تسارلات عن تدخل إيران لمساعدة حزب الله بعد الضربات التي تعرض لها
تسارلات عن تدخل إيران لمساعدة حزب الله بعد الضربات التي تعرض لها

المأزق الذي يعيشه "حزب الله" في جنوب لبنان على المستوى العسكري، وعلى صعيد القاعدة الشعبية بفعل حملة الضربات الإسرائيلية، أطلق خلال الساعات الماضية تساؤلات ارتبطت على وجه محدد بالموقف الذي تتخذه إيران إزاء ما يجري الآن، وما ستتبعه لاحقا في حال تدحرجت كرة النار على نحو أكبر.

وقياسا بغيره من الوكلاء، لطالما وصفت مراكز أبحاث غربية الحزب اللبناني بـ"درة التاج الإيرانية". ورغم أن لطهران أذرع أخرى في المنطقة، لم تصل إلى المرتبة التي وصل إليها "حزب الله"، وزعيمه حسن نصر الله، خلال السنوات الماضية.

ولا تعرف حتى الآن حدود الهجمات الإسرائيلية المستمرة في جنوب لبنان، وبينما كانت على أشدها، يوم الاثنين، حملت تعليقات إيرانية خرجت من نيويورك نبرة "تصالحية" على غير العادة، وذهب جزء آخر منها إلى نقطة فتح الباب أمام عملية "السلام المشروط" المتعلقة بعدة ملفات.

ولم تقتصر التعليقات على ما سبق فحسب، ففي مقابله له مع شبكة "سي أن أن" الأميركية، قال الرئيس الإيراني، مسعود بزشكيان، إن "حزب الله وحده لا يستطيع أن يقف في وجه دولة مسلحة (إسرائيل) تسليحا جيدا جدا ولديها القدرة على الوصول إلى أنظمة أسلحة تتفوق بكثير على أي شيء آخر".

وأضاف في نبرة تخالف المنطق السائد منذ عقود، القائم على معادلة "الحليف والوكيل" وتقديم الدعم أنه "يجب على الدول الإسلامية عقد اجتماع من أجل صياغة رد فعل على ما يحدث"، في إشارة منه إلى حملة الضربات الإسرائيلية في لبنان. 

وتأتي الهجمات الإسرائيلية المتواصلة على مناطق عدة في لبنان بعد أيام من ضربتين نسبتا لإسرائيل، الأولى فجّرت أجهزة البيجر التي يحملها عناصر "حزب الله"، وأسفرت الثانية عن مقتل قادة كبار في "وحدة الرضوان"، أبرزهم إبراهيم عقيل.

كما تعتبر تنفيذا للتهديدات التي أطلقها المسؤولون الإسرائيليون قبل أسبوعين، وأكدوا فيها على هدفهم بإعادة السكان إلى المناطق الشمالية، وهو الأمر الذي وضعه زعيم "حزب الله"، حسن نصر الله كتحدٍ في خطابه الأخير.

وتعد الضربات "استثنائية" في المقابل من زاوية الأهداف التي تستهدفها وحصيلة القتلى، إذ وفقا لوزارة الصحة اللبنانية خلفت الضربات الجوية الإسرائيلية حتى الآن أكثر من 550 قتيلا. 

ما مآلات "المأزق"؟

يرى الباحث في العلاقات الدولية، محمود علوش، أن خروج المواجهة بين إسرائيل و"حزب الله" عن السياق الذي راهنت إيران عليه في السابق "يزيد من مأزقها".

وتدرك إيران الآن من جانب أن حربا واسعة على "حزب الله" تُشكل تهديدا وجوديا له، ويُمكن أن تنزلق إلى حرب إقليمية تتورط فيها.

ومن جانب آخر، يقول الباحث لموقع "الحرة" إن لطهران أولويتين رئيسيتين: الأولى تجنب التورط في حرب، والثانية خروج "حزب الله" من الحرب القائمة بأقل الأضرار.

ولا يزال "حزب الله" يُمثل قيمة كبيرة لإيران في المنطقة، ومن غير المتصور أن تكون طهران مُستعدة للتخلي عنه تماما، أو حتى استخدامه كورقة في مفاوضاتها مع الأميركيين والغرب من أجل صفقة نووية، بحسب علوش.

ويعتبر الباحث أن الحزب اللبناني "لا يقل أهمية بالنسبة لهم عن البرنامج النووي، لأنّه جوهرة قوتهم الإقليمية".

ومن جهته، يعتقد الباحث الأميركي في شؤون الشرق الأوسط، راين بوهل، أن إيران "ستظل تزيد من دعمها المادي لحزب الله، وتضمن حصوله على الترسانة التي يحتاجها لخوض حرب طويلة مع إسرائيل".

وما لم تتحول هذه الحرب إلى وجودية ضد "حزب الله"، أو تبدأ في التأثير بشكل مباشر على المصالح الإيرانية، فإن إيران "ستظل مجرد مورد وليس مشاركا أو منخرطا مباشر"، وفقا لقول الباحث الأميركي لموقع "الحرة".

ولا يزال الإسرائيليون يصرون على ضرب "حزب الله" بقوة، ويواصلون الإعلان عن ضربات جوية يتم تنفيذها بالتدريج ضمن إطار عملية أطلقوا عليها اسم "سهام الشمال".

وبعد بدء حملتهم، الاثنين، قالوا إن زعيمه حسن نصر الله "بقي وحيدا"، في إشارة منهم إلى الاغتيالات التي قتلت أبرز قادته، وآخرهم عقيل.

ويوضح الباحث الأميركي بوهل أن "مخاطر الانخراط الإيراني قد تتزايد في حال استمرت حملة إضعاف حزب الله إلى مستويات كبيرة".

ويشرح أن "إيران، وفي حال اعتقدت أن الحرب قد تؤدي إلى إضعاف موقف وكيلها في لبنان بشكل قاتل قد تضرب في سياق سيناريو التصعيد الأقصى (ردا على اغتيال هنية) أو تحرك جبهات أخرى من العراق واليمن".

"شهية إيرانية أقل"

وتشير المواقف الصادرة من إيران إلى "وجود شهية أقل" من جانب طهران لحرب إقليمية تضعها مباشرة في مواجهة إسرائيل، وفق باتريسا كرم، وهي باحثة غير مقيمة في برنامج لبنان في "معهد الشرق الأوسط" بواشنطن.

وتضيف الباحثة، في تقدير موقف نشره المعهد الأميركي، الثلاثاء، أن إيران سعت خلال الأشهر الماضية إلى تجنب مثل هذه المواجهة المفتوحة، انطلاقا من "لعب لعبة الردع مع الجانب الإسرائيلي".

وكان "حزب الله" المحور الرئيسي لهذه الاستراتيجية، التي اعتمدت على الحرب غير المتكافئة ضد إسرائيل، ما سمح لإيران بالانخراط في المعركة مع الحفاظ على إنكار معقول، بحسب باتريسا كرم.

وتؤكد التصريحات، التي أطلقها بزشكيان من نيويورك، أن إيران لا تزال غير راغبة أو تنوي الانخراط بحرب شاملة وأوسع نطاقا، في سلوك انعكس في أكثر من محطة مؤخرا.

وكانت أبرز تلك المحطات حادثة اغتيال زعيم حركة "حماس" السياسي، إسماعيل هنية، وسط طهران.

ويوضح الباحث في العلاقات الدولية علوش أن "تراجع إيران عن الانتقام لاغتيال هنية يعكس إدراكها للمخاطر".

لكنه يقول في المقابل، وبناء على التطورات الحاصلة، إن "مخاطر الحرب الشاملة بين إسرائيل وحزب الله تُبقي على هذه المخاطر مرتفعة للغاية"، مما يدفع الإيرانيين إلى إظهار مرونة في تهدئة الاضطراب الإقليمي.

ويُمكن النظر إلى توقيت عرض الإيرانيين بالتفاوض النووي وكما جاء على لسان بزشكيان أنه "مُصمم لتحفيز الغرب على ردع إسرائيل توسيع عن الحرب، مقابل مزايا التراجع عن حافة الهاوية والتسوية النووية".

ومع ذلك، يشير علوش، إلى أن "ما لا يُدركه الإيرانيون أو أدركوه مؤخرا من أن بنيامين نتانياهو عازم على تحقيق هدفه بتغيير الشرق الأوسط بعد 7 أكتوبر".

وأحدث ما حصل في السابع من أكتوبر تغييرا كبيرا على نظرة إسرائيل لكيفية التعامل مع التهديدات المحيطة بها.

ويشرح الباحث علوش أن "إسرائيل بعد تلك المحطة لم تُصمم استراتيجيتها في الحرب من أجل استعادة الردع الذي كان قائما، بل من منظور الفرص التي أوجدتها لنفسها، لإحداث تحول عميق في صراعها المباشر مع حماس في غزة وحزب الله في لبنان وصراع الوكالة مع إيران".

ويعتقد الباحث الأميركي بوهل أن الموقف الذي أبداه بزشكيان له ديناميكيات متعددة، أولها أن الرئيس الإيراني تم انتخابه على أساس برنامج انتخابي معتدل نسبيا، ولذا فهو ملتزم بهذا التفويض.

ويذهب مسار آخر باتجاه "غياب الضرورة الملحة لتدخل إيران المباشر، خاصة أن المنطقة لم تصل إلى مرحلة الحرب الشاملة بين إسرائيل وحزب الله"، بحسب بوهل.

"الطرفان في حيرة"

وتريد إسرائيل من "حزب الله" أن ينسحب من الحدود ويتنازل عن المنطقة العازلة التي طالب بها، بحسب الباحث الأميركي بوهل.

ويعتقد أن "إسرائيل مهتمة الآن بشن حملة جوية مكثفة لتدمير البنية الأساسية لحزب الله في تلك المنطقة وتهيئة المنطقة لغزو بري محتمل".

وتعد خطوة "الغزو البري" إجراء أخيرا لن يتم اللجوء إليه، إلا إذا تمكن "حزب الله" من مقاومة هذه الحملة الجوية ضده، وفقا لذات المتحدث.

ولم يستبعد المسؤولون الإسرائيليون، الاثنين، أن يلجؤوا لخيار الاجتياح البري.

وفيما يتعلق بـ"حزب الله"، لم يصدر أي بيان من جانبه حيال التطورات الأخيرة، دون أن يشمل ذلك مسألة الإعلان عن توجيه قصف بالصواريخ إلى داخل إسرائيل.

ويتوقع آرون لوند، وهو خبير  في "مؤسسة القرن"، يركز على سياسات الشرق الأوسط، أن تظل العلاقة بين إيران و"حزب الله" متينة، لكنه يقول إن "الطرفين في حيرة بشأن كيفية الرد على التصعيد الإسرائيلي".

ويبدو أن "حزب الله" فقد السيطرة على التطورات، ولم يعد قادرا على ردع إسرائيل عن المضي قدما بشكل فعال.

ويضيف لوند لموقع "الحرة" أن الجماعة المدعومة من إيران "قد تحتاج إلى إيجاد توازن جديد فيما إذا كانت ستحاول الاستمرار في زعزعة استقرار شمال إسرائيل لزيادة الضغط من أجل وقف إطلاق النار في غزة".

ويشمل الهدف من "التوازن الجديد" محاولة "ردع المزيد من التقدم الإسرائيلي والهجوم البري المحتمل".

ومن غير الواضح إلى أي مدى يمكن لإيران أن تساعد في الأمد القريب، رغم أن التهديد بشن هجمات صاروخية وطائرات من دون طيار، كرد متأخر على مقتل إسماعيل هنية، قد يلعب دورا في الحسابات الإسرائيلية، بحسب الخبير في مؤسسة "القرن".

وفي المقابل يرى الباحث في الشأن الإيراني، سعيد شارودي، أن "إيران لن تترك حزب الله في الحرب ضد إسرائيل كما الحال الذي اتبعته في سوريا خلال عقد من الزمن".

ويقول شارودي، المقيم في طهران لموقع "الحرة"، إن "إيران لديها معرفة تامة بجاهزية وقدرات حزب الله، وهي في حال اتصالات متواصلة وتنسيق تام معه على مدار الساعة فيما يخص تطورات ومجريات الأمور في الميدان".

وفيما يتعلق بحالة التصعيد القائمة، يضيف الباحث الإيراني إن بلاده "لا تشعر أن حزب الله بحاجة إلى أي تدخل مباشر من قبلها في الوقت الراهن".

كما يتابع أنها "متأكدة من قوته وقدرته على إدارة الحرب ضد إسرائيل بكفاءة عالية، تمكنه من إفشال مخططات وطموحات الأخيرة العسكرية والسياسية".

"سيناريوهان"

وخسر "حزب الله" إثر ضربات إسرائيلية قادة كبار في الصف الأول، كان أبرزهم قبل إبراهيم عقيل، القيادي العسكري الأول فؤاد شكر.

وتقول إسرائيل الآن إن ضرباتها تستهدف بنى تحتية ومنازل يستخدمها الحزب لتخزين الأسلحة والصواريخ ولشن الهجمات.

ويرى راز زيمت، وهو باحث كبير في معهد دراسات الأمن القومي (INSS) بتل أبيب، أنه "لا يوجد في المرحلة الحالية سبب حقيقي لإيران للتدخل المباشر في القتال الدائر".

ويوضح أنه، على عكس التقييمات (المتفائلة بشكل مفرط) بشأن "هزيمة حزب الله" فإن التقييم في إيران هو أنه رغم تدمير قدرات الأخير والضربات الثقيلة التي وجهت له الأسبوع الماضي "فإن إسرائيل لا تملك القدرة على هزيمته".

ويمكن لإيران زيادة الضغط على إسرائيل في المرحلة المقبلة من خلال استخدام الميليشيات الموالية لها من العراق وسوريا واليمن، لكن من المشكوك فيه للغاية أن تغير منطقها في هذا الوقت، بحسب زيمت.

وبينما لا يستبعد الباحث أن تغير إيران تقييمها لقدرتها على الاحتفاظ بـ"حزب الله" كذراع استراتيجي لها لردع إسرائيل والرد على أي هجوم على منشآتها النووية، وهو ما قد يؤدي إلى تورط إيراني مباشر في الحملة يتوقع حصول سيناريو آخر.

ويستعرضه بالقول: "من الممكن أن نفترض أنه في هذه المرحلة الخطيرة سوف تكون الضغوط الداخلية (في لبنان وإسرائيل)، والخارجية (من جانب المجتمع الدولي)، كبيرة إلى الحد الذي قد يجعل من الممكن فرض وقف إطلاق النار على الطرفين، بصرف النظر عن سلوك إيران".

تقرير يشير إلى أن 1500 مقاتل من حزب الله خرجوا من الخدمة بعد هجمات وسائل الاتصال
جهاز البيجر- أرشيف

حينما تلقى حزب الله اللبناني عرضًا قبل عامين للحصول على أجهزة النداء (البيجر) من شركة أبوللو، وجدوه مناسبا تماما لاحتياجاتهم كجماعة تعمل على مساحة كبيرة مع عدد كبير من المسلحين، حيث صُممت تلك الأجهزة لتحمل ظروف ساحة المعركة من هذا النوع.

لكن المفاجأة التي كشف عنها تقرير لصحيفة واشنطن بوست الأميركية أن تلك الأجهزة كانت جزءا من خطة تعمل عليها الاستخبارات الإسرائيلية (الموساد) منذ عام 2015.

ونقلت الصحيفة أن الموساد بدأ الجزء الأول من خطته بإدخال أجهزة اتصال لاسلكية مفخخة إلى لبنان قبل قرابة عقد، كانت تحتوي على بطاريات كبيرة الحجم، ومتفجرات مخفية، ونظام إرسال مكّن إسرائيل من الوصول الكامل إلى اتصالات حزب الله.

واعتمدت الصحيفة في تقريرها على تصريحات مسؤولين أمنيين وسياسيين ودبلوماسيين إسرائيليين وعرب وأميركيين مطلعين على الأحداث، فضلاً عن مسؤولين لبنانيين وأشخاص مقربين من حزب الله، تحدثوا جميعا بشرط عدم الكشف عن هويتهم، نظرا لحساسية المعلومات.

التفجيرات تسببت بمقتل 37 شخصا فيما أصيب نحو ثلاثة آلاف آخرين
مسؤولون: تفجيرات "البيجر" نصر استخباراتي بعواقب غامضة
لا يزال الغموض يحيط بالكيفية التي تمكنت بها إسرائيل من دس المتفجرات في آلاف أجهزة الاستدعاء ووضعها في أيدي عناصر حزب الله، ولكن الأمر الواضح للغاية هو أن العملية الاستخباراتية ستذكر باعتبارها واحدة من أكثر العمليات جرأة في التاريخ الحديث، وفقا لصحيفة "واشنطن بوست".

وقال المسؤولون إن الإسرائيليين اكتفوا لمدة 9 سنوات بالتنصت على حزب الله، مع الاحتفاظ بخيار تحويل أجهزة الاتصال اللاسلكية إلى قنابل في أزمة مستقبلية.

وقتل أو أصيب ما يصل إلى 3 آلاف من عناصر حزب الله وعدد غير معروف من المدنيين، وفقًا لمسؤولين إسرائيليين وأميركيين وشرق أوسطيين، عندما قامت أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية الموساد بتفجير الأجهزة عن بعد في 17 سبتمبر.

ووفق مسؤولين إسرائيليين مطلعين على الأحداث، فإن فكرة عملية أجهزة النداء (البيجر) نشأت في عام 2022.

وبدأت الخطة تتبلور قبل أكثر من عام من هجوم حماس في السابع من أكتوبر، وكان ذلك وقتا هادئا نسبيا على الحدود الشمالية لإسرائيل مع لبنان.

ومضى حزب الله عام 2023 في صفقة لشراء كميات كبيرة من أجهزة البيجر ليظهر في النهاية أن الجماعة دفعت، بشكل غير مباشر، الأموال إلى إسرائيل، مقابل قنابل صغيرة قتلت وأصابت عناصره.

حزب الله حمل إسرائيل مسؤولية تفجير أجهزة البيجر لكن الأخيرة لم تعلق حتى الآن

وتعلقت الصفقة بأجهزة تحمل شعار شركة "أبوللو" التايوانية، وهي علامة تجارية معروفة، وخط إنتاج يتم توزيعه في جميع أنحاء العالم، ولا توجد روابط واضحة بينه وبين أي مصالح إسرائيلية أو يهودية.

وقال المسؤولون إن الشركة التايوانية لم تكن على علم بالخطة.

وكانت المسؤولة عن التسويق من جانب الشركة سيدة رفض المسؤولون الكشف عن هويتها وجنسيتها، حصلت على ترخيص لبيع مجموعة من أجهزة النداء، التي تحمل علامة أبوللو التجارية.

عرضت تلك السيدة على حزب الله صفقة لشراء أحد المنتجات التي تبيعها شركتها، وهو من طراز "AR924" الموثوق.

وقال مسؤول إسرائيلي مطلع على تفاصيل العملية: "كانت هي التي تتواصل مع حزب الله، وشرحت لهم أسباب أن هذا الطراز أفضل من سابقيه".

وأوضح التقرير أنه تم تجميع الأجهزة في إسرائيل تحت إشراف الموساد، الذي زودها ببطارية بها كمية من المتفجرات القوية، من الصعب كشفها، حتى لو تم تفكيك الجهاز.

ويعتقد المسؤولون الإسرائيليون أن حزب الله قام بتفكيك بعض أجهزة النداء وربما قام بفحصها بالأشعة السينية.

وتمكن الموساد عن بعد من تفجير الأجهزة بشكل غير مرئي بإشارة إلكترونية من جهاز الاستخبارات، ولكن لضمان أكبر قدر من الضرر كان يتطلب إجراء خطوتين لعرض الرسائل الآمنة المشفرة على الجهاز.

وقال أحد المسؤولين: "كان عليك الضغط على زرين لقراءة الرسالة"، في ممارسة كانت تعني استخدام كلتا اليدين، مما يسفر عن إصابة تجعل الشخص غير قادر على القتال.

وأوضح المسؤول ذلك قائلا إن الأشخاص المستخدمين للجهاز "سيجرحون أياديهم بكل تأكيد" في الانفجار الذي سيعقب ذلك، وبالتالي "سيكونون غير قادرين على القتال".

وفي إسرائيل، كانت هذه التفاصيل سرية للغاية، ولم يعلم بها معظم كبار المسؤولين المنتخبين حتى 12 سبتمبر، حين دعا رئيس الحكومة بنيامين نتانياهو مستشاريه الاستخباراتيين لاجتماع لمناقشة تحرك محتمل ضد حزب الله.

وقال مسؤولون لواشنطن بوست، إن نقاشاً حاداً اندلع في مختلف أنحاء المؤسسة الأمنية الإسرائيلية، ثم أدرك الجميع، بما في ذلك نتانياهو، أن الآلاف من أجهزة النداء المتفجرة قد تلحق أضراراً لا توصف بحزب الله، ولكنها قد تؤدي أيضاً إلى رد فعل عنيف، بما في ذلك ضربة صاروخية انتقامية ضخمة من قبل قادة حزب الله الناجين، مع احتمال انضمام إيران إلى المعركة.

ولم تكن الولايات المتحدة على علم بأجهزة النداء المفخخة أو النقاش الداخلي بشأن ما إذا كان ينبغي تشغيلها، وفق تصريحات مسؤولين أميركيين للصحيفة.

في النهاية، وافق نتنياهو على تشغيل الأجهزة، رغم أنها قد تلحق أقصى قدر من الضرر.

وجاء الدور بعد ذلك على استهداف زعيم الحزب حسن نصر الله، وأشار التقرير إلى أن الموساد كان على علم بأماكن وجوده في لبنان منذ سنوات ويتتبع تحركاته عن كثب، ولكن ما منع استهدافه أن قتله سيقود إلى حرب شاملة مع الجماعة المسلحة وربما مع إيران.

في السابع عشر من سبتمبر، وبينما كان النقاش في أعلى دوائر الأمن القومي في إسرائيل بشأن ما إذا كان ينبغي ضرب زعيم حزب الله، رنّ الآلاف من أجهزة النداء التي تحمل علامة أبولو أو اهتزت في وقت واحد، في جميع أنحاء لبنان وسوريا.

ظهرت جملة قصيرة باللغة العربية على الشاشة: "لقد تلقيت رسالة مشفرة".

اتبع عملاء حزب الله التعليمات بدقة للتحقق من الرسائل المشفرة، بالضغط على زرين، لتبدأ الانفجارات المتزامنة في المنازل والمحلات التجارية وفي السيارات وعلى الأرصفة.

وبعد أقل من دقيقة، انفجرت آلاف أخرى من أجهزة الاتصال عن بعد، بغض النظر عما إذا كان المستخدم قد لمس جهازه أم لا.

وفي اليوم التالي، انفجرت مئات من أجهزة الاتصال اللاسلكية بنفس الطريقة، مما أسفر عن مقتل وإصابة عدد كبير من المستخدمين والمارة.

وبينما كان حزب الله يترنح، قصفت إسرائيل مقر الجماعة وترساناتها ومراكزها اللوجستية بقنابل تزن ألفي رطل، ليتم إعلان مقتل حسن نصر الله إثر تلك الغارات في الضاحية الجنوبية.