لبنان شهد انقطاعا تاما للتيار الكهربائي في جميع أنحاء البلاد ـ صورة أرشيفية.
لبنان شهد انقطاعا تاما للتيار الكهربائي في جميع أنحاء البلاد ـ صورة أرشيفية.

غرق لبنان مجدداً في الظلام الدامس بعد نفاد مخزون مؤسسة كهرباء لبنان من زيت الغاز، مما أدى إلى شلل تام في الحياة اليومية في جميع أنحاء البلاد، وقد تأثرت القطاعات الحيوية بشكل خاص، بدءاً من المطار والموانئ، وصولاً إلى مضخات المياه وشبكات الصرف الصحي، وحتى السجون.

وفي خطوة لاحتواء الأزمة، أعلنت الجزائر الأحد، عن تقديم دعم عاجل للبنان.

وأفادت الإذاعة الجزائرية بأن رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون قرر إرسال شحنة فورية من الوقود إلى لبنان، بهدف إعادة تشغيل محطات الكهرباء، من دون تحديد آلية تنفيذ هذا الدعم أو الإطار الزمني لوصول الشحنة.

وفي الوقت نفسه، أعلن وزير الطاقة والمياه في حكومة تصريف الأعمال اللبنانية، وليد فياض، الأحد، عن إعادة تشغيل محطة كهرباء "الزهراني" قبل منتصف الليل، موضحاً أن هذا الإجراء يهدف إلى استقرار شبكة الكهرباء، خاصة في تأمين الطاقة للمرافق الحيوية مثل مطار بيروت الدولي، وأضاف أن هذا الحل سيضمن استمرار التيار الكهربائي لمدة أسبوع على الأقل، مع السعي لتأمين كميات إضافية من الوقود في الأيام المقبلة.

وتعتبر أزمة الكهرباء في لبنان، من أكثر الأزمات استعصاء في تاريخ البلاد، إذ عجزت الحكومات المتعاقبة منذ تسعينيات القرن الماضي وحتى اليوم عن تأمين إنتاج كاف من الطاقة الكهربائية، وتفاقمت المشكلة بشكل كبير بعد الأزمة المالية التي بدأت منذ عام 2019.

ويمثل قطاع الكهرباء المتعثر في لبنان استنزافا أساسيا لمالية الدولة، إذ كلّف أكثر من 40 مليار دولار منذ عام 1992.

خطط "فاشلة"

واجه لبنان العتمة الشاملة مرات عدة، وفي يوليو الماضي كان على وشك الغرق في هذه الحالة، لولا تدخل الحكومة العراقية التي زودت البلاد بالنفط بعد نفاد الوقود في معمل دير عمار والتحذيرات من انطفاء معمل الزهراني.

وكان لبنان قد وقع على صفقة للتبادل النفطي مع العراق  عام 2021، التي تفرض أن يزوّد العراق لبنان بالوقود، مقابل تحويل مبالغ مالية في حساب خاص بالعراق في مصرف لبنان لتمويل خدمات من لبنان لمصلحة العراق.

ومنذ أغسطس 2021 بدأ العراق تطبيق الاتفاقية التي تنص، بحسب الباحث في المعهد اللبناني لدراسات السوق، خالد أبو شقرا، على "تزويد لبنان بمليون طن من الوقود بقيمة 460 مليون دولار لمدة عام، هذه الاتفاقية وافق عليها مجلس النواب، إلا أن المشكلة تكمن في تجديدها دون موافقته ورفع كمية الوقود المستوردة مما زاد التكاليف إلى حوالي 700 مليون دولار".

ويضيف أبو شقرا في حديث لموقع "الحرة" أن "مصرف لبنان أعلن توقفه عن سداد ثمن شحنات الوقود العراقي من الاحتياطي الإلزامي من العملات الأجنبية دون قانون صادر عن مجلس النواب، بسبب عدم وجود رصيد لوزارة الطاقة، ولتجنب الضغط على سعر صرف الدولار في السوق، وبالتالي تكرار المشاكل الاقتصادية التي أدت سابقاً إلى تراكم الديون".

توقف العراق عن تصدير الفيول إلى لبنان، مما دفع المسؤولين اللبنانيين بحسب أبو شقرا لاقتراح شراء الفيول نقداً من دولة أخرى" معتبراً أن هذه الخطوة "ساذجة للغاية"، متسائلا "كيف يمكن لدولة تستدين الفيول من العراق أن تدفع ثمنه نقداً لدولة أخرى".

في نوفمبر 2022 رفعت وزارة الطاقة اللبنانية تعرفة الكهرباء في إطار خطة الطوارئ الاقتصادية بأكثر من 160 ضعفاً، عن ذلك يعلّق الباحث في دراسات السوق "تم ذلك بناءً على توقعات بأن تتمكن كهرباء لبنان من شراء الفيول من عائدات الجباية المرتفعة خلال ستة أشهر، على أن تستمر الحكومة بتأمين الفيول خلال هذه الفترة الانتقالية حتى تصل ساعات التغذية في عام 2025 إلى 14 ساعة يومياً".

وتضمنت الخطة شروطاً أساسية، منها "دفع السلطة اللبنانية أكثر من مليوني دولار سنوياً كفواتير كهرباء للمؤسسات العامة، ودفع المنظمات الدولية فواتير الكهرباء لمخيمات اللاجئين، كما تتطلب الخطة دعماً من وزارتي الدفاع والقضاء لضمان حسن تنفيذها".

ماذ ينتظر الموسم السياحي في لبنان؟
"شظايا قاتلة" تضرب موسم السياحة اللبناني.. والخسائر بالمليارات
أصيب الموسم السياحي في لبنان بـ"شظايا قاتلة" نتيجة التصعيد العسكري بين حزب الله وإسرائيل، وتبادل التهديدات بين الطرفين. جاء ذلك بعدما نعى الأمين العام لاتحاد النقابات السياحية، جان بيروتي "الموسم السياحي قبل أن يبدأ".

لكن منذ أواخر 2022 وحتى اليوم، فشلت الدولة اللبنانية، وفق أبو شقرا "في تسديد الفواتير المرتفعة للقطاع العام، في وقت خفض المواطنون استهلاك الكهرباء بشكل كبير، إذ ألغى ما يزيد عن 1% من اللبنانيين اشتراكاتهم في كهرباء الدولة، وذلك في ظل انتشار اشتراكات المولدات الخاصة وألواح الطاقة الشمسية".

الأسئلة تُثار، كما يشدد أبو شقرا بشأن فعالية رفع التعرفة، "خصوصاً في ظل عدم وجود موازنة أو قطع حساب لمؤسسة كهرباء لبنان للعامين 2023 و2024، مما يجعل من الصعب معرفة حجم الأموال التي دخلت إلى خزينة هذه المؤسسة" ويضيف أن "هذه الأموال، التي يُقدّر أنها ليست كبيرة، لا تكفي لشراء الفيول نظراً للأكلاف التشغيلية الكبيرة".

دعم جدّي أم استهلاك اعلامي؟

بعد دخول لبنان في العتمة الشاملة مؤخراً، أعلنت الجزائر استعدادها لتزويد لبنان بالوقود كهبة، كما تعهدت مصر بإرسال الغاز إليه، وكانت حكومات أربع دول عربية قد اتفقت في سبتمبر من العام 2020، على ضخ الغاز الطبيعي المصري إلى لبنان، عبر الأردن وسوريا، لمساعدته على تعزيز إنتاجه من الكهرباء، لتخفيف أزمة طاقة أصابت البلد بالشلل، وفي يناير من العام 2022، عقد لبنان مع الأردن اتفاقية لاستجرار الطاقة منه عبر سوريا.

لكن كما يشير أبو شقرا "يواجه لبنان مشكلة طويلة الأمد مع الجزائر منذ عام 2020، بسبب خلاف قانوني مع شركة "سوناطراك" الجزائرية التي كانت تزوّد لبنان بالفيول، مما أدى إلى دعاوى قضائية لم تُحل حتى اليوم".

وتساءل أبو شقرا عن "جدية إعلان الجزائر عن تقديم الهبة، مشيراً إلى أن التجارب السابقة في العلاقات العربية مع هذا البلد لم تكن مشجعة".

كما إن إرسال الغاز من مصر إلى لبنان عبر الأنابيب من خلال سوريا أمر معقد، كما يقول، "بسبب عقوبات قيصر على سوريا التي انتهى سريان مدتها القانونية من دون أن تعلن الولايات المتحدة الأميركية رفع الحظر. وحتى لو تم إرسال الغاز عبر البحر، فإن لبنان لا يمتلك محطات لتشغيل المعامل باستخدامه، مما يجعل هذين الاقتراحين للاستهلاك الإعلامي أكثر من كونهما حلولاً جادة".

ويرى أن "هناك احتمالاً بأن يتكرر ما حدث في عام 2020، أي تأمين الوقود للبنان عبر تبرعات من أطراف داخلية، لكن هذه الخطط تواجه عقبات تقنية وسياسية ولوجستية عديدة".

ويشدد على أنه "في ظل هذا الواقع، يبدو أن لبنان يواجه خطرين: الأول، إذا توقفت الحكومة عن دفع ثمن الفيول العراقي، إذ قد يتم رفع تعرفة الكهرباء إلى 36.7 سنتاً، وهو سعر مرتفع جداً. والثاني، استمرار التسول من الدول الأخرى واستخدام الهبات والمساعدات لأغراض سياسية داخلية، مما يعيد البلاد إلى المربع الأول دون حل حقيقي".

مكمن المشكلة

على مدى ما يقارب 3 عقود، أخفقت السلطات اللبنانية في إدارة شركة الكهرباء الوطنية "مؤسسة كهرباء لبنان"، مما أدى إلى تفاقم الأزمات المعيشية في البلاد. وفي تقرير صدر في مارس من العام 2023 عن منظمة "هيومن رايتس ووتش" بعنوان "كأنك عم تقطع الحياة.. تقاعس لبنان عن ضمان الحق في الكهرباء"، أكدت المنظمة أن الانقطاعات المتكررة والشاملة للتيار الكهربائي تنتهك حق سكان لبنان في الحصول على الكهرباء وتؤثر على حقوقهم الأساسية في العيش الكريم، والتعليم، والصحة، وحرية التنقل، وبيئة صحية.

وأشارت المنظمة إلى أن العقود الطويلة من السياسات غير المستدامة والإهمال الفادح، التي تعكس هيمنة النخبة على موارد الدولة وفساد المصالح الخاصة، أدت إلى انهيار قطاع الكهرباء بالكامل في ظل الأزمة الاقتصادية المستمرة. هذا الوضع ترك البلاد بلا كهرباء لساعات طويلة خلال اليوم، مما عمّق معاناة المواطنين وزاد من حدة الفقر وعدم المساواة.

شمال لبنان يشهد حملة واسعة لإخلاء اللاجئين السوريين
حملة إخلاء "شرسة" في شمال لبنان.. اللاجئون السوريون يواجهون مصيرا مجهولا
كان محمود في العاشرة من عمره عندما اضطر إلى الهرب مع والدته من القصف الذي دمر مدينته إدلب، تاركاً وراءه طفولته وذكرياته، ليجدا نفسيهما لاجئين في لبنان، حيث استقر بهما الحال في دكان صغير بمنطقة جبل البداوي شمال البلاد، وذلك بسبب معاناة والدته من آلام مزمنة في الظهر مما يحول دون إمكانية سكنهما في شقة تتطلب صعود الأدراج.

من جانبه، يرجع الخبير الاقتصادي الدكتور باتريك مارديني، الأزمة التي يعاني منها لبنان حالياً إلى "سوء إدارة ملف الطاقة من قبل الحكومة اللبنانية، ووزارة الطاقة ومؤسسة كهرباء لبنان"، معتبراً أن "جميع هذه الجهات تتحمل المسؤولية".

ويوضح مارديني في حديث لموقع "الحرة" أن "مشكلة الكهرباء في لبنان تكمن في أن مؤسسة كهرباء لبنان تبيع الكهرباء دون تحصيل الفواتير المستحقة، وحتى الأموال التي يتم تحصيلها لا تكفي لتغطية تكلفة الوقود، ومع مرور الوقت، تجد المؤسسة نفسها غير قادرة على دفع ثمن الوقود."

ويضيف أن "وزارة الطاقة حاولت تبرير رفع تعرفة الكهرباء من خلال وعود بتحسين عملية التحصيل، مدعية أن زيادة التعرفة ستوفر الأموال اللازمة لشراء الوقود دون الحاجة إلى الاستدانة من الحكومة اللبنانية، لكن هذه الوعود كانت زائفة، إذ لم يُبذل أي جهد حقيقي لتحسين الإدارة أو عملية تحصيل الفواتير".

ويشير إلى أن "الفشل المستمر لوزارة الطاقة في تحقيق التوازن المالي وتغطية نفقاتها من إيراداتها هو السبب الأساسي للأزمة الحالية في قطاع الكهرباء، مؤكداً أن هذه المشكلة مستمرة حتى اليوم".

ويتابع مارديني قائلاً "إلى جانب مشكلة سوء الإدارة، ثمة مشكلة أخرى تتعلق بكيفية إبرام الصفقات العامة في ملف الوقود. كان من المفترض أن تُجرى مناقصات للحصول على أفضل نوعية بأقل سعر. إلا أن اللبنانيين اكتشفوا أن صفقة الوقود مع العراق، التي تم تسويقها على أنها تبادل مقابل خدمات طبية، ستكلف لبنان أكثر من مليار دولار، هذا يثير شكوكاً بشأن وجود نية سيئة في تسويق هذه الصفقة، بهدف التهرب من الأطر القانونية وتجنب إجراء المناقصات، مما يرفع من شبهات الفساد."

ويعرب عن مخاوفه من أن تكون صفقة الوقود مع الجزائر مشابهة لتلك التي تمت مع العراق، محذراً من تجاوز الأطر القانونية.

"طوق النجاة"

أصبحت أزمة الكهرباء في لبنان محوراً أساسياً في شروط أي خطة إصلاحية يطالب بها صندوق النقد الدولي لمعالجة الأزمة اللبنانية. ويشدد أبو شقرا أن "إصلاح قطاع الكهرباء بات ضرورة ملحة، ليس فقط لتحسين حياة اللبنانيين اليومية، ولكن أيضاً لإنعاش الاقتصاد وجذب الاستثمارات للخروج من الأزمة الاقتصادية المتفاقمة".

أما الحل الأساسي لأزمة الكهرباء في لبنان فيكمن، كما يرى أبو شقرا، في تطبيق قانون الهيئة الناظمة لقطاع الكهرباء (قانون 462/2002)، "الذي يفسح المجال أمام الترخيص للقطاع لإنتاج الكهرباء، خصوصا من مصادر الطاقة المتجددة، يساعد على ذلك إقرار البرلمان اللبناني العام الماضي قانون انتاج الطاقة المتجددة والموزع. الامر الذي يسمح بأوسع تعاون بين الهيئات المحلية اللامركزية الممثلة بالبلديات بالتعاون مع القطاع الخاص لإنتاج الكهرباء من مصادر الطاقة المتجددة وتأمينها 24/24 وبكلفة لا تتجاوز 10 سنت للكيلوواط/ساعة".

ويضيف "بدأت العديد من التجارب والمبادرات الفردية في هذا المجال تبصر النور في لبنان، نظرا للحاجة الماسة إلى وجود الكهرباء التي فشلت الدولة مرارا وتكرارا في تأمينها على مدار السنوات الطوال".

كذلك يشدد مارديني على أن "حل أزمة الكهرباء لا يمكن أن يأتي من مؤسسة كهرباء لبنان أو وزارة الطاقة، بل من خلال اعتماد اللامركزية في إنتاج الطاقة، من خلال استثمار القطاع الخاص في مزارع الطاقة الشمسية وبيع الكهرباء مباشرة للمستهلكين دون المرور بوزارة الطاقة ومؤسسة كهرباء لبنان، وأي حلول بديلة مجرد محاولات لتمرير صفقات مشبوهة".

لبنان وحماس

في حدث معبر وغير مسبوق، أظهرت الدولة اللبنانية صلابة في موقفها، وأجبرت حركة حماس، التي طالما استخفت بالسيادة اللبنانية، على الانصياع.

بعد تحذير حازم، من مجلس الدفاع الوطني اللبناني، سلمت حماس عددا من المطلوبين بتهمة إطلاق صواريخ من جنوب لبنان نحو إسرائيل، وهو تصعيد لم تكن الدولة اللبنانية لتواجهه بردع مباشر في السابق، إذ غالبا ما كانت تتم معالجة خروقات كهذه ضمن تفاهمات خلف الكواليس، خصوصا بوجود غطاء سياسي لحماس في لبنان من حزب الله. 

لكن هذه المرة، بدا الأمر مختلفا تماما.

الرسالة كانت واضحة: لم يعد بإمكان أي جهة أن تتصرف خارج سلطة الدولة اللبنانية.

استعادة السيادة

في أبريل الماضي، أعلن الجيش اللبناني ضبط عدة صواريخ ومنصات إطلاق واعتقل عددا من الأشخاص في جنوب لبنان، وقال إن التحقيقات جارية تحت إشراف القضاء.

حماس، التي اعتادت التلاعب بالسيادة اللبنانية مسنودة بتحالفاتها الإقليمية وصلاتها بحزب الله، وجدت نفسها الآن مجبرة على تسليم المطلوبين، في خطوة تعكس هشاشة موقفها وانحسار الدعم الذي طالما استفادت منه.

هذه الاستجابة السريعة تأتي بعد الهزيمة العسكرية التي تعرضت لها الحركة في غزة خلال الحرب الأخيرة مع إسرائيل. فبينما تكبدت حماس خسائر فادحة، أظهرت التطورات الميدانية في لبنان تراجعا واضحا في تأثيرها ونفوذها.

فهل نحن أمام إعادة صياغة لدور حماس في لبنان؟ أم أن الحركة تسعى لتجنب مواجهة جديدة قد تكون مكلفة في ظل تغير الموازين السياسية والأمنية في المنطقة؟

نقطة التحول المفصلية

أصبحت بيروت منذ عام 2019 حاضنة رئيسية لقيادات حماس ومحطة مهمة لوجودها السياسي والأمني، كما ذكر مركز "كارنيغي".

ولا شك أن اللحظة التي أُعلنت فيها استراتيجية "وحدة الساحات" 

وقبل هجوم حماس على إسرائيل في أكتوبر 2023 وتشكيل غرفة عمليات مشتركة في الضاحية الجنوبية لـ"محور الساحات،" أعلنت حماس وحزب الله استراتيجية "وحدة الساحات".

وبدت تلك اللحظة وكأنها "تمهيد لانقلاب شامل على الوضع اللبناني ومحاولة لفرض سيطرة محور الممانعة على كامل الأراضي اللبنانية وعلى جميع القوى السياسية دون استثناء مع بروز دور حركة حماس كعامل فلسطيني رديف لحزب الله في لبنان".

نشاط حماس في لبنان "يتعارض مع السياسة الرسمية الفلسطينية في التعاطي مع الشأن اللبناني"، يقول مدير مركز تطوير للدراسات الاستراتيجية والتنمية البشرية الباحث الفلسطيني، هشام دبسي لموقع "الحرة".

وتبنت حماس إطلاق صواريخ من لبنان خلال المواجهة التي بدأها حزب الله ضد إسرائيل عام 2023 على خلفية الحرب في قطاع غزة، لكن التطورات الميدانية وعمليات الاغتيال التي نفذتها إسرائيل قلبت المشهد رأساً على عقب".

وجاءت "تداعيات الضربات الإسرائيلية على حزب الله ومحور الممانعة في لبنان قاسية ليس فقط على حركة حماس بل على حزب الله ذاته"، يقول دبسي لموقع "الحرة".

وشكّلت عملية اغتيال نائب رئيس مكتب حماس السياسي، صالح العاروري في لبنان في يناير 2024، وفق ما يقوله دبسي "نقطة تحول رئيسية في مسار حركة حماس التي كانت تعيش حالة من الصعود على المستويين الفلسطيني واللبناني".

ويتابع "لكن نتائج الحرب الأخيرة وضعت الحركة في مأزق تحالفها مع حزب الله إذ لم تعد قادرة على فك ارتباطها بهذا التحالف كما لا تستطيع اتخاذ خطوة تراجع منهجية تقتضي بتسليم سلاحها للدولة اللبنانية والالتزام بالشرعية الفلسطينية ممثلة بمنظمة التحرير وسفارة فلسطين في لبنان".

يذكر أن العاروري، قتل مع اثنين من قادة الجناح العسكري للحركة، في ضربة إسرائيلية استهدفت مكتبا للحركة في الضاحية الجنوبية للعاصمة اللبنانية بيروت، أحد معاقل جماعة حزب الله اللبنانية.

رسالة واضحة

حذّر مجلس الدفاع الوطني اللبناني حماس من استخدام الأراضي اللبنانية للقيام بأي أعمال تمس بالأمن القومي اللبناني تحت طائلة اتخاذ أقصى التدابير والإجراءات اللازمة لوضع حد نهائي لأي عمل ينتهك السيادة اللبنانية.

يتجلى في خطوة المجلس هذه بعدان أساسيان، يشرحهما دبسي "الأول هو انقلاب موازين القوى الداخلية لصالح الدولة اللبنانية في مواجهة سلاح الميليشيات حيث يعكس هذا التحرك تحولاً نوعياً نحو تعزيز سيطرة الدولة على السلاح وتقليص نفوذ الجماعات المسلحة".

الثاني "هو ترجمة خطاب القسم الرئاسي والبيان الوزاري إلى خطوات عملية تهدف إلى حصر السلاح بيد الدولة اللبنانية وفي هذا الإطار جاء إطلاق مجموعة من حركة حماس صواريخ من الأراضي اللبنانية نحو إسرائيل ليشكل اختباراً لمدى جدية العهد الجديد في فرض سيادة الدولة وقد كان الرد الإسرائيلي العنيف بمثابة إنذار لما قد تترتب عليه مثل هذه العمليات من تداعيات خطيرة".

وبالتالي فإن الدولة اللبنانية بسياساتها الجديدة لا يمكنها وفق ما يشدد دبسي "التغاضي عن هذه التطورات أو التعامل معها كما كان يحدث في السابق، بل على العكس جاء توجيه الإنذار لحركة حماس كرسالة واضحة بأن قرار السلاح والسيادة بات في يد الدولة اللبنانية ولن يُسمح لأي طرف بتجاوزه".

وفي ما يتعلق بتقييم استجابة حركة حماس لطلب تسليم المطلوبين، يرى دبسي أن الحركة "في البداية كانت مترددة وحاولت الاعتماد على علاقاتها التقليدية مع حزب الله وباقي قوى محور الممانعة في لبنان لكن مع إدراكها أن حزب الله لن يقدم لها الدعم ولن تستطيع الاحتماء بمظلته أو بمظلة أي من القوى اللبنانية الأخرى لم يبق أمامها سوى خيارين إما تسليم العناصر المطلوبة للدولة اللبنانية أو مواجهة الدولة دون أي غطاء لبناني داخلي ودون أي غطاء فلسطيني أيضاً".

ويشير دبسي إلى "أن منظمة التحرير الفلسطينية طالبت حماس مرارا بتسليم المطلوبين وعدم استخدام الأراضي اللبنانية لإطلاق الصواريخ حتى لا تعرض مجتمع اللاجئين الفلسطينيين لردود الفعل الإسرائيلية".

وبناء على ذلك اضطرت حركة حماس "في نهاية المطاف للاستجابة لمطلب الدولة اللبنانية كخيار إجباري لا مفر منه".

تصدّع التحالف

كشفت التطورات الأخيرة عمق الخلافات والتباينات الميدانية بين حماس وحزب الله، إذ لم يعد أي منهما قادراً على مساندة الآخر في ظل الظروف الراهنة، بحسب ما يرى دبسي.

ويشرح أن "حزب الله الذي أعلن التزامه بموقف الدولة اللبنانية لم يعد قادراً على تقديم الغطاء لحماس أو حمايتها، ما يعكس حالة من التباعد بين الطرفين، خاصة وأن حزب الله يشعر بأن حماس قد خدعته بعملية 'طوفان الأقصى'، إذ لم تنسق العملية معه ولم تُعلمه بموعدها مسبقاً".

في المقابل، "تشعر حماس بأن حزب الله لم يكن وفياً بما يكفي في دعمه للحالة الفلسطينية ولم يلتزم بتعهداته كما تتصور الحركة. وهكذا، باتت العلاقة بين الطرفين أقرب إلى تبادل الاتهامات وتحميل المسؤولية؛ فحزب الله يلقي اللوم على حماس بسبب التصعيد الميداني غير المنسق، بينما ترى حماس أن حزب الله استخدم إطلاق النار من لبنان كغطاء دون التشاور معها".

في ظل هذه التوترات، عادت قضية سحب السلاح الفلسطيني من المخيمات إلى الواجهة، وسط توقعات بإعلان الدولة اللبنانية عن خريطة طريق واضحة لتنفيذ هذه الخطوة، وفقاً لدبسي.

يُذكر أن ملف السلاح الفلسطيني في لبنان ينقسم إلى محورين: السلاح داخل المخيمات وخارجها. وقد أنجز ملف السلاح خارج المخيمات بالكامل، بينما يجري العمل حالياً لضبط السلاح داخل المخيمات.

وتندرج هذه القضية ضمن إطار القرار 1559 الصادر عام 2003، والذي ينص على نزع سلاح الميليشيات والقوى الأجنبية غير اللبنانية، بما فيها السلاح الفلسطيني.

يشير دبسي إلى أن "الشرعية الفلسطينية سبق أن أعلنت دعمها لتطبيق القرارين 1559 و1701، وأبدت استعدادها للتعاون الكامل مع الدولة اللبنانية لتنظيم الوجود المسلح داخل المخيمات وخارجها".

وكان الرئيس الفلسطيني محمود عباس قد أكد خلال زيارته السابقة إلى قصر بعبدا في عهد الرئيس ميشال سليمان على تسهيل عمل الحكومة اللبنانية في إنهاء هذا الملف، لكن التطبيق تعثر بفعل هيمنة "محور الممانعة".

وفي هذا السياق، تتجه الأنظار إلى زيارة عباس المرتقبة إلى لبنان في 21 مايو، "حيث يتوقع أن تحمل مؤشرات حول كيفية تنفيذ المبادرة السياسية والأمنية المتعلقة بسحب السلاح من المخيمات بالتنسيق مع السلطة الفلسطينية"، وفقاً لدبسي.