جنود الجيش اللبناني يقفون للحراسة بينما تنقل سيارة إسعاف الجرحى إلى مستشفى في بيروت
جنود الجيش اللبناني يقفون للحراسة بينما تنقل سيارة إسعاف الجرحى إلى مستشفى في بيروت

منذ لحظة الكشف عن تفجيرات "البيجر" في لبنان، والأضواء تتسلط على تداعياتها المتعلقة بـ"حزب الله" والآلية التي تم اتباعها لتنفيذ هذا الخرق الكبير، لكن في مقابل ذلك، ترتسم صورة أخرى لما حصل، تتعلق تفاصيلها على نحو أكبر بإيران، وفق ما يقول خبراء ومراقبون لموقع "الحرة". 

وتبدأ تفاصيل تلك "الصورة الإيرانية" عند حيثيات المشهد المتعلق بإصابة سفير طهران في لبنان، مجتبى أماني بـ"البيجر"، ولا تنتهي عند الخيوط الخاصة بالتفجيرات المتزامنة، التي يفك محللون وخبراء البعض من عقدها، خلال حديثهم لوسائل إعلام أجنبية، بينها "نيويورك تايمز". 

ولا تعرف الحالة الطبية الدقيقة للسفير أماني حتى الآن، فبعدما تواردت أنباء، الثلاثاء، بأنه يعاني من "وضع حرج"، أعلنت السفارة الإيرانية لدى لبنان، صباح الأربعاء، أن عملية علاجه "تسير بشكل جيد". 

وقالت أيضا عبر تدونية نشرتها باللغة بالفارسية على منصة "إكس: "نطمئن مواطنينا الأعزاء ووسائل الإعلام بأن عملية علاج السفير.. تسير بشكل جيد". 

التوضيح الذي نشرته السفارة جاء بعد بيان نشرته وزارة الخارجية الإيرانية، أدانت فيه التفجيرات. وفي حين اعتبرتها "إبادة جماعية" محمّلة إسرائيل المسؤولية، لم تهدد بأي "رد"، سواء على خلفية إصابة أماني أو لما تعرض له وكيلها "حزب الله" في لبنان. 

ما دلالات إصابة أماني بـ"البيجر"؟

يرى آرون لوند، وهو خبير  في "مؤسسة القرن" ويركز على سياسات الشرق الأوسط، أن "إصابة السفير الإيراني بتفجيرات البيجر تثبت أن إيران مندمجة بشكل عميق مع الجهاز الداخلي لحزب الله". 

وبينما يقول لموقع "الحرة" إن هذا الأمر "ليس جديدا ولا مفاجئا"، يضيف أن "حزب الله وإيران مرتبطان بشكل وثيق وعلى نحو كبير".  

و"يتعين على السفير الإيراني أن يوضح سبب امتلاكه لجهاز اتصال عسكري تابع لحزب الله".. جاء ذلك في أحد التعليقات التي أثارها عضو الكونغرس الأميركي، براد شيرمان، عبر موقع التواصل "إكس". 

وأشار شيرمان قبل ساعات، إلى أن "إيران لها تاريخ طويل في استخدام (دبلوماسييها) لتنفيذ أعمال إرهابية، ويشمل ذلك مؤامرة لاغتيال السفير السعودي لدى الولايات المتحدة، واستهداف المعارضين في الخارج، خاصة في أوروبا".  

وبدوره، يعرب المستشار في مجلس الأمن القومي الإسرائيلي، أستاذ العلوم السياسية في جامعة حيفا، عنان وهبي، أن "الانفجار الذي أصيب فيه السفير أماني، كشف أن الهيكل العسكري والسياسي التابع لحزب الله والسفارة الإيرانية هو جهاز واحد". 

ويعتبر في حديثه لموقع "الحرة" أن "هذه هي الإمبراطورية الإيرانية التي يريدون بناءها على حساب العراق وسوريا ولبنان". 

الخبير المختص بالشؤون الأمنية والاستراتيجية، عامر السبايلة، يذهب بسياق آخر لكنه مرتبط بطبيعة التفجيرات التي ضربت أجهزة "البيجر"، ويقول إن "المشكلة الأساسية تكمن الآن في موضوع المورّد لها".

ويضيف السبايلة لموقع "الحرة" أنه "يجب النظر إلى كيفية اختراق الأجهزة من المورد الأساسي"، مشيرا إلى أن "المورد هو النقطة الأكثر أمانا لحزب الله، المتمثلة بإيران والحرس الثوري". 

ولا يفصل الخبير الأردني التفسيرات والشكوك التي تثار حول "المورد المرتبط بالأجهزة"، عن طبيعة العلاقة بين طهران وحزب الله. 

ويؤكد على فكرته بأن وصول الأجهزة ومصدرها "هو النقطة الأساسية التي يبدو أنها تتعلق بإيران".  

"اختراق أكبر من حزب الله" 

وينظر إلى حزب الله اللبناني منذ سنوات، بصفته "وكيلا" لإيران في المنطقة. وقبل الضربة الحالية المتعلقة بتفجيرات "البيجر"، كان قد تعرض لسلسلة استهدافات، أبرزها تلك التي أسفرت عن مقتل القيادي البارز فيه، فؤاد شكر.  

ومن جانب إيران، فقد تعرضت منذ اندلاع الحرب في غزة لعدة استهدافات نُسبت لإسرائيل، كان آخرها وأشدها العملية التي قتل فيها زعيم المكتب السياسي لحركة حماس، إسماعيل هنية.  

هنية قتل قبل شهر ونصف في إحدى المضافات التابعة لـ"الحرس الثوري" في طهران، ولم تنفذ الأخيرة أي رد حتى الآن إزاء الحادثة التي استهدفته، رغم أنها هددت أكثر من مرة بذلك. 

وعلاوة على ما سبق، تعرضت القنصلية الإيرانية في العاصمة السورية بدمشق لقصف نُسب لإسرائيل أيضا، في أبريل 2024. وجاء ذلك في أعقاب استهداف عدة قيادات بارزة من "الحرس الثوري" في أنحاء متفرقة من البلاد.  

ورغم أن "تفجيرات البيجر" استهدفت حزب الله على نحو محدد، فقد يكون أساس العملية الاستخباراتية "في إيران"، كما يشير الخبير الجيوسياسي السبايلة. 

ويوضح أن "الجهاز (البيجر) لا يمكن اعتباره عملية تصفية جسدية، بل اختراق لكافة المنظومة". 

"لا نعلم عدد الأجهزة ومكان تواجدها. وظهورها مع سفير إيران يشير إلى أنها قد تكون بيد مخابرات حزب الله وقيادات أخرى أيضا"، وفق حديث السبايلة. 

ويضيف الخبير أن "السفير الإيراني في لبنان هو جزء من المنظومة الأمنية لحزب الله"، ويؤكد على ذلك إصابته بـ"البيجر". ويرى أيضا أن ما حصل "هو الرسالة الثانية على المستوى الاستخباراتي لإيران، بعد اغتيال هنية". 

ويتفق الباحث المختص بالشأن الإيراني، وجدان عبد الرحمن، مع التفسيرات التي تذهب بأن ما حصل "هو خرق استخباراتي استهدف حزب الله في العلن، لكنه قد يتجاوزه وصولا إلى إيران". 

ويوضح عبد الرحمن، المقيم في لندن، لموقع "الحرة" أن إصابة السفير الإيراني بجهاز الاتصال، يؤكد فكرة أن "أماني يعرف كل ما يدور في معركة حزب الله"، وأنه أيضا "مندمج ضمن المنظومة بهدف إدارة العمليات، كي لا تتوسع إلى حرب شاملة مع إسرائيل". 

الباحث يعود إلى الوراء ويقارب طبيعة عمل السفير الإيراني في لبنان مع نظيره حسن إيرلو الذي توفي في اليمن، في ديسمبر 2021.  

ويضيف أن "إيرلو كان دبلوماسيا يدير عمليات جماعة الحوثيين في صنعاء، وكذلك الأمر بالنسبة للسفير أماني الذي تكشف إصابته بالبيجر عن دوره في الانخراط بإدارة عمليات حزب الله". 

ما المتوقع إيرانيا؟ 

لم تعلن إسرائيل حتى الآن مسؤوليتها عن التفجيرات التي تلت تهديدات أطلقها مسؤولون فيها، وتعلقت بالتحديد بالجبهة الشمالية مع حزب الله. وقد حمّلها الأخير المسؤولية. 

ومع ذلك، ذكرت شبكة "سي إن إن" الأميركية، الأربعاء، أن الاستهداف الذي طال عناصر حزب الله في جميع أنحاء لبنان، كان "نتيجة عملية مشتركة بين جهاز الاستخبارات الإسرائيلي (الموساد) والجيش". 

ويوضح الخبير في "مؤسسة القرن" لوند، أن معطيات الحادثة الحاصلة "تطرح سؤالا يرتبط بما إذا كانت هذه هي المرحلة الأولى في هجوم إسرائيلي، أم تصعيد كبير؟". 

ويشير إلى عدة أمور حصلت قبل تفجيرات "البيجر"، بينها "الضربة التي نسبت لإسرائيل واستهدفت مصنعا مزعوما لإنتاج الصواريخ في مصياف بسوريا". 

وجاء ذلك في أعقاب تحرك القوات الإسرائيلية شمالا، والقرار الذي اتُخذ، الثلاثاء، بإضافة هدف حرب جديد رسميا لدى إسرائيل، هو: إعادة السكان إلى منازلهم في مناطق الحدود الشمالية. 

ويقول لوند إن هجمات البيجر "تشكل عائقا لحزب الله في الأمد القريب، خاصة أن العديد من أعضائه دخلوا المستشفى فجأة وتم تدمير نظام اتصالات". 

وقد يبدو المشهد المذكور وكأنه "خطوة أولى ممتازة في مثل هذه العملية (البيجر)، لكننا لم نشهد هجوما إسرائيليا بعد، لذا ربما تكون هناك تفسيرات أخرى"، حسب الخبير. 

ويتحدث عن سيناريو مفاده أنه "ربما أُجبِروا (الإسرائيليون) على الضغط على الزناد قبل الموعد المخطط له، أو ربما كان ذلك ببساطة جزءا من استراتيجية لإرغام حزب الله وزعزعة استقراره". 

وإذا كان الأمر كذلك "فهي خطوة محفوفة بالمخاطر"، إذ يبدو "من الغريب وغير المعتاد من جانب إسرائيل"،  وفقا للوند، أن "تهدر (إسرائيل) مثل هذا الهجوم الفعال للغاية دون متابعة، لاستغلال نقاط الضعف التي يخلقها في صفوف حزب الله". 

ومن ناحية أخرى تتعلق بإيران، يعتقد الباحث في الشأن الإيراني، ضياء قدور، أن "تفجيرات البيجر" قد تسمح لإيران باستغلال الوضع "من أجل الرد"، بعدما تملصت من ذلك إثر مقتل هنية. 

ومع ذلك يشير في حديثه لموقع "الحرة"، إلى أن تقليلها لأهمية إصابة سفيرها والتكتم على وجود إصابات محتملة لحقت بقادة "الحرس الثوري"، يرجح "عدم وجود رد إيراني فوري على الأقل".  

ومن المتوقع ألا تثير إيران أي حساسيات في الوقت الحالي، في ظل الزيارة المرتقبة لرئيسها مسعود بزشكيان إلى نيويورك، الأحد المقبل، حسب قدوره. 

ويرجح في المقابل أن "تترك طهران لحزب الله زمام الأمور للرد بشكل أو بآخر.. بالتنسيق معها". 

التصعيد مستمر بين إسرائيل وحزب الله
التصعيد مستمر بين إسرائيل وحزب الله | Source: IDF

دعا الجيش الإسرائيلي سكان المناطق الجنوبية في لبنان، الأحد، إلى إخلاء نحو 25 قرية، بينما استهدفت غارات إسرائيلية الضاحية الجنوبية، في غارات وصفت بأنها الأعنف منذ التصعيد الأخير بين حزب الله وإسرائيل.

وطالب متحدث باسم الجيش الإسرائيلي سكان 25 قرية في جنوب لبنان  بالتوجه فورا إلى شمالي نهر الأولي في جبل لبنان، بينما قالت وكالة رويترز إن الغارات الجوية الإسرائيلية، التي استهدفت الضاحية الجنوبية لبيروت خلال الليل وفي وقت مبكر من صباح الأحد، هي الأعنف للعاصمة اللبنانية منذ الشهر الماضي.

ويأتي القصف المكثف عشية الذكرى السنوية لهجوم حركة حماس الفلسطينية في السابع من أكتوبر، العام الماضي، على جنوب إسرائيل، الذي قُتل فيه نحو 1200شخص واختطف أكثر من 250، وفقا لأرقام إسرائيلية.

وعن حصيلة الغارات، قال مركز عمليات طوارئ الصحة العامة التابع لوزارة الصحة العامة في لبنان إن الضربات على بلدات وقرى جنوب لبنان والنبطبة والبقاع وبعلبك الهرمل وجبل لبنان والشمال، السبت، أدت إلى مقتل 23 شخصا وإصابة 93 بجروح.

وقالت الوزارة إنه منذ الثامن من أكتوبر 2023، قتل 2036 شخصا وأصيب 9653، وفق مراسلة الحرة.

وعلى وقع الغارات على بيروت، أفادت وكالة رويترز بمشاهدة غبار وأنقاض بنايات في شوارع الضاحية الجنوبية.

وقالت حنان عبد الله، وهي من سكان منطقة برج البراجنة في الضاحية: "كانت الليلة الماضية هي الأكثر عنفا من كل الليالي السابقة. كانت المباني تهتز من حولنا وفي البداية اعتقدت أنه زلزال".

وأظهرت مقاطع فيديو نشرت على وسائل التواصل الاجتماعي، لم يتسن لرويترز التحقق منها على الفور، أضرارا جديدة لحقت بالطريق السريع الذي يمتد من مطار بيروت عبر ضواحيها الجنوبية إلى وسط المدينة.

"ليست حربنا".. تصاعد الغضب بين لبنانيين في ظل قتال مستمر
مع تواصل التصعيد العنيف والمستمر منذ 23 سبتمبر الماضي بين الجيش الإسرائيلي وجماعة حزب الله، اندعلت في لبنان موجة من المشاعر المتباينة تجاه الصراع المتصاعد بين إسرائيل وحزب الله، حيث ظهرت الأصوات المنتقدة بشكل واضح في كل من صحيفتي "نيويورك تايمز" الأميركية و"التايمز" البريطانية، معبرة عن شعور بالإحباط واليأس إزاء استمرار الحرب وتأثيرها الكارثي على الشعب بمختلف طوائفه.

في غضون ذلك، قال الجيش الإسرائيلي في بيان نقله مراسل الحرة في تل أبيب، إن سلاح الجو أغار على أكثر من 150هدفا بتوجيه من القوات البرية، خلال الساعات الـ24 الأخيرة

وأضاف أن قوات الفرقتين 36 و98 عثرت على مواقع إطلاق، وفتحات أنفاق، ومبان عسكرية ووسائل قتالية ودمرتها.

ومن بين الأهداف تمت مهاجمة مواقع لإطلاق صواريخ مضادة للدروع، ومجموعات مسلحين، ومقرات قيادة، وبنى تحتية تحت أرضية ومستودعات وسائل قتالية.

وقال الجيش إن طائرات سلاح الجو استهدفت علي خضر طويل، آمر سرية في منطقة كفركلا التابعة لحزب الله.

وأفاد حساب وزارة الدفاع الإسرائيلية على "إكس" بأن إسرائيل رصدت في منطقة الجليل حوالي 25 عملية إطلاق لمسيرات قادمة من لبنان، تم اعتراض بعضها.

وفي سوريا، قال المرصد السوري لحقوق الإنسان إن غارة "إسرائيلية" استهدفت، الأحد، مصنعا للسيارات الإيرانية في منطقة حمص في وسط سوريا، وذلك بعد أيام من غارات مماثلة طالت دمشق والحدود اللبنانية السورية.

ولم يصدر إعلان رسمي من إسرائيل بأنها شنت غارات في سوريا.

وذكرت الوكالة السورية للأنباء الرسمية أن دوي انفجار سُمع في مصنع بالمدينة الصناعية في مدينة حمص.

في غضون ذلك، تفقد رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتانياهو، القوات الإسرائيلية عند الحدود مع لبنان، وفق بيان لمكتبه.

كما أجرى وزير الدفاع، يوآف غلانت، جولة تفقدية في قاعدة نفاتيم الجوية التي تعرضت لسقوط عدد من الصواريخ التي أطلقت من إيران، الأسبوع الماضي.

وقال غالانت خلال حديثه مع الطيارين وأفراد الطواقم الفنية: "نحن أقوياء في الدفاع والهجوم، وسنعبّر عن ذلك بالطريقة التي نختارها، في الوقت الذي نختاره، وفي المكان الذي نختاره (..)".