قارب مهاجرين يغرق في مياه البحر الأبيض المتوسط، قبالة الساحل الشمالي للبنان
القوات المسلحة اللبنانية والسلطات القبرصية تتعاونان لمنع اللاجئين من الوصول إلى أوروبا

"مع حلول الظلام، بدأت الأمواج تتصاعد، الرياح تشتد، وصوت بكاء الأطفال يرتفع، سيطر الخوف على قلوبنا، كان كل شيء يوحي أن القارب سيغرق وأن الموت قريب منا، ولولا التحلي بالصبر، لتحولت الأمور إلى فوضى عارمة"، بهذه الكلمات بدأ أحمد الحديث عن رحلته وعائلته في قارب للهجرة غير الشرعية.

قبل أشهر سافر خال أحمد إلى قبرص عبر البحر، وعند وصوله، اتصل به مشجعاً إياه على اللحاق به، مؤكداً له أن الحياة في قبرص أفضل من لبنان، ويقول أحمد "لم أتردد طويلًا في قراري، رغم مخاوف زوجتي التي سبق أن فقدت شقيقها غرقاً في البحر وتحذير عائلتها لي من المصير المجهول، لكني كنت مصمماً على تغيير حياة أسرتي".

اتصل أحمد بأحد المهربين واتفق معه على مبلغ مالي مقابل تأمين مقاعد له ولأسرته على متن القارب، مشترطاً الدفع بعد الوصول إلى قبرص.

جاء اليوم الذي ينتظره أحمد. انطلق مع زوجته ووالدته وشقيقه إلى الشاطئ في شمال لبنان، ويشرح لموقع "الحرة"، "كانت الساعة الثالثة صباحاً. عندما وصلنا، صدمت بالمشهد، حشد من الأرواح التائهة ينتظر دوره للصعود إلى القوارب الصغيرة التي ستنقله إلى القارب الأساسي."

عند وصوله إلى القارب الذي سيبحر إلى قبرص، تفاجأ أحمد بحالته المتهالكة، قائلاً "كان يبدو أنه سيغرق حتى دون أن يتحرك، فكيف به يحمل 96 شخصاً؟" ويشير إلى أن المهرّب "لم يؤمن سوى قليل من الماء والتمر والمحروقات، وسترتيّ نجاة."

في تلك اللحظات تمنى أحمد لو أنه استمع إلى نصيحة زوجته وعائلتها، "لكن الأوان كان قد فات"، ويقول "في خضم الفوضى، صرخ قائد المركب طالباً منا إغلاق هواتفنا وتمزيق أي أوراق تربطنا بوطننا، ليبحر بعدها بنا نحو المجهول وسط أمواج متلاطمة وأحلام متلاشية".

في حوالي الساعة التاسعة صباحاً، اقتربت دورية من خفر السواحل اللبناني من القارب وطلبت من الركاب العودة، إلا أن قائد المركب تجاهل التعليمات. بعد ساعات قليلة، بدأت تظهر الشواطئ القبرصية في الأفق، كما يروي أحمد، مضيفاً "فجأة، اقترب منا خفر السواحل القبرصي، وأشار لنا بضرورة تغيير مسارنا. وعلى مقربة منا، كانت هناك عدة قوارب سبقتنا بيوم واحد".

ويضيف "رفضنا الامتثال، فأجبرنا على الانصياع لأوامره والتوجه بالاتجاه الذي يريده من خلال الدوران بمركبه الضخم حولنا بسرعة، مشكلاً أمواجاً هائجة تهز قاربنا الهش بعنف، وكأنها تسخر من معاناتنا."

في تقرير أصدرته "هيومن رايتس ووتش" يوم الأربعاء، قالت إن القوات المسلحة اللبنانية والسلطات القبرصية تتعاونان لمنع اللاجئين من الوصول إلى أوروبا، وترحيلهم لاحقاً لمواجهة الخطر في سوريا.

يستعرض التقرير المكون من 90 صفحة، والمعنون 'لا أستطيع العودة إلى بلدي أو البقاء هنا أو الرحيل: صدّ وإرجاع اللاجئين السوريين من قبرص ولبنان"، الأسباب التي تدفع اللاجئين السوريين في لبنان إلى محاولة المغادرة نحو أوروبا، وكيف يعترض الجيش اللبناني طريقهم، يعيدهم إلى لبنان، ثم يطردهم فوراً إلى سوريا.

كما يسلط التقرير الضوء على ممارسات خفر السواحل القبرصي والقوى الأمنية القبرصية الأخرى، التي تعيد السوريين الذين تصل قواربهم إلى قبرص إلى لبنان، دون مراعاة لوضعهم كلاجئين أو المخاطر التي قد يواجهونها إذا أُعيدوا إلى سوريا. كما يشير إلى أن الجيش اللبناني قام بطرد العديد من السوريين الذين أعادتهم قبرص إلى لبنان إلى سوريا فوراً".

مواجهة الموت

تعطل محرك القارب الذي كان أحمد على متنه، ويشرح "الشمس الحارقة كانت تلسع جلودنا، والعطش يعصر حناجرنا. طلبنا ماء، فرمى لنا خفر السواحل القبرصي بضع قوارير وعبوة حليب."

ومع حلول الظلام، "ارتفعت الأمواج وكأنها تريد ابتلاعنا، فيما اختفى خفر السواحل القبرصي في الأفق، تاركاً إيانا في مواجهة وحشة البحر"، يقول أحمد مضيفاً "كنت أخشى على والدتي التي جلست في مقدمة القارب، بينما كنت أنا في المؤخرة. لم أرها طوال تلك الساعات الطويلة، إذ اختفت في الزحام البشري. كنا نعجز عن التحرك كون أقدامنا كانت محاصرة بين الأجساد المتلاصقة."

اقترح بعض الركاب تحطيم القارب لإجبار خفر السواحل القبرصي على نقلهم إلى الشواطئ القبرصية، ويقول أحمد "رغم أنه حل يائس، إلا أنه بدا أفضل من إعادتنا وتسليمنا إلى النظام السوري، ما يعني موتاً محتماً، علماً أن عدداً كبيراً ممن كانوا على متن القارب قدموا من سوريا إلى لبنان للهجرة."

بينما كان الركاب يتناقشون، بدأت المياه تتسرب إلى القارب خلسة، فسارعوا إلى رفعها مستخدمين أي شيء وقع تحت أيديهم. يروي أحمد "كانت المياه الباردة تنخر عظامنا وكأنها سهام مسمومة، أذكر كيف كانت نظراتنا المتبادلة كصرخات صامتة، وكأن الموت يهمس لنا في آذاننا، معلناً أن النهاية باتت قريبة جداً".

ومع حلول الفجر، عاد خفر السواحل وأمرهم بالعودة إلى لبنان. ويضيف "في الساعة الواحدة ظهراً، بدأت القوارب المجاورة لنا بالعودة إلى الشاطئ اللبناني، وفي حوالي الساعة الثانية بعد الظهر، تمكن المهرب من تشغيل المحرك."

رافق خفر السواحل القبرصي القارب حتى وصل إلى منطقة خفر السواحل اللبناني. ويقول أحمد "نقلت البحرية اللبنانية عدداً من الأطفال إلى مركبها حفاظاً على سلامتهم، وطلبت منا الابحار خلفها. لكن مع تعطل المحرك مجدداً، تدخلت البحرية اللبنانية وربطت القارب بمركبها وسحبته حتى وصلنا إلى الشاطئ اللبناني في الساعة 8:30 مساء، وبالتحديد إلى مرفأ طرابلس."

في مرفأ طرابلس، "استقبلت عناصر الصليب الأحمر اللبناني الركاب وبدأت بجمع بياناتهم الشخصية"، وفق ما يقوله أحمد "ثم أجرى الجيش اللبناني تحقيقات تناولت أسماء المهربين والمبالغ المدفوعة لهم".

ويشير إلى أن "الركاب السوريين كانوا يعيشون حالة من الرعب خوفاً من ترحيلهم إلى سوريا، حيث إن أي شخص دخل لبنان بعد عام 2015 يواجه خطر الترحيل القسري، فمفوضية شؤون اللاجئين توقفت عن تسجيل السوريين بعد ذلك التاريخ استجابة لقرار الحكومة اللبنانية".

وبحسب ما ذكرت هيومن رايتس ووتش، أفاد أشخاص أبعدوا من قبرص، بأن "عناصر الجيش اللبناني سلموهم مباشرة إلى جنود سوريين ومسلحين مجهولين داخل سوريا". وذكرت المنظمة أنه "بمجرد وصولهم إلى سوريا، تعرض اللاجئون المبعدون للاحتجاز من قبل الجيش السوري، بالإضافة إلى الابتزاز من قبل مسلحين طالبوهم بدفع أموال لتهريبهم مرة أخرى إلى لبنان".

عند الساعة السادسة صباحاً، أُطلق سراح أحمد وعائلته، ويقول "عدنا إلى جحيم الفقر والقيود المفروضة من السلطة اللبنانية على اللاجئين السوريين"، ويتساءل "ما الذنب الذي ارتكبناه في هذه الحياة حتى نعاقب هكذا؟ حُرمنا من وطننا، ولبنان لا يرحب بنا، والعالم أغلق أبوابه في وجهنا."

"بين المرّ والأمرّ"

تحت وطأة التضييق الأمني الذي يمارسه الأمن اللبناني ضد اللاجئين السوريين، والذي يتضمن ترحيل من لا يحمل إقامة قانونية، اضطر الناشط السوري رضوان القصير لاتخاذ قرار الهجرة عبر البحر، رغم رفضه الشديد لهذه الفكرة بسبب خطورتها البالغة، ويقول القصير "ترددت كثيراً في اتخاذ هذا القرار خوفاً على حياة ابني البالغ من العمر أربع سنوات، حيث كنت أتخيله دائماً وهو يغرق في البحر. ومع ذلك قررت المجازفة، لأنني كنت متيقناً أن تسليمي للنظام السوري يعني موتي المحتوم وضياع عائلتي."

اتصل القصير بمهرّب يعرفه واتفق معه على دفع مبلغ 7 آلاف دولار عند الوصول إلى قبرص. في الليلة المحددة، توجه مع عائلته إلى الشاطئ، ليجد العشرات ينتظرون انطلاق الرحلة. لكن، وقبل أن يتحرك القارب، نشب خلاف بين المهربين تطور إلى إطلاق نار، مما استدعى تدخل الجيش اللبناني الذي قام بتوقيف من لم يتمكن من الهرب من الحاضرين.

ويشدد في حديث لموقع "الحرة" على أن "السجون اللبنانية، رغم قسوتها، تظل أفضل بكثير من سجون النظام السوري"، ويقول "أفضل الموت في السجون اللبنانية على أن يتم توقيفي لساعتين في سجون نظام الأسد. ففي السجون اللبنانية، هناك طعام وشراب وحتى هاتف، بينما في سجون النظام تحت الأرض، يصبح الإنسان مجرد رقم."

ويشير أيضاً إلى أن ابن شقيقته حاول الهجرة، وعند توجهه للقاء مهرب والاتفاق معه، تم توقيفه من قبل الأمن اللبناني قبل أن يتم تسليمه إلى الفرقة الرابعة السورية، ويضيف "بقي لدى هذه الفرقة حوالي خمس ساعات قبل أن يتم تحريره مقابل مبلغ مالي".

ويشرح القصير "من يتم تسليمه إلى الفرقة الرابعة يمكن استعادته إذا لم يكن مطلوباً للنظام السوري مقابل 100 دولار، أما إذا كان مطلوباً، فقد يتطلب الأمر دفع 500 دولار أو أكثر، بشرط ألا يكون قد تم تحرير محضر رسمي باستلامه من قبل هذه الفرقة".

وفي اتصال مع الباحثة في مجال حقوق اللاجئين والمهاجرين في منظمة "هيومن رايتس ووتش"، نادية هاردمان، قالت "كما ذكرنا في التقرير، وجدنا أن الجيش اللبناني يمنع اللاجئين السوريين من مغادرة لبنان عبر اعتراضهم على الشواطئ أثناء محاولتهم عبور البحر إلى أوروبا. يتم توقيفهم بالقوة، وحرمانهم من تقديم طلب اللجوء، ومعاملتهم بشكل سيء لإجبارهم على العودة إلى سوريا، المكان الذي فروا منه ولجأوا إلى لبنان."

وفي قبرص، تشير هاردمان لموقع "الحرة" إلى أن "السلطات هناك تقوم بطرد اللاجئين السوريين وتجبرهم على العودة إلى لبنان، حيث يتم القبض عليهم من قبل الجيش اللبناني وترحيلهم إلى سوريا"، مشددة على أن "هناك التواطؤ بين السلطات القبرصية واللبنانية لإجبار اللاجئين السوريين على العودة إلى سوريا" فيما وصفته بأنه "سلسلة تسليم متفق عليها".

إضافة إلى ذلك، تقول "من الصعب على اللاجئين السوريين تحمل الظروف المعيشية الصعبة في لبنان، فهم يتعرضون للمذلة، التحرش، الكراهية، الاعتقال العشوائي، الترحيل والحرمان من الأوراق الثبوتية. وهذا يحصل عمداً، لأن السلطات اللبنانية تريد إجبارهم على العودة إلى بلدهم. نحن لا نعلم ماذا يحدث للاجئين الذين يعودون إلى سوريا، بسبب غياب وسيلة للتواصل وخوف الناس من نقل أخبارهم، فالهواتف مراقبة".

ورغم ذلك، استطاعت هيومن رايتس ووتش وفق ما تذكره الباحثة "توثيق ما حدث لبعض الحالات التي عادت إلى سوريا، فمثلاً في العام 2021 أعددت تقريراً عما حصل للعائدين إلى سوريا، الكثير منهم تعرض للقتل ومنهم من اختفى، ولم يستطع أحد تحمل أعباء الانهيار الاقتصادي في سوريا".

"انتهاكات مموّلة"

لم تطل الانتهاكات ضد اللاجئين في لبنان وقبرص الرجال فقط، بل شملت كذلك النساء والقاصرين، حيث أفادت "هيومن رايتس ووتش" بأن عناصر من الشرطة القبرصية قاموا بتقييد معصمي صبي يبلغ من العمر 15 عاماً، غير مصحوب بذويه، وأعادوه مباشرة إلى مرفأ بيروت على متن سفينة قبرصية. وعلى الفور، قام الجيش اللبناني بترحيله مع مجموعة من السوريين الآخرين عبر معبر المصنع الحدودي إلى سوريا.

تشكل عمليات طرد اللاجئين السوريين بإجراءات موجزة، وفق ما تؤكده المنظمة الدولية انتهاكاً لالتزامات لبنان بموجب "اتفاقية الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب" وبموجب مبدأ القانون الدولي العرفي الذي يحظر الإعادة القسرية للأشخاص إلى بلدان يواجهون فيها خطر التعذيب أو الاضطهاد. كما أن احتجاز الأطفال وإساءة معاملتهم وفصلهم عن أسرهم يشكل انتهاكا لالتزامات لبنان في مجال حقوق الطفل.

وفي قبرص، تعتبر عمليات الصد، عمليات طرد جماعي محظورة بموجب "الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان"، حيث تنتهك حظر الإعادة القسرية غير المباشرة أو المتسلسلة أو الثانوية.

يكشف تقرير "هيومن رايتس ووتش" للعالم، كما يقول المدافع عن حقوق الإنسان، المحامي محمد صبلوح، "السياسة غير الإنسانية التي تتبعها بعض الدول الأوروبية، والتي تدعم لبنان بشكل غير مباشر لانتهاك حقوق اللاجئين تحت ذريعة الحد من الهجرة".

ويظهر التقرير كذلك وفق ما يقوله صبلوح لموقع "الحرة"، "كيف يتلقى لبنان مساعدات من قبرص والاتحاد الأوروبي تحت عنوان "الحد من الهجرة"، بينما "يمارس في الواقع أبشع أنواع الانتهاكات بحق اللاجئين من أجل الحصول على مزيد من الأموال"، مشيراً إلى تقرير بريطاني سابق أكد أن "بعض الدول الأوروبية تمول كتيبة طارق بن زياد في ليبيا لتنفيذ نفس الأعمال التي يقوم بها الأمن اللبناني تجاه اللاجئين".

قدّمت "هيومن رايتس ووتش" تقريراً للاتحاد الأوروبي عما يحصل، لكن بحسب ما تقوله هاردمان "وجدنا أنه يمّول السلطات اللبنانية ولا يطالب بأي ضمانات لحماية اللاجئين السوريين من الانتهاكات، بل على العكس يقوم بمكافأة السلطات اللبنانية على إدارة الحدود، فهو يفضّل الاستعانة بمصادر خارجية كي يضمن عدم مجيء اللاجئين السوريين إلى أوروبا".

وذكر التقرير أن "الاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء فيه، قدموا تمويلاً يصل إلى 16.7 مليون يورو لمختلف السلطات الأمنية اللبنانية بين عامي 2020 و2023، وذلك لتنفيذ مشاريع إدارة الحدود التي تهدف بشكل أساسي إلى تعزيز قدرة لبنان على الحد من الهجرة غير الشرعية".

في مايو 2024، "خُصصت حزمة أوسع بقيمة مليار يورو للبنان حتى عام 2027، تتضمن أموالاً لتزويد القوات المسلحة اللبنانية والقوى الأمنية الأخرى بالمعدات والتدريب اللازمين لإدارة الحدود ومكافحة التهريب".

وأفادت المديرية العامة للأمن العام اللبناني، المسؤولة عن مراقبة دخول الأجانب وإقامتهم في البلاد، بأنها "اعتقلت أو أعادت 821 سورياً كانوا على متن 15 قارباً حاولوا مغادرة لبنان بين 1 يناير 2022 و1 أغسطس 2024" وفق ما ذكره التقرير، وذلك رغم أن "مفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين المكلفة بتوفير الحماية الدولية والمساعدة الإنسانية للاجئين، تؤكد أن سوريا غير آمنة للعودة القسرية وأنها لا تُسهل ولا تُشجع العودة الطوعية".

إجراءات محاسبة المنتهكين

"يتعين على الاتحاد الأوروبي والجهات المانحة الأخرى إنشاء آليات مستقلة وفورية لمراقبة الامتثال لحقوق الإنسان في عمليات مراقبة الحدود اللبنانية"، كما دعت هاردمان في التقرير.

يستضيف لبنان أكبر عدد من اللاجئين نسبة لعدد السكان في العالم، حيث يعيش فيه حوالي 1.5 مليون لاجئ سوري. هذا يأتي في وقت يعاني فيه البلد من أزمات متعددة ومتراكمة، مما أدى إلى ظروف اجتماعية واقتصادية صعبة تؤثر على جميع سكانه.

ومنذ سنوات "رفع مدافعون عن حقوق الانسان الصوت، حول هذه الانتهاكات الجسيمة التي تتعارض مع الاتفاقيات الدولية وأبسط قواعد حقوق الإنسان" كما يؤكد صبلوح، ورغم ذلك "أصبحت بعض الأجهزة الأمنية اللبنانية تتاجر باللاجئين حيث تسلمهم لمهربين يرفضون إطلاق سراحهم إلا بعد دفع مبالغ مالية يحددها كل منهم كيفما يشاء والتي غالباً ما تتراوح بين 200 و300 دولار."

ويشير صبلوح إلى أهمية توثيق هذه الانتهاكات وفضحها عبر منظمات دولية ذات مصداقية، بهدف محاسبة المسؤولين عنها والكشف عن المتواطئين معهم، ويقول "التوثيق يفضح المعاملة العنصرية القاسية التي يتعرض لها اللاجئون السوريون، ويكشف الانتهاكات بالأدلة القاطعة، مما يمنع أي جهاز أمني من إنكار حقيقة ما ارتكبه".

وتمثل الانتهاكات التي يوثقها الحقوقيون والمنظمات الدولية وفق ما يقوله صبلوح "رسالة موجهة لكل المسؤولين في لبنان وخارجه فحواها أن من يخالف القانون سيعاقب"، مشدداً على أنه "سنواصل بذل كل الجهود القانونية لمحاسبة المنتهكين، سواء في لبنان أو خارجه، وإلى حينه ندعو الجميع لمراجعة ضمائرهم وإنسانيتهم".

تقرير يشير إلى أن 1500 مقاتل من حزب الله خرجوا من الخدمة بعد هجمات وسائل الاتصال
جهاز البيجر- أرشيف

حينما تلقى حزب الله اللبناني عرضًا قبل عامين للحصول على أجهزة النداء (البيجر) من شركة أبوللو، وجدوه مناسبا تماما لاحتياجاتهم كجماعة تعمل على مساحة كبيرة مع عدد كبير من المسلحين، حيث صُممت تلك الأجهزة لتحمل ظروف ساحة المعركة من هذا النوع.

لكن المفاجأة التي كشف عنها تقرير لصحيفة واشنطن بوست الأميركية أن تلك الأجهزة كانت جزءا من خطة تعمل عليها الاستخبارات الإسرائيلية (الموساد) منذ عام 2015.

ونقلت الصحيفة أن الموساد بدأ الجزء الأول من خطته بإدخال أجهزة اتصال لاسلكية مفخخة إلى لبنان قبل قرابة عقد، كانت تحتوي على بطاريات كبيرة الحجم، ومتفجرات مخفية، ونظام إرسال مكّن إسرائيل من الوصول الكامل إلى اتصالات حزب الله.

واعتمدت الصحيفة في تقريرها على تصريحات مسؤولين أمنيين وسياسيين ودبلوماسيين إسرائيليين وعرب وأميركيين مطلعين على الأحداث، فضلاً عن مسؤولين لبنانيين وأشخاص مقربين من حزب الله، تحدثوا جميعا بشرط عدم الكشف عن هويتهم، نظرا لحساسية المعلومات.

التفجيرات تسببت بمقتل 37 شخصا فيما أصيب نحو ثلاثة آلاف آخرين
مسؤولون: تفجيرات "البيجر" نصر استخباراتي بعواقب غامضة
لا يزال الغموض يحيط بالكيفية التي تمكنت بها إسرائيل من دس المتفجرات في آلاف أجهزة الاستدعاء ووضعها في أيدي عناصر حزب الله، ولكن الأمر الواضح للغاية هو أن العملية الاستخباراتية ستذكر باعتبارها واحدة من أكثر العمليات جرأة في التاريخ الحديث، وفقا لصحيفة "واشنطن بوست".

وقال المسؤولون إن الإسرائيليين اكتفوا لمدة 9 سنوات بالتنصت على حزب الله، مع الاحتفاظ بخيار تحويل أجهزة الاتصال اللاسلكية إلى قنابل في أزمة مستقبلية.

وقتل أو أصيب ما يصل إلى 3 آلاف من عناصر حزب الله وعدد غير معروف من المدنيين، وفقًا لمسؤولين إسرائيليين وأميركيين وشرق أوسطيين، عندما قامت أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية الموساد بتفجير الأجهزة عن بعد في 17 سبتمبر.

ووفق مسؤولين إسرائيليين مطلعين على الأحداث، فإن فكرة عملية أجهزة النداء (البيجر) نشأت في عام 2022.

وبدأت الخطة تتبلور قبل أكثر من عام من هجوم حماس في السابع من أكتوبر، وكان ذلك وقتا هادئا نسبيا على الحدود الشمالية لإسرائيل مع لبنان.

ومضى حزب الله عام 2023 في صفقة لشراء كميات كبيرة من أجهزة البيجر ليظهر في النهاية أن الجماعة دفعت، بشكل غير مباشر، الأموال إلى إسرائيل، مقابل قنابل صغيرة قتلت وأصابت عناصره.

حزب الله حمل إسرائيل مسؤولية تفجير أجهزة البيجر لكن الأخيرة لم تعلق حتى الآن

وتعلقت الصفقة بأجهزة تحمل شعار شركة "أبوللو" التايوانية، وهي علامة تجارية معروفة، وخط إنتاج يتم توزيعه في جميع أنحاء العالم، ولا توجد روابط واضحة بينه وبين أي مصالح إسرائيلية أو يهودية.

وقال المسؤولون إن الشركة التايوانية لم تكن على علم بالخطة.

وكانت المسؤولة عن التسويق من جانب الشركة سيدة رفض المسؤولون الكشف عن هويتها وجنسيتها، حصلت على ترخيص لبيع مجموعة من أجهزة النداء، التي تحمل علامة أبوللو التجارية.

عرضت تلك السيدة على حزب الله صفقة لشراء أحد المنتجات التي تبيعها شركتها، وهو من طراز "AR924" الموثوق.

وقال مسؤول إسرائيلي مطلع على تفاصيل العملية: "كانت هي التي تتواصل مع حزب الله، وشرحت لهم أسباب أن هذا الطراز أفضل من سابقيه".

وأوضح التقرير أنه تم تجميع الأجهزة في إسرائيل تحت إشراف الموساد، الذي زودها ببطارية بها كمية من المتفجرات القوية، من الصعب كشفها، حتى لو تم تفكيك الجهاز.

ويعتقد المسؤولون الإسرائيليون أن حزب الله قام بتفكيك بعض أجهزة النداء وربما قام بفحصها بالأشعة السينية.

وتمكن الموساد عن بعد من تفجير الأجهزة بشكل غير مرئي بإشارة إلكترونية من جهاز الاستخبارات، ولكن لضمان أكبر قدر من الضرر كان يتطلب إجراء خطوتين لعرض الرسائل الآمنة المشفرة على الجهاز.

وقال أحد المسؤولين: "كان عليك الضغط على زرين لقراءة الرسالة"، في ممارسة كانت تعني استخدام كلتا اليدين، مما يسفر عن إصابة تجعل الشخص غير قادر على القتال.

وأوضح المسؤول ذلك قائلا إن الأشخاص المستخدمين للجهاز "سيجرحون أياديهم بكل تأكيد" في الانفجار الذي سيعقب ذلك، وبالتالي "سيكونون غير قادرين على القتال".

وفي إسرائيل، كانت هذه التفاصيل سرية للغاية، ولم يعلم بها معظم كبار المسؤولين المنتخبين حتى 12 سبتمبر، حين دعا رئيس الحكومة بنيامين نتانياهو مستشاريه الاستخباراتيين لاجتماع لمناقشة تحرك محتمل ضد حزب الله.

وقال مسؤولون لواشنطن بوست، إن نقاشاً حاداً اندلع في مختلف أنحاء المؤسسة الأمنية الإسرائيلية، ثم أدرك الجميع، بما في ذلك نتانياهو، أن الآلاف من أجهزة النداء المتفجرة قد تلحق أضراراً لا توصف بحزب الله، ولكنها قد تؤدي أيضاً إلى رد فعل عنيف، بما في ذلك ضربة صاروخية انتقامية ضخمة من قبل قادة حزب الله الناجين، مع احتمال انضمام إيران إلى المعركة.

ولم تكن الولايات المتحدة على علم بأجهزة النداء المفخخة أو النقاش الداخلي بشأن ما إذا كان ينبغي تشغيلها، وفق تصريحات مسؤولين أميركيين للصحيفة.

في النهاية، وافق نتنياهو على تشغيل الأجهزة، رغم أنها قد تلحق أقصى قدر من الضرر.

وجاء الدور بعد ذلك على استهداف زعيم الحزب حسن نصر الله، وأشار التقرير إلى أن الموساد كان على علم بأماكن وجوده في لبنان منذ سنوات ويتتبع تحركاته عن كثب، ولكن ما منع استهدافه أن قتله سيقود إلى حرب شاملة مع الجماعة المسلحة وربما مع إيران.

في السابع عشر من سبتمبر، وبينما كان النقاش في أعلى دوائر الأمن القومي في إسرائيل بشأن ما إذا كان ينبغي ضرب زعيم حزب الله، رنّ الآلاف من أجهزة النداء التي تحمل علامة أبولو أو اهتزت في وقت واحد، في جميع أنحاء لبنان وسوريا.

ظهرت جملة قصيرة باللغة العربية على الشاشة: "لقد تلقيت رسالة مشفرة".

اتبع عملاء حزب الله التعليمات بدقة للتحقق من الرسائل المشفرة، بالضغط على زرين، لتبدأ الانفجارات المتزامنة في المنازل والمحلات التجارية وفي السيارات وعلى الأرصفة.

وبعد أقل من دقيقة، انفجرت آلاف أخرى من أجهزة الاتصال عن بعد، بغض النظر عما إذا كان المستخدم قد لمس جهازه أم لا.

وفي اليوم التالي، انفجرت مئات من أجهزة الاتصال اللاسلكية بنفس الطريقة، مما أسفر عن مقتل وإصابة عدد كبير من المستخدمين والمارة.

وبينما كان حزب الله يترنح، قصفت إسرائيل مقر الجماعة وترساناتها ومراكزها اللوجستية بقنابل تزن ألفي رطل، ليتم إعلان مقتل حسن نصر الله إثر تلك الغارات في الضاحية الجنوبية.