تسارلات عن تدخل إيران لمساعدة حزب الله بعد الضربات التي تعرض لها
تسارلات عن تدخل إيران لمساعدة حزب الله بعد الضربات التي تعرض لها

المأزق الذي يعيشه "حزب الله" في جنوب لبنان على المستوى العسكري، وعلى صعيد القاعدة الشعبية بفعل حملة الضربات الإسرائيلية، أطلق خلال الساعات الماضية تساؤلات ارتبطت على وجه محدد بالموقف الذي تتخذه إيران إزاء ما يجري الآن، وما ستتبعه لاحقا في حال تدحرجت كرة النار على نحو أكبر.

وقياسا بغيره من الوكلاء، لطالما وصفت مراكز أبحاث غربية الحزب اللبناني بـ"درة التاج الإيرانية". ورغم أن لطهران أذرع أخرى في المنطقة، لم تصل إلى المرتبة التي وصل إليها "حزب الله"، وزعيمه حسن نصر الله، خلال السنوات الماضية.

ولا تعرف حتى الآن حدود الهجمات الإسرائيلية المستمرة في جنوب لبنان، وبينما كانت على أشدها، يوم الاثنين، حملت تعليقات إيرانية خرجت من نيويورك نبرة "تصالحية" على غير العادة، وذهب جزء آخر منها إلى نقطة فتح الباب أمام عملية "السلام المشروط" المتعلقة بعدة ملفات.

ولم تقتصر التعليقات على ما سبق فحسب، ففي مقابله له مع شبكة "سي أن أن" الأميركية، قال الرئيس الإيراني، مسعود بزشكيان، إن "حزب الله وحده لا يستطيع أن يقف في وجه دولة مسلحة (إسرائيل) تسليحا جيدا جدا ولديها القدرة على الوصول إلى أنظمة أسلحة تتفوق بكثير على أي شيء آخر".

وأضاف في نبرة تخالف المنطق السائد منذ عقود، القائم على معادلة "الحليف والوكيل" وتقديم الدعم أنه "يجب على الدول الإسلامية عقد اجتماع من أجل صياغة رد فعل على ما يحدث"، في إشارة منه إلى حملة الضربات الإسرائيلية في لبنان. 

وتأتي الهجمات الإسرائيلية المتواصلة على مناطق عدة في لبنان بعد أيام من ضربتين نسبتا لإسرائيل، الأولى فجّرت أجهزة البيجر التي يحملها عناصر "حزب الله"، وأسفرت الثانية عن مقتل قادة كبار في "وحدة الرضوان"، أبرزهم إبراهيم عقيل.

كما تعتبر تنفيذا للتهديدات التي أطلقها المسؤولون الإسرائيليون قبل أسبوعين، وأكدوا فيها على هدفهم بإعادة السكان إلى المناطق الشمالية، وهو الأمر الذي وضعه زعيم "حزب الله"، حسن نصر الله كتحدٍ في خطابه الأخير.

وتعد الضربات "استثنائية" في المقابل من زاوية الأهداف التي تستهدفها وحصيلة القتلى، إذ وفقا لوزارة الصحة اللبنانية خلفت الضربات الجوية الإسرائيلية حتى الآن أكثر من 550 قتيلا. 

ما مآلات "المأزق"؟

يرى الباحث في العلاقات الدولية، محمود علوش، أن خروج المواجهة بين إسرائيل و"حزب الله" عن السياق الذي راهنت إيران عليه في السابق "يزيد من مأزقها".

وتدرك إيران الآن من جانب أن حربا واسعة على "حزب الله" تُشكل تهديدا وجوديا له، ويُمكن أن تنزلق إلى حرب إقليمية تتورط فيها.

ومن جانب آخر، يقول الباحث لموقع "الحرة" إن لطهران أولويتين رئيسيتين: الأولى تجنب التورط في حرب، والثانية خروج "حزب الله" من الحرب القائمة بأقل الأضرار.

ولا يزال "حزب الله" يُمثل قيمة كبيرة لإيران في المنطقة، ومن غير المتصور أن تكون طهران مُستعدة للتخلي عنه تماما، أو حتى استخدامه كورقة في مفاوضاتها مع الأميركيين والغرب من أجل صفقة نووية، بحسب علوش.

ويعتبر الباحث أن الحزب اللبناني "لا يقل أهمية بالنسبة لهم عن البرنامج النووي، لأنّه جوهرة قوتهم الإقليمية".

ومن جهته، يعتقد الباحث الأميركي في شؤون الشرق الأوسط، راين بوهل، أن إيران "ستظل تزيد من دعمها المادي لحزب الله، وتضمن حصوله على الترسانة التي يحتاجها لخوض حرب طويلة مع إسرائيل".

وما لم تتحول هذه الحرب إلى وجودية ضد "حزب الله"، أو تبدأ في التأثير بشكل مباشر على المصالح الإيرانية، فإن إيران "ستظل مجرد مورد وليس مشاركا أو منخرطا مباشر"، وفقا لقول الباحث الأميركي لموقع "الحرة".

ولا يزال الإسرائيليون يصرون على ضرب "حزب الله" بقوة، ويواصلون الإعلان عن ضربات جوية يتم تنفيذها بالتدريج ضمن إطار عملية أطلقوا عليها اسم "سهام الشمال".

وبعد بدء حملتهم، الاثنين، قالوا إن زعيمه حسن نصر الله "بقي وحيدا"، في إشارة منهم إلى الاغتيالات التي قتلت أبرز قادته، وآخرهم عقيل.

ويوضح الباحث الأميركي بوهل أن "مخاطر الانخراط الإيراني قد تتزايد في حال استمرت حملة إضعاف حزب الله إلى مستويات كبيرة".

ويشرح أن "إيران، وفي حال اعتقدت أن الحرب قد تؤدي إلى إضعاف موقف وكيلها في لبنان بشكل قاتل قد تضرب في سياق سيناريو التصعيد الأقصى (ردا على اغتيال هنية) أو تحرك جبهات أخرى من العراق واليمن".

"شهية إيرانية أقل"

وتشير المواقف الصادرة من إيران إلى "وجود شهية أقل" من جانب طهران لحرب إقليمية تضعها مباشرة في مواجهة إسرائيل، وفق باتريسا كرم، وهي باحثة غير مقيمة في برنامج لبنان في "معهد الشرق الأوسط" بواشنطن.

وتضيف الباحثة، في تقدير موقف نشره المعهد الأميركي، الثلاثاء، أن إيران سعت خلال الأشهر الماضية إلى تجنب مثل هذه المواجهة المفتوحة، انطلاقا من "لعب لعبة الردع مع الجانب الإسرائيلي".

وكان "حزب الله" المحور الرئيسي لهذه الاستراتيجية، التي اعتمدت على الحرب غير المتكافئة ضد إسرائيل، ما سمح لإيران بالانخراط في المعركة مع الحفاظ على إنكار معقول، بحسب باتريسا كرم.

وتؤكد التصريحات، التي أطلقها بزشكيان من نيويورك، أن إيران لا تزال غير راغبة أو تنوي الانخراط بحرب شاملة وأوسع نطاقا، في سلوك انعكس في أكثر من محطة مؤخرا.

وكانت أبرز تلك المحطات حادثة اغتيال زعيم حركة "حماس" السياسي، إسماعيل هنية، وسط طهران.

ويوضح الباحث في العلاقات الدولية علوش أن "تراجع إيران عن الانتقام لاغتيال هنية يعكس إدراكها للمخاطر".

لكنه يقول في المقابل، وبناء على التطورات الحاصلة، إن "مخاطر الحرب الشاملة بين إسرائيل وحزب الله تُبقي على هذه المخاطر مرتفعة للغاية"، مما يدفع الإيرانيين إلى إظهار مرونة في تهدئة الاضطراب الإقليمي.

ويُمكن النظر إلى توقيت عرض الإيرانيين بالتفاوض النووي وكما جاء على لسان بزشكيان أنه "مُصمم لتحفيز الغرب على ردع إسرائيل توسيع عن الحرب، مقابل مزايا التراجع عن حافة الهاوية والتسوية النووية".

ومع ذلك، يشير علوش، إلى أن "ما لا يُدركه الإيرانيون أو أدركوه مؤخرا من أن بنيامين نتانياهو عازم على تحقيق هدفه بتغيير الشرق الأوسط بعد 7 أكتوبر".

وأحدث ما حصل في السابع من أكتوبر تغييرا كبيرا على نظرة إسرائيل لكيفية التعامل مع التهديدات المحيطة بها.

ويشرح الباحث علوش أن "إسرائيل بعد تلك المحطة لم تُصمم استراتيجيتها في الحرب من أجل استعادة الردع الذي كان قائما، بل من منظور الفرص التي أوجدتها لنفسها، لإحداث تحول عميق في صراعها المباشر مع حماس في غزة وحزب الله في لبنان وصراع الوكالة مع إيران".

ويعتقد الباحث الأميركي بوهل أن الموقف الذي أبداه بزشكيان له ديناميكيات متعددة، أولها أن الرئيس الإيراني تم انتخابه على أساس برنامج انتخابي معتدل نسبيا، ولذا فهو ملتزم بهذا التفويض.

ويذهب مسار آخر باتجاه "غياب الضرورة الملحة لتدخل إيران المباشر، خاصة أن المنطقة لم تصل إلى مرحلة الحرب الشاملة بين إسرائيل وحزب الله"، بحسب بوهل.

"الطرفان في حيرة"

وتريد إسرائيل من "حزب الله" أن ينسحب من الحدود ويتنازل عن المنطقة العازلة التي طالب بها، بحسب الباحث الأميركي بوهل.

ويعتقد أن "إسرائيل مهتمة الآن بشن حملة جوية مكثفة لتدمير البنية الأساسية لحزب الله في تلك المنطقة وتهيئة المنطقة لغزو بري محتمل".

وتعد خطوة "الغزو البري" إجراء أخيرا لن يتم اللجوء إليه، إلا إذا تمكن "حزب الله" من مقاومة هذه الحملة الجوية ضده، وفقا لذات المتحدث.

ولم يستبعد المسؤولون الإسرائيليون، الاثنين، أن يلجؤوا لخيار الاجتياح البري.

وفيما يتعلق بـ"حزب الله"، لم يصدر أي بيان من جانبه حيال التطورات الأخيرة، دون أن يشمل ذلك مسألة الإعلان عن توجيه قصف بالصواريخ إلى داخل إسرائيل.

ويتوقع آرون لوند، وهو خبير  في "مؤسسة القرن"، يركز على سياسات الشرق الأوسط، أن تظل العلاقة بين إيران و"حزب الله" متينة، لكنه يقول إن "الطرفين في حيرة بشأن كيفية الرد على التصعيد الإسرائيلي".

ويبدو أن "حزب الله" فقد السيطرة على التطورات، ولم يعد قادرا على ردع إسرائيل عن المضي قدما بشكل فعال.

ويضيف لوند لموقع "الحرة" أن الجماعة المدعومة من إيران "قد تحتاج إلى إيجاد توازن جديد فيما إذا كانت ستحاول الاستمرار في زعزعة استقرار شمال إسرائيل لزيادة الضغط من أجل وقف إطلاق النار في غزة".

ويشمل الهدف من "التوازن الجديد" محاولة "ردع المزيد من التقدم الإسرائيلي والهجوم البري المحتمل".

ومن غير الواضح إلى أي مدى يمكن لإيران أن تساعد في الأمد القريب، رغم أن التهديد بشن هجمات صاروخية وطائرات من دون طيار، كرد متأخر على مقتل إسماعيل هنية، قد يلعب دورا في الحسابات الإسرائيلية، بحسب الخبير في مؤسسة "القرن".

وفي المقابل يرى الباحث في الشأن الإيراني، سعيد شارودي، أن "إيران لن تترك حزب الله في الحرب ضد إسرائيل كما الحال الذي اتبعته في سوريا خلال عقد من الزمن".

ويقول شارودي، المقيم في طهران لموقع "الحرة"، إن "إيران لديها معرفة تامة بجاهزية وقدرات حزب الله، وهي في حال اتصالات متواصلة وتنسيق تام معه على مدار الساعة فيما يخص تطورات ومجريات الأمور في الميدان".

وفيما يتعلق بحالة التصعيد القائمة، يضيف الباحث الإيراني إن بلاده "لا تشعر أن حزب الله بحاجة إلى أي تدخل مباشر من قبلها في الوقت الراهن".

كما يتابع أنها "متأكدة من قوته وقدرته على إدارة الحرب ضد إسرائيل بكفاءة عالية، تمكنه من إفشال مخططات وطموحات الأخيرة العسكرية والسياسية".

"سيناريوهان"

وخسر "حزب الله" إثر ضربات إسرائيلية قادة كبار في الصف الأول، كان أبرزهم قبل إبراهيم عقيل، القيادي العسكري الأول فؤاد شكر.

وتقول إسرائيل الآن إن ضرباتها تستهدف بنى تحتية ومنازل يستخدمها الحزب لتخزين الأسلحة والصواريخ ولشن الهجمات.

ويرى راز زيمت، وهو باحث كبير في معهد دراسات الأمن القومي (INSS) بتل أبيب، أنه "لا يوجد في المرحلة الحالية سبب حقيقي لإيران للتدخل المباشر في القتال الدائر".

ويوضح أنه، على عكس التقييمات (المتفائلة بشكل مفرط) بشأن "هزيمة حزب الله" فإن التقييم في إيران هو أنه رغم تدمير قدرات الأخير والضربات الثقيلة التي وجهت له الأسبوع الماضي "فإن إسرائيل لا تملك القدرة على هزيمته".

ويمكن لإيران زيادة الضغط على إسرائيل في المرحلة المقبلة من خلال استخدام الميليشيات الموالية لها من العراق وسوريا واليمن، لكن من المشكوك فيه للغاية أن تغير منطقها في هذا الوقت، بحسب زيمت.

وبينما لا يستبعد الباحث أن تغير إيران تقييمها لقدرتها على الاحتفاظ بـ"حزب الله" كذراع استراتيجي لها لردع إسرائيل والرد على أي هجوم على منشآتها النووية، وهو ما قد يؤدي إلى تورط إيراني مباشر في الحملة يتوقع حصول سيناريو آخر.

ويستعرضه بالقول: "من الممكن أن نفترض أنه في هذه المرحلة الخطيرة سوف تكون الضغوط الداخلية (في لبنان وإسرائيل)، والخارجية (من جانب المجتمع الدولي)، كبيرة إلى الحد الذي قد يجعل من الممكن فرض وقف إطلاق النار على الطرفين، بصرف النظر عن سلوك إيران".

الحدود الإسرائيلية اللبنانية

يتصاعد الحديث عن مسار تطبيعي محتمل بين لبنان وإسرائيل، خاصة بعد الإعلان عن محادثات مرتقبة بوساطة أميركية، فرغم الطابع التقني لهذه المحادثات، فإن تقارير إسرائيلية تشير إلى أنها قد تتجاوز مسألة ترسيم الحدود، لتفتح الباب أمام تحوّل في شكل العلاقة بين البلدين.

وقد نقل موقع "واينت" الإسرائيلي، الأربعاء، عن مصدر سياسي، أن المناقشات بين لبنان وإسرائيل، هي جزء من "خطة واسعة وشاملة"، وأن إسرائيل مهتمة بالتوصل إلى تطبيع مع لبنان.

وكان مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتانياهو، أعلن أن إسرائيل تفتح مفاوضات مع لبنان بشأن الحدود البرية.

وفي السياق نفسه، أكدت نائبة المبعوث الأميركي الخاص إلى الشرق الأوسط، مورغن أورتيغاس، الثلاثاء، أن واشنطن ستجمع الجانبين اللبناني والإسرائيلي في محادثات دبلوماسية لحل القضايا العالقة.

وعلى رأس هذه القضايا، النقاط الخلافية المتبقية على الخط الأزرق، والمواقع الخمسة التي لا تزال تحت السيطرة الإسرائيلية داخل الأراضي اللبنانية، وإطلاق سراح سجناء لبنانيين.

والخط الأزرق هو خط تقني يمتد على مسافة 120 كم، تم تحديده من قبل الأمم المتحدة في عام 2000 بعد انسحاب إسرائيل من جنوب لبنان، ويعد هذا الخط مؤقتاً ويستخدم كحدود فاصلة بين البلدين.

وفي خطوة أثارت تساؤلات واسعة، أطلقت إسرائيل سراح لبنانيين، فيما اعتبره البعض إشارة اعتبرها بعض المراقبين "بادرة حسن نية"، تهيئ الأجواء لمفاوضات أوسع.

وبينما تتسارع الأحداث، يبقى السؤال مطروحاً: هل يمضي لبنان فعلياً نحو مسار التطبيع مع إسرائيل، أم أن هذه المحادثات ستظل محصورة في إطارها الحدودي؟

السلام ممكن؟

وتعتبر إسرائيل اللحظة الحالية "الأنسب لعقد اتفاق سلام مع لبنان، مستفيدة من التغيرات الإقليمية"، كما يرى الباحث في الشأن السياسي نضال السبع.

وقال السبع، لموقع الحرة، إن إسرائيل "نجحت في توجيه ضربة قاسية لحزب الله وإبعاده إلى شمال الليطاني، إضافة إلى انهيار النظام السوري، وقطع خطوط إمداد الحزب، ومنع التواجد الإيراني في الأراضي السورية".

كيف يتعامل حزب الله مع خسارة شريان إمداده؟
مرّت نحو 3 أشهر على سقوط نظام بشار الأسد في سوريا، الحدث الذي غيّر المعادلات، ليس فقط في سوريا، بل أيضاً بالنسبة لحزب الله، الذي فقد شريانه الرئيسي، فمع انهيار هذا الحليف الاستراتيجي، وجد الحزب نفسه أمام واقع جديد يفرض عليه تحديات غير مسبوقة عسكرياً ومالياً.

وأضاف السبع أن "إسرائيل تعمل على تحقيق هدفين رئيسيين: أولاً، ربط انسحابها من الأراضي اللبنانية بعملية سلام شاملة، وثانياً، ربط إعادة إعمار الجنوب اللبناني بهذا المسار التفاوضي الذي يحظى بدعم أميركي..".

وقال إن الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، يسعى "إلى الدفع باتجاه توقيع اتفاق سلام شامل بين لبنان وإسرائيل، في إطار توسيع دائرة اتفاقات التطبيع في الشرق الأوسط".

من جانبه، رأى رئيس لقاء سيدة الجبل النائب السابق، فارس سعيد، أن الخطوة الأولى ليست في اتجاه التطبيع مع إسرائيل، بل في تنفيذ القرار 1701 بالكامل.

وقال سعيد، لموقع "الحرة"، إن "قراءة هذا القرار بتأنٍ تكشف أن البنود 8 و9 و10 تنصّ على آلية واضحة، تقضي بمحادثات بين الحكومة اللبنانية والحكومة الإسرائيلية برعاية الأمم المتحدة لحل القضايا العالقة".

ولم يرتق القرار 1701، بطبعة عام 2006، "إلى مستوى وقف لإطلاق النار، بل اقتصر على وقف العمليات العسكرية"، كما أشار سعيد.

وشدد على أن الخطوة الحالية تتمثل في "تنفيذ القرار 1701 الذي يهدف إلى الانتقال من مرحلة وقف الاعتداءات إلى مرحلة وقف إطلاق النار، ومن ثم إجراء مفاوضات تشمل ترسيم الحدود، وقضية الأسرى، والنقاط الخمس التي لا تزال تحت الاحتلال الإسرائيلي".

وأضاف سعيد أن الادعاء أن "الدفاع عن لبنان هو من اختصاص حزب أو طائفة"، لم يعد قائماً، مشدداً على أن حماية البلاد مسؤولية الدولة اللبنانية.

وذكر أن "لبنان، عبر علاقاته الدبلوماسية العربية والدولية، قادر على حل الأزمات، وسيتمكن من التنفيذ الكامل للقرار 1701 كما تمكّن من إطلاق الأسرى".

ما موقف لبنان الرسمي؟

وعن موقف الحكومة اللبنانية من التطبيع، قال نائب رئيس مجلس الوزراء اللبناني، طارق متري، في لقاء مع "الحرة" بث الاثنين، "هناك تحركات غير رسمية داخل الولايات المتحدة للضغط على الإدارة الأميركية كي تشترط علينا الدخول في مسار تطبيعي مع إسرائيل، وهذا أمر حقيقي. لكننا، كحكومة، لم نتعرض لأي ضغط مباشر من أي جهة".

وعن رد الحكومة اللبنانية في حال تلقي طلب رسمي بهذا الشأن، قال متري "نحن بطبيعة الحال غير مستعدين لذلك".

في المقابل، أكد أستاذ العلوم السياسية في الجامعة العبرية، الدكتور مئير مصري، أن "لبنان لم يكن مجرد جار لإسرائيل، بل كان صديقاً حميماً لها وقدم لها الدعم في السابق".

وأشار إلى أن "الجيش اللبناني لم يطلق رصاصة واحدة على إسرائيل التي لم تواجه في لبنان سوى عناصر خارجة عن السيادة اللبنانية".

وقال مصري، في مقابلة مع قناة i24، أن " لبنان الرسمي كاد أن يصوت لصالح قرار التقسيم عام 1947".

كما أشار إلى "التحالف العسكري بين إسرائيل وما عرف آنذاك اليمين المسيحي اللبناني الذي استمر لعقود، وتوّج بالحرب المشتركة ضد منظمة التحرير الفلسطينية في أوائل الثمانينيات، ومن ثم توقيع معاهدة السلام اللبنانية-الإسرائيلية في 17 مايو 1983، التي حظيت بتصديق البرلمان اللبناني، حيث صوتت عليها مختلف الطوائف، بأغلبية كبيرة، لكنها ألغيت عام 1984 بضغط سوري".

وحول ملف الحدود، شدد مصري على أنه "لا يوجد أي خلاف حول الحدود، والجهة الوحيدة التي تدعي وجود نزاع هي حزب الله". 

وأشار إلى وثيقة "وقعها الأمين العام الأسبق للأمم المتحدة كوفي أنان، تؤكد أن إسرائيل انسحبت عام 2000 حتى الحدود الدولية وفق ما هو متعارف عليه في الأمم المتحدة، وهي الحدود التي بقيت ثابتة لعقود".

نقاط النزاع

المحادثات المرتقبة بين لبنان وإسرائيل تهدف إلى تثبيت النقاط الحدودية العالقة، وليست عملية ترسيم جديد للحدود، كما شدد السبع.

وشرح: "الحدود البرية بين البلدين معروفة ومحددة مسبقاً بموجب اتفاقيات دولية، أبرزها اتفاق "بوليه – نيوكومب" عام 1923، الذي رسم الحدود بين الانتدابين الفرنسي والبريطاني، واتفاقية الهدنة اللبنانية-الإسرائيلية عام 1949، التي صادقت عليها الأمم المتحدة".

ويبلغ عدد النقاط الخلافية على الحدود اللبنانية-الإسرائيلية 13 نقطة، وبحسب ما أشار وزير الخارجية اللبناني السابق، عبد الله بو حبيب، في تصريحات سابقة " تم التوصل إلى اتفاق بشأن 7 منها، فيما تبقى 6 نقاط موضع نزاع".

وتمتد هذه النقاط على طول الحدود، من البحر في رأس الناقورة غرباً وصولاً إلى بلدة الغجر شرقاً على الحدود مع سوريا، وتتوزع على النحو التالي: النقطة B1 في رأس الناقورة، 3 نقاط في بلدة علما الشعب، نقطة واحدة في كل من البستان، مروحين، رميش، مارون الراس، بليدا، ميس الجبل، العديسة، كفركلا، والوزاني.

ووفقاً لما سبق أن ذكره العميد المتقاعد، بسام ياسين، الذي ترأس الوفد اللبناني التقني العسكري المفاوض حول الحدود البحرية، لموقع "الحرة"، فإن ما حدث بعد انسحاب إسرائيل من جنوب لبنان عام 2000، وعقب حرب يوليو 2006، هو أن إسرائيل تقدّمت في بعض النقاط داخل الأراضي اللبنانية وبقيت فيها، وفي المقابل، تقدّم لبنان في بعض النقاط الحدودية ولا يزال متمركزاً فيها.

نتيجة لذلك، تم إنشاء "الخط الأزرق" ليحدد خط انسحاب الجيش الإسرائيلي من جنوب لبنان، لكن بعض النقاط الحدودية ظلّت عالقة بسبب الاستعجال في إعلان الانسحاب الإسرائيلي عام 2000 ووقف إطلاق النار عام 2006، مما جعلها اليوم موضع خلاف بين الجانبين".

وتعدّ النقطة B1 في رأس الناقورة أبرز نقاط الخلاف، وفق ياسين، نظراً لموقعها الجغرافي والعسكري الاستراتيجي، حيث تقع على مرتفع يشرف على مساحات واسعة من الجانبين اللبناني والإسرائيلي، ويتيح رؤية بصرية تصل إلى مدينة حيفا داخل الأراضي الإسرائيلية.

وقال ياسين "كانت هذه النقطة محور الخلاف الرئيسي خلال مفاوضات ترسيم الحدود البحرية، فقد أصرّ لبنان على اعتبارها نقطة الانطلاق البري لترسيم حدوده البحرية، وسط رفض من الجانب الإسرائيلي الذي يسيطر على تلك المنطقة الحدودية ويعتبرها جزءا من أراضيه".

أما بقية النقاط الـ12، فبينها بقع صغيرة لا يتعدى الخلاف عليها الأمتار المعدودة، وأخرى تمتد إلى 2000 و3000 متر مربع، فيما تصل أكبرها إلى 18 ألف متر مربع، وفقاً لياسين.

وتشمل أكبر المناطق المتنازع عليها بلدات رميش والعديسة والوزاني، بينما يقدّر لبنان المساحة الإجمالية التي يعتبرها مقتطعة من أراضيه بنحو 485,039 متراً مربعاً.

فيما يتعلق بمزارع شبعا، بلدة الغجر، وتلال كفرشوبا، أشار ياسين إلى أن حل هذا النزاع يتطلب اتفاقاً ثلاثياً بين لبنان وسوريا وإسرائيل لتحديد الحدود في تلك المنطقة.

وتجدر الإشارة إلى أن سكان بلدة الغجر، الواقعة على الجانب اللبناني، يرفضون الانضمام إلى لبنان، ما يطرح معضلة إضافية، حيث أكد ياسين أن "الأرض لبنانية ولا يمكن التخلي عنها لأن سكانها يرفضون الانضمام. قد يكون الحل في ترحيلهم إلى حيث يريدون الانتماء."

حزب الله وقدرة التعطيل

ويثير الحديث عن أي تقارب بين لبنان وإسرائيل جدلاً واسعاً في لبنان، حيث يُنظر إلى هذا الملف على أنه قضية شديدة الحساسية، في ظل الرفض القاطع لأي تطبيع من قبل قوى سياسية رئيسية، على رأسها حزب الله.

ومع ذلك، يرى السبع أن "الحزب غير قادر على تعطيل مسار التطبيع، خاصة إذا استمرت التوازنات السياسية في البرلمان على حالها، ولم يتمكن من تشكيل تحالفات تعرقل أي اتفاق يمر عبر المؤسسات الدستورية".

وأشار إلى أنه "حتى في المحطات السياسية السابقة، لم يتمكن الحزب من فرض خياراته بالكامل. فقد عارض انتخاب جوزاف عون رئيساً للجمهورية، لكنه عاد وصوّت له..".

كما رفض حزب الله "ترشيح نواف سلام لرئاسة الحكومة، إلا أن الأخير حصل على 95 صوتاً في البرلمان. وبالتالي، حتى لو استُثني 30 نائباً محسوبين على الثنائي الشيعي، يبقى هناك 65 نائباً، وهي نسبة كافية لتمرير أي قانون داخل المجلس النيابي"، وفق السبع.

ورغم ذلك، يستذكر الباحث في الشأن السياسي، تجربة عام 1983، حين توصلت إسرائيل إلى "اتفاق 17 أيار (مايو)" مع الحكومة في عهد الرئيس اللبناني أمين الجميّل بعد اجتياحها بيروت، "إلا أن الاتفاق لم يُنفّذ بسبب رفض النظام السوري آنذاك".

لكن السبع يشير إلى أن "المشهد اليوم مختلف، إذ تصبّ المتغيرات الإقليمية والدولية في مصلحة إسرائيل".

وبشأن طبيعة التطبيع المحتمل، أوضح السبع أن "حتى لو تم توقيع اتفاق سلام، فلن يعني ذلك تغييراً جذرياً في المشهد على الأرض".

وأضاف "هل سيتمكن المواطن الإسرائيلي من الهبوط في مطار بيروت، وزيارة الضاحية، والتوجه إلى جونية؟ بالتأكيد لا. قد توقّع اتفاقات سلام، لكن الواقع لن يتغير بهذه السهولة".