قارب مهاجرين يغرق في مياه البحر الأبيض المتوسط، قبالة الساحل الشمالي للبنان
القوات المسلحة اللبنانية والسلطات القبرصية تتعاونان لمنع اللاجئين من الوصول إلى أوروبا

"مع حلول الظلام، بدأت الأمواج تتصاعد، الرياح تشتد، وصوت بكاء الأطفال يرتفع، سيطر الخوف على قلوبنا، كان كل شيء يوحي أن القارب سيغرق وأن الموت قريب منا، ولولا التحلي بالصبر، لتحولت الأمور إلى فوضى عارمة"، بهذه الكلمات بدأ أحمد الحديث عن رحلته وعائلته في قارب للهجرة غير الشرعية.

قبل أشهر سافر خال أحمد إلى قبرص عبر البحر، وعند وصوله، اتصل به مشجعاً إياه على اللحاق به، مؤكداً له أن الحياة في قبرص أفضل من لبنان، ويقول أحمد "لم أتردد طويلًا في قراري، رغم مخاوف زوجتي التي سبق أن فقدت شقيقها غرقاً في البحر وتحذير عائلتها لي من المصير المجهول، لكني كنت مصمماً على تغيير حياة أسرتي".

اتصل أحمد بأحد المهربين واتفق معه على مبلغ مالي مقابل تأمين مقاعد له ولأسرته على متن القارب، مشترطاً الدفع بعد الوصول إلى قبرص.

جاء اليوم الذي ينتظره أحمد. انطلق مع زوجته ووالدته وشقيقه إلى الشاطئ في شمال لبنان، ويشرح لموقع "الحرة"، "كانت الساعة الثالثة صباحاً. عندما وصلنا، صدمت بالمشهد، حشد من الأرواح التائهة ينتظر دوره للصعود إلى القوارب الصغيرة التي ستنقله إلى القارب الأساسي."

عند وصوله إلى القارب الذي سيبحر إلى قبرص، تفاجأ أحمد بحالته المتهالكة، قائلاً "كان يبدو أنه سيغرق حتى دون أن يتحرك، فكيف به يحمل 96 شخصاً؟" ويشير إلى أن المهرّب "لم يؤمن سوى قليل من الماء والتمر والمحروقات، وسترتيّ نجاة."

في تلك اللحظات تمنى أحمد لو أنه استمع إلى نصيحة زوجته وعائلتها، "لكن الأوان كان قد فات"، ويقول "في خضم الفوضى، صرخ قائد المركب طالباً منا إغلاق هواتفنا وتمزيق أي أوراق تربطنا بوطننا، ليبحر بعدها بنا نحو المجهول وسط أمواج متلاطمة وأحلام متلاشية".

في حوالي الساعة التاسعة صباحاً، اقتربت دورية من خفر السواحل اللبناني من القارب وطلبت من الركاب العودة، إلا أن قائد المركب تجاهل التعليمات. بعد ساعات قليلة، بدأت تظهر الشواطئ القبرصية في الأفق، كما يروي أحمد، مضيفاً "فجأة، اقترب منا خفر السواحل القبرصي، وأشار لنا بضرورة تغيير مسارنا. وعلى مقربة منا، كانت هناك عدة قوارب سبقتنا بيوم واحد".

ويضيف "رفضنا الامتثال، فأجبرنا على الانصياع لأوامره والتوجه بالاتجاه الذي يريده من خلال الدوران بمركبه الضخم حولنا بسرعة، مشكلاً أمواجاً هائجة تهز قاربنا الهش بعنف، وكأنها تسخر من معاناتنا."

في تقرير أصدرته "هيومن رايتس ووتش" يوم الأربعاء، قالت إن القوات المسلحة اللبنانية والسلطات القبرصية تتعاونان لمنع اللاجئين من الوصول إلى أوروبا، وترحيلهم لاحقاً لمواجهة الخطر في سوريا.

يستعرض التقرير المكون من 90 صفحة، والمعنون 'لا أستطيع العودة إلى بلدي أو البقاء هنا أو الرحيل: صدّ وإرجاع اللاجئين السوريين من قبرص ولبنان"، الأسباب التي تدفع اللاجئين السوريين في لبنان إلى محاولة المغادرة نحو أوروبا، وكيف يعترض الجيش اللبناني طريقهم، يعيدهم إلى لبنان، ثم يطردهم فوراً إلى سوريا.

كما يسلط التقرير الضوء على ممارسات خفر السواحل القبرصي والقوى الأمنية القبرصية الأخرى، التي تعيد السوريين الذين تصل قواربهم إلى قبرص إلى لبنان، دون مراعاة لوضعهم كلاجئين أو المخاطر التي قد يواجهونها إذا أُعيدوا إلى سوريا. كما يشير إلى أن الجيش اللبناني قام بطرد العديد من السوريين الذين أعادتهم قبرص إلى لبنان إلى سوريا فوراً".

مواجهة الموت

تعطل محرك القارب الذي كان أحمد على متنه، ويشرح "الشمس الحارقة كانت تلسع جلودنا، والعطش يعصر حناجرنا. طلبنا ماء، فرمى لنا خفر السواحل القبرصي بضع قوارير وعبوة حليب."

ومع حلول الظلام، "ارتفعت الأمواج وكأنها تريد ابتلاعنا، فيما اختفى خفر السواحل القبرصي في الأفق، تاركاً إيانا في مواجهة وحشة البحر"، يقول أحمد مضيفاً "كنت أخشى على والدتي التي جلست في مقدمة القارب، بينما كنت أنا في المؤخرة. لم أرها طوال تلك الساعات الطويلة، إذ اختفت في الزحام البشري. كنا نعجز عن التحرك كون أقدامنا كانت محاصرة بين الأجساد المتلاصقة."

اقترح بعض الركاب تحطيم القارب لإجبار خفر السواحل القبرصي على نقلهم إلى الشواطئ القبرصية، ويقول أحمد "رغم أنه حل يائس، إلا أنه بدا أفضل من إعادتنا وتسليمنا إلى النظام السوري، ما يعني موتاً محتماً، علماً أن عدداً كبيراً ممن كانوا على متن القارب قدموا من سوريا إلى لبنان للهجرة."

بينما كان الركاب يتناقشون، بدأت المياه تتسرب إلى القارب خلسة، فسارعوا إلى رفعها مستخدمين أي شيء وقع تحت أيديهم. يروي أحمد "كانت المياه الباردة تنخر عظامنا وكأنها سهام مسمومة، أذكر كيف كانت نظراتنا المتبادلة كصرخات صامتة، وكأن الموت يهمس لنا في آذاننا، معلناً أن النهاية باتت قريبة جداً".

ومع حلول الفجر، عاد خفر السواحل وأمرهم بالعودة إلى لبنان. ويضيف "في الساعة الواحدة ظهراً، بدأت القوارب المجاورة لنا بالعودة إلى الشاطئ اللبناني، وفي حوالي الساعة الثانية بعد الظهر، تمكن المهرب من تشغيل المحرك."

رافق خفر السواحل القبرصي القارب حتى وصل إلى منطقة خفر السواحل اللبناني. ويقول أحمد "نقلت البحرية اللبنانية عدداً من الأطفال إلى مركبها حفاظاً على سلامتهم، وطلبت منا الابحار خلفها. لكن مع تعطل المحرك مجدداً، تدخلت البحرية اللبنانية وربطت القارب بمركبها وسحبته حتى وصلنا إلى الشاطئ اللبناني في الساعة 8:30 مساء، وبالتحديد إلى مرفأ طرابلس."

في مرفأ طرابلس، "استقبلت عناصر الصليب الأحمر اللبناني الركاب وبدأت بجمع بياناتهم الشخصية"، وفق ما يقوله أحمد "ثم أجرى الجيش اللبناني تحقيقات تناولت أسماء المهربين والمبالغ المدفوعة لهم".

ويشير إلى أن "الركاب السوريين كانوا يعيشون حالة من الرعب خوفاً من ترحيلهم إلى سوريا، حيث إن أي شخص دخل لبنان بعد عام 2015 يواجه خطر الترحيل القسري، فمفوضية شؤون اللاجئين توقفت عن تسجيل السوريين بعد ذلك التاريخ استجابة لقرار الحكومة اللبنانية".

وبحسب ما ذكرت هيومن رايتس ووتش، أفاد أشخاص أبعدوا من قبرص، بأن "عناصر الجيش اللبناني سلموهم مباشرة إلى جنود سوريين ومسلحين مجهولين داخل سوريا". وذكرت المنظمة أنه "بمجرد وصولهم إلى سوريا، تعرض اللاجئون المبعدون للاحتجاز من قبل الجيش السوري، بالإضافة إلى الابتزاز من قبل مسلحين طالبوهم بدفع أموال لتهريبهم مرة أخرى إلى لبنان".

عند الساعة السادسة صباحاً، أُطلق سراح أحمد وعائلته، ويقول "عدنا إلى جحيم الفقر والقيود المفروضة من السلطة اللبنانية على اللاجئين السوريين"، ويتساءل "ما الذنب الذي ارتكبناه في هذه الحياة حتى نعاقب هكذا؟ حُرمنا من وطننا، ولبنان لا يرحب بنا، والعالم أغلق أبوابه في وجهنا."

"بين المرّ والأمرّ"

تحت وطأة التضييق الأمني الذي يمارسه الأمن اللبناني ضد اللاجئين السوريين، والذي يتضمن ترحيل من لا يحمل إقامة قانونية، اضطر الناشط السوري رضوان القصير لاتخاذ قرار الهجرة عبر البحر، رغم رفضه الشديد لهذه الفكرة بسبب خطورتها البالغة، ويقول القصير "ترددت كثيراً في اتخاذ هذا القرار خوفاً على حياة ابني البالغ من العمر أربع سنوات، حيث كنت أتخيله دائماً وهو يغرق في البحر. ومع ذلك قررت المجازفة، لأنني كنت متيقناً أن تسليمي للنظام السوري يعني موتي المحتوم وضياع عائلتي."

اتصل القصير بمهرّب يعرفه واتفق معه على دفع مبلغ 7 آلاف دولار عند الوصول إلى قبرص. في الليلة المحددة، توجه مع عائلته إلى الشاطئ، ليجد العشرات ينتظرون انطلاق الرحلة. لكن، وقبل أن يتحرك القارب، نشب خلاف بين المهربين تطور إلى إطلاق نار، مما استدعى تدخل الجيش اللبناني الذي قام بتوقيف من لم يتمكن من الهرب من الحاضرين.

ويشدد في حديث لموقع "الحرة" على أن "السجون اللبنانية، رغم قسوتها، تظل أفضل بكثير من سجون النظام السوري"، ويقول "أفضل الموت في السجون اللبنانية على أن يتم توقيفي لساعتين في سجون نظام الأسد. ففي السجون اللبنانية، هناك طعام وشراب وحتى هاتف، بينما في سجون النظام تحت الأرض، يصبح الإنسان مجرد رقم."

ويشير أيضاً إلى أن ابن شقيقته حاول الهجرة، وعند توجهه للقاء مهرب والاتفاق معه، تم توقيفه من قبل الأمن اللبناني قبل أن يتم تسليمه إلى الفرقة الرابعة السورية، ويضيف "بقي لدى هذه الفرقة حوالي خمس ساعات قبل أن يتم تحريره مقابل مبلغ مالي".

ويشرح القصير "من يتم تسليمه إلى الفرقة الرابعة يمكن استعادته إذا لم يكن مطلوباً للنظام السوري مقابل 100 دولار، أما إذا كان مطلوباً، فقد يتطلب الأمر دفع 500 دولار أو أكثر، بشرط ألا يكون قد تم تحرير محضر رسمي باستلامه من قبل هذه الفرقة".

وفي اتصال مع الباحثة في مجال حقوق اللاجئين والمهاجرين في منظمة "هيومن رايتس ووتش"، نادية هاردمان، قالت "كما ذكرنا في التقرير، وجدنا أن الجيش اللبناني يمنع اللاجئين السوريين من مغادرة لبنان عبر اعتراضهم على الشواطئ أثناء محاولتهم عبور البحر إلى أوروبا. يتم توقيفهم بالقوة، وحرمانهم من تقديم طلب اللجوء، ومعاملتهم بشكل سيء لإجبارهم على العودة إلى سوريا، المكان الذي فروا منه ولجأوا إلى لبنان."

وفي قبرص، تشير هاردمان لموقع "الحرة" إلى أن "السلطات هناك تقوم بطرد اللاجئين السوريين وتجبرهم على العودة إلى لبنان، حيث يتم القبض عليهم من قبل الجيش اللبناني وترحيلهم إلى سوريا"، مشددة على أن "هناك التواطؤ بين السلطات القبرصية واللبنانية لإجبار اللاجئين السوريين على العودة إلى سوريا" فيما وصفته بأنه "سلسلة تسليم متفق عليها".

إضافة إلى ذلك، تقول "من الصعب على اللاجئين السوريين تحمل الظروف المعيشية الصعبة في لبنان، فهم يتعرضون للمذلة، التحرش، الكراهية، الاعتقال العشوائي، الترحيل والحرمان من الأوراق الثبوتية. وهذا يحصل عمداً، لأن السلطات اللبنانية تريد إجبارهم على العودة إلى بلدهم. نحن لا نعلم ماذا يحدث للاجئين الذين يعودون إلى سوريا، بسبب غياب وسيلة للتواصل وخوف الناس من نقل أخبارهم، فالهواتف مراقبة".

ورغم ذلك، استطاعت هيومن رايتس ووتش وفق ما تذكره الباحثة "توثيق ما حدث لبعض الحالات التي عادت إلى سوريا، فمثلاً في العام 2021 أعددت تقريراً عما حصل للعائدين إلى سوريا، الكثير منهم تعرض للقتل ومنهم من اختفى، ولم يستطع أحد تحمل أعباء الانهيار الاقتصادي في سوريا".

"انتهاكات مموّلة"

لم تطل الانتهاكات ضد اللاجئين في لبنان وقبرص الرجال فقط، بل شملت كذلك النساء والقاصرين، حيث أفادت "هيومن رايتس ووتش" بأن عناصر من الشرطة القبرصية قاموا بتقييد معصمي صبي يبلغ من العمر 15 عاماً، غير مصحوب بذويه، وأعادوه مباشرة إلى مرفأ بيروت على متن سفينة قبرصية. وعلى الفور، قام الجيش اللبناني بترحيله مع مجموعة من السوريين الآخرين عبر معبر المصنع الحدودي إلى سوريا.

تشكل عمليات طرد اللاجئين السوريين بإجراءات موجزة، وفق ما تؤكده المنظمة الدولية انتهاكاً لالتزامات لبنان بموجب "اتفاقية الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب" وبموجب مبدأ القانون الدولي العرفي الذي يحظر الإعادة القسرية للأشخاص إلى بلدان يواجهون فيها خطر التعذيب أو الاضطهاد. كما أن احتجاز الأطفال وإساءة معاملتهم وفصلهم عن أسرهم يشكل انتهاكا لالتزامات لبنان في مجال حقوق الطفل.

وفي قبرص، تعتبر عمليات الصد، عمليات طرد جماعي محظورة بموجب "الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان"، حيث تنتهك حظر الإعادة القسرية غير المباشرة أو المتسلسلة أو الثانوية.

يكشف تقرير "هيومن رايتس ووتش" للعالم، كما يقول المدافع عن حقوق الإنسان، المحامي محمد صبلوح، "السياسة غير الإنسانية التي تتبعها بعض الدول الأوروبية، والتي تدعم لبنان بشكل غير مباشر لانتهاك حقوق اللاجئين تحت ذريعة الحد من الهجرة".

ويظهر التقرير كذلك وفق ما يقوله صبلوح لموقع "الحرة"، "كيف يتلقى لبنان مساعدات من قبرص والاتحاد الأوروبي تحت عنوان "الحد من الهجرة"، بينما "يمارس في الواقع أبشع أنواع الانتهاكات بحق اللاجئين من أجل الحصول على مزيد من الأموال"، مشيراً إلى تقرير بريطاني سابق أكد أن "بعض الدول الأوروبية تمول كتيبة طارق بن زياد في ليبيا لتنفيذ نفس الأعمال التي يقوم بها الأمن اللبناني تجاه اللاجئين".

قدّمت "هيومن رايتس ووتش" تقريراً للاتحاد الأوروبي عما يحصل، لكن بحسب ما تقوله هاردمان "وجدنا أنه يمّول السلطات اللبنانية ولا يطالب بأي ضمانات لحماية اللاجئين السوريين من الانتهاكات، بل على العكس يقوم بمكافأة السلطات اللبنانية على إدارة الحدود، فهو يفضّل الاستعانة بمصادر خارجية كي يضمن عدم مجيء اللاجئين السوريين إلى أوروبا".

وذكر التقرير أن "الاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء فيه، قدموا تمويلاً يصل إلى 16.7 مليون يورو لمختلف السلطات الأمنية اللبنانية بين عامي 2020 و2023، وذلك لتنفيذ مشاريع إدارة الحدود التي تهدف بشكل أساسي إلى تعزيز قدرة لبنان على الحد من الهجرة غير الشرعية".

في مايو 2024، "خُصصت حزمة أوسع بقيمة مليار يورو للبنان حتى عام 2027، تتضمن أموالاً لتزويد القوات المسلحة اللبنانية والقوى الأمنية الأخرى بالمعدات والتدريب اللازمين لإدارة الحدود ومكافحة التهريب".

وأفادت المديرية العامة للأمن العام اللبناني، المسؤولة عن مراقبة دخول الأجانب وإقامتهم في البلاد، بأنها "اعتقلت أو أعادت 821 سورياً كانوا على متن 15 قارباً حاولوا مغادرة لبنان بين 1 يناير 2022 و1 أغسطس 2024" وفق ما ذكره التقرير، وذلك رغم أن "مفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين المكلفة بتوفير الحماية الدولية والمساعدة الإنسانية للاجئين، تؤكد أن سوريا غير آمنة للعودة القسرية وأنها لا تُسهل ولا تُشجع العودة الطوعية".

إجراءات محاسبة المنتهكين

"يتعين على الاتحاد الأوروبي والجهات المانحة الأخرى إنشاء آليات مستقلة وفورية لمراقبة الامتثال لحقوق الإنسان في عمليات مراقبة الحدود اللبنانية"، كما دعت هاردمان في التقرير.

يستضيف لبنان أكبر عدد من اللاجئين نسبة لعدد السكان في العالم، حيث يعيش فيه حوالي 1.5 مليون لاجئ سوري. هذا يأتي في وقت يعاني فيه البلد من أزمات متعددة ومتراكمة، مما أدى إلى ظروف اجتماعية واقتصادية صعبة تؤثر على جميع سكانه.

ومنذ سنوات "رفع مدافعون عن حقوق الانسان الصوت، حول هذه الانتهاكات الجسيمة التي تتعارض مع الاتفاقيات الدولية وأبسط قواعد حقوق الإنسان" كما يؤكد صبلوح، ورغم ذلك "أصبحت بعض الأجهزة الأمنية اللبنانية تتاجر باللاجئين حيث تسلمهم لمهربين يرفضون إطلاق سراحهم إلا بعد دفع مبالغ مالية يحددها كل منهم كيفما يشاء والتي غالباً ما تتراوح بين 200 و300 دولار."

ويشير صبلوح إلى أهمية توثيق هذه الانتهاكات وفضحها عبر منظمات دولية ذات مصداقية، بهدف محاسبة المسؤولين عنها والكشف عن المتواطئين معهم، ويقول "التوثيق يفضح المعاملة العنصرية القاسية التي يتعرض لها اللاجئون السوريون، ويكشف الانتهاكات بالأدلة القاطعة، مما يمنع أي جهاز أمني من إنكار حقيقة ما ارتكبه".

وتمثل الانتهاكات التي يوثقها الحقوقيون والمنظمات الدولية وفق ما يقوله صبلوح "رسالة موجهة لكل المسؤولين في لبنان وخارجه فحواها أن من يخالف القانون سيعاقب"، مشدداً على أنه "سنواصل بذل كل الجهود القانونية لمحاسبة المنتهكين، سواء في لبنان أو خارجه، وإلى حينه ندعو الجميع لمراجعة ضمائرهم وإنسانيتهم".

لبنان

بين المال والتربية.. لماذا يتجه لبنان لإلغاء هذه الشهادة المدرسية؟

سارة الخنسا - بيروت
20 مارس 2025

بين تأكيد ثم نفي من وزير الإعلام بول مرقص، تتداول الأوساط التربوية خبرًا عن نيّة مجلس الوزراء اللبناني إلغاء الشهادة المتوسطة (البروفيه) هذا العام، في ظل الظرفية المالية والسياسية الحرجة التي تمر بها البلاد.

وقالت وزيرة التربية والتعليم العالي، ريما كرامي، في تصريح سابق، إنها قدّمت مشروع مرسوم إلى مجلس الوزراء لإلغاء الامتحانات الرسمية لهذه الشهادة، واستبدالها بالامتحانات المدرسية، موضحةً أن المشروع بدأ مسيرته القانونية عبر مجلس شورى الدولة تمهيدًا لعرضه على مجلس الوزراء.

في هذا السياق، عبّر نقيب المعلمين في لبنان، نعمة محفوض، عن استيائه من الإلغاء، مشددا على ضرورة وجود بديل مدروس لشهادة البريفيه قبل اتخاذ قرار الإلغاء.

وأكد أن "إلغاء البريفيه ليس لأسباب تربوية، بل بسبب غياب التمويل اللازم في الموازنة". وتابع قائلاً: "ما فهمته من الوزيرة أن السبب ليس تربويًا، بل ماديًا، وهذا ما يعدّ مصيبة في حد ذاته".

وتساءل محفوض حول كيفية تقييم الطلاب دون امتحانات رسمية، قائلاً: "كيف سيتم تقييم هؤلاء الطلاب؟ ما هو الأساس الذي سيُبنى عليه التقييم؟". وأشار إلى غياب الرقابة في بعض المدارس الخاصة، متسائلا: "من يراقب تلك المدارس التي قد تُقرر تلقائيًا نجاح الطلاب في البريفيه؟".

وأضاف محذراً: "المناهج الجديدة التي أعدها المركز التربوي لم تُكتب بعد، ولا توجد أموال لتطويرها". وتساءل عن الجدوى من إلغاء البريفيه قبل تنفيذ المناهج الجديدة.

غياب التمويل

وأوضح أن "المنهج الجديد يتضمن طرق تقييم حديثة، وعندها يمكن الحديث عن إلغاء البريفيه". وشدد على أن "إلغاء الشهادة كان ضروريًا فقط هذا العام بسبب غياب التمويل، ولكن يجب أن يتم العمل على رفع مستوى التعليم في لبنان".

من ناحيتها، أكدت رئيسة المركز التربوي للبحوث والإنماء، البروفيسورة هيام إسحق، أن الظروف الاستثنائية التي يشهدها لبنان هذا العام قد حالت دون إجراء امتحانات البريفيه.

وقالت المتحدثة: "اجتمعنا مع وزيرة التربية ريما كرامي التي أكدت أن الظروف في لبنان هذه السنة لا تسمح بإجراء امتحانات البريفيه، خاصة في ظل السنة الدراسية المتعثرة". 

هيام إسحق "نحن نبحث عن بدائل لهذه الامتحانات، التي سيُعلن عنها في وقت لاحق من قبل الوزيرة". وأوضحت أن هناك مقترحًا بإبقاء شهادة البريفيه ولكن مع إجراء تغييرات جوهرية.

وأضافت "نحن مع المناهج الجديدة، وسنطرح نموذجًا جديدًا لامتحانات البريفيه في المستقبل". وأكدت إسحق أن هذا القرار موجه فقط لهذا العام الدراسي، في انتظار موقف لجنة التربية النيابية بشأن مصير هذه الشهادة في الأعوام القادمة.

وفي تعليقه على الموضوع، رحّب الأمين العام للمدارس الإنجيلية، نبيل القسطا، بالإلغاء، معتبرًا إياه خطوة إيجابية نحو تخفيف الضغط عن الطلاب. 

وقال: "القرار في حال اتخذ فهو جيد جدًا. يجب أن نتجنب وضع تحديات مبالغ فيها أمام التلامذة، بل من الأفضل أن ندمج العلامات المدرسية في البريفيه وتضاف لاحقًا لشهادة البكالوريا لدعمهم في الدخول إلى الجامعة". 

وأشار إلى أن "هناك مدارس قد تفتقر للرقابة المناسبة على الامتحانات، ولكن يجب النظر إلى الأسباب التي تدفع لاتخاذ هذا القرار". وذكر بأنه في الماضي "كانت وزارة التربية ترى أن كثرة الامتحانات هي السبيل الوحيد للنجاح، أما الآن، فنحن بحاجة لفهم اهتمامات الطلاب وتوجهاتهم بدلاً من تضييع مستقبلهم بسبب نصف علامة في امتحانات الشهادة المتوسطة".

تدني مستوى التعليم

أما منسقة العلوم الاجتماعية وعضو نقابة المعلمين، سناء أبو حيدر، فقد عبّرت عن قلقها من تدني مستوى التعليم في لبنان في حال إلغاء امتحانات البريفيه للعام الثالث على التوالي. 

وقالت سناء أبو حيدر: "للأسف، للسنة الثالثة على التوالي، قد يتم إلغاء شهادة البريفيه بسبب الأوضاع الاقتصادية والأمنية". وأضافت: "المستوى التعليمي في لبنان يتراجع تدريجيًا، وإذا كانت العلامات المدرسية للبريفيه جيدة، إلا أن السؤال يبقى: هل المدارس تلتزم بتقديم المعلومات الدقيقة حول أداء الطلاب؟". 

وأكدت أن "لدينا أعدادًا كبيرة من الطلاب في المرحلة المتوسطة، وبعضهم لا يتمكن من تحصيل المنهج كما يجب، ومع ذلك يتقدم للمرحلة الثانوية".

وأعربت عن دعمها لتقديم هذه الشهادات، لكن "الأوضاع الاقتصادية والسياسية فرضت نفسها، من الأزمة الاقتصادية إلى تداعيات حرب لبنان الأخيرة". وتساءلت عن تأثير هذه الأوضاع على سير المنهاج التعليمي، مرجحة أن يكون الواقع المالي هو السبب الرئيس في إلغاء الامتحانات، وقد تكون هناك أيضًا عوامل سياسية وراء هذا القرار.

رغم أن قرار إلغاء شهادة البريفيه هذا العام قد يكون حلا مؤقتا نتيجة للأوضاع الصعبة التي يمر بها لبنان، إلا أن هذا التغيير يثير الكثير من الأسئلة حول مصير التعليم في البلاد. 

وتتثار الكثير من الأسئلة حول قدرة وزارة التربية على إيجاد بدائل عادلة لتقييم الطلاب، في إطار البحث عن حلول جذرية تضمن جودة التعليم وحقوق الطلاب في التقييم والمساواة، في ظل التحديات المادية والأمنية التي تعاني منها البلاد.

سارة الخنسا