسات المعنية، عقد لبحث التطورات الراهنة قبل أيام.

كذلك عبّرت نقابة المالكين عن رفضها "حصول أي حالات استغلال أو تجاوز في الإيجارات" مؤكدة إصرارها على بقائها ضمن المعقول، "وهذا ما يحصل في الغالبية العظمى من المساكن المعروضة للإيجار والتي لم تتجاوز المعدلات العامة للإيجار بحسب المنطقة والمساحة ونوعية البناء وسعر المتر".

ودعت نقابة في بيان "جميع المالكين في هذه الظروف الصعبة جداً إلى التكاتف والتضامن كما دأبوا دائماً مع أهلهم النازحين من مختلف المناطق اللبنانية".

ويؤكد رئيس بلدية قبيع (بلدة في محافظة جبل لبنان)، إبراهيم بو فخر الدين، أنه على الرغم من "الهجمة" على استئجار المنازل في البلدة، إلا أن "أسعار الإيجارات لا تزال مستقرة ولم تشهد أي ارتفاعات غير مبررة، وهي كما كانت في الحالات الطبيعية خلال مواسم الاصطياف".

ويوضح بو فخر الدين في حديث لموقع "الحرة" أن "سقف أسعار الإيجار لا يتجاوز 400 دولار للشقة المفروشة و250 دولاراً للشقة غير المفروشة"، ويشير إلى أن "البلدية تعمل على تسجيل أسماء المستأجرين ومراقبة الأسعار بشكل مستمر لمنع أي استغلال، وقد تم تشكيل خلية أزمة لهذا الغرض".

من جانبها تشدد جعارة على أن "السكن ليس سلعة، بل حق إنساني"، مشيرة إلى أن "الإيجارات في لبنان تُعد من الأغلى عالمياً مقارنة بالحد الأدنى للأجور، حيث تتجاوز 50% من دخل المواطنين"، ومنبهة إلى أنه "من الصعب في لبنان معاودة انخفاض الأسعار في حال ارتفعت".

ودعت جعارة السلطتين التنفيذية والتشريعية إلى تحمل مسؤوليتهما والتدخل العاجل لوضع سياسات لضبط سوق الإيجارات وحماية حقوق المستأجرين ومنع الاستغلال، مشيرة إلى إمكانية تبني عقود إيجار موسمية لمدة ثلاثة أشهر كحل مؤقت يطمئن المالكين الذين يخشون من عدم مغادرة المستأجرين للسكن بعد انتهاء العقد.

يذكر أن إسرائيل وجماعة حزب الله، المصنفة ارهابية، تتبادلان القصف بشكل شبه يومي عبر الحدود منذ الهجوم الذي شنته حماس في 7 أكتوبر على إسرائيل، والذي أدى إلى اندلاع الحرب في قطاع غزة. ومع اغتيال شكر تعززت المخاوف من توسّع رقعة الحرب إلى لبنان والمنطقة.

رئيس الحكومة اللبناني المكلف نواف سلام - رويترز
سلام يواجه مهمة شاقة لإيجاد توازن بين المطالب الداخلية الملحة والتوقعات الدولية المشددة

بين مطرقة الأزمات الداخلية وسندان الضغوط الخارجية، يقف لبنان أمام منعطف سياسي جديد مع تكليف نواف سلام بتشكيل الحكومة المقبلة. 

ففي ظل مشهد سياسي معقد وأزمة اقتصادية خانقة، يواجه رئيس الوزراء المكلف مهمة شاقة لإيجاد توازن بين المطالب الداخلية الملحة والتوقعات الدولية المشددة.

وعلى الرغم من إعلان واشنطن نأيها عن التدخل المباشر في عملية التشكيل، فإن رسائلها واضحة وحازمة: تشكيل حكومة تخلو من تأثير حزب الله، وتضم شخصيات نزيهة وذات كفاءة، تمثل روح لبنان الجديد الذي يتطلع إليه المجتمع الدولي.

تشير التسريبات الإعلامية حتى الآن إلى احتمال منح رئيس الوزراء المكلف، نواف سلام، حقائب وزارية لحزب الله في الحكومة المرتقبة. هذا السيناريو يطرح تحدياً كبيراً: كيف يمكن لحكومة تضم الحزب أن تتماشى مع خطاب القسم لرئيس الجمهورية جوزاف عون، الذي شدد على الالتزام باتفاق وقف إطلاق النار بين لبنان وإسرائيل، بما في ذلك سحب سلاح حزب الله؟

حزب الله يسوّق لـ"انتصار وهمي جديد" في لبنان
يسعى حزب الله، المصنّف كجماعة إرهابية، إلى الترويج لما يصفه بـ"انتصار جديد" على الجيش الإسرائيلي، عقب انسحاب القوات الإسرائيلية من عدد من البلدات الجنوبية، إثر عودة السكان إليها بدفعٍ من الحزب، جاء ذلك بعد انتهاء مهلة اتفاق وقف إطلاق النار في 26 يناير، والذي تم تمديده لاحقاً حتى 18 فبراير.

الأمر لا يتوقف عند هذا الحد، إذ أن مشاركة حزب الله في الحكومة قد تؤثر بشكل مباشر على الدعم الدولي للبنان، الذي يمر بأزمة اقتصادية خانقة، ويحتاج إلى مساعدات مالية عاجلة وإعادة إعمار في المناطق المتضررة. فكيف سينعكس ذلك على قدرة لبنان في كسب ثقة المجتمع الدولي واستقطاب المساعدات التي باتت ضرورية للخروج من أزمته؟

في المقابل، يبرز سيناريو آخر: إذا اختار سلام تشكيل حكومة خالية من حزب الله، ترضي الدول الخليجية والمجتمع الدولي، فهل سيتمكن من تجاوز العقبات الداخلية والضغوط السياسية التي قد تعرقل هذا التوجه؟

تحد مزدوج

لا تتدخل "الولايات المتحدة بشكل مباشر في تشكيل الحكومة اللبنانية وتحديد أسماء الوزراء"، لكنها تركز كما تقول كبيرة الباحثين في معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى، حنين غدار، "على الأهداف الكبرى التي يجب أن تحققها الحكومة الجديدة".

وتوضح غدار في حديث لموقع "الحرة" أن "هناك احتمالاً لأن يعتمد نواف سلام ورئيس الجمهورية جوزاف عون على استراتيجية تعيين وزراء لا يظهر ارتباطهم العلني بحزب الله، لكنهم يعملون تحت توجيهاته"، وتضيف "بالنسبة لأميركا، التفاصيل حول الأسماء أو الانتماءات السياسية ليست ذات أهمية بقدر ما يهمها الأداء الحكومي"، ومع ذلك، تؤكد أن واشنطن ترفض بشكل قاطع "أي حكومة تضم ممثلين علنيين عن حزب الله ".

من جانبه، المحلل السياسي السعودي الدكتور خالد باطرفي، متفائل بأن الحكومة التي سيتم تشكيلها "ستستجيب في النهاية للضغوط الدولية كونه لا يمكن تجاهلها".

ويقول باطرفي لموقع "الحرة"، "لن يشكل القاضي نواف سلام، ورئيس الجمهورية المعروفان بالنزاهة والكفاءة واستقلالية القرار، حكومة دون موافقة المجتمع الدولي. فهذا يعني أن خارطة الطريق التي أعلنها عون وتبناها سلام لن تُنفذ، وهي خارطة تعتمد أساساً على تعاون المجتمع الدولي، وعلى رفع العقوبات، استعادة أموال المودعين، ونزع السلاح. تحقيق كل هذه الأهداف مستحيل في ظل هيمنة حزب الله."

أما الباحث في المعهد اللبناني لدراسات السوق، خالد أبو شقرا، فيشير إلى أن التشكيلات الحكومية المسربة تؤكد منح حزب الله حقائب وزارية كوزارة الصحة، ويؤكد أن "أي حكومة في لبنان ستواجه صعوبات كبيرة إذا لم تضم تمثيلًا للقوى السياسية الأساسية والكتل النيابية الكبرى، حيث قد تُعرقل مشاريع القوانين التي ترسلها إلى مجلس النواب".

ويوضح أبو شقرا لموقع "الحرة" أن "أمام الحكومة المقبلة تحدٍ مزدوج، يتمثل في مخاطر غياب الدعم المالي الدولي إذا شارك حزب الله فيها، مقابل خطر عدم قدرتها على تنفيذ مشاريع وخطط تنموية تشمل قطاعات حيوية مثل القضاء والأمن والاقتصاد والمالية".

وفي السياق، أعلن الرئيس المكلف نواف سلام، أمس الأربعاء، بعد لقائه رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون في قصر بعبدا، انه "يعمل على تشكيل حكومة منسجمة وحكومة إصلاح تضم كفاءات عالية، ولن أسمح أن تحمل في داخلها إمكان تعطيل عملها بأي شكل من الأشكال، ولأجل هذه الغاية عملت بصبر".

وفي موضوع الحزبيين قال سلام "أدرك أهمية عمل الأحزاب، لكن في هذه المرحلة الدقيقة اخترت فعالية العمل الحكومة على التجاذبات السياسية، وما نحن أمامه هو ارساء عملية الاصلاح بما يليق بكم".

مستقبل المساعدات

"تراقب واشنطن عن كثب التزام الحكومة المرتقبة بتطبيق القرارات الدولية، خصوصاً ما يتعلق بنزع سلاح حزب الله"، كما تقول غدار، موضحة أن "الجيش اللبناني، رغم جهوده، لا يمكنه تنفيذ القرارات الدولية دون قرار سياسي واضح من الحكومة"، وتوضح أن "إدارة ترامب لن تتعامل مع أي حكومة لا تلتزم بهذه الشروط، وستوقف المساعدات وربما التمويل المقدم للجيش اللبناني".

وترى غدار أن تشكيل حكومة غير متعاونة مع الشروط الدولية، سيضع لبنان ضمن المحور المناهض للولايات المتحدة في المنطقة، وتقول "الموقف الأميركي واضح: إما مع أميركا أو ضدها. لا مجال للمواقف الرمادية"، وتشير إلى أنه "إذا اختار لبنان المحور المناهض لأميركا، عندها ستمنح واشنطن إسرائيل حرية التحرك في لبنان".

وتشدد على أن "البيان الوزاري للحكومة الجديدة يجب أن يتماشى مع خطاب القسم لرئيس الجمهورية"، مؤكدة أن لبنان في ظل أزمته الاقتصادية "بحاجة ماسة إلى الدعم الأميركي، والخيار أمامه واضح: إما الالتزام بالشروط الأميركية، أو مواجهة العزلة الدولية وغياب أي دعم مالي أو اقتصادي".

ثلاثة عوامل أساسية ستحدد مستقبل المساعدات الدولية للبنان، في حال شارك حزب الله في الحكومة، يشرحها أبو شقرا:

1. توقف المساعدات الأميركية: كان لبنان يتلقى ما يقارب 300 مليون دولار سنوياً من الولايات المتحدة عبر السفارة والوكالة الأميركية للتنمية، لدعم الجيش اللبناني، وقطاعات متنوعة تشمل الزراعة، والتنمية الريفية، والبنية التحتية للمياه والصرف الصحي، ودعم جمعيات المجتمع المدني. ويعتبر هذا المبلغ، الذي يمثل حوالي 1.5-2% من الناتج المحلي الإجمالي، رقماً كبيراً يعكس أهمية هذا الدعم.

2. غياب تطبيق القوانين الإصلاحية: أقر البرلمان اللبناني في السنوات الماضية عدداً من القوانين المتعلقة بالإصلاحات المالية ومكافحة الفساد، مثل إنشاء الهيئات الناظمة لقطاع الكهرباء والطاقة، وتطبيق قانون التبادل التلقائي للمعلومات الضريبية. ورغم ذلك، لم يتم إصدار المراسيم التنفيذية للكثير من هذه القوانين، مما يعيق تقدم البلاد على صعيد الإصلاحات.

3. التصنيف السلبي للبنان دولياً: إدراج لبنان على اللائحة الرمادية لمجموعة العمل المالي يعيق قدرته على الحصول على قروض دولية، نظراً لتصنيفه الائتماني المنخفض جداً. تبلغ ديون لبنان حوالي 100 مليار دولار، أي ما يعادل 500% من الناتج المحلي الإجمالي، مما يجعل أي اتفاق مع صندوق النقد الدولي مستحيل دون إعادة هيكلة شاملة للدين، بما في ذلك شطب

ودائع المودعين، وهو ما يرفضه الفرقاء السياسيون اللبنانيون.

"مسار وحيد"

"لم يتطرق الموفدون العرب والدوليون الذين زاروا لبنان مؤخراً إلى ملف إعادة الإعمار"، كما يقول أبو شقرا "وذلك على عكس ما حدث بعد حرب 2006، مما يعكس ترقبهم للحكومة التي سيشكلها سلام".

 ويوضح أن الحديث عن تمويل إعادة الإعمار عبر إيران "يواجه عقبات كبرى بسبب القيود المفروضة على التحويلات المالية وحصار المنافذ البرية والجوية والبحرية".

ويرى أبو شقرا أن "الحل الوحيد لخروج لبنان من أزمته هو الوصول إلى تسوية شاملة، تتضمن تسليم حزب الله لسلاحه وحل جناحه العسكري، بالإضافة إلى ترسيم الحدود البرية مع إسرائيل، كما جرى سابقاً في الحدود البحرية. تحقيق هذه الشروط قد يؤدي إلى تدفق المساعدات وإطلاق مشاريع إعادة الإعمار، حتى لو لم تُطبق الإصلاحات بالكامل أو بقي لبنان على اللائحة الرمادية".

من جانبه يقول باطرفي "لا أعلم إلى أي مدى قد يغامر الرئيسان بمواجهة ردود فعل الثنائي الشيعي، لكنني أعتقد أنه لا خيار أمامهما سوى المضي قدماً. كما أعتقد أن الثنائي الشيعي، وخصوصاً رئيس مجلس النواب نبيه بري، لن يتمكن من مواجهة العقوبات الدولية التي قد تستهدفه شخصياً، إلى جانب الأموال المهربة وقضايا الفساد المتورط بها هو وحلفاؤه. 

"وبينما قد يحتمي حزب الله بإيران ويختبئ في الأنفاق، أين يمكن لرئيس البرلمان أن يذهب؟ ليس أمامه إلا القبول بالأمر الواقع، إما بالتخلي عن حزب الله أو بإقناعه".

ويختم المحلل السياسي السعودي بالقول "في النهاية، أرى أن المسار الوحيد المتاح هو تشكيل حكومة تعتمد على الكفاءة والنزاهة، قادرة على تنفيذ الإصلاحات المطلوبة وتلبية شروط المجتمع الدولي. أما البديل فهو مواجهة العقوبات، ووقف الدعم المالي، وتعطيل عملية إعادة الإعمار".