مواجهة برية محتملة بين إسرائيل وحزب الله
مواجهة برية محتملة بين إسرائيل وحزب الله

تنذر التطورات الأخيرة بين إسرائيل وحزب الله باندلاع حرب شاملة بين الطرفين مع تزايد احتمالات توجه إسرائيل نحو حرب برية.

وسلطت صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية الضوء على الموقف في حال تقدم القوات الإسرائيلية برا بعدما أثبتت التطورات الأخيرة تفوقها الجوي والاستخباراتي وإلحاق الضرر بقيادة حزب الله.

وتقول الصحيفة إن إسرائيل في حال التقدم برا ستقاتل "في أرض حزب الله حيث لن تكون الميزة التي تتمتع بها في التكنولوجيا والاستخبارات عاملا حاسما في المعركة... الحرب البرية بين الطرفين، إذا حدثت ستجعل القصة مختلفة".

وخلال الأيام الماضية، شن الجيش الإسرائيلي سلسلة غارات جوية واسعة النطاق استهدفت مواقع متعددة في لبنان، مما وضع الجماعة المسلحة اللبنانية في موقف دفاعي وأظهر تفوق إسرائيل الهائل في جمع المعلومات الاستخباراتية والتكنولوجيا.

وتصاعد خطر اندلاع حرب شاملة، الاثنين، بعد أن كثفت إسرائيل غاراتها الجوية في أنحاء لبنان بما في ذلك العاصمة بيروت، مما أسفر عن مقتل أكثر من 550 شخصا، وإصابة أكثر من 1600 آخرين، في أكثر يوم دموي في لبنان منذ بدء حرب غزة العام الماضي.


وطرحت الغارات المكثفة على جنوب لبنان تساؤلات عما ما إذا كانت تمهد لاعتماد إسرائيل سياسة "الأرض المحروقة" في إطار تحضيرات محتملة لشن عملية اجتياح بري على البلدات الحدودية اللبنانية.

في الضاحية الجنوبية لبيروت.. الاثنين 23 سبتمبر
هل تعتمد إسرائيل سياسة "الأرض المحروقة" قبل اجتياح جنوب لبنان؟
شهدت الحدود اللبنانية الإسرائيلية تصعيداً خطيراً صباح اليوم الاثنين، حيث شن الجيش الإسرائيلي سلسلة غارات جوية واسعة النطاق استهدفت مواقع متعددة في لبنان، في خطوة رفعت مستوى التوتر بينه وبين حزب الله إلى احتمالية نشوب حرب شاملة.

وتقول صحيفة "وول ستريت جورنال" إن حزب الله احتفظ بترسانة ضخمة من الصواريخ والطائرات من دون طيار والصواريخ المضادة للدبابات التي يمكنه نشرها لمواجهة التقدم الإسرائيلي.

اشتباكات متواصلة بين إسرائيل وحزب الله منذ 8 أكتوبر
ترسانة حزب الله.. ما الأسلحة التي تملكها الميليشيا اللبنانية؟
شن حزب الله اللبناني، الأحد، هجوما على مواقع مختلفة في إسرائيل ردا على مقتل القيادي بالجماعة فؤاد شكر في الضاحية الجنوبية في لبنان الشهر الماضي، ما يزيد من التساؤلات مجددا حول قدرات الجماعة المقربة من إيران فيما يتعلق بالصواريخ والمسيّرات وغيرها من الأسلحة.

وتنقل عن مصادر مطلعة على عمليات حزب الله إن التنظيم كان يستعد للحرب في الأشهر الأخيرة، مشيرة إلى أنه وسع من شبكة الأنفاق في جنوب لبنان، وأعاد تمركز المقاتلين والأسلحة وشرع في تهريب الأسلحة.

وقال مسؤولون أميركيون وإقليميون إن إيران زادت من إمداده بالأسلحة الصغيرة والقذائف الصاروخية، إلى جانب الصواريخ الموجهة وغير الموجهة بعيدة المدى.

وقال ضابط عسكري سابق في حزب الله: "الجنوب أشبه بخلية نحل الآن. كل ما يملكه الإيرانيون، نملكه نحن"، في إشارة إلى الاستعدادات العسكرية الأخيرة.

ويشير التقرير إلى أن حزب الله منذ حرب 2006 حصل على آلاف الصواريخ والطائرات من دون طيار الجديدة من إيران، واكتسب مسلحوه خبرة أكبر بعد القتال في سوريا.

وزادت قدرة حزب الله على تهريب الأسلحة من إيران بسبب نفوذه المتزايد في سوريا، بعد أن فتح طريقا بريا مباشرا من إيران إلى لبنان. وحاولت إسرائيل تعطيل خطوط الإمداد هذه بالضربات الجوية، لكن بعض عمليات التهريب كان يصعب اعتراضها.

ومنذ عام 2006، أضاف حزب الله أنظمة توجيه إلى صواريخه غير الموجهة، باستخدام "وحدات جي بي أس" صغيرة يمكن نقلها في حقيبة.

ونجحت طائرات حزب الله من دون طيار المطورة في ضرب أهداف عسكرية إسرائيلية في الأشهر الأخيرة، واستهدف الحزب قاعدة "رامات دافيد" الجوية ومجمعا تابعا لشركة "رافائيل" للصناعات العسكرية، مستخدما في هجومه نوعا جديدا من الصواريخ يطلق عليها "فادي 1" و"فادي 2". 

ولم تؤكد إسرائيل تلك الأهداف، لكنها قالت إن التنظيم شن هجمات أكثر عمقا من المعتاد في الأراضي الإسرائيلية.

تسارلات عن تدخل إيران لمساعدة حزب الله بعد الضربات التي تعرض لها
بين إيران وحزب الله.. مأزق استثنائي وتساؤلات عن "موقف جديد"
المأزق الذي يعيشه "حزب الله" في جنوب لبنان على المستوى العسكري وعلى صعيد القاعدة الشعبية بفعل حملة الضربات الإسرائيلية أطلق خلال الساعات الماضية تساؤلات ارتبطت على وجه محدد بالموقف الذي تتخذه إيران إزاء ما يجري الآن وما ستتبعه لاحقا في حال تدحرجت كرة النار على نحو أكبر.

ويقول محللون عسكريون إن حزب الله، في حال اتساع الصراع، قد يستخدم تكتيكات مشابهة لتلك التي تستخدمها روسيا في أوكرانيا بإطلاق وابل من الصواريخ وأسراب من الطائرات من دون طيار في محاولة لإرباك أو تعطيل الدفاعات الجوية الإسرائيلية، وضرب القواعد العسكرية أو الموانئ وشبكة الكهرباء في البلاد.

وقال أساف أوريون، العميد المتقاعد من الجيش الإسرائيلي: "لن تكون نزهة في الحديقة. إذا اندلعت حرب واسعة النطاق. فلن توجد طريقة لن نتعرض فيها للدماء".

ورغم أنه غير المرجح أن يتمكن حزب الله من توجيه هزيمة حاسمة لإسرائيل في حرب تقليدية، تواجه إسرائيل مشكلة استراتيجية، وهي أن التنظيم لن يسعى إلى كسب معركة بالمعنى التقليدي، بل سيسعى إلى توريط القوات الإسرائيلية في حرب استنزاف، وهو ما يشبه صمود حماس أمام الهجوم الإسرائيلي على غزة المستمر منذ 11شهرا.

وقال إلياس فرحات، وهو جنرال متقاعد في الجيش اللبناني: "إن إسرائيل قادرة على إحداث الدمار في لبنان، وهذا ليس محل نقاش. هناك فجوة في التوازن العسكري. ولكن حزب الله أثبت مهارتهه في استخدام الصواريخ المضادة للدبابات في عام 2006. وهم مدربون تدريبا جيدا".

وفي عام 2006، قدر المسؤولون الإسرائيليون أن حزب الله يمتلك حوالي 12ألف صاروخ وقذيفة.

وقال قاسم قصير، وهو محلل لبناني مطلع على حزب الله، إن مخزون التنظيم وصل إلى 150ألفا قبل هجوم حماس على إسرائيل في السابع من أكتوبر، وهو رقم يتطابق على نطاق واسع مع التقديرات الإسرائيلية والغربية.

ومن بين أسلحته الجديدة، الأكثر خطورة، صاروخ موجه مضاد للدبابات من صنع إيراني يسمى "ألماس"، يمنح مسلحو حزب الله دقة أكبر في ضرباته، مقارنة بما كان عليه في عام 2006.

وتشير الصحيفة إلى أنه في حرب 2006، استخدم حزب الله تكتيكات حرب العصابات، وألحق خسائر فادحة بالقوات الإسرائيلية بعد نشره صواريخ مضادة للدبابات لاختراق الدروع والدبابات.

وخلال تلك الحرب، كان حزب الله يطلق نحو 150صاروخا يوميا على شمال إسرائيل.

ويتذكر جندي احتياطي إسرائيلي، قاتل لمدة أسبوعين في تلك الحرب، انتشار مسلحي حزب الله في فرق صغيرة، واختبائهم في القرى انتظارا لوصول القوات الإسرائيلية، بدلا من الانخراط في قتال مفتوح في مناطق يكونون فيها أكثر عرضة للضربات الجوية.

وفي تلك الحرب، كان مسلحو حزب الله يستهدفون الجنود الإسرائيليين من مسافة بعيدة بصواريخ مضادة للدبابات.

وقال الجندي الاحتياطي إن حزب الله في عام 2006 ليس حزب الله اليوم، مشيرا إلى أنه طور قدراتها.

لكنه أضاف أن الجيش الإسرائيلي نجح أيضا في تحسين قدراته، واكتسب خبرة كبيرة في القتال في غزة.

مصارف لبنان

في تحول تاريخي لعمل القطاع المصرفي اللبناني، أقرّ مجلس النواب الخميس تعديلات على قانون السرية المصرفية تسهّل للهيئات الناظمة الحصول على كامل المعلومات المتعلّقة بالحسابات.

جاءت الخطوة تلبية لمطلب رئيسي من مطالب صندوق النقد الدولي.

واعتبر رئيس الوزراء اللبناني، نواف سلام، القرار "خطوة ضرورية نحو الإصلاح المالي المنشود وركيزة أساسية لأي خطة تعافٍ، ولكشف الحقائق" بشأن الأزمة المالية التي بدأت عام 2019.

والجمعة، نُشر في الجريدة الرسمية اللبنانية قانون تعديل بعض المواد المتعلقة بسرية المصارف في لبنان، بما في ذلك تعديل المادة 7 (هـ) و (و) من القانون المتعلق بسرية المصارف الذي أقرّ عام 1956، وكذلك تعديل المادة 150 من قانون النقد والتسليف الصادر في عام 1963، بموجب القانون رقم 306 الصادر في 28 تشرين الأول 2022.

وينص التعديل الجديد على تعديل المادة 7 (هـ) من القانون المتعلق بسرية المصارف بما يسمح بمشاركة معلومات مصرفية بين مصرف لبنان، ولجنة الرقابة على المصارف، والمؤسسة الوطنية لضمان الودائع، في إطار تعزيز مراقبة القطاع المصرفي وحماية النظام المالي. 

ويشمل التعديل أيضا صلاحيات تعديل وإنشاء مؤسسة مختلطة لضمان الودائع المصرفية.

أما المادة 7 (و) فتتيح للجهات المعنية، مثل مصرف لبنان ولجنة الرقابة على المصارف، طلب معلومات مصرفية محمية بالسرية دون تحديد حساب أو عميل معين. ويتيح التعديل إصدار طلبات عامة للحصول على معلومات عن جميع الحسابات والعملاء، إلا أن هذه الطلبات يمكن أن تكون قابلة للاعتراض أمام قاضي الأمور المستعجلة، ويخضع الاعتراض للأصول القانونية المتعلقة بالاعتراض على العرائض.

وفي ما يتعلق بالمادة 150 من قانون النقد والتسليف، تضمن التعديل رفع السرية المصرفية بشكل كامل وغير مقيد أمام مصرف لبنان ولجنة الرقابة على المصارف، بالإضافة إلى المدققين والمقيمين المعينين من قبل مصرف لبنان أو اللجنة.

وتشمل التعديلات الحسابات الدائنة والمدينة، سواء كانت ضمن أو خارج الميزانية، كما تتيح رفع السرية المصرفية عن سجلات ومستندات ومعلومات تعود إلى أشخاص معنويين أو حقيقيين يتعاملون مع المصارف أو المؤسسات المالية الخاضعة للرقابة. ويشمل تطبيق هذا التعديل بأثر رجعي لمدة عشر سنوات من تاريخ صدور القانون.

وقد شهد لبنان خلال الأسابيع الماضية نقاشات حادة، رأى فيها معارضون للخطوة أن هذا القانون ورفع السرية المصرفية طي لصفحة من تاريخ لبنان المالي العريق من خلال "إلغاء ميزة تفاضلية،" وبأن كشف الفساد ليس معطلاً بسبب السرية المصرفية.

ويرى المتحمسون للقانون أن من شأن التعديلات الجديدة تعزيز الشفافية في القطاع المصرفي في لبنان وتحسين مراقبة ومراجعة العمليات المصرفية، في وقت يشهد فيه القطاع المصرفي تحديات كبيرة في ظل الأزمة المالية المستمرة.

وأوضحت "المفكرة القانونية" وهي منظمة حقوقية غير حكومية، في بيان أصدرته أن التعديل يخوّل "الهيئات الرقابيّة والهيئات النّاظمة للمصارف، وتحديدًا مصرف لبنان ولجنة الرقابة على المصارف والمؤسسة الوطنية لضمان الودائع، طلب الحصول على جميع المعلومات المصرفية، من دون أن يربط طلب المعلومات بأيّ هدف معيّن، وإمكانية التدقيق في الحسابات بالأسماء، تصحيحا لقانون 2022" والذي تضمن بعض التعديلات.

يعتمد لبنان السرية المصرفية منذ عام 1956، وكان لذلك أثر كبير في جذب رؤوس الأموال والودائع وتوفير مناخ الاستقرار الاقتصادي. وبموجب هذا القانون تلتزم المصارف الخاضعة لأحكامه السرية المطلقة، إذ لا يجوز كشف السر المصرفي سواء في مواجهة الجهات الخاصة أو السلطات العامة، وسواء كانت قضائية أو إدارية أو مالية، إلا في حالات معينة في القانون وردت على سبيل الحصر، وهي:

1- إذن العميل او ورثته خطيًا.
2- صدور حكم بإشهار افلاس العميل.
3- وجود نزاع قضائي بينه وبين البنك بمناسبة الروابط المصرفية. 
4- وجود دعاوى تتعلق بجريمة الكسب غير المشروع. 
5- توقف المصرف عن الدفع، إذ ترفع في هذه الحالة السرية المصرفية عن حسابات أعضاء مجلس الإدارة والمفوضين بالتوقيع ومراقبي الحسابات. 
6- الاشتباه في استخدام الأموال لغاية تبييضها، وعندها ترفع السرية المصرفية بقرار من هيئة التحقيق الخاصة لمصلحة المراجع القضائية المختصة والهيئة المصرفية العليا، وذلك عن الحسابات المفتوحة لدى المصارف أو المؤسسات المالية.

وبالفعل ومنذ إقرار هذا القانون ازدهر القطاع المصرفي اللبناني واستطاع جذب رؤوس أموال، لكن كل ذلك تغير مع اندلاع الحرب الأهلية في منتصف السبعينيات، وبدأت الليرة اللبنانية رحلة الانهيار. خمسة عشر عاما من الاقتتال، انتهت بتسويات سياسية، تبعها نظام اقتصادي جديد، قاده منذ عام 1993 الراحل رفيق الحريري رئيسا للحكومة، ورياض سلامة حاكما لمصرف لبنان المركزي، سعيا وراء الاستقرار. 

وبعد أربع سنوات من استلام منصبه، نجح سلامة في تثبيت سعر العملة اللبنانية، عند 1500 مقابل الدولار الأميركي.

استمرت تلك المعادلة أكثر من عقدين، لكنها كانت تحتاج إمدادات لا تنقطع من العملة الصعبة للمحافظة على استمرارها. وفي محاولة لسد العجز، سعت المصارف اللبنانية لجذب حصيلة كبيرة من العملة الخضراء عبر تقديم فوائد مرتفعة على الودائع الدولارية، فوائد تراوحت بين 15 و 16 في المئة.

نتيجة للفوائد البنكية المرتفعة، شهدت ودائع القطاع المصرفي اللبناني نمواً سنوياً وصل ذروته بقرابة 12 مليار دولار خلال عام 2009.

أغرت الفوائد العالية المقيمين والمغتربين، ليصل إجمالي الودائع في المصارف اللبنانية إلى أكثر من 177 مليار دولار في نهاية نوفمبر عام 2018. 

منذ عام 2017، تراجع الاحتياطي في خزينة مصرف لبنان، رغم محاولات جذب الدولار. وفي صيف عام 2019، لاحت بوادر صعوبة في توافر الدولار في الأسواق اللبنانية، فارتفع سعر صرفه مقابل الليرة للمرة الأولى منذ أكثر من 20 عاما، ما دفع الحكومة لاتخاذ إجراءات استثنائية. لكن البعض يرى أن تلك القرارات جاءت متأخرة.

في أكتوبر 2019، انفجر الشارع اللبناني مطالبا بإسقاط السلطة السياسية، وأغلقت المصارف أبوابها، لكن تقارير صحفية تحدثت عن عمليات تحويل لأرصدة ضخمة الى خارج البلاد.

في تقرير لصحيفة فاينانشال تايمز البريطانية، نُشر في صيف 2020، فإنه، وفقا لكبير موظفي الخدمة المدنية المالية السابق في لبنان ومدير عام وزارة المالية السابق ألان بيفاني، قام مصرفيون بتهريب ما يصل إلى 6 مليارات دولار من لبنان منذ  أكتوبر 2019، في تحايل على الضوابط التي تم إدخالها لوقف هروب رأس المال، مع غرق البلاد في أسوأ أزمة مالية منذ ثلاثين 30 عاما، بينما بات مصير مليارات الدولارات مجهولًا. 

بدأت الأزمة المالية بالظهور تدريجيا، لكنها انفجرت حرفيا منذ اندلاع الاحتجاجات في شهر أكتوبر عام 2019. وتشير تقارير رسمية إلى أن أموالا طائلة تصل إلى مليارات الدولارات تم تحويلها إلى الخارج، بينما تم حجز ودائع صغار زبائن البنوك، من دون ضمانات لحماية ودائع المواطنين، ولا سيولة نقدية.

وتقدر تقارير دولية والمصرف المركزي اللبناني أن ودائع صغار زبائن البنوك بحوالي 121 مليار دولار منها ودائع لغير المقيمين تُقدّر بـ20 مليار دولار، وأصحابها لبنانيون وعراقيون ويمنيون وليبيون ومصريون ومن دول الخليج، إضافة لودائع للسوريين، يقدر المصرفيون بأنها أكثر من 3 مليارات دولار.

وفيما تجري التحقيقات حول آلية تهريب الأموال، لم يصل المحققون المحليون ولا حتى الدوليون إلى جواب شاف، لكن كانت دائما "المصالح المتشابكة داخل النظام اللبناني" جزءا من الجواب.

وتعتبر البنوك اللبنانية مرآة للنظام من حيث التقسيم الطائفي، فغالبيتها تابعة لجهات سياسية ومقربين منها، الأمر الذيث كان واضحا في انعدام الرقابة على عمليات إدخال أموال حزب الله المهربة أو غير الشرعية إلى هذه البنوك، مما يعني عمليات تبييض وشرعنة لهذه الأموال.

منذ منذ عام 2001، وضعت الولايات المتحدة حزب الله على قائمة المنظمات الإرهابية، وفرضت عليه عقوبات ضمن خطة لمكافحة تمويل الإرهاب. وفي هذا الإطار صدر قانون مكافحة تبييض الأموال رقم 44، عام 2015، والذي لم يتم تعطبيقه، واكتفى مصرف لبنان بتعاميم، لم تغير واقع الحال.

بدأ لبنان في يناير 2022 مفاوضات رسمية مع صندوق النقد الذي طالما شدد على أنه لن يقدم أي دعم طالما لم تقرّ الحكومة إصلاحات على رأسها تصحيح الموازنة وإعادة هيكلة القطاع المصرفي وإصلاح المؤسسات العامة والتصدي للفساد المستشري.

وأعلن الصندوق في أبريل من العام ذاته اتفاقا مبدئيا على خطة مساعدة بقيمة ثلاثة مليارات دولار على أربع سنوات، لكنّ تطبيقها كان مشروطا بإصلاحات لم يتم تنفيذ معظمها.

في سبتمبر عام 2024، أوقف الحاكم السابق لمصرف لبنان، رياض سلامة، وهو حتى اليوم قيد التحقيق في اتهامات بغسيل الأموال وشراء وبيع سندات خزينة الحكومة اللبنانية. ومنذ انهيار حزب الله اللبناني، في حربه مع إسرائيل، وصعود ما سمي بالعهد الجديد، أقرت حكومة نواف سلام مشروع قانون لإعادة هيكلة المصارف، استجابةً لمطالب صندوق النقد الدولي، الذي اشترط تنفيذ إصلاحات جذرية، بينها رفع السرية المصرفية، كشرط أساسي لأي دعم مالي للبنان، كما تأتي في ظل إدراج مجموعة العمل المالي (FATF) لبنان على اللائحة الرمادية بسبب ثغرات خطيرة في مكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب.

من المتوقع أن تسهم هذه التعديلات في تعزيز الشفافية المالية، ومكافحة الفساد وتبييض الأموال والتهرب الضريبي، كما يُتوقع أن تفتح الباب أمام إعادة هيكلة النظام المالي اللبناني بالكامل، واستعادة ثقة المجتمع الدولي، وتأمين الدعم المالي اللازم من الجهات المانحة.

إلا أن نجاح هذه الخطوة لا يقاس فقط بالكشف عن الحسابات، بل العبرة في التنفيذ في ظل نظام قضائي شبه مهترئ وتورط بعض من أصحاب النفوذ السياسي والمالي أنفسهم.

لبنان اليوم أمام مفترق طرق، فإما أن يسلك طريق العهد الجديد الذي وعد به اللبنانيون، أو يظل الفساد العنوان الأبرز في سياسات لبنان المالية المقبلة.