جهاز اتصال لاسلكي متفجر داخل منزل في بعلبك
سلسلة التفجيرات تثير تساؤلات حول حرب واسعة ستشنها إسرائيل على لبنان

بعد الضربة "القاسية" التي تلقاها حزب الله من خلال استهداف أجهزة الاتصالات الخاصة بعناصره والتي أقر بها زعيمه حسن نصرالله، دخل الصراع بينه وبين إسرائيل مرحلة جديدة من التصعيد.

وأعلن وزير الدفاع الإسرائيلي، يوآف غالانت، في بيان، أن "مركز الثقل ينتقل إلى الشمال"، بينما أفاد قائد المنطقة الشمالية في الجيش الإسرائيلي، أوري غوردين، بأن إسرائيل تنوي تغيير الوضع الأمني الراهن في شمال البلاد.  

وتزامنت هذه التصريحات مع تحريك الفرقة الـ98 إلى المنطقة الشمالية، حسبما ذكرت وسائل إعلام إسرائيلية، من بينها "جيروزاليم بوست"، التي أشارت إلى أن هذه الخطوة تأتي "تحسباً لاحتمال اتساع نطاق الصراع بين إسرائيل وحزب الله".

من جانبها، ذكرت صحيفة "وول ستريت جورنال"، الخميس، أن "الجيش الإسرائيلي نقل في الأيام الماضية فرقة من الكوماندوز والمظليين، والتي تضم آلاف الجنود، من الجزء الجنوبي للبلاد إلى الشمال، وذلك بعد أن عملت لعدة أشهر في غزة".

وأسفرت الهجمات التي استهدفت أجهزة اتصالات تابعة لحزب الله عن مقتل 37 شخصاً، بينهم 20 من عناصر الحزب، وفقاً لما أعلنه حزب الله، بالإضافة إلى إصابة الآلاف بجروح. وبعد تحميله المسؤولية لإسرائيل، تعهد حزب الله بالرد. في المقابل، لم تصدر أي تعليقات رسمية من الجانب الإسرائيلي حول هذه الهجمات.

وتثير سلسلة التفجيرات التي استهدفت عناصر حزب الله تساؤلات حول ما إذا كانت تمهّد لحرب واسعة ستشنها إسرائيل على لبنان، وذلك بهدف "إعادة سكان شمال إسرائيل إلى منازلهم بأمان"، كما يشدد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو.

ونفذ الجيش الإسرائيلي، مساء الخميس، غارات جوية على مناطق مختلفة في جنوب لبنان قال إنها طالت مواقع لحزب الله.

ما بعد التفجيرات

"الجهد الذي بذلته القوى السيبرانية الإسرائيلية خلال الأشهر الستة الماضية، من شراء الأجهزة وتوزيعها إلى تفخيخها وتفجيرها، كان معداً للاستثمار في بداية حملة عسكرية"، كما يرى الخبير العسكري، العميد المتقاعد ناجي ملاعب، ويشدد "إذا لم تبدأ هذه الحملة خلال يومين، فإن هناك احتمالاً بأن تكون المعلومات التي وردت في صحيفة نيويورك تايمز حول شكوك عنصرين من حزب الله في أجهزة الاتصال دفعت إسرائيل إلى تفجيرها استباقياً لإرباك الحزب، صحيحة".

وهناك نظريتان مطروحتان حالياً، وفق ما يقوله ملاعب لموقع "الحرة"، "الأولى تفيد بأن الولايات المتحدة تسعى لإنهاء العمليات العسكرية والتوجه نحو الحل الدبلوماسي، وهنا يطرح السؤال حول إذا ما كان تفجير أجهزة الاتصال من قبل الحكومة الإسرائيلية يهدف إلى استعادة معنويات جيشها وشعبها، خاصة بعد عدم تحقيق الأهداف التي رسمتها في غزة مثل إعادة الأسرى والانتصار على حماس، وذلك قبل التوجه إلى سلوك الطريق الدبلوماسي".

أما النظرية الثانية، فتتعلق "بالاستراتيجية التي رسمها رئيس الأركان الإسرائيلي، هرتسي هاليفي، والتي صرّح عنها خلال زيارة قائد القيادة المركزية للجيش الأميركي مايكل إريك كوريلا، إلى شمال إسرائيل، وهي تتمحور حول تجفيف مصادر حزب الله اللوجستية والصاروخية، بدءاً من الميدان اللبناني المفتوح وصولاً إلى العمق السوري، وذلك من خلال زيادة الضربات ضد الحزب دون اللجوء إلى عملية برية قد تكون لها عواقب خطيرة، خاصة أن الحرب على جبهة لبنان قد تتوسع إذا كان المحور الذي يتبعه حزب الله صادقاً في تعاونه معه".

من جانبه يضع المحلل العسكري والاستراتيجي، العميد الركن المتقاعد يعرب صخر، استهداف إسرائيل لأجهزة الاتصال التابعة لحزب الله يأتي في إطار محاولة إثارة الفوضى والارتباك داخل صفوف الحزب، ويوضح أن "سلاح الإشارة، الذي يشمل الاتصال والتواصل بين العناصر والقيادات، يشكل ركيزة أساسية للحفاظ على تماسك الجيوش والجماعات المسلحة، وعليه فإن تعرض هذا السلاح لأي ضرر يؤدي إلى فقدان الاتصال وتشتت الإمرة".

وحول ما إذا كانت خطوة إسرائيل تمهيداً لحرب شاملة، يشير صخر في حديث لموقع "الحرة" إلى أن "هناك قيوداً أميركية تمنع إسرائيل من التصعيد إلى حرب شاملة، رغم دعمها لها في خطواتها ضد حزب الله، وفي هذا السياق، تتعامل إسرائيل مع حزب الله عبر الحرب السيبرانية، وهو مجال تتفوق فيه، والدليل ما حدث قبل يومين، حيث تمكنت من إحداث حالة من التشويش والضياع لدى حزب الله ما يمكّنها من تنفيذ خططها ضمن إطار محدد فرضته الولايات المتحدة مسبقاً".

ويؤكد صخر أن "إسرائيل تستعد لتنفيذ خطوة ما، تهدف إلى إجبار حزب الله على الانسحاب من الجنوب اللبناني بما يتماشى مع تنفيذ القرار الدولي 1701"، ويضيف "لن تكتفي إسرائيل بذلك، فهي عازمة على مواصلة استراتيجيتها، لأن حزب الله، الذي يُعتبر الذراع الأقوى لإيران، يشكل تهديداً مستقبلياً رئيسياً لها".  

ما حدث في اليومين الماضيين يشبه كما يصف رئيس مركز الشرق الأوسط للدراسات والعلاقات العامة، العميد الركن المتقاعد الدكتور هشام جابر، في حديث لموقع "الحرة"، "الإعصار والتسونامي ويمثل عملية قتل جماعي. ومع ذلك، لا أعتقد أنه يهيئ لاندلاع حرب واسعة النطاق، بل يبدو أنه بديل للحرب البرية التي ترفضها معظم دول العالم، بما في ذلك الولايات المتحدة الأميركية".

ووفقاً لصحيفة "وول ستريت جورنال"، "شدد مسؤولون أميركيون على أنهم لم يروا حتى الآن أي مؤشرات مثل استدعاء قوات الاحتياط الإسرائيلية للإشارة إلى اجتياح وشيك. وحتى بعد اتخاذ القرار، فقد يستغرق الأمر أسابيع قبل أن تكون القوات الإسرائيلية في وضع يسمح لها بشن هجوم كبير. ولكن مسؤولين دفاعيين أميركيين قالوا إن إسرائيل قد تأمر بعملية أصغر حجماً بسرعة أكبر، دون الحاجة إلى تحركات عسكرية كبرى أخرى".

احتمال قائم

تهدف إسرائيل كما يقول صخر إلى "إضعاف حزب الله من خلال تقليص مصادره وقدراته، لذلك تقوم بضرب مستودعاته ومخازنه وأنفاقه، بالإضافة إلى استهداف نقاطه اللوجستية وخطوط إمداده، وستواصل تنفيذ عملياتها بشكل يومي، ولكن مع تصعيد تدريجي لزيادة الضغط على الحزب، كبديل عن الحرب الشاملة".

ورغم الضغوط الأميركية الحالية التي تمنع التصعيد، يرى صخر أن "إسرائيل قد تستغل الفراغ الاستراتيجي الناتج عن الانتخابات الأميركية الوشيكة لتكثيف عملياتها، وقد تكرر سيناريو حرب 1982، ولكن دون اجتياح بري، إذ ليس من مصلحتها أن تجتاح لبنان برياً. حيث ستستمر في تقطيع أوصال الحزب وتنفيذ ضربات نوعية مؤلمة حتى وصول حزب الله إلى مرحلة لا يمكنه فيها تعويض خسائره".

ورغم ذلك، يشدد صخر على أن إصرار حزب الله على ربط جبهة غزة بجبهة لبنان، واستمراره بما يسميه "جبهة الإسناد" التي "لم تنفع غزة ولم تضر إسرائيل، بل دمرت جنوب لبنان، وإصراره على المكابرة والشعبوية، يعطي الذريعة لإسرائيل كي تشن حرباً شاملة على لبنان، فهذا الخطأ الاستراتيجي لحزب الله يمنح نتانياهو الذريعة التي يريدها لتنفيذ خططه العسكرية ضد لبنان، خاصة في ظل تراجع الضغوط الأميركية عليه".

تنقسم الحروب إلى عدة أنواع، وفق ما يقوله جابر "منها الحرب النفسية والحرب السيبرانية والحرب الأمنية الاستخباراتية، وما شهدناه خلال اليومين الماضيين هو مزيج من الحرب الاستخباراتية والحرب السيبرانية. لذلك، أعتقد أننا دخلنا مرحلة جديدة من الحروب، والتي تمثّل بديلاً للاجتياح البري الذي يحمل مخاطر عديدة."

ومع هذا، يرى جابر أن احتمال اندلاع حرب برية قائم، لكنه مستبعد، ويوضح "لا أعتقد أن حزب الله سينجر إلى فتح حرب واسعة، لأن إسرائيل تنتظر أن يكون هو البادئ بها، والحزب لا يريد أن يتحمل مسؤولية ذلك".

في المقابل، "ينتقد بعض الضباط الإسرائيليين" بحسب ما يقول ملاعب "السلطة السياسية لعدم وضعها استراتيجية واضحة في حربها مع لبنان، مشيرين إلى أن الجيش الإسرائيلي لا يمكنه القتال على جبهات متعددة من غزة إلى الضفة الغربية فالجنوب اللبناني في آن واحد. ويعتبر هؤلاء الضباط أن الحرب يجب أن تبقى محصورة مع حزب الله، مع عدم وجود مشروعية للدخول في حرب شاملة مع لبنان قد تثير عداء اللبنانيين ضد إسرائيل".

إسرايل شنت هجمات استباقية على مواقع في جنوب لبنان
إسرايل شنت هجمات استباقية على مواقع في جنوب لبنان

أكدت إسرائيل مرارا  أن الهدف من عملياتها العسكرية في لبنان القضاء على حزب الله وإعادة سكان شمال إسرائيل إلى مناطقهم، لكن رغم الخسائر الكبيرة التي تعرض لها الحزب منذ أواخر سبتمبر الماضي، لم يتوقف حتى الآن عن إطلاق الصواريخ باتجاه إسرائيل.

كوبي لافي، وهو مستشار سابق في وزارة الدفاع الإسرائيلية، يرى أن "تكثيف العمل الإرهابي ضد إسرائيل، خاصة في هذه الأيام، هو تنفيذ سياسة إيرانية".

ويضيف في مقابلة مع قناة "الحرة" أن تكثيف حزب الله عمليات القصف هدفه منع إسرائيل من القيام بعمل عسكري ضد إيران، "لكن إسرائيل لن تبقى صامتة".

ويعتقد لافي أن هذا تكثيف القصف من جانب حزب يشير إلى أنه "لا يخدم المصالح الفلسطينية ولا اللبنانية".

أكّد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو رفضه "وقف إطلاق النار من جانب واحد" مع حزب الله في لبنان، وذلك بعدما شدّد نائب الأمين العام للحزب نعيم قاسم على أن ذلك هو الحلّ الوحيد لإنهاء التصعيد بين الجانبين.

يأتي تكثيف الهجمات بين الطرفين بالتزامن مع دعوات دولية لوقف إطلاق النار، وتطبيق القرار الأممي رقم 1701الذي أنهى حرب 2006 بين إسرائيل وحزب الله، وأعاد انتشار الجيش اللبناني وقوة أممية في جنوب لبنان لمراقبة تنفيذه.

وخلال مقابلة مع وكالة فرانس برس، قال رئيس حكومة تصريف الأعمال اللبنانية، نجيب ميقاتي، بأن الجيش سيعزز وجوده في جنوب لبنان حال التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار مع إسرائيل.

ولاقت تصريحات ميقاتي ترحيبا من الحكومة الإسرائيلية على لسان المتحدث باسمها ديفيد منسر، الذي قال في مقابلة مع "الحرة": "هذا بالضبط ما نتطلع إليه: حكومة لبنانية تسيطر على أراضيها في الجنوب. الحكومة اللبنانية يجب أن تنتشر على حدودنا وليس حزب الله".

لكن العميد هشام جابر، وهو رئيس مركز الشرق الأوسط للدراسات والأبحاث في بيروت، يرى أن إسرائيل لا تستهدف حزب الله فقط: "إسرائيل قصفت قرى مسيحية أيضا".

ويعتقد جابر في مقابلة مع قناة "الحرة" أن حزب الله، أعاد تنظيم صفوفه.

في المقابل، يرى المستشار الإسرائيلي، أن "بلاده استعدت لخطة يطلق فيها حزب الله 4 آلاف صاروخ يومياً"، في إشارة إلى أن الجماعة اللبنانية فقدت جزءاً من قدراتها العسكرية.

لكن جابر يرى أن إسرائيل عاشت في سكرة ونشوة، كان يجب أن تفيق منها، في تلميح لهجمات حزب الله الأخيرة على الداخل الإسرائيلي.

ويستند العميد اللبناني إلى ما أسماها "مصادر إسرائيلية رصينة ومحترمة" قالت إن الحزب لم يفقد من قدراته العسكرية أكثر من 30-35%، ولم يخسر من عديده المقدر بخمسين ألف، أكثر من 5%"، وفقاً لقوله.

والثلاثاء، أكّد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو رفضه "وقف إطلاق النار من جانب واحد" مع حزب الله في لبنان، وذلك بعدما شدّد نائب الأمين العام للحزب نعيم قاسم على أن ذلك هو الحلّ الوحيد لإنهاء التصعيد بين الجانبين.

وفي وقت سابق قال المستشار السياسي لرئيس مجلس النواب اللبناني، علي حمدان، لقناة "الحرة"، إن الموقف اللبناني الرسمي واضح، "وهو المطالبة بوقف إطلاق النار وتنفيذ القرار 1701".