وقف إطلاق النار في غزة سيدفع بالتهدئة في المنطقة
وقف إطلاق النار في غزة سيدفع بالتهدئة في المنطقة

وسط مخاوف من التصعيد في الشرق الأوسط، يتخوف الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش أن يفتح النزاع بين إسرائيل وحزب الله "أبواب الجحيم في لبنان"، في حين يرى مراقبون أن تلك المخاوف ستظل متواجدة حتى التوصل إلى وقف لإطلاق النار في غزة تحديدا.

وبعد أن كانت أنظار العالم تتجه لحرب إسرائيل في غزة، يتخوف الجميع من تصدير الصراع ليصبح حربا "شاملة" في الشرق الأوسط، فيما تبذل واشنطن وشركاء جهودا لتوصل إلى "تسوية يمكن أن تغير المنطقة بأكملها تغييرا جذريا" بحسب ما قال الرئيس الأميركي، جو بايدن، الأربعاء، في مقابلة مع شبكة "إيه بي سي".

ويرجح محللون تحدثوا لموقع "الحرة" أن وقف إطلاق النار في غزة سيهدئ من التصعيد بين إسرائيل وحزب الله أيضا، فيما تحتاج جهود التهدئة، تعاونا من دول المنطقة، ومنظمات غير حكومية.

وتقود الولايات المتحدة جهودا دبلوماسية جديدة لإنهاء الأعمال القتالية بين إسرائيل وحزب الله في لبنان على أمل أن يساعد إحراز تقدم على تلك الجبهة في إحياء محادثات السلام المتوقفة بشأن غزة بحسب رويترز.

وقالت إسرائيل إنها قد تشن توغلا بريا إضافة إلى حملتها الموسعة من الضربات الجوية على جماعة حزب الله اللبنانية، فيما تراجع عدد الغارات الجوية الإسرائيلية في غزة، إلا أن الأزمة الإنسانية ما زالت قائمة.

أصدرت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وعدد من الدول الغربية والعربية الأربعاء نداء مشتركا لإرساء "وقف مؤقت لإطلاق النار" في لبنان.

وقال الرئيسان الأميركي، جو بايدن، والفرنسي، إيمانويل ماكرون، في بيان مشترك "لقد عملنا معا في الأيام الأخيرة على دعوة مشتركة لوقف مؤقت لإطلاق النار لمنح الدبلوماسية فرصة للنجاح وتجنب مزيد من التصعيد عبر الحدود". 

وأشارا إلى أن "البيان الذي تفاوضنا عليه بات الآن يحظى بتأييد كل من الولايات المتحدة وأستراليا وكندا والاتحاد الأوروبي وفرنسا وألمانيا وإيطاليا واليابان والسعودية والإمارات وقطر".

نقطة البداية

يتصاعد الدخان من موقع غارة جوية إسرائيلية استهدفت قرية الخيام في جنوب لبنان في 25 سبتمبر 2024.

"كل شيء يبدأ من وقف إطلاق النار في غزة، من شأنه أن يؤدي إلى وقف إطلاق النار في لبنان"، بحسب ما يرجح المحلل السياسي العسكري الأميركي في معهد هدسون، ريتشارد وايتز.

وأضاف في حديث لموقع "الحرة" أن سيناريو التسوية الذي تطمح إليه واشنطن يتضمن "وقف إطلاق النار، وإطلاق سراح الرهائن، وانسحاب القوات الإسرائيلية من قطاع غزة، والمضي في مسار حل الدولتين".

ويرى أن هذا السيناريو المتفائل "سيؤدي بالضرورة إلى إضعاف النفوذ الإيراني، ويقلل من التوترات في جميع أنحاء المنطقة"، وقال هذا السيناريو الذي "تطمح إليه واشنطن، ولكن هل سيحصل؟ هذه مسألة أخرى".

وكشف وزير الخارجية الفرنسي جان-نويل بارو خلال جلسة طارئة لمجلس الأمن الدولي الأربعاء عن اقتراح مشترك مع الولايات المتحدة لإرساء وقف لإطلاق النار لمدة 21 يوما في لبنان لمنع تطور النزاع الراهن بين إسرائيل وحزب الله إلى حرب شاملة، بحسب وكالة فرانس برس.

وقال بارو خلال الجلسة التي عقدت بطلب من بلاده إنه "في الأيام الأخيرة، عملنا مع شركائنا الأميركيين على وقف مؤقت لإطلاق النار لمدة 21 يوما لإفساح المجال أمام المفاوضات".

وأضاف أن هذا المقترح "سيتم الإعلان عنه سريعا ونحن نعول على قبول الطرفين به".

ومن المرجح أن يستغرق التوصل إلى اتفاق أوسع نطاقا يشمل الحرب في غزة وقتا أطول. وقال مسؤول لبناني كبير ومصدر مطلع على تفكير حزب الله وآخر مطلع على المحادثات لوكالة رويترز إن الاتفاق ربما يؤدي في نهاية المطاف إلى إطلاق سراح الرهائن المحتجزين لدى حركة حماس منذ هجوم السابع من أكتوبر على إسرائيل.

وشدد الوزير الفرنسي على أن اندلاع حرب شاملة بين إسرائيل وحزب الله "ليس حتميا" بشرط أن تنخرط كل الأطراف "بحزم" في إيجاد حل سلمي للنزاع.

وحذر بارو من أن "الوضع في لبنان اليوم يهدد بالوصول إلى نقطة اللاعودة".

جهد متعدد الأطراف

اجتماع لمجلس الأمن الدولي التابع للأمم المتحدة (أرشيف)

أستاذ العلوم السياسية في جامعة جورج واشنطن، ريتشارد تشازدي، يقول لموقع "الحرة" إن "التسوية التي قد تغير شكل المنطقة جذريا التي يتحدث عنها الرئيس الأميركي، بايدن تفاصيلها غير واضحة إلى الآن".

وأضاف تشازدي أن هذا التعاون يحتاج إلى جهود فاعلة في المنطقة مثل "جامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي، ودول مجلس التعاون الاقتصادي"، فيما قد تتضمن خطط التهدئة "حوافز اقتصادية وسياسية للحكومة اللبنانية لزيادة الضغط على حزب الله للقبل بوقف إطلاق النار، وانسحابه من مناطق انتشاره على الحدود".

وأشار إلى أن هذه الخطوات "ستعزز من تدابير بناء الثقة الإيجابية بين جميع الأطراف".

وقال وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، خلال اجتماع مع ممثلي دول مجلس التعاون الخليجي الأربعاء "نحن نعمل بلا كلل مع شركائنا لتجنّب حرب شاملة والتحرك نحو عملية دبلوماسية تسمح للإسرائيليين واللبنانيين بالعودة إلى ديارهم".

ويعترف الدبلوماسيون سرا بأن هذه المناقشات صعبة للغاية، ونتائجها غير مؤكدة بتاتا، وفقا لفرانس برس.

واشتعلت أحدث حرب في غزة عقب هجوم حماس في السابع من أكتوبر على جنوب إسرائيل وهو ما أدى إلى مقتل 1200 شخص واحتجاز 250 رهينة، بحسب الإحصاءات الإسرائيلية.

وشنت إسرائيل حملتها العسكرية على القطاع بعد ذلك مما أسفر عن مقتل أكثر من 41 ألف شخص، وفقا للسلطات في غزة.

وأطلق حزب الله المتحالف مع إيران صواريخ على مواقع للجيش الإسرائيلي عبر حدود جنوب لبنان غداة هجوم حماس، قائلا إنه يشن هجماته تضامنا مع غزة.

وقالت جماعة حزب الله إنها لن تتوقف عن إطلاق النار على إسرائيل حتى توقف إسرائيل هجومها على قطاع غزة. وفشلت جهود متكررة بذلتها واشنطن للتوصل إلى وقف لإطلاق النار في غزة وإطلاق سراح الرهائن.

طريق مسدود وأيادي إيرانية

عناصر من حزب الله خلال تشييع أحد ضحاياه

ويبدو الوضع الحالي بين حزب الله وإسرائيل وكأنه وصل إلى طريق مسدود، إذ يشترط الحزب المسلح المدعوم من إيران وقف الحرب بين إسرائيل وحماس في غزة لكي يوقف هجماته على إسرائيل التي تشترط من جهتها انسحابه بعيدا عن حدودها لكي توقف هجماتها ضده.

الباحث السياسي اللبناني، مكرم رباح لا يرى أن أي "تسوية" قد تحل الأزمة الحاصلة حاليا في الشرق الأوسط، معتبرا أن "الإيرانيين يستخدمون القضايا العربية لمصلحتهم بالنهاية".

وأوضح في رد على استفسارات موقع "الحرة" أنه حتى "وقف إطلاق النار المعنوي بين دول الخليج وإيران، لن يصمد خلال الفترة المقبلة، خاصة بسبب ما فعله حزب الله، والحرب التي أدخل فيها لبنان".

ويستبعد أن "تتدخل إيران عسكريا بشكل مباشر في أي صراع مع إسرائيل، فهي لا تكترث بدماء العرب" على حد تعبيره، مضيفا أن "طهران تستخدم (الأيادي الأدي الإيرانية) وكلائها والميليشيات التي تدعمها في عدة دول، من أجل تنفيذ أهدافها، ولا تدخل في صراعات مباشرة".

من ناحيته، حذر وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي قبيل اجتماع مجلس الأمن من أن الشرق الأوسط "على شفير كارثة شاملة"، مؤكدا أن بلاده ستدعم لبنان "بكل الوسائل".

ويرجح الأكاديمي تشازدي أن "إسرائيل وإيران يريدان تجنب المواجهة العسكرية المباشرة، والمشكلة قد تكون في التواصل المشوه بينهما"، مشيرا إلى أن الخبير في شؤون الإرهاب، ماغنوس رانستورب أكد في تحليلات سابقة أن حزب الله كان يتمتع في بعض الآحيان "باستقلالية أكبر في اتخاذ القرار عن طهران مما كان يعتقد في السابق".

ويرى المحلل الأميركي وايتز أن المخاوف من حرب أوسع في المنطقة "ستكون مشروعة"، إذ "ستستمر إيران في تزويد حزب الله بالأسلحة والصواريخ، وإذ حصل دخول إسرائيلي بري إلى لبنان، قد نرى تدخلا أكبر من طهران، بشن هجمات تشابه تلك التي وقعت في أبريل، الماضي".

وأشار إلى أن واشنطن بالنهاية ستلتزم بالدفاع عن إسرائيل، إذا وجدت إسرائيل غير قادرة على القيام بذلك بنفسها، وتابع أن الولايات المتحدة قد تتدخل "عسكريا بشكل مباشر في حالتين: الأولى، إذا ما تدخلت إيران أيضا بشكل مباشر، والثانية، إذا ما تسببت صواريخ الضربات الصاروخية في أضرار في إسرائيل بشكل كبير".

والأربعاء اعترضت الدفاعات الجوية الإسرائيلية صاروخا بالستيا أطلقه حزب الله باتجاه تل أبيب، في سابقة من نوعها منذ بدء النزاع بين الطرفين قبل حوالي عام، إذ لم يسبق للحزب المدعوم من إيران أن قصف إسرائيل بصاروخ بالستي كما أنها المرة الأولى التي يوجه فيها نيرانه إلى تل أبيب.

الضغط على نتانياهو

الأكاديمي والدبلوماسي السابق، وليام لورانس من المجلس الوطني للعلاقات الأميركية العربية ذكر أنه لن تكون "هناك أي تسوية أو اتفاق من دون ضغط أميركي حقيقي على حكومة نتانياهو".

وأضاف في رد على استفسارات موقع "الحرة" أنه إذا ما سمعنا بموافقة إسرائيل على أي هدنة أو اتفاق لوقف إطلاق النار، والتي قد تكون مقدمة "لتسوية شاملة تطمح لها واشنطن، لن تكون قد حصلت من دون ضغوط من واشنطن، إذ يجري خلف الكواليس بالتأكيد الكثير مما لا نسمعه أو نراه".

وعزى الخبير وايتز فشل جهود الولايات المتحدة منذ أشهر في دفع الأطراف للتوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار، إلى أن "حماس وحزب الله غير مهتمين بتنفيذ أجندة واشنطن، فيما تتجاهل الحكومة الإسرائيلية دعوات إدارة الرئيس الأميركي، جو بايدن".

ويرى أن "إدارة بايدن غير قادرة على الضغط والتأثير في الحكومة الإسرائيلي، ونفوذها ليس قويا بما يكفي لإملاء الشروط ودفع الأطراف لوقف القتال، وهي ملتزمة بتزويد إسرائيل بالأسلحة".

ويؤكد الأكاديمي تشازدي أن الولايات المتحدة "ستستمر في توفير رادع سياسي وعسكري للأعمال العسكرية الإيرانية ضد إسرائيل، ولكن هذا قد يعني في مرحلة ما إحياء عقيدة الردع الاستراتيجي النووي"، وهذا ما يتطلب "من إسرائيل أن تتوافق بشكل أكبر مع توجهات الإدارة الأميركية".

وقال السفير الإسرائيلي لدى الأمم المتحدة، داني دانون، إن إسرائيل تفضل استخدام القنوات الدبلوماسية لتأمين حدودها الشمالية مع لبنان، لكنها ستستخدم "كل الوسائل المتاحة" إذا فشلت الدبلوماسية في التوصل إلى اتفاق مع حزب الله.

وأعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتانياهو، الأربعاء، أن بلاده ستستخدم "القوة الكاملة" ضد حزب الله حتى ضمان عودة سكان الشمال إلى منازلهم.

ويشرح لورانس أن "التسوية الشاملة التي تريدها الولايات المتحدة، من المرجح أنها ستتضمن وقفا جزئيا أو كليا لإطلاق النار، وإيجاد مسار لحل الصراع بين الإسرائيليين والفلسطينيين بشكل أساسي، والانتهاء من ملف ترسيم الحدود بين لبنان وإسرائيل، ووقف التصعيد".

ولا يرجح أن أيا من هذه التسويات قد تحصل "إذ لا تريد الأطراف السلام بشكل حقيقي، أكانت حماس أو حزب الله أو حتى إسرائيل، وهو ما تأكد خلال الأشهر الماضية، وعلى سبيل المثال، تريد حماس وقفا دائما لإطلاق النار، وتريد أن تحتفظ بحقها في المقاومة، والكل يريد التهدئة، ولكن بشرط أن يكون هو الرابح".

ويرى المحلل السياسي، لورانس أن ما سيحصل "التوصل إلى تسويات وصفقات جزئية، بصرف النظر عن طموحات واشنطن بتسوية شاملة للصراعات في الشرق الأوسط، رغم جهودها في محاولة تحقيق اتفاقات سلام وتطبيع تشمل السعودية، التي قد تعني مسار أكبر للتطبيع مع الدول الإسلامية، ولكن بالنهاية الرياض لن تسير في هذا الأمر من دون الاعتراف بدولة فلسطينية".

وتأتي هذه الجهود الدبلوماسية في وقت واصل فيه الجيش الإسرائيلي الأربعاء قصفه "الواسع النطاق" للبنان ولا سيما لجنوب هذا البلد وشرقه، معقلي حزب الله، في اليوم الثالث من الضربات الجوية المكثفة التي دفعت أكثر من 90 ألف لبناني على النزوح، وفق الأمم المتحدة.

وأعلن الجيش الاسرائيلي أنه قصف أكثر من ألفي هدف لحزب الله في لبنان في الأيام الثلاثة الاخيرة، من ضمنها مئات الأهداف الأربعاء.

وخلفت الضربات الإسرائيلية الأولى في لبنان الاثنين 558 قتيلا وأكثر من 1800 جريح، بحسب السلطات اللبنانية، وهي أكبر حصيلة تسجل في يوم واحد منذ انتهاء الحرب الأهلية (1975 - 1990).

والأربعاء، قتل 72 شخصا وأصيب حوالي 400 آخرين بجروح في أنحاء لبنان وفق السلطات، فيما طاولت الغارات أيضا بلدتين تقعان خارج معاقل حزب الله، إحداهما هي المعيصرة في كسروان شمال بيروت.

وفي المجموع أوقعت الضربات الإسرائيلية 1247 قتيلا في لبنان منذ أكتوبر، غالبيتهم من المدنيين، وفق السلطات اللبنانية.

حزب الله والسلاح الفلسطيني

لبنان يتغير.

سقط النظام السوري. خسر حزب الله حربا جديدة مع إسرائيل. والدولة تبدو جادة في سحب سلاح الحزب.

لكن يظل سلاح آخر، سلاح التنظيمات الفلسطينية في لبنان، وهو أقدم من سلاح حزب الله، وربما يكون ورقة يستخدمها الحزب في مستقبل صراعاته داخل الحدود، وخارجها، وفق محللين.

نظام سقط وجيش تحرك

بعد سقوط نظام بشار الأسد وراء الحدود، في سوريا الجارة، شن الجيش اللبناني ما سماها عملية "إجهاز" على كل المراكز المسلحة خارج المخيمات الفلسطينية، في قوسايا والسلطان يعقوب وحشمش في البقاع شرق لبنان، وهي مراكز كان يدعمها نظام الأسد.

وأعلن الرئيس اللبناني جوزاف عون أن الجيش تسلم ستة مواقع فلسطينية وضبط ما فيها من أسلحة ومعدات.

لجنة الحوار اللبناني الفلسطيني أعلنت، من جانبها، خلو لبنان من أي سلاح فلسطيني خارج المخيمات.

لكن، ماذا عن السلاح داخل المخيمات؟

موقف الحكومة واضح. البيان الوزاري الصادر في السابع عشر من أبريل أكد التزامها ببسط سيادة الدولة على جميع أراضيها "بقواها الذاتية حصراً".

لكن المحلل السياسي اللبناني علي الأمين يقول لـ"الحرة" إن السلاح وإن كان سحب بالفعل من قوات فلسطينية في المناطق اللبنانية كلها، لكن تظل هناك أسلحة في مراكز لحركتي حماس والجهاد الإسلامي في مناطق تابعة لنفوذ حزب الله خصوصاً في ضاحية بيروت الجنوبية.

ويتحدث الأمين عن خلايا لحماس والجهاد الإسلامي "تحت حصانة وإدارة حزب الله ولا تزال موجودة حتى اليوم وتعمل بغطاء من الحزب وتحت إدراته". لكن الأسلحة الموجودة في هذه المراكز من النوعية المتوسطة مثل صواريخ 107 وصواريخ كاتيوشا وبعض المسيرات.

تاريخ إشكالي

منذ عقود، وملف السلاح الفلسطيني له دور محوري في توازنات لبنان، داخليا بين أقطابه السياسية، وخارجيا في علاقاته مع الإقليم.

اتفاق القاهرة الموقع عام 1969 سمح للفلسطينين بالتسلح ضمن المخيمات، والعمل عسكريا ضد إسرائيل انطلاقاً من الأراضي اللبنانية.

بعد سنوات قليلة، عام 1975، كان الاتفاق فتيلة أخرى أدت لانفجار الحرب الأهلية.

وفي يونيو 1987، وقع الرئيس اللبناني أمين الجميل، قانوناً يلغي اتفاق القاهرة مع منظمة التحرير، بعدما صوت البرلمان اللبناني على إلغائه.

لكن ظل السلاح الفلسطيني موجوداً. وخاض فلسطينيون معارك ضد جهات لبنانية وغير لبنانية. لكن دوره في المعارك مع إسرائيل ظل محدودا بعد ما استأثر بها حزب الله منذ بداية الثمانينات.

يعيش في لبنان، حسب تقرير للدولية للمعلومات، حوالي 300 ألف لاجئ فلسطيني، يتوزعون على 12 مخيما، أكبرها مخيم عين الحلوة (50 ألف نسمة) قرب صيدا، جنوب لبنان.

وتنشط عسكريا في لبنان حركة "فتح"، أقدم الحركات الفلسطينية، ولرئيسها محمود عباس موقف معلن يؤيد تسليم السلاح الموجود داخل المخيمات للدولة اللبنانية ضمن خطة أمنية واضحة وضمانات لحماية المخيمات.

تنشط كذلك حركة "حماس"، وهي حليفة لحزب الله، وتعرض عدد من قياداتها لاستهداف إسرائيلي في لبنان منذ اندلاع حرب غزة، أبرزهم صالح العاروري، الذي اغتالته إسرائيل في ضربة بالضاحية الجنوبية لبيروت في الثاني من يناير عام 2024، وحسن فرحات الذي اغتيل في الرابع من أبريل 2025 في صيدا.

وفي لبنان أيضا، نشطت "الجبهة الشعبية– القيادة العامة"، وهو فصيل احتفظ بمواقع عسكرية في البقاع بدعم سوري.

وينشط أيضا تنظيمان سلفيان هما "عصبة الأنصار" و"جند الشام"، ويتركزان في مخيم عين الحلوة ويُعدان من بين الأكثر تطرفاً.

كذلك، في السنوات الأخيرة، ظهرت تنظيمات عصابية مسلحة في غير مخيم تنشط في تجارة المخدرات وغيرها من الأنشطة الإجرامية.

"خرطوشة أخيرة"

تقدر مصادر أن 90 في المئة من السلاح في المخيمات هو سلاح فردي، لكن بعض المخازن تحتوي على ذخيرة من الصواريخ.

وتتولى لجان فلسطينية أمن المخيمات.

وتؤكد مصادر فلسطينية أن الجيش يسيطر بشكل كامل على مداخل هذه المخيمات ومخارجها في المناطق اللبنانية كافة، لكن لا سيطرة فعلية له بعد داخل هذه المخيمات.

يقول المحلل السياسي علي الأمين إن السلاح الموجود داخل المخيمات أو المراكز الأمنية القليلة المتبقية خارجه مرتبط بشكل كبير بسلاح حزب الله.

يضيف "الفصائل الفلسطينية الأساسية والرئيس الفلسطيني محمود عباس لا مانع لديهم من تسليم السلاح الموجود داخل المخيمات"، لكن حزب الله والأحزاب الموالية له ترفض تسليم هذه الأسلحة للتمسك بورقة ضغط على الحكومة اللبنانية واستعمالها كـ"خرطوشة أخيرة قبل الاستسلام".

ويرى الأمين أن سحب السلاح من المخيمات مرتبط بشكل وثيق بسلاح حزب الله وأن الأخير يقوم بإدارة ومراقبة هذا السلاح خصوصاً التابع لحركتي حماس والجهاد الإسلامي الموجود داخل المخيمات وخارجها كون الحزب كان المصدر الأساسي لهذه الأسلحة في مرحلة سابقة.

شمال الليطاني

حصر السلاح بيد الدولة اللبنانية لم يعد مطلبا دوليا فقط.

على وقع قرارات دولية (1701 و1559)، وبالتزامن مع إعادة طرح قانون بايجر 6 في الكونغرس مرة ثانية في مارس 2025، أعلن الجيش اللبناني أنه ضبط منطقة جنوب الليطاني، وسيطر على أكثر من 500 هدف ونقطة كانت تابعة لـ "حزب الله".

واليوم تتجه الأنظار إلى شمال الليطاني والخطوة التالية التي ستتخذ لضبط السلاح، كل السلاح، في لبنان.