في الضاحية الجنوبية لبيروت.. الاثنين 23 سبتمبر
في الضاحية الجنوبية لبيروت.. الاثنين 23 سبتمبر

شهدت الحدود اللبنانية الإسرائيلية تصعيداً خطيراً صباح الاثنين، حيث شن الجيش الإسرائيلي سلسلة غارات جوية واسعة النطاق استهدفت مواقع متعددة في لبنان، في خطوة رفعت مستوى التوتر بينه وبين حزب الله إلى احتمال نشوب حرب شاملة.

وتأتي الغارات الإسرائيلية، خاصة على البلدات الجنوبية اللبنانية، بعد يومين من هجوم حزب الله الأعمق منذ الثامن من أكتوبر، حيث استهدف قاعدة "رامات دافيد" الجوية ومجمعاً تابعاً لشركة "رافائيل" للصناعات العسكرية، مستخدماً في هجومه نوعاً جديداً من الصواريخ يطلق عليها "فادي 1" و"فادي 2".

الوضع الميداني يشير إلى أن المواجهة بين الطرفين باتت مفتوحة على كافة السيناريوهات. وبينما تضع إسرائيل معادلة "انسحاب حزب الله إلى ما وراء نهر الليطاني لإعادة نازحي الشمال إلى مساكنهم بأمان"، يتمسك حزب الله بمعادلة "عدم عودة سكان شمال إسرائيل قبل وقف العمليات العسكرية في غزة".

وتطرح الغارات المكثفة على جنوب لبنان تساؤلات بشأن ما إذا كانت تمهد لاعتماد إسرائيل سياسة "الأرض المحروقة" في إطار تحضيرات محتملة لشن عملية اجتياح بري على البلدات الحدودية اللبنانية.

احتمال مطروح

يمثل التصعيد الإسرائيلي الحالي "نقطة مفصلية" في الصراع بين حزب الله وإسرائيل، وفق ما يقوله الباحث السياسي نضال السبع، لافتاً إلى أن "نشر وسائل الإعلام الإسرائيلية الخاضعة للرقابة العسكرية، أمس، صور للمنازل المدمرة والسكان المذعورين، بالإضافة إلى صور لجثث، بعد توسيع حزب الله لنطاق استهدافاته أول أمس، رداً على تفجيرات البيجر واللاسلكي واغتيالات قادته، يوحي أن إسرائيل تمهد لشن غارات واسعة النطاق قد تتجاوز جنوب لبنان إلى شماله، لاسيما مع استهدافها للمرة الأولى مناطق جديدة مثل جرود جبيل".

وفيما يتعلق باحتمال اعتماد إسرائيل سياسة "الأرض المحروقة" تمهيداً لاجتياح بري لجنوب لبنان، يرى السبع في حديث لموقع "الحرة" أن "ما يمنع حدوث ذلك حتى الآن هو قدرة حزب الله على استخدام الصواريخ الدقيقة وصواريخ الكورنيت من الجيل الثاني، التي يمكنها إصابة أهداف على مسافات تصل إلى 13 كيلومتراً، فإسرائيل تعمل على إضعاف قدرات حزب الله قبل الاقدام على ذلك".

من جانبه، يرى رئيس مركز الشرق الأوسط للدراسات والعلاقات العامة، العميد الركن المتقاعد الدكتور هشام جابر، أن "تكثيف الغارات الجوية قد يشكل تمهيداً لحرب واسعة النطاق"، مستبعداً الهجوم البري على لبنان في الوقت الحالي.

ويوضح جابر في حديث لموقع "الحرة" أن "الجيش الإسرائيلي لا يزال قادراً على تحقيق بعض أهدافه من خلال القصف الجوي والعمليات الأمنية أي الاغتيالات، ما يجعله يتردد في تنفيذ توغل بري، نظراً للمخاطر الكبيرة التي قد تترتب على ذلك".

ويتوقع أن يحدث "تصعيد في القصف الجوي وتكثيف للعمليات السيبرانية والأمنية أي الاغتيالات وكذلك للحرب النفسية" وإذا لم تنجح هذه الوسائل في تحقيق الأهداف الإسرائيلية، فقد يلجأ الجيش الإسرائيلي إلى "شن حرب واسعة".

ويضيف جابر أن "حزب الله يتجنب حتى الآن أن يكون الطرف الذي يبادر إلى تلك الحرب"، مؤكداً أن الوضع الحالي في لبنان على حافة الهاوية".

في ذات السياق، أكد المتحدث الآخر باسم الجيش، دانييل هاغاري، خلال مؤتمر صحفي الاثنين، بدء عمليات قصف "مواقع لحزب الله في لبنان، بعد الكشف عن نوايا لإطلاق النار على إسرائيل"، داعيا السكان إلى "الابتعاد" عن مواقع الحزب.

ورداً على سؤال بشأن إمكانية التوغل البري في لبنان، قال هاغاري "الجيش سيفعل كل ما يلزم لإعادة الأمن إلى شمالي إسرائيل".

مرحلة صعبة

وصل عدد القتلى في الغارات الاسرائيلية على البلدات والقرى الجنوبية منذ صباح اليوم إلى 274 قتيلاً وأكثر من 700 جريح بحسب وزارة الصحة اللبنانية. كما طالت أضرار جسيمة المنازل والسيارات والمحال التجارية في بلدات عدة جنوب لبنان.

وبعد أن "كان حزب الله يتوقع خوض حرب إسناد قصيرة لا تتجاوز بضعة أسابيع"، تشير التطورات الأخيرة كما يقول السبع إلى أن "إسرائيل نجحت في استدراجه إلى حرب استنزاف طويلة، تكثف خلالها الغارات الجوية على جنوب لبنان، وتستهدف قادته بعمليات اغتيال".

"سياسة تبادل الرسائل بين إسرائيل وحزب الله باتت واضحة"، بحسب السبع، ويشرح "بعد إعلان أمين عام الحزب حسن نصر الله في خطابه الأخير أن عمليات الحزب ستؤدي إلى تهجير مليون إسرائيلي، يبدو أن الجيش الإسرائيلي يرد بإستراتيجية تهدف لتهجير مليون ونصف مليون لبناني من جنوب لبنان".

ويشير إلى أن "التصريحات الإسرائيلية الأخيرة، التي تحمّل الحكومة اللبنانية مسؤولية أعمال حزب الله، قد تكون مقدمة لاستهداف منشآت حيوية مثل المطار والمرفأ، والدليل تلقي وزير الإعلام اللبناني زياد مكاري تهديدات بإخلاء مبنى الوزارة".

في سياق متصل، وصل الموفد الفرنسي جان إيف لودريان إلى لبنان، الاثنين، وربما يحمل معه كما يقول السبع "رسائل تهديد من إسرائيل لإبعاد حزب الله عن الحدود الجنوبية لمسافة تتراوح بين 10 و15 كيلومتراً، وهو مطلب تصر إسرائيل على تحقيقه سواء عبر المفاوضات أو باستخدام القوة العسكرية".

وفي حال فشل مهمة لودريان، يقول السبع "قد تتوسع إسرائيل في ضرباتها وتبدأ بالاجتياح البري، مستغلة انشغال الولايات المتحدة بالانتخابات الرئاسية، ما يضع لبنان في مرحلة صعبة خلال الأربعين يوماً المقبلة".

يذكر أن وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت أعلن في مقطع فيديو نشره مكتبه عن تكثيف الهجمات في لبنان، وقال "ستستمر العمليات حتى نحقق هدفنا بإعادة سكان شمال إسرائيل إلى منازلهم بأمان. هذه أيام يتعين فيها على الإسرائيليين التحلي بالهدوء".

حزب الله والسلاح الفلسطيني

لبنان يتغير.

سقط النظام السوري. خسر حزب الله حربا جديدة مع إسرائيل. والدولة تبدو جادة في سحب سلاح الحزب.

لكن يظل سلاح آخر، سلاح التنظيمات الفلسطينية في لبنان، وهو أقدم من سلاح حزب الله، وربما يكون ورقة يستخدمها الحزب في مستقبل صراعاته داخل الحدود، وخارجها، وفق محللين.

نظام سقط وجيش تحرك

بعد سقوط نظام بشار الأسد وراء الحدود، في سوريا الجارة، شن الجيش اللبناني ما سماها عملية "إجهاز" على كل المراكز المسلحة خارج المخيمات الفلسطينية، في قوسايا والسلطان يعقوب وحشمش في البقاع شرق لبنان، وهي مراكز كان يدعمها نظام الأسد.

وأعلن الرئيس اللبناني جوزاف عون أن الجيش تسلم ستة مواقع فلسطينية وضبط ما فيها من أسلحة ومعدات.

لجنة الحوار اللبناني الفلسطيني أعلنت، من جانبها، خلو لبنان من أي سلاح فلسطيني خارج المخيمات.

لكن، ماذا عن السلاح داخل المخيمات؟

موقف الحكومة واضح. البيان الوزاري الصادر في السابع عشر من أبريل أكد التزامها ببسط سيادة الدولة على جميع أراضيها "بقواها الذاتية حصراً".

لكن المحلل السياسي اللبناني علي الأمين يقول لـ"الحرة" إن السلاح وإن كان سحب بالفعل من قوات فلسطينية في المناطق اللبنانية كلها، لكن تظل هناك أسلحة في مراكز لحركتي حماس والجهاد الإسلامي في مناطق تابعة لنفوذ حزب الله خصوصاً في ضاحية بيروت الجنوبية.

ويتحدث الأمين عن خلايا لحماس والجهاد الإسلامي "تحت حصانة وإدارة حزب الله ولا تزال موجودة حتى اليوم وتعمل بغطاء من الحزب وتحت إدراته". لكن الأسلحة الموجودة في هذه المراكز من النوعية المتوسطة مثل صواريخ 107 وصواريخ كاتيوشا وبعض المسيرات.

تاريخ إشكالي

منذ عقود، وملف السلاح الفلسطيني له دور محوري في توازنات لبنان، داخليا بين أقطابه السياسية، وخارجيا في علاقاته مع الإقليم.

اتفاق القاهرة الموقع عام 1969 سمح للفلسطينين بالتسلح ضمن المخيمات، والعمل عسكريا ضد إسرائيل انطلاقاً من الأراضي اللبنانية.

بعد سنوات قليلة، عام 1975، كان الاتفاق فتيلة أخرى أدت لانفجار الحرب الأهلية.

وفي يونيو 1987، وقع الرئيس اللبناني أمين الجميل، قانوناً يلغي اتفاق القاهرة مع منظمة التحرير، بعدما صوت البرلمان اللبناني على إلغائه.

لكن ظل السلاح الفلسطيني موجوداً. وخاض فلسطينيون معارك ضد جهات لبنانية وغير لبنانية. لكن دوره في المعارك مع إسرائيل ظل محدودا بعد ما استأثر بها حزب الله منذ بداية الثمانينات.

يعيش في لبنان، حسب تقرير للدولية للمعلومات، حوالي 300 ألف لاجئ فلسطيني، يتوزعون على 12 مخيما، أكبرها مخيم عين الحلوة (50 ألف نسمة) قرب صيدا، جنوب لبنان.

وتنشط عسكريا في لبنان حركة "فتح"، أقدم الحركات الفلسطينية، ولرئيسها محمود عباس موقف معلن يؤيد تسليم السلاح الموجود داخل المخيمات للدولة اللبنانية ضمن خطة أمنية واضحة وضمانات لحماية المخيمات.

تنشط كذلك حركة "حماس"، وهي حليفة لحزب الله، وتعرض عدد من قياداتها لاستهداف إسرائيلي في لبنان منذ اندلاع حرب غزة، أبرزهم صالح العاروري، الذي اغتالته إسرائيل في ضربة بالضاحية الجنوبية لبيروت في الثاني من يناير عام 2024، وحسن فرحات الذي اغتيل في الرابع من أبريل 2025 في صيدا.

وفي لبنان أيضا، نشطت "الجبهة الشعبية– القيادة العامة"، وهو فصيل احتفظ بمواقع عسكرية في البقاع بدعم سوري.

وينشط أيضا تنظيمان سلفيان هما "عصبة الأنصار" و"جند الشام"، ويتركزان في مخيم عين الحلوة ويُعدان من بين الأكثر تطرفاً.

كذلك، في السنوات الأخيرة، ظهرت تنظيمات عصابية مسلحة في غير مخيم تنشط في تجارة المخدرات وغيرها من الأنشطة الإجرامية.

"خرطوشة أخيرة"

تقدر مصادر أن 90 في المئة من السلاح في المخيمات هو سلاح فردي، لكن بعض المخازن تحتوي على ذخيرة من الصواريخ.

وتتولى لجان فلسطينية أمن المخيمات.

وتؤكد مصادر فلسطينية أن الجيش يسيطر بشكل كامل على مداخل هذه المخيمات ومخارجها في المناطق اللبنانية كافة، لكن لا سيطرة فعلية له بعد داخل هذه المخيمات.

يقول المحلل السياسي علي الأمين إن السلاح الموجود داخل المخيمات أو المراكز الأمنية القليلة المتبقية خارجه مرتبط بشكل كبير بسلاح حزب الله.

يضيف "الفصائل الفلسطينية الأساسية والرئيس الفلسطيني محمود عباس لا مانع لديهم من تسليم السلاح الموجود داخل المخيمات"، لكن حزب الله والأحزاب الموالية له ترفض تسليم هذه الأسلحة للتمسك بورقة ضغط على الحكومة اللبنانية واستعمالها كـ"خرطوشة أخيرة قبل الاستسلام".

ويرى الأمين أن سحب السلاح من المخيمات مرتبط بشكل وثيق بسلاح حزب الله وأن الأخير يقوم بإدارة ومراقبة هذا السلاح خصوصاً التابع لحركتي حماس والجهاد الإسلامي الموجود داخل المخيمات وخارجها كون الحزب كان المصدر الأساسي لهذه الأسلحة في مرحلة سابقة.

شمال الليطاني

حصر السلاح بيد الدولة اللبنانية لم يعد مطلبا دوليا فقط.

على وقع قرارات دولية (1701 و1559)، وبالتزامن مع إعادة طرح قانون بايجر 6 في الكونغرس مرة ثانية في مارس 2025، أعلن الجيش اللبناني أنه ضبط منطقة جنوب الليطاني، وسيطر على أكثر من 500 هدف ونقطة كانت تابعة لـ "حزب الله".

واليوم تتجه الأنظار إلى شمال الليطاني والخطوة التالية التي ستتخذ لضبط السلاح، كل السلاح، في لبنان.