إصابات خطيرة بالمئات بعد تفجير أجهزة اتصال لحزب الله اللبناني
لقي 9 أشخاص على الأقل مصرعهم وأصيب نحو 3 آلاف في لبنان يوم الثلاثاء

وصف شهود عيان تفاصيل ما حدث أمامهم في شوارع مختلفة بلبنان، جراء تفجيرات طالت أجهزة الاتصال "البيجر" التي ينتشر استخدامها بين عناصر حزب الله، حيث كانت "الدماء على الطرق والناس على الأرض"، في مشاهد اعتبرت امرأة أنها كانت أشبه بـ"يوم القيامة" بسبب الفوضى والرعب.

وقتل 9 أشخاص على الأقل وأصيب ما يقرب من 3 آلاف، عندما انفجرت الأجهزة التي يستخدمها عناصر جماعة حزب الله اللبنانية، وذلك بشكل متزامن.

ونُصبت خيام لاستقبال المتبرعين بالدم في الضاحية الجنوبية لبيروت. وأظهرت مقاطع فيديو جرحى ممددين في الشارع وسط ازدحام مروري، وانفجار في أحد الأسواق، وجرحى على الأرض في أحد المستشفيات.

بدأت انفجارات أجهزة البيجر في حوالي الساعة 3:30 بالتوقيت المحلي (1330 بتوقيت غرينتش) في الضاحية الجنوبية لبيروت وسهل البقاع، وهما من معاقل حزب الله، وفق رويترز.

واستمرت موجة الانفجارات نحو ساعة، وقال شهود من الوكالة وسكان بالضاحية الجنوبية، إنهم استمروا في سماع الانفجارات حتى الساعة 4:30 بالتوقيت المحلي.

وقال شاهد عيان لم يرغب في الكشف عن هويته لأسباب أمنية، لشبكة "سي إن إن" الأميركية: "فوجئنا بكثير من الناس.. الدماء كانت على الطرق والناس ينقلون إلى المستشفيات في سيارات الإسعاف، ولم نكن نعرف ما يحدث".

وأشار إلى أنه ذهب إلى المستشفى لزيارة صديق كان يحمل أحد الأجهزة التي انفجرت، الثلاثاء، مضيفا: "الجهاز لم يكن  يمتلكه المنتمون لحزب الله فقط، بل كان في أيدي الجميع. كان هناك أشخاص يعملون في مجال الأمن يستخدمونه، وأصيبوا أيضًا".

وكانت صحيفة "نيويورك تايمز" قد أفادت نقلا عن مسؤولين أميركيين وآخرين لم تسمهم، قولهم إن أجهزة النداء اللاسلكية التي انفجرت "صنعتها شركة غولد أبولو التايوانية وفخختها إسرائيل قبل أن تصل إلى لبنان".

وحمل حزب الله إسرائيل مسؤولية التفجيرات، إلا أن الأخيرة لم تعقب حتى الآن.

People gather outside the American University hospital after the arrival of several men who were wounded by exploded handheld…
تفجير أجهزة "البيجر" في لبنان.. ما الأهداف الخفية وراء العملية؟
أثارت التفجيرات المدمرة التي استهدفت أجهزة اتصال "البيجر" التابعة لعناصر حزب الله، مما أسفر عن مقتل تسعة أشخاص وإصابة أكثر من 2800 آخرين تساؤلات عميقة حول نوايا إسرائيل الحقيقية وما إذا كان هذا الخرق الأمني هو جزء من استراتيجية أوسع تهدف إلى إشعال المنطقة.

"يمشي ثم ينفجر"

بعد أن أكدت أنها ليست المنتجة للأجهزة التي انفجرت في لبنان، كشفت شركة "غولد أبوللو" التايوانية، الأربعاء، أنه "تم إنتاجها وبيعها بواسطة شركة باك (BAC)" ومقرها في عاصمة المجر بودابست.

وقال موسى المقيم في الضاحية الجنوبية لبيروت لوكالة فرانس برس، طالبا عدم كشف هويته بالكامل: "طوال حياتي لم أر شخصا يمشي في الشارع.. ثم ينفجر".

وتابع: "زوجتي وأنا كنا في طريقنا للطبيب (...) فجأة رأيت أشخاصا ممدّدين أرضا أمامي".

أما نادر (38 عاما) وهو أحد سكان بيروت، فقد كان في وسط المدينة مع صديق في حوالي الساعة الرابعة مساء (بالتوقيت المحلي)، الثلاثاء، حيث سمع صوت انفجار بجوار سيارة قريبة.

سيارات الإسعاف تنقل الكثير من الإصابات بعد تفجير أجهزة اتصال لدى عناصر من حزب الله اللبناني

وقال في تصريحات نقلتها صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية: "اقتربنا ورأينا رجلا في الثلاثينيات من عمره حوله عدد كبير من الأشخاص، وكان ينزف على مقعد السائق".

أوضح نادر أن المصاب كان يعاني من أجل الحديث، وملأت الدماء رأسه والجانب الأيسر من جسده.

وحول تفاصيل ما حدث حينها، قال: "اعتقدت في البداية أن شخصا أطلق النار على السائق، قبل أن أسمع المزيد من الضوضاء والانفجارات في المنطقة، وأدركت حينها أن هناك أمرا ما".

"مثل يوم القيامة"

أعلن وزير الصحة في حكومة تصريف الأعمال اللبنانية، فراس الأبيض، الثلاثاء، أن عدد المصابين بلغ 2800 شخص "وهناك حوالي 200 منهم حرجة، وتطلبت إجراء عمليات جراحية أو إدخال إلى أقسام العناية الفائقة".

وتابع في تصريحات نقلتها وسائل إعلام محلية: "غالبية الإصابات التي سُجلت توزعت بين الوجه والبطن واليد والعيون، والكثير من الإصابات وجهت إلى غرف العمليات لتحصل على العناية اللازمة".

دماء أحد المصابين جراء تفجيرات أجهزة الاتصال في لبنان

وخلال جولة في مستشفيات بالعاصمة بيروت، قال الأبيض إنه يتم إجراء عمليات "شبه متواصلة غالبيتها للعيون"، مضيفا أن مستشفيات بيروت والضاحية الجنوبية "أصبحت مليئة بالجرحى، سواء في غرف العمليات أو العناية الفائقة أو الأسرّة في الغرف العادية والطوارئ".

ووصفت إحدى سكان مدينة صور، إيمان (41)، الوضع في لبنان بشكل عام بعد التفجيرات بأنه مثل "يوم القيامة"، قائلة: "أصيب الناس بالجنون، وهناك دعوات في كل أنحاء البلاد للتبرع بالدم".

وأوضحت في حديثها لهآرتس: "كان الناس يحملون الأجهزة (التي انفجرت) بالقرب من خصرهم، وآخرون يحملونها في أيديهم أو بالقرب من وجوههم، وحينما انفجرت أصيبت تلك الأجزاء من الجسم. وتقول المستشفيات إن هناك إصابات خطيرة".

وتأتي الانفجارات بعد أسابيع من الجهود الدبلوماسية الأميركية لمنع رد إيراني كبير على اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، إسماعيل هنية، أثناء زيارته لطهران. وقد حملت طهران مسؤولية الاغتيال لإسرائيل وتوعدتها بدفع الثمن.

من جانبه، أكد المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية، ماثيو ميلر، الثلاثاء، أن الولايات المتحدة "لم تكن على علم مسبق، ولم يكن لها أي دور" في الانفجارات المتزامنة.

وقال ميلر للصحفيين إن "ما نقوم به في هذه المرحلة هو جمع المعلومات"، رافضا التعليق على الشكوك الواسعة النطاق في أن اسرائيل "تقف وراء التفجيرات"، وخصوصا أنها تتبادل إطلاق النار بانتظام مع حزب الله المدعوم من إيران منذ بدء الحرب في غزة.

ويقوم وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، الأربعاء، بزيارة خاطفة إلى العاصمة المصرية القاهرة، يبحث خلالها الجهود الرامية للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في قطاع غزة، بين إسرائيل وحركة حماس الفلسطينية.

وهذه الزيارة العاشرة لبلينكن إلى المنطقة منذ بدأت الحرب بين إسرائيل وحماس (المصنفة إرهابية في الولايات المتحدة ودول أخرى) قبل نحو عام. ولن تشمل الزيارة إسرائيل أو أية دولة أخرى، وفق فرانس برس.

ويأمل الوسطاء في إبرام اتفاق هدنة بين الجانبين في غزة، يؤدي إلى وقف التصعيد بين إسرائيل وحزب الله، الذي يقول إن هجماته على إسرائيل تأتي "دعمل لغزة".

إسرايل شنت هجمات استباقية على مواقع في جنوب لبنان
إسرايل شنت هجمات استباقية على مواقع في جنوب لبنان

أكدت إسرائيل مرارا  أن الهدف من عملياتها العسكرية في لبنان القضاء على حزب الله وإعادة سكان شمال إسرائيل إلى مناطقهم، لكن رغم الخسائر الكبيرة التي تعرض لها الحزب منذ أواخر سبتمبر الماضي، لم يتوقف حتى الآن عن إطلاق الصواريخ باتجاه إسرائيل.

كوبي لافي، وهو مستشار سابق في وزارة الدفاع الإسرائيلية، يرى أن "تكثيف العمل الإرهابي ضد إسرائيل، خاصة في هذه الأيام، هو تنفيذ سياسة إيرانية".

ويضيف في مقابلة مع قناة "الحرة" أن تكثيف حزب الله عمليات القصف هدفه منع إسرائيل من القيام بعمل عسكري ضد إيران، "لكن إسرائيل لن تبقى صامتة".

ويعتقد لافي أن هذا تكثيف القصف من جانب حزب يشير إلى أنه "لا يخدم المصالح الفلسطينية ولا اللبنانية".

أكّد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو رفضه "وقف إطلاق النار من جانب واحد" مع حزب الله في لبنان، وذلك بعدما شدّد نائب الأمين العام للحزب نعيم قاسم على أن ذلك هو الحلّ الوحيد لإنهاء التصعيد بين الجانبين.

يأتي تكثيف الهجمات بين الطرفين بالتزامن مع دعوات دولية لوقف إطلاق النار، وتطبيق القرار الأممي رقم 1701الذي أنهى حرب 2006 بين إسرائيل وحزب الله، وأعاد انتشار الجيش اللبناني وقوة أممية في جنوب لبنان لمراقبة تنفيذه.

وخلال مقابلة مع وكالة فرانس برس، قال رئيس حكومة تصريف الأعمال اللبنانية، نجيب ميقاتي، بأن الجيش سيعزز وجوده في جنوب لبنان حال التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار مع إسرائيل.

ولاقت تصريحات ميقاتي ترحيبا من الحكومة الإسرائيلية على لسان المتحدث باسمها ديفيد منسر، الذي قال في مقابلة مع "الحرة": "هذا بالضبط ما نتطلع إليه: حكومة لبنانية تسيطر على أراضيها في الجنوب. الحكومة اللبنانية يجب أن تنتشر على حدودنا وليس حزب الله".

لكن العميد هشام جابر، وهو رئيس مركز الشرق الأوسط للدراسات والأبحاث في بيروت، يرى أن إسرائيل لا تستهدف حزب الله فقط: "إسرائيل قصفت قرى مسيحية أيضا".

ويعتقد جابر في مقابلة مع قناة "الحرة" أن حزب الله، أعاد تنظيم صفوفه.

في المقابل، يرى المستشار الإسرائيلي، أن "بلاده استعدت لخطة يطلق فيها حزب الله 4 آلاف صاروخ يومياً"، في إشارة إلى أن الجماعة اللبنانية فقدت جزءاً من قدراتها العسكرية.

لكن جابر يرى أن إسرائيل عاشت في سكرة ونشوة، كان يجب أن تفيق منها، في تلميح لهجمات حزب الله الأخيرة على الداخل الإسرائيلي.

ويستند العميد اللبناني إلى ما أسماها "مصادر إسرائيلية رصينة ومحترمة" قالت إن الحزب لم يفقد من قدراته العسكرية أكثر من 30-35%، ولم يخسر من عديده المقدر بخمسين ألف، أكثر من 5%"، وفقاً لقوله.

والثلاثاء، أكّد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو رفضه "وقف إطلاق النار من جانب واحد" مع حزب الله في لبنان، وذلك بعدما شدّد نائب الأمين العام للحزب نعيم قاسم على أن ذلك هو الحلّ الوحيد لإنهاء التصعيد بين الجانبين.

وفي وقت سابق قال المستشار السياسي لرئيس مجلس النواب اللبناني، علي حمدان، لقناة "الحرة"، إن الموقف اللبناني الرسمي واضح، "وهو المطالبة بوقف إطلاق النار وتنفيذ القرار 1701".