عائلات لبنانية في مدرسة في بيروت تأوي نازحين فروا من الغارات الإسرائيلية
السلطات اللبنانية سارعت إلى تحويل عدد من المدارس الرسمية إلى مراكز إيواء مؤقتة

يثير دوام مدارس خاصة جدلا في لبنان.

المدارس، تحول كثير منها إلى مراكز إيواء للنازحين. والطلاب والمعلمون، نازحون.

لكن مدارس خاصة أعلنت  أنها تستعد لاستئناف الدوام الاثنين، كمؤشر "على الصمود".

أم هو مؤشر على "أن البلد منقسم"؟ يتساءل تربويون.

انقسام

رئيسة رابطة الأساتذة المتعاقدين في التعليم الأساسي الرسمي، الدكتورة نسرين شاهين، تقول إن الأوضاع الأمنية فرضت "وقف العام الدراسي وتأجيله إلى أجل غير مسمى في المدارس الرسمية وبعض المدارس الخاصة".

وأجبر التصعيد العسكري بين حزب الله وإسرائيل مئات الآلاف من سكان بلدات الجنوب والبقاع على النزوح نحو مناطق أكثر أمناً بعيدا عن معاقل حزب الله، في موجة نزوح بدأت الاثنين وما زالت تضرب لبنان.

بعض النازحين استأجر منازل، لن آخرين لم يجدوا سوى مراكز الإيواء، وكثير منها مدارس.

تقول شاهين لموقع "الحرة"، إن "بعض المدارس الخاصة، رغم الأزمة، قررت الاستمرار في التعليم وكأنها غير معنية بما يعانيه آلاف الطلاب الذين فقدوا أماكن سكنهم".

وهذه الخطوة "تعكس انعدام المساواة في التعامل مع الأزمة، وتثبت أن لبنان يعيش نوعاً من الفيدرالية غير المعترف بها في مجالات التعليم والصحة وغيرها". 

وتشكو شاهين من أن "استمرار التعليم في بعض المدارس الخاصة يزيد من حدة الانقسام الاجتماعي في البلاد".

"في كوكب آخر"

وبلغ عدد النازحين المسجلين رسمياً في مراكز الإيواء 70,100 نازح، موزعين على 533 مركزاً، حسبما أعلن وزير الداخلية والبلديات في حكومة تصريف الأعمال، بسام مولوي، الخميس، عقب اجتماع تنسيقي مع المحافظين.

هو واقع لا تواكبه إدارات بعض المدارس الخاصة، تقول رئيسة اتحاد لجان الأهل في المدارس الخاصة، لمى الطويل. وتضيف أنهم " يعيشون في كوكب آخر".

وتقول لموقع "الحرة" إن القيّمين على بعض المدارس الخاصة "يصرون على استئناف التعليم بصورة طبيعية"، في ظل أن ٧٠٪ من الطلاب يقيمون في مناطق تتعرض للقصف، وفق ما تقول.

وكانت الأمانة العامة للمدارس الكاثوليكية في لبنان، طلبت الأربعاء، من مديري المدارس والهيئات الإدارية والتربوية البدء بالإعداد الإداري والتربوي اعتباراً من الخميس، تمهيداً لاستئناف محتمل للدروس بدءاً من الاثنين المقبل، بعد التشاور مع وزير التربية.

ترد الطويل بأن قرار بدء العام الدراسي "يجب أن يصدر عن وزير التربية ويفرض على المدارس الخاصة بدلاً من أن يترك لها الخيار، وبالحد الأدنى أن تغلق أبوابها لمدة عشرة أيام حتى تتضح معالم الأوضاع".

الإنترنت؟

الأمانة العامة للمدارس الكاثوليكية قالت في بيان، إن التعليم حين يستأنف سيكون إما حضورياً، أو بشكل مدمج، أو افتراضياً بالكامل، وفق ما يراه مدير المدرسة أو مديرتها مناسباً، مع مراعاة ظروف كل مدرسة والتنسيق الكامل مع المدارس في المنطقة الواحدة.

البنية اللوجستية في لبنان ضعيفة، تقول الطويل، والإنترنت متقطع. والتعليم عن بعد يجب أن يكون خيارا أخيرا ومع "مراعاة ظروف الأهالي".

وتتساءل: "كيف يمكن للطلاب النازحين في مراكز الإيواء أن يتابعوا دراستهم عن بعد، في ظل غياب الاستقرار والبنية التحتية اللازمة؟".

صمود

الأمانة العامة للمدارس الكاثوليكية اعتبرت أن "فتح المدارس هو من علامات الصمود الوطني الذي يعبّر عنه من خلال القيام بالواجب التربوي".

وقالت إنها تتضامن مع الأهالي النازحين "وفق آليات تعمل على إعدادها بما فيها وضع ما يمكن من تجهيزات تربوية في خدمتهم".

وفي اتصال أجراه موقع "الحرة" مع الأمين العام للمدارس الكاثوليكية في لبنان، الأب يوسف نصر، أكد السعي "لتأمين التعليم ليس فقط لتلاميذ المدارس الكاثوليكية، بل أيضاً للتلاميذ النازحين الذين لهم الحق أيضاً في التعلم".

وقال "لا يكفي أن يُؤمن للتلاميذ مأوى، فهؤلاء لديهم أيضاً متطلبات حياتية، ومن الضروري كذلك توفير الدعم النفسي والإنساني لهم"، مشيراً إلى أن "مدارسنا منفتحة على روح التضامن مع كل تلميذ يدق بابنا وكل من يحتاج إلى مساعدة".

الراتب!

وأعلن وزير التربية عباس الحلبي تعليق الدروس إلى الاثنين في 7 أكتوبر، على أن تبقى الاجتماعات والتواصل مفتوحا وأن يتم تقييم الوضع ليبنى على أساسه قرار جديد.

يذكر أن وزارة التربية اللبنانية كانت تواجه تحديات كبيرة في إطلاق العام الدراسي الجديد، قبل التصعيد العسكري بين حزب الله وإسرائيل، من أبرزها تأمين مستحقات المعلمين.

 ولا تزال رواتب المعلمين في لبنان محسوبة على سعر صرف 1500 ليرة للدولار، حيث يدفع للأساتذة 150 ألف ليرة فقط مقابل ساعة التدريس، في حين يطالب الأساتذة بزيادة في رواتبهم مدرجة ضمن أساس الراتب لضمان عيش كريم لهم ولعائلاتهم.

Palestinians look at the destruction after an Israeli airstrike on a crowded tent camp housing Palestinians displaced by the…
تقول الأمم المتحدة إن العالم يشهد حالياً أعلى مستويات الصراع العنيف منذ 30 عامًا على الأقل

انتهى الصيف، وعاد التلاميذ إلى مدارسهم، إلا في غزة، وجزئيا في لبنان وإسرائيل.

في غزة، ومع دخول الحرب عامها الثاني، برزت مبادرات أهلية تطوعية لتعويض الأطفال عن خسارتهم خلال الحرب المستمرة منذ السابع من أكتوبر الماضي.

عمدت فعاليات إلى نصب خيم دراسية تحاكي الصفوف المدرسية العادية، لكن بنوع مختلف من التحديات، إلا أنها تبقى فسحة الأمل الوحيدة للعديد من العائلات في القطاع.

أما في الشمال الإسرائيلي، فأصبحت الدراسة عن بُعد الخيار البديل لتفادي ضياع سنة دراسية كاملة بسبب ظروف الحرب.

وفي لبنان، تحولت مئات المدارس إلى مراكز إيواء لاستقبال العائلات النازحة من الجنوب مع إيقاف النشاط المدرسي إثر التطورات الأخيرة بين إسرائيل وحزب الله.

تقول الأمم المتحدة إن العالم يشهد حاليا أعلى مستويات الصراع العنيف منذ 30 عاما على الأقل، وبفعل ذلك، يحرم نحو 702 مليون طفل حول العالم من حق التعليم، وأطفال الشرق الأوسط هم الأكثر تضررا، وفقا لبرنامج "اليوم" الذي تبثه قناة الحرة.

وخلال الفترة التي أعقبت هجوم مسلحي حركة حماس على إسرائيل، ورد الأخيرة بهجوم جوي وبري مستمر على غزة، حُرم الأطفال من حق التعليم، لولا بعض المبادرات التي حاولت إعادة الطلاب في القطاع إلى صفوف الدراسة داخل خيم تعطي الانطباع بأن المدرسة لا تزال قائمة بالنسبة لهؤلاء التلاميذ.

85 % من المرافق التعليمية في غزة خارج الخدمة

تقول المعلمة الفلسطينية من قطاع غزة، إسراء أبو مصطفى: "قمنا بهذه المبادرة لإكمال المسيرة التعليمية في خيم" وذلك لانعدام أماكن التدريس المعتادة "حيث تم قصف المدارس".

ووفقا لوزارة التعليم في قطاع غزة التي تديرها حماس، أصبح 85 في المئة من المرافق التعليمية في القطاع خارج الخدمة.

ويحذر العاملون في المجال الإنساني من أن الحرمان المطوّل من التعليم يهدد بإلحاق أضرار طويلة الأمد بأطفال غزة.

في هذا الصدد، أبدى أطفال في غزة تحدثوا لبرنامج "اليوم" رغبتهم في العودة إلى مقاعد الدراسة في مدارس بمواصفات طبيعية حتى يتمكنوا من التحصيل مثلهم مثل أطفال العالم.

قالت إحدى الفتيات في غزة وهي تتحدث داخل خيمة دراسية: "أتمنى أن تكون لدينا طاولات وكراسي وقرطاسية وحقائب" وتابعت: "بتمنى يصير الطلاب يروحو ويجو زي المدرسة بالضبط".

وأكد تقرير لمنظمة التعليم العالمية أن أكثر من 90 في المئة من المدارس في غزة تضررت بفعل الحرب. وحرمت الحرب نحو 625 ألف طفل في سن الدراسة في غزة من عام دراسي كامل، حسب تقرير لمنظمة "يونيسيف"، والتي كشفت أيضا، في سبتمبر الماضي، أن نحو 45 ألف طالب في الصف الأول غير قادرين على بدء العام الدراسي الجديد في قطاع غزة.

أكثر من 16 ألف طالب إسرائيلي تأثروا بسبب الصراع

وقالت وزارة التربية والتعليم الفلسطينية إن أكثر من 10 آلاف طالب قُتلوا خلال العام الماضي نتيجة الهجمات الإسرائيلية، كما ذهب أكثر من 400 معلم ومعلمة ضحية للحرب.

وقالت وزارة التعليم الإسرائيلية إن "استمرار إطلاق النار من جانب حزب الله وعلى مدى عدة كيلومترات داخل الأراضي الإسرائيلية" أدى إلى إصدار أمر الإخلاء اللاحق لهذه المناطق، ما أثر على أكثر من 16 ألف طالب إسرائيلي، بينما توجهت أغلبية المدارس للتدريس عن بُعد "حتى إشعار آخر".

في هذا الصدد، قال وزير التعليم الإسرائيلي، يوآف كيش: "إذا كانت هناك حرب واسعة النطاق في الشمال مع حزب الله فسوف يتعين علينا تغيير نظام التعليم"، ثم تابع: "إذا طالت الحرب، سيبقى خيار الدراسة عن بُعد فعالاً".

في غضون ذلك، يحاول الطلبة الإسرائيليون النازحون داخلياً التكيف مع هذا الوضع الاستثنائي قدر المستطاع.

تقول إحدى الطالبات: "هذه ليست مدرستي، هذا ليس بيتي، الأمر مخيف حقاً.. أنا حزينة جداً لكنني أحاول أن أبقى إيجابية كل يوم".

ربع مليون.. هو عدد الطلبة النازحين في لبنان 

مع التطورات السياسية في لبنان، تعثّر انطلاق العام الدراسي بفعل موجات النزوح الكبيرة التي شهدتها البلدات الجنوبية، ما أدى إلى قرار إقفال المدارس الرسمية. يُذكر أن عدد الطلبة في لبنان يبلغ نحو مليون، بينما يصل عدد الطلبة النازحين إلى نحو ربع مليون.

في حين تستقبل 253 مدرسة في مختلف المناطق اللبنانية آلاف النازحين داخلياً، بحسب تصريحات رسمية.

الخبيرة في التعليم والمناهج، نادين جودي، قالت في حديث لبرنامج "اليوم" إن قطاع التعليم مثل أي قطاع حيوي يتأثر بالحروب والأزمات.

وقالت: "بدأنا بتعليق الدروس ثم انتقلنا إلى توقيف الدروس، والآن نتحدث عن تمديد توقيف الدروس"، في إشارة إلى الوضع المتأزم لقطاع التعليم في زمن الحرب.

 الخبيرة ذاتها لفتت إلى قلة الاهتمام بالتعليم خلال الأزمات والحروب، وقالت: "لعله آخر شيء يُلتفتُ إليه خلال الحروب والأزمات، حيث ينصب أغلب الاهتمام على الحاجيات الأساسية مثل الأمن والمأكل والمشرب"، بينما يعد التعليم أحد القطاعات التي تُدمر في الحرب، وبالأخص البنية التحتية للتعليم.

وبالحديث عن البدائل، ركزت المتحدثة على ما يمكن للتكنولوجيا أن تتيحه، لكنها هنا أيضا لفتت إلى مجموع المشاكل التي تواجه لبنان في هذا الخصوص.

وقالت: "نحن نضع المواد التعليمية على منصات في الإنترنت ونسعى لتوفيرها لمن هو قادر على توفير الكهرباء والإنترنت".

المتحدثة أشارت إلى غياب الحلول لهذه الوضعية رغم أن وزير التربية والتعليم العالي اجتمع بالهيئة العليا لإدارة التعليم وممثلين عن منظمة "اليونسكو" و"اليونيسيف"، وخرجوا بخطة استجابة أصروا خلالها على وجوب التفكير في وضع خطة شاملة، وهو ما اعتبرته غير قابل للتحقيق، وقالت: "لا زلنا في مرحلة الحديث فقط، لا أحد طبق أي شيء فعلي على أرض الواقع".

جودي عادت لتشير إلى بعض المبادرات التي قامت بها مدارس خاصة، حيث وضعت الدروس على مجموعات محادثة في تطبيق "واتساب" وفق قولها "حتى تشجع الأطفال على البقاء مشغولين بالدروس بدلا من سماع الأخبار".

إلى ذلك شددت على أن فتح المدارس لن يكون متاحا الآن لأن أغلبها أصبحت ملاجئ للنازحين.

وقالت: "في عدد من البلدان العربية، تحولت أماكن التعليم إلى ملاجئ للنازحين"، ثم كشفت أن بعض المعلمين والمعلمات لم يتسلموا رواتبهم، وهو ما قد يصعب أيضا من العملية التعليمية، "ليس هناك لا تحفيز اجتماعي، ولا أمل، ولا سلام، ولا تحفيز مالي" يساعد على تجاوز هذا الوضع، "رغم أن هناك مبادرة لدفع بعض الدفعات من الرواتب لأساتذة الجامعة اللبنانية"، مشيرة إلى أن لبنان لم يستعد لمثل حالات الطوارئ التي يعيشها الآن.