A man donates blood, following pager detonations across Lebanon on Tuesday, in Beirut suburbs
التفجيرات أحدثت خللاً كبيراً في النظام الصحي اللبناني

خلال دوامها المعتاد في مستشفى رفيق الحريري الجامعي، يوم الثلاثاء الماضي، لم تكن الممرضة المجازة لميس الدايخ تعلم ما الذي يجري في الخارج، حتى بدأت موجات المصابين بالتوافد إلى قسم الطوارئ.

تتحدث الدايخ عن تلك اللحظات العصيبة لموقع "الحرة"، قائلة "مررت بتجارب مماثلة خلال عملي في المستشفى، مثل انفجار مرفأ بيروت، لكن الإصابات التي رأيتها يومها كانت مروعة. لأول مرة في مسيرتي المهنية، واجهت مرضى مبتوري الأطراف أو مفقوئي العينين نتيجة الإصابات".

تستذكر الدايخ أول مريض دخل إلى قسم الطوارئ بالقول "شعرت بصدمة عندما رأيته، حتى أني شعرت بتشوش في الرؤية من هول المشهد. لكنني جمعت قواي النفسية واستمررت في أداء واجبي، وأنجزت كل المهام المطلوبة مني".

ورغم تمكنها من التحكم بمشاعرها خلال ساعات العمل الطويلة، إلا أن تأثير التجربة ظهر في اليوم التالي، حيث عانت الدايخ من اكتئاب وتقول "مشهد الدماء والوجوه المصابة لم يغب عن ذهني. لم أرغب في القيام بأي شيء، حتى أنني لم أكن أرغب في تناول الطعام"، وتضيف "لدي خبرة 11 سنة في قسم الطوارئ، واعتدت على الضغوط والزحام، لكن بعض المشاهد تظل محفورة في الذاكرة".

وطالت سلسلة انفجارات متزامنة أجهزة الاتصالات اللاسلكية التي يحملها عناصر حزب الله، يومي الثلاثاء والأربعاء، مما أدى إلى سقوط  37 قتيلا و2931 جريحا، بحسب ما كشف وزير الصحة اللبناني، فراس الأبيض.

واتهم حزب الله إسرائيل التي لم تعلق على الحادثين، بالوقوف وراء الانفجارات وتوعد بالرد.

"نوعية" الإصابات مفاجئة

عمل الفريق الطبي والتمريضي والإداري في مستشفى رفيق الحريري "بتنسيق تام" كما تقول الدايخ، "حيث قام كل فرد بما عليه، وبذلنا أقصى جهدنا لمواجهة هذا التحدي الكبير".

وتشدد على أن التدريبات التي خضع لها الطاقم الطبي والتمريضي في المستشفى أثبتت نجاحها، "والإدارة كانت حاضرة لتوفير كل ما نحتاجه، وبفضل التنظيم الجيد، لم نشعر بالضغط الجسدي الكبير رغم صعوبة الظرف".

وكان مستشفى رفيق الحريري الجامعي على أتم الاستعداد كما يقول مدير عام المستشفى، الدكتور جهاد سعادة "لاستقبال الأعداد الكبيرة من المصابين، بفضل التدريبات المكثفة التي خضع لها الطاقم الطبي والتمريضي وفريق العاملين في المستشفى منذ بداية الحرب في غزة، حيث جرى التدريب على كيفية التعامل مع تدفق الإصابات دفعة واحدة، والتركيز على فرز المصابين لضمان تقديم الرعاية العاجلة للحالات الخطيرة أولاً".

لكن المفاجأة كانت كما يقول سعادة لموقع "الحرة" في "نوعية الإصابات، فقد كنا نتوقع إصابات في مناطق مثل البطن، الأرجل، أو الدماغ، لكن الإصابات التي وصلت تركزت في الوجه والعيون. هذا الوضع غير المتوقع اضطرنا إلى تعديل طريقة تعاملنا مع المصابين، خصوصاً في ظل عدم توفر العدد الكافي من جراحي العيون في لبنان للتعامل مع العدد الكبير من الإصابات في العيون دفعة واحدة"، مشيراً إلى أن تنسيق توزيع المصابين على المستشفيات تم عبر مركز تابع لوزارة الصحة.

ويضيف سعادة "المشهد كان صعباً، ومن الطبيعي أن يتأثر الطاقم الصحي، خاصة عند إدراك أفراده أن بعض المصابين لن يتمكنوا من استعادة بصرهم مجدداً".

آثار نفسية

تحدثت نقيبة الممرضات والممرضين، عبير الكردي، عن اللحظات الأولى بعد وصول خبر التفجيرات يوم الثلاثاء، قائلة "كنت في اجتماع في النقابة عندما وصلنا الخبر. توجّهنا مباشرة إلى مراكز عملنا. كنا مدربين على خطة الطوارئ التي وضعتها وزارة الصحة، لكن في البداية ساد بعض الارتباك بسبب الأنباء المتداولة حول تفجيرات أجهزة 'البيجر' التي نستخدمها في المستشفيات. ومع وصول المصابين، اتضحت الأمور، وكان الجميع من ممرضين، أطباء، والجهاز الإداري، متأهبين".

وتضيف الكردي في حديث لموقع "الحرة" أنه "مررنا بتجارب مشابهة من قبل، مثل انفجار 4 آب، لكن هذه المرة كانت الإصابات مغايرة، حيث تركزت غالبيتها في الوجه واليدين".

وتؤكد على أهمية وضع المشاعر جانباً في مثل هذه الحالات، قائلة "في مهنتنا، خاصة في أوقات الكوارث، يجب أن نتحلى بالاحترافية. إذا تركنا العواطف تسيطر علينا، لن نتمكن من استقبال العدد الكبير من الجرحى وتشخيص حالاتهم بسرعة وفعالية. الأمر صعب، لكننا مدربين على التعامل مع ذلك بشكل مهني".

ورغم الاحترافية، تشير الكردي إلى التأثير النفسي للأحداث على الطاقم الطبي والتمريضي "نحن بشر، ومن الطبيعي أن نتأثر، لكن يجب أن نكون أقوياء. من المهم أيضاً تقديم الدعم النفسي للطاقم الصحي بعد الأزمة، حتى لا يصاب أفراده بصدمة لاحقة وهو ما نعمل عليه كنقابة مع وزارة الصحة ومراكز واختصاصيين نفسيين، ونقوم بتعزيز هذه الجهود لضمان سلامة الجميع، كما يوجد مراكز عمل متعددة تؤمن الدعم النفسي لطواقمها".

وأحدثت تفجيرات أجهزة الاتصالات اللاسلكية في لبنان "خللاً كبيراً في النظام الصحي اللبناني، الذي كان بالأساس هشاً"، بحسب ما أعلن المدير العام لمنظمة الصحة العالمية، تيدروس أدهانوم غيبريسوس، خلال مؤتمر صحفي أمس الخميس.

"سيطرة ومهنية"

استقبل قسم الطوارئ في مستشفى أوتيل ديو يوم الثلاثاء 80 مصاباً إثر انفجار "البيجر"، وفقاً لما كشفه رئيس القسم الدكتور أنطوان الزغبي.

وفي حديث لموقع "الحرة" يوضح الزغبي أن "الإصابات تركزت بشكل رئيسي في العيون والأيدي، مع بعض الإصابات في الرأس والبطن"، مشيراً إلى أن هذا النوع من الإصابات تسبب في ضغط كبير على الطاقم الطبي.

أدخل 11 جريحاً إلى العناية المركزة في مستشفى اوتيل ديو، بينما خضع 25 مصاباً لعمليات جراحية طارئة، ويواصل المستشفى تقديم العلاجات لنحو 70 شخصاً يعانون من إصابات في العيون.

ويقول الزغبي "النظام الذي نعتمده لحالات الطوارئ يقوم على فرز المصابين حسب درجة خطورة الإصابات، لضمان إعطاء الأولوية للحالات الحرجة، والخبرة المتراكمة لدى الأطباء والممرضين ساعدتهم في التعامل مع الوضع"، مشيراً إلى أنه "قد يصاب بعض أفراد الطاقم الطبي والتمريضي بصدمة في البداية، لكن الاحترافية تفرض عليهم السيطرة على المشاعر والقيام بالواجب المهني وهو ما حصل".

وفي ذات السياق أعلن وزير الصحة اللبناني، فراس الأبيض، اليوم الجمعة، أن "المصيبة كانت لتكون أكبر لولا القدرات العالية التي تتمتع بها المستشفيات في مختلف المناطق اللبنانية، وتطبيق خطة الطوارئ التي وضعتها وزارة الصحة العامة، بالإضافة إلى المهنية العالية والتفاني الذي أظهره الأطباء".

وأشار الأبيض إلى أن "القطاع الصحي في لبنان كان مجهزاً للتعامل مع الطوارئ، رغم أن ما حدث كان أمراً غير مسبوق".

مصارف لبنان

في تحول تاريخي لعمل القطاع المصرفي اللبناني، أقرّ مجلس النواب الخميس تعديلات على قانون السرية المصرفية تسهّل للهيئات الناظمة الحصول على كامل المعلومات المتعلّقة بالحسابات.

جاءت الخطوة تلبية لمطلب رئيسي من مطالب صندوق النقد الدولي.

واعتبر رئيس الوزراء اللبناني، نواف سلام، القرار "خطوة ضرورية نحو الإصلاح المالي المنشود وركيزة أساسية لأي خطة تعافٍ، ولكشف الحقائق" بشأن الأزمة المالية التي بدأت عام 2019.

والجمعة، نُشر في الجريدة الرسمية اللبنانية قانون تعديل بعض المواد المتعلقة بسرية المصارف في لبنان، بما في ذلك تعديل المادة 7 (هـ) و (و) من القانون المتعلق بسرية المصارف الذي أقرّ عام 1956، وكذلك تعديل المادة 150 من قانون النقد والتسليف الصادر في عام 1963، بموجب القانون رقم 306 الصادر في 28 تشرين الأول 2022.

وينص التعديل الجديد على تعديل المادة 7 (هـ) من القانون المتعلق بسرية المصارف بما يسمح بمشاركة معلومات مصرفية بين مصرف لبنان، ولجنة الرقابة على المصارف، والمؤسسة الوطنية لضمان الودائع، في إطار تعزيز مراقبة القطاع المصرفي وحماية النظام المالي. 

ويشمل التعديل أيضا صلاحيات تعديل وإنشاء مؤسسة مختلطة لضمان الودائع المصرفية.

أما المادة 7 (و) فتتيح للجهات المعنية، مثل مصرف لبنان ولجنة الرقابة على المصارف، طلب معلومات مصرفية محمية بالسرية دون تحديد حساب أو عميل معين. ويتيح التعديل إصدار طلبات عامة للحصول على معلومات عن جميع الحسابات والعملاء، إلا أن هذه الطلبات يمكن أن تكون قابلة للاعتراض أمام قاضي الأمور المستعجلة، ويخضع الاعتراض للأصول القانونية المتعلقة بالاعتراض على العرائض.

وفي ما يتعلق بالمادة 150 من قانون النقد والتسليف، تضمن التعديل رفع السرية المصرفية بشكل كامل وغير مقيد أمام مصرف لبنان ولجنة الرقابة على المصارف، بالإضافة إلى المدققين والمقيمين المعينين من قبل مصرف لبنان أو اللجنة.

وتشمل التعديلات الحسابات الدائنة والمدينة، سواء كانت ضمن أو خارج الميزانية، كما تتيح رفع السرية المصرفية عن سجلات ومستندات ومعلومات تعود إلى أشخاص معنويين أو حقيقيين يتعاملون مع المصارف أو المؤسسات المالية الخاضعة للرقابة. ويشمل تطبيق هذا التعديل بأثر رجعي لمدة عشر سنوات من تاريخ صدور القانون.

وقد شهد لبنان خلال الأسابيع الماضية نقاشات حادة، رأى فيها معارضون للخطوة أن هذا القانون ورفع السرية المصرفية طي لصفحة من تاريخ لبنان المالي العريق من خلال "إلغاء ميزة تفاضلية،" وبأن كشف الفساد ليس معطلاً بسبب السرية المصرفية.

ويرى المتحمسون للقانون أن من شأن التعديلات الجديدة تعزيز الشفافية في القطاع المصرفي في لبنان وتحسين مراقبة ومراجعة العمليات المصرفية، في وقت يشهد فيه القطاع المصرفي تحديات كبيرة في ظل الأزمة المالية المستمرة.

وأوضحت "المفكرة القانونية" وهي منظمة حقوقية غير حكومية، في بيان أصدرته أن التعديل يخوّل "الهيئات الرقابيّة والهيئات النّاظمة للمصارف، وتحديدًا مصرف لبنان ولجنة الرقابة على المصارف والمؤسسة الوطنية لضمان الودائع، طلب الحصول على جميع المعلومات المصرفية، من دون أن يربط طلب المعلومات بأيّ هدف معيّن، وإمكانية التدقيق في الحسابات بالأسماء، تصحيحا لقانون 2022" والذي تضمن بعض التعديلات.

يعتمد لبنان السرية المصرفية منذ عام 1956، وكان لذلك أثر كبير في جذب رؤوس الأموال والودائع وتوفير مناخ الاستقرار الاقتصادي. وبموجب هذا القانون تلتزم المصارف الخاضعة لأحكامه السرية المطلقة، إذ لا يجوز كشف السر المصرفي سواء في مواجهة الجهات الخاصة أو السلطات العامة، وسواء كانت قضائية أو إدارية أو مالية، إلا في حالات معينة في القانون وردت على سبيل الحصر، وهي:

1- إذن العميل او ورثته خطيًا.
2- صدور حكم بإشهار افلاس العميل.
3- وجود نزاع قضائي بينه وبين البنك بمناسبة الروابط المصرفية. 
4- وجود دعاوى تتعلق بجريمة الكسب غير المشروع. 
5- توقف المصرف عن الدفع، إذ ترفع في هذه الحالة السرية المصرفية عن حسابات أعضاء مجلس الإدارة والمفوضين بالتوقيع ومراقبي الحسابات. 
6- الاشتباه في استخدام الأموال لغاية تبييضها، وعندها ترفع السرية المصرفية بقرار من هيئة التحقيق الخاصة لمصلحة المراجع القضائية المختصة والهيئة المصرفية العليا، وذلك عن الحسابات المفتوحة لدى المصارف أو المؤسسات المالية.

وبالفعل ومنذ إقرار هذا القانون ازدهر القطاع المصرفي اللبناني واستطاع جذب رؤوس أموال، لكن كل ذلك تغير مع اندلاع الحرب الأهلية في منتصف السبعينيات، وبدأت الليرة اللبنانية رحلة الانهيار. خمسة عشر عاما من الاقتتال، انتهت بتسويات سياسية، تبعها نظام اقتصادي جديد، قاده منذ عام 1993 الراحل رفيق الحريري رئيسا للحكومة، ورياض سلامة حاكما لمصرف لبنان المركزي، سعيا وراء الاستقرار. 

وبعد أربع سنوات من استلام منصبه، نجح سلامة في تثبيت سعر العملة اللبنانية، عند 1500 مقابل الدولار الأميركي.

استمرت تلك المعادلة أكثر من عقدين، لكنها كانت تحتاج إمدادات لا تنقطع من العملة الصعبة للمحافظة على استمرارها. وفي محاولة لسد العجز، سعت المصارف اللبنانية لجذب حصيلة كبيرة من العملة الخضراء عبر تقديم فوائد مرتفعة على الودائع الدولارية، فوائد تراوحت بين 15 و 16 في المئة.

نتيجة للفوائد البنكية المرتفعة، شهدت ودائع القطاع المصرفي اللبناني نمواً سنوياً وصل ذروته بقرابة 12 مليار دولار خلال عام 2009.

أغرت الفوائد العالية المقيمين والمغتربين، ليصل إجمالي الودائع في المصارف اللبنانية إلى أكثر من 177 مليار دولار في نهاية نوفمبر عام 2018. 

منذ عام 2017، تراجع الاحتياطي في خزينة مصرف لبنان، رغم محاولات جذب الدولار. وفي صيف عام 2019، لاحت بوادر صعوبة في توافر الدولار في الأسواق اللبنانية، فارتفع سعر صرفه مقابل الليرة للمرة الأولى منذ أكثر من 20 عاما، ما دفع الحكومة لاتخاذ إجراءات استثنائية. لكن البعض يرى أن تلك القرارات جاءت متأخرة.

في أكتوبر 2019، انفجر الشارع اللبناني مطالبا بإسقاط السلطة السياسية، وأغلقت المصارف أبوابها، لكن تقارير صحفية تحدثت عن عمليات تحويل لأرصدة ضخمة الى خارج البلاد.

في تقرير لصحيفة فاينانشال تايمز البريطانية، نُشر في صيف 2020، فإنه، وفقا لكبير موظفي الخدمة المدنية المالية السابق في لبنان ومدير عام وزارة المالية السابق ألان بيفاني، قام مصرفيون بتهريب ما يصل إلى 6 مليارات دولار من لبنان منذ  أكتوبر 2019، في تحايل على الضوابط التي تم إدخالها لوقف هروب رأس المال، مع غرق البلاد في أسوأ أزمة مالية منذ ثلاثين 30 عاما، بينما بات مصير مليارات الدولارات مجهولًا. 

بدأت الأزمة المالية بالظهور تدريجيا، لكنها انفجرت حرفيا منذ اندلاع الاحتجاجات في شهر أكتوبر عام 2019. وتشير تقارير رسمية إلى أن أموالا طائلة تصل إلى مليارات الدولارات تم تحويلها إلى الخارج، بينما تم حجز ودائع صغار زبائن البنوك، من دون ضمانات لحماية ودائع المواطنين، ولا سيولة نقدية.

وتقدر تقارير دولية والمصرف المركزي اللبناني أن ودائع صغار زبائن البنوك بحوالي 121 مليار دولار منها ودائع لغير المقيمين تُقدّر بـ20 مليار دولار، وأصحابها لبنانيون وعراقيون ويمنيون وليبيون ومصريون ومن دول الخليج، إضافة لودائع للسوريين، يقدر المصرفيون بأنها أكثر من 3 مليارات دولار.

وفيما تجري التحقيقات حول آلية تهريب الأموال، لم يصل المحققون المحليون ولا حتى الدوليون إلى جواب شاف، لكن كانت دائما "المصالح المتشابكة داخل النظام اللبناني" جزءا من الجواب.

وتعتبر البنوك اللبنانية مرآة للنظام من حيث التقسيم الطائفي، فغالبيتها تابعة لجهات سياسية ومقربين منها، الأمر الذيث كان واضحا في انعدام الرقابة على عمليات إدخال أموال حزب الله المهربة أو غير الشرعية إلى هذه البنوك، مما يعني عمليات تبييض وشرعنة لهذه الأموال.

منذ منذ عام 2001، وضعت الولايات المتحدة حزب الله على قائمة المنظمات الإرهابية، وفرضت عليه عقوبات ضمن خطة لمكافحة تمويل الإرهاب. وفي هذا الإطار صدر قانون مكافحة تبييض الأموال رقم 44، عام 2015، والذي لم يتم تعطبيقه، واكتفى مصرف لبنان بتعاميم، لم تغير واقع الحال.

بدأ لبنان في يناير 2022 مفاوضات رسمية مع صندوق النقد الذي طالما شدد على أنه لن يقدم أي دعم طالما لم تقرّ الحكومة إصلاحات على رأسها تصحيح الموازنة وإعادة هيكلة القطاع المصرفي وإصلاح المؤسسات العامة والتصدي للفساد المستشري.

وأعلن الصندوق في أبريل من العام ذاته اتفاقا مبدئيا على خطة مساعدة بقيمة ثلاثة مليارات دولار على أربع سنوات، لكنّ تطبيقها كان مشروطا بإصلاحات لم يتم تنفيذ معظمها.

في سبتمبر عام 2024، أوقف الحاكم السابق لمصرف لبنان، رياض سلامة، وهو حتى اليوم قيد التحقيق في اتهامات بغسيل الأموال وشراء وبيع سندات خزينة الحكومة اللبنانية. ومنذ انهيار حزب الله اللبناني، في حربه مع إسرائيل، وصعود ما سمي بالعهد الجديد، أقرت حكومة نواف سلام مشروع قانون لإعادة هيكلة المصارف، استجابةً لمطالب صندوق النقد الدولي، الذي اشترط تنفيذ إصلاحات جذرية، بينها رفع السرية المصرفية، كشرط أساسي لأي دعم مالي للبنان، كما تأتي في ظل إدراج مجموعة العمل المالي (FATF) لبنان على اللائحة الرمادية بسبب ثغرات خطيرة في مكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب.

من المتوقع أن تسهم هذه التعديلات في تعزيز الشفافية المالية، ومكافحة الفساد وتبييض الأموال والتهرب الضريبي، كما يُتوقع أن تفتح الباب أمام إعادة هيكلة النظام المالي اللبناني بالكامل، واستعادة ثقة المجتمع الدولي، وتأمين الدعم المالي اللازم من الجهات المانحة.

إلا أن نجاح هذه الخطوة لا يقاس فقط بالكشف عن الحسابات، بل العبرة في التنفيذ في ظل نظام قضائي شبه مهترئ وتورط بعض من أصحاب النفوذ السياسي والمالي أنفسهم.

لبنان اليوم أمام مفترق طرق، فإما أن يسلك طريق العهد الجديد الذي وعد به اللبنانيون، أو يظل الفساد العنوان الأبرز في سياسات لبنان المالية المقبلة.