كانوا يحلمون بالوصول إلى أوروبا لصعوبة العيش في لبنان، لكن أحلامهم تحوّلت فجأة إلى كوابيس. فالسمسار الذي وعد بإيصالهم إلى شواطئ إيطاليا، غدر بهم في بداية الرحلة.
بدأت القصة عندما أدعى شخص أنه سمسار قادر على ترتيب رحلة آمنة إلى أوروبا للراغبين من سكان المخيم، متعهدا بضمان سلامة المسافرين، لكنه في الواقع كان عضوا في عصابة لخطف المهاجرين للحصول على فدى. وبالفعل التحقت به مجموعة مؤلفة من ثمانية أشخاص، وبعد أيام صُدم سكان المخيم بأنباء اختطافهم.
وتصاعدت في الآونة الأخيرة ظاهرة الخطف في لبنان على أيدي عصابات إجرامية تستغل ظروف الناس المأساوية ورغبتهم في الهجرة. وتستخدم تلك العصابات غالبا وسائل التواصل الاجتماعي للإيقاع بهم عبر وعود كاذبة بتأمين سفرهم إلى أوروبا.
وبعد وقوع الضحايا في الفخ، يُحتجزهم الخاطفون غالباً في منازل على الحدود السورية اللبنانية، حيث يتعرضون لأبشع أساليب التعذيب. ويصور الخاطفون مقاطع فيديو بهواتف الضحايا، لابتزاز عائلاتهم وإجبارهم على تسديد الفدية المطلوبة.
وتسببت الأزمة الاقتصادية الخانقة في لبنان في دفع آلاف اللاجئين الفلسطينيين والسوريين، وحتى اللبنانيين، إلى اتخاذ قرار الهجرة غير الشرعية، وأصبحت شواطئ لبنان الشمالية نقطة عبور رئيسية نحو أوروبا بحثاً عن حياة أفضل. وفي هذا السياق، ظهرت شبكات تهريب منظمة تتولى نقل الراغبين في الهجرة إلى شواطئ اليونان وقبرص وإيطاليا، مقابل مبالغ مالية كبيرة.
ابتزاز "وحشي"
ويروي بادي دغيم تفاصيل عن رحلة ابنه يسر (24 سنة)، التي انتهت بخطفه وتعذيبه: "كان يسر يرغب في السفر منذ فترة طويلة، ولكن لم تتح له الفرصة المناسبة حتى جاءت هذه الفرصة الأخيرة التي بدت مضمونة، ولم نكن مطالبين بدفع مبلغ 7500 دولار إلا بعد وصوله إلى الشواطئ الإيطالية".
"استعد يسر الذي كان يعمل في محل للألومينيوم للسفر"، يقول دغيم لموقع "الحرة". ويوم الأربعاء الماضي، انطلق من المنزل وكان على تواصل مستمر مع والده لحوالي ثلاث ساعات قبل أن ينقطع الاتصال به فجأة.
بعد أيام أيام، دفع دغيم المبلغ المطلوب ثمنا لرحلة ابنه، لكنه تفاجأ برسالة من السمسار يطالبه فيها بدفع 20 ألف دولار إضافية إذا أراد عودة يسر إلى المنزل. فطلب دغيم من السمسار أن يرسل مقطع فيديو يثبت سلامة ابنه، وهو ما حصل، لكن السمسار عاود وطلب إرسال المال، فأخبره دغيم أنه استدان الجزء الأكبر من مبلغ الرحلة فكيف له أن يؤمن هذا المبلغ الكبير.
رد السمسار كان حازما، إذ أخبر دغيم بأنه سيرسل له مقاطع فيديو تتضمن مشاهد لتعذيب ابنه لإجباره على دفع المبلغ بالقوة، وقد نفذ تهديده بالفعل. وفي صباح اليوم التالي، أرسل له رسالة تهديد أخرى، مفادها أنه سيفقد ابنه إذا لم يرسل الأموال المطلوبة.
عاش أهالي المختطفين حالة من الصدمة والرعب بعد تلقيهم مقاطع فيديو تظهر تعذيب أبنائهم بوحشية، وسارعوا إلى تقديم شكوى أمام النيابة العامة وأبلغوا المخفر، كما تواصلوا مع السفارة الفلسطينية في لبنان في محاولة للكشف عن مصير أبنائهم.
وشهد مخيم برج البراجنة، الثلاثاء، احتجاجا غاضبا، إذ قام الأهالي بقطع طريق المطار، مطالبين السلطات الأمنية بالتحرك الفوري لإنقاذ المختطفين. وقد اعتبر المحتجون أن هذه الحادثة مؤشراً خطيراً على تصاعد وتيرة عمليات الخطف والجريمة المنظمة في لبنان.
نهاية الكابوس
"تمكنت مخابرات الجيش اللبناني من تحرير المختطفين، عند الساعة الرابعة من صباح اليوم الأربعاء"، كما يؤكد، مستشار العلاقات الوطنية في سفارة فلسطين في لبنان، العميد سمير أبو عفش الذي تابع القضية، ويوضح أن "التواصل كان مستمراً مع جميع الأجهزة الأمنية اللبنانية، ولا سيما مع مخابرات الجيش".
ويضيف أبو عفش في حديث لموقع "الحرة" أن "الجيش اللبناني أصدر بياناً بشأن تحرير المختطفين، ولا يمكننا التعليق على التفاصيل حتى ينتهي التحقيق لمعرفة المحرضين ومن يقف وراء عملية الخطف".
وذكر الجيش اللبناني في صفحته على موقع التواصل الاجتماعي "أكس" أنه "نتيجة الرصد والمتابعة الأمنية من مديرية المخابرات تم تحرير فلسطينيين من سكان مخيم برج البراجنة كانوا قد خطفوا في تاريخ سابق".
ويوضح أبو عفش أن المختطفين هم عائلة تتكون من الأب والأم وثلاثة أولاد، بالإضافة إلى ثلاثة شبان آخرين، مشيراً إلى أنهم جميعاً بخير رغم تعرضهم للضرب.
ما يدفع اللاجئين الفلسطينيين إلى اتخاذ قرار الهجرة غير الشرعية هو "اليأس"، وفق أبو عفش، فهم "ممنوعون من العمل في 73 مهنة في لبنان، بالإضافة إلى الوضع الاقتصادي الصعب الذي يعاني منه جميع السكان".
ويشدد أبو عفش على أن "اللاجئين الفلسطينيين يبحثون عن سبل أفضل للعيش، لكن ذلك لا يبرر الهجرة غير الشرعية، فقد رأينا كيف ابتلع البحر العديد من المهاجرين، وكيف استغل تجار البشر الناس".