غارة إسرائيلية على جنوب لبنان في 9 أغسطس 2024
غارة إسرائيلية على جنوبي لبنان في 9 أغسطس 2024

لا يزال التوتر سيد الموقف على جانبي الحدود بين إسرائيل ولبنان، خوفا من حدوث تصعيد كبير قد يؤدي إلى حرب إقليمية واسعة النطاق في المنطقة، وذلك عقب مقتل القيادي العسكري البارز في ميليشيات حزب الله، فؤاد شكر، في ضربة جوية في 30 يوليو الماضي.

وفي تحليل نشرته صحيفة "فورين بوليسي" الأميركية، قالت الكاتبة والباحثة أنشال فوهرا، أن مشاعر الخوف من نشوب حرب مدمرة "بدأت تنتشر في أوساط اللبنانيين، حيث باشروا في تخزين الضروريات الأساسية، وشراء الطعام والوقود والحفاضات بكميات كبيرة". 

كما وضعت بعض الدول الغربية قواتها في حالة تأهب استعداداً لتنفيذ عمليات إجلاء، في حين دعت دول أخرى رعاياها إلى مغادرة لبنان، خاصة أن بعض الرحلات الجوية التجارية لاتزال متاحة.

والأسبوع الماضي، سادت حالة من الفوضى بمطار رفيق الحريري في بيروت، وهو المطار الدولي الوحيد في البلاد، والذي تعرض للقصف في آخر صراع بين إسرائيل وحزب الله عام 2006. 

وكانت الطائرات المقاتلة الإسرائيلية قد حلقت في الأيام الماضية على ارتفاع منخفض في المجال الجوي اللبناني، حيث كسرت حاجز الصوت وحطمت النوافذ في العديد من المباني، بينما بثت طائرة بدون طيار إسرائيلية رسالة باللغة العربية تدعو السكان في بنت جبيل، وهي بلدة في جنوب لبنان، إلى "الانقلاب" على حزب الله.

وحسب فوهرا، فإن "الجميع في لبنان يتفقون على أن احتمال اندلاع حرب شاملة مع إسرائيل بات أعلى من أي وقت مضى، منذ حرب يوليو عام 2006 بين الجانبين".

وحينها، خاض حزب الله وإسرائيل حربا دامية استمرت شهرا، وتسببت بتدمير مساحات واسعة من جنوب لبنان. 

وأدى الرد الإسرائيلي القاسي إلى التفاف العديد من الفصائل اللبنانية حول حزب الله، لكن اليوم "قد يلوم الكثيرون في البلاد حزب الله على أي دمار إضافي للبلاد بدلا من دعمه"، حسب صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية.

ونقلت الصحيفة عن النائب آلان عون قوله، إن "حزب الله عالق.. فهو بحاجة للانتقام لاغتيال أحد قادته، لكن في الوقت نفسه لا تزال صورة حرب 2006 في ذهنه".

وتابع عون أن حزب الله "يعلم أن الشعب اللبناني لا يستطيع تحمل ذلك بعد الآن".

"هل لها جدوى؟"

لكن إذا كان هدف إسرائيل هو الردع الدائم لحزب الله، فقد لا تكون الحرب أفضل استراتيجية متاحة لها، وفق تحليل "فورين بوليسي"، إذ يرى بعض الخبراء والمراقبين أن "قواعد الاشتباك التي كانت سائدة بين حزب الله وإسرائيل قبل هجمات حركة حماس غير مسبوقة في السابع من أكتوبر الماضي، ربما تكون السيناريو الأفضل لإسرائيل".

ونبهت فوهرا إلى أن الحدود بين البلدين كانت هادئة في الغالب منذ حرب 2006، بينما كانت المعارضة الداخلية لحزب الله في تزايد مستمر، خاصة بعد الانفجار الضخم الذي وقع في مرفأ بيروت قبل نحو 4 أعوام، والذي يعد أكبر انفجار غير نووي في التاريخ.

ورأت الكاتبة أن إحدى الاستراتيجيات التي يفكر فيها الإسرائيليون الآن هي "إبقاء أي هجمات محدودة على المناطق التي يهيمن عليها حزب الله في جنوب لبنان، وضاحية بيروت، ووادي البقاع"، لافتة إلى أن هذا من شأنه أن "يعطل الاقتصاد اللبناني المنهار بالفعل".

وشددت على أن الهدف الاستراتيجي الرئيسي سيكون "نزوح أنصار الحزب من الجنوب إلى مناطق أخرى في لبنان، مما يؤدي إلى زيادة التوترات الطائفية والاجتماعية في بلد يقوم الحكم فيه على نوع من التوافق بين المذاهب والطوائف التي يبلغ عددها نحو 18 طائفة معترف بها رسميا. 

واعتبرت أن "المخاوف من ذلك الهدف الاستراتيجي، قد يردع حزب الله محليا"، مستشهدة بتصريح لنائب مستشار الأمن القومي الإسرائيلي السابق، إران ليرمان، قال فيه: "أشعر بالقلق بشأن الطائفة الشيعية (في لبنان)، فالكثير من الناس لديهم حسابات لتسويتها مع حزب الله منذ انفجار بيروت، أو بسبب مقتل الكثير من السنة في الحرب السورية"، في إشارة إلى تدخل حزب الله في سوريا والوقوف مع نظام بشار الأسد، واتهام ميليشياته بارتكاب الكثير من جرائم الحرب والانتهاكات الإنسانية.

وشدد ليرمان على أن بلاده "ليست لديها أية مواقف ضد الشعب اللبناني، مضيفا: "حتى إذا اندلعت حرب واسعة النطاق، فإن إسرائيل ستحاول عدم مهاجمة البنية التحتية اللبنانية، والبحث عن أشخاص يمكننا العمل معهم على الأرض"، في إشارة إلى الأطراف المحلية المناهضة لحزب الله.
 

"استراتيجية مهددة بالفشل"

وعلى مدى السنوات القليلة الماضية - مع انخفاض قيمة العملة اللبنانية، وانزلاق البلاد إلى أزمة اقتصادية، وانفجار مرفأ بيروت الذي أسفر عن مقتل أكثر من 200 شخص - أصبحت المعارضة لحزب الله أكثر صراحة، حتى داخل البيئة الحاضنة له، لكن لا توجد أرقام واضحة بشأن ذلك، حيث يعتقد بعض المحللين أنه من غير المؤكد كيف سيتفاعل اللبنانيون إذا حدثت مواجهة مع إسرائيل.

وتختلف التقديرات بشأن نجاح استراتيجية إسرائيل في الاعتماد على المعارضة اللبنانية والبحث عن حلفاء محليين، فهناك تخوف من حدوث "إجماع" أو "توافق وطني" بشأن الحرب مع إسرائيل، حسب "فورين بوليسي".

لكن السبب الأهم، وفق فوهرا، هو أن اللبنانيين المعارضين لحزب الله "قد لا تكون لديهم القدرة على مواجهة ميليشيات تمتلك عشرات آلاف المقاتلين الملتزمين عقائديا، ويملكون ترسانة أسلحة كبيرة".

وكان لبنان قد شهد في أكتوبر 2019 احتجاجات شعبية كبرى ضد السلطة، وخلال تلك التظاهرات "وجد بعض النشطاء الشجاعة لإضافة اسم حزب الله وصورة زعيمه حسن نصر الله على نفس الملصقات التي أدانوا فيها سياسيين آخرين".

وجراء ذلك عمد مئات من أنصار حزب الله الشباب إلى القيام مسيرات بالدراجات في وسط بيروت في استعراض للقوة ونقل رسالة تهديد في حال استمر المتظاهرون بالتنديد بسيطرة حزب الله على الكثير من مفاصل الدولة والحكم.

وهنا، يشير جورج عقيص، النائب في حزب "القوات اللبنانية"، والذي يعد من أكبر المناهضين لحزب الله، إلى خطورة السلاح الذي يمتلكه حزب الله ويمنع الآخرين من الوقوف بوجهه بشكل فعال.

واستبعد عقيص حدوث حرب أهلية، قائلا: "حزب الله وحده هو الذي يمتلك السلاح، وبالتالي لا يمكن حدوث حرب بين أطراف غير متكافئة".

السيارة التي كانت تقل خليل المقدح تم استهدافها في صيدا
آثار غارة إسرائيلية في صيدا (ارشيف)

تعرض فريق تلفزيوني إيطالي تابع لقناة "RAI TG3" لاعتداء عنيف في مدينة صيدا اللبنانية، الواقعة بالقرب من الحدود الإسرائيلية، وذلك أثناء تغطيته للوضع المتوتر جراء التصعيد الخطير بين الجيش الإسرائيلي وجماعة حزب الله.

ووفقا لصحيفة "آراب نيوز" السعودية الناطقة باللغة الإنكليزية، فإن المراسلة، لوتشيا غوراتشي، والمصور ماركو نيكويس كانا يعملان على تصوير آثار غارة جوية إسرائيلية على المنطقة، حينما هاجمهم رجل مجهول حاول الاستيلاء على معدات التصوير. 

وذكرت غوراتشي في بث مباشر، الأربعاء، عقب الحادثة أنها وفريقها كانوا في بلدة الجية، شمالي صيد، يوثقون موقع قصف جوي حدث قبل يومين، وبدأوا العمل دون مشاكل.

وأضافت: "المرافق المحلي كان قد أخبر حزب الله بوجودنا، ولم نواجه أي صعوبات أثناء التصوير، والناس كانوا يتحدثون معنا بصورة طبيعية".

ولكن الوضع تغير فجأة عندما ظهر شاب غريب وحاول انتزاع الكاميرا من المصور، حيث قرر الفريق العودة إلى السيارة استعدادًا للمغادرة بسرعة، إلا أن المهاجم تابعهم وقام بمطاردتهم. 

وعند وصولهم إلى محطة وقود خارج المدينة، قام الرجل بملاحقتهم مجددًا، وانتزع مفاتيح السيارة، وحاول تحطيم الكاميرا.

وخلال محاولته التدخل لتهدئة الوضع، انهار السائق، أحمد عقيل حمزة، فجأة وسقط على الأرض، حيث تم نقله بسرعة إلى المستشفى، وذلك قبل أن يعلن الأطباء عن وفاته، بأزمة قلبية، بعد محاولات عديدة لإنعاشه.

صدمة وتعازي

وقد أعرب مارشيلو غريكو، نائب رئيس قسم الشؤون الخارجية في القناة الإيطالية، عن صدمته من الحادث وقدم تعازيه لعائلة حمزة، الذي وصفه بأنه "شريك وصديق عزيز".

كما أعربت رئيسة الوزراء الإيطالية، جورجيا ميلوني، عن تضامنها مع الفريق الإعلامي وقدمت خالص تعازيها لعائلة السائق.

ورغم أن التقارير الأولية أشارت إلى احتمال تورط مؤيدين لحزب الله في الهجوم، فقد نفت غوراتشي هذا الطرح، وأوضحت في تصريح لوكالة الأنباء الإيطالية "أنسا" أن الحادثة كانت "نتيجة انفجار غضب شعبي" بسبب التوتر العام في المنطقة جراء القصف الإسرائيلي، مؤكدة عدم وجود أي أبعاد سياسية للحادثة. 

وختمت غوراتشي حديثها بالتعبير عن حزنها لفقدان السائق، قائلة: "نحن عاجزون عن وصف عمق إنسانية أحمد وطيبته".

وكانت  إسرائيل قد كثفت غاراتها الجوية على أهداف مختلفة لحزب الله في لبنان منذ 23 سبتمبر تسبّبت بدمار وتهجير كبيرين، 

وفي 30 سبتمبر أعلن الجيش الإسرائيلي عن بدء عمليات برية عند الحدود في جنوب لبنان، حسب وكالة فرانس برس.

ودعت الولايات المتحدة وفرنسا في بيان وقعته أيضا اليابان وقطر والسعودية والإمارات في 26 سبتمبر، إلى "وقف فوري لإطلاق النار لمدة 21 يوما عبر الحدود اللبنانية الإسرائيلية لإفساح المجال أمام الدبلوماسية".

وأبلغ رئيس حكومة تصريف الأعمال، نجيب ميقاتي، في اليوم اللاحق أثناء وجوده في الأمم المتحدة محاوريه الدوليين بموافقة حزب الله.

ولكن رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتانياهو، أكّد في ذلك اليوم  في خطابه في الأمم المتحدة عزم بلاده على مواصلة قصف حزب الله في لبنان.

وشنّت إسرائيل بعد ساعات من ذلك غارات جوية مدمّرة على حارة حريك في الضاحية الجنوبية لبيروت، أسفرت عن مقتل الأمين العام لحزب الله، حسن نصر الله، مع آخرين.