على الرغم من الإعلان عن مقترح لوقف إطلاق النار الدائر بين إسرائيل وحزب الله، تتواصل الضربات الإسرائيلية داخل الأراضي اللبنانية، فيما تستمر الجماعة المدعومة من إيران في إطلاق المسيرات والصواريخ عبر الحدود.
ومع التحذيرات المستمرة من احتمالية توسع رقعة الصراع ليتحول إلى حرب شاملة، خرج البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية، ليعلن في بيان، الخميس، أن الأحداث المتصاعدة في الشرق الأوسط ستفاقم الأزمة السياسية والاقتصادية في لبنان، وتضر بدول مثل الأردن ومصر.
ورأى محللون في حديثهم مع موقع "الحرة"، أن اتساع رقعة الصراع مسألة تنذر "بانهيار اقتصادي شامل" في لبنان، إلى جانب تأثير قوي على الاقتصاد في مصر والأردن، الذي يعاني بالفعل من أزمات متتالية.
وتتواصل الضربات الإسرائيلية على مناطق في لبنان، مما أسفر عن سقوط مئات القتلى ونزوح ما يقارب 200 ألف شخص، وفق تقديرات حكومية.
وتقول إسرائيل إنها تستهدف "مناطق يتواجد فيها حزب الله" (المصنف إرهابيا في الولايات المتحدة ودول أخرى)، ودعت عدة مرات اللبنانيين إلى الابتعاد عن المناطق التي "يخبئ فيها حزب الله الأسلحة والصواريخ".
اقتصاد يعاني بالأساس
وقالت الأكاديمية والباحثة في الاقتصاد السياسي والعلاقات الدولية، زينة منصور، في تصريحات لموقع "الحرة"، إن "أكثر الدول تضررا من الحرب والتصعيد، هي دول الطوق المحاذية لإسرائيل وعلى حدودها الجغرافية، على المستويين الاقتصادي والجيوسياسي".
وأضافت أن تلك الدول ستتأثر بسبب "ما تعانيه بالأساس من أزمات داخلية، مثل ارتفاع الدين العام، والانكماش الاقتصادي، وحالة التضخم التي تعصف بالاقتصاد العالمي وتنعكس على الاقتصادات المحلية، قبل أن تظهر الحرب أيضًا التي اندلعت قبل نحو عام".
والأربعاء، قال صندوق النقد الدولي إنه يراقب تأثير الصراع المتصاعد بين إسرائيل وحزب الله على لبنان، الذي يعاني من خسائر بشرية وتدمير في البنية الأساسية، مضيفا أنه من السابق لأوانه تقييم التأثيرات الاقتصادية.
وقال متحدث باسم صندوق النقد في بيان نقلته رويترز: "نراقب بقلق بالغ تصعيد الصراع في المنطقة. الصراع الحالي يشهد خسائر بشرية فادحة ويلحق الضرر بالبنية الأساسية المادية في جنوب لبنان، ويؤدي إلى تفاقم الوضع الاقتصادي الكلي والاجتماعي الهش بالفعل في لبنان".
من جانبه، أشار الخبير في الاقتصاد والطاقة، عامر الشوبكي، إلى أن مصر والأردن ولبنان كانت "الأكثر تأثرا بالحرب" التي اندلعت منذ السابع من أكتوبر في قطاع غزة.
وأضاف الخبير الأردني، أن مصر "تأثرت كثيرا في قطاع السياحة، وتراجعت إيرادات قناة السويس، فيما تراجعت إيرادات السياحة في الأردن أيضًا بنسبة تصل إلى 70 بالمئة".
تفاقم الخسائر
وفي مايو الماضي، كشفت تقديرات برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، أن إجمالي الانخفاض في إيرادات قطاع السياحة وقناة السويس خلال العامين الماليين 2023-2024 و2024-2025، سيصل إلى ما يعادل 3.7 مليار دولار.
كما أشارت التقديرات إلى أنه حال توسع الحرب أو تصعيد حدتها، يمكن أن تصل الخسائر إلى 13.7 مليار دولار.
ورأى أستاذ الاقتصاد السياسي، عبد النبي عبد المطلب، أن مصر والأردن "من الدول التي تمتلك معدلات نمو معقولة واستقرارا، وأثرت عليها الحرب بشكل كبير".
وأضاف في حديثه لموقع "الحرة"، أن مصر على سبيل المثال "كانت تسعى إلى إطلاق مشروعات عملاقة، مثل تصدير الغاز إلى أوروبا، وتأثرت بفعل الحرب، وستتأثر أكثر حال اتساع رقعتها".
وبدورها، نوهت منصور بأن "الاقتصاد في مصر يعاني بالفعل، ويواجه تحديات صعبة لها تأثيرها على سعر الصرف والتضخم والنمو وسعر الصرف، وكذلك الأردن".
وكانت وكالة "فيتش" الدولية للتصنيف الائتماني قد ذكرت، الشهر الماضي، أن المخاطر الجيوسياسية في الشرق الأوسط ستؤثر على النمو الاقتصادي الأردني في 2024، وفق ما نقلته قناة "المملكة" المحلية.
وتوقع تقرير الوكالة الدولية، أن يبلغ نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي في الأردن 2.2 بالمئة في 2024، بانخفاض من 2.6 بالمئة عام 2023.
وتباطأ النمو الاقتصادي في الأردن إلى 2.0 بالمئة على أساس سنوي في الربع الأول من عام 2024، مقارنة بـ 2.3 بالمئة في الربع الرابع من عام 2023.
أما عن لبنان، فقالت منصور إن الحرب "لها آثار مضاعفة، حيث دخل لبنان عامه الخامس من أسوأ أزمة نقدية اقتصادية في تاريخه".
ماذا لو اندلعت حرب شاملة؟
أصدرت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وعدد من الدول الغربية والعربية، الأربعاء، بيانا مشتركا دعا إلى وقف مؤقت لإطلاق النار بين إسرائيل وحزب الله، في محاولة لمنع توسع الصراع إلى حرب واسعة.
وجاء في البيان أن "الدبلوماسية لا يمكن أن تنجح وسط تصعيد النزاع، وبالتالي فإننا ندعو إلى وقف فوري لإطلاق النار لمدة 21 يوما عبر الحدود اللبنانية الإسرائيلية، لإفساح المجال أمام الدبلوماسية لإبرام تسوية".
كما دعا "جميع الأطراف، بمن فيهم حكومتا إسرائيل ولبنان، إلى تأييد وقف إطلاق النار المؤقت على الفور بما يتفق مع قرار مجلس الأمن الدولي الرقم 1701 وتطبيق قرار مجلس الأمن الدولي الرقم 2735 المتعلق بوقف لإطلاق النار في غزة".
وخرج رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتانياهو، ليعلن عبر بيان لمكتبه، أنه لم "يرد على المقترح الأميركي الفرنسي"، مشيرًا إلى أنه "أصدر تعليماته للجيش بمواصلة القتال بكامل قوته".
والجمعة، ذكر مكتب نتانياهو في بيان، أن المسؤولين الإسرائيليين والأميركيين، اجتمعوا، الخميس، لمناقشة مقترح وقف إطلاق النار في لبنان الذي توسطت فيه واشنطن وباريس، وأن المحادثات ستستمر في الأيام المقبلة.
وأضاف البيان: "في وقت سابق من هذا الأسبوع، شاركت الولايات المتحدة مع إسرائيل نيتها في طرح اقتراح لوقف إطلاق النار في لبنان، مع شركاء دوليين وإقليميين آخرين"، موردا أن "إسرائيل تشارك أهداف المبادرة التي تقودها الولايات المتحدة، لتمكين الناس على طول حدودنا الشمالية من العودة بأمان إلى منازلهم".
وفي ظل مخاوف من فشل مقترح الهدنة، قال عبد المطلب إن "تصعيد الحرب سيهدد الملاحة بشكل أكبر، وما يقوم به الحوثيون في اليمن، كان رسالة تخويف إلى كل الأطراف بأن المرور في البحر الأحمر سيكون مخاطرة".
وتابع: "في ظل اتساع الحرب قد يتسع نطاق التهديد للسفن.. وليست للإسرائيلية أو التي تتعاون معها فحسب، ففي الحرب لا يوجد تمييز".
ويشن المتمردون الحوثيون في اليمن المدعومون من إيران، هجمات على سفن الشحن في البحر الأحمر، التي يقولون إنها إسرائيلية أو متجهة إلى إسرائيل، وذلك دعما لحركة حماس في قطاع غزة. لكن الكثير من السفن التي استهدفها الحوثيون لا علاقة لها بإسرائيل.
"تبعات على العالم بأكمله"
أما الشوبكي فقال للحرة، إن "مجرد استمرار الحرب بين إسرائيل وحزب الله سيحمل عواقب وخيمة على اقتصاد لبنان الذي يعاني بشدة بالفعل، وربما يتجه نحو انهيار كامل".
وتابع أنه حال توسع الصراع، و"دخول إيران على سبيل المثال كطرف مباشر، فإن ذلك سيفتح الباب أمام تبعات اقتصادية أوسع، تشمل العالم بأكمله وليس المنطقة فقط، حيث سيكون هناك تهديد بإغلاق مضيق هرمز الحيوي لحركة النفط والغاز، مما سيرفع أسعارهما إلى قيم غير مسبوقة".
ويقع مضيق هرمز بين إيران وسلطنة عمان، وهو عرضة لمخاطر خصوصاً بسبب ضيق عرضه البالغ نحو 50 كيلومترا، وعمقه الذي لا يتجاوز 60 متراً.
ويُعد المضيق إلى حد بعيد طريق الشحن الرئيسي الذي يربط الدول الغنية بالنفط في الشرق الأوسط، بأسواق آسيا وأوروبا وأميركا الشمالية، وفق فرانس برس.
وفي عام 2022، عبر المضيق نحو 21 مليون برميل من النفط الخام يوميًا، وفقًا لوكالة الطاقة الأميركية، مما يمثل نحو 20 بالمئة من الاستهلاك العالمي للنفط السائل.
ولفت عبد المطلب إلى أنه حال توسع رقعة الحرب، ستكون هناك "مخاطر فيما يتعلق بعمليات التجارة الدولية والمدفوعات الدولية، مثل زيادة تكاليف الشحن والتوزيع نحو تلك الدول المتأثرة بالحرب".
وتابع في حديثه للحرة: "سيكون هناك تشديد مالي ونقدي كبير جدا على الأموال التي تخرج من المنطقة، خوفا من أن تكون متجهة نحو أعمال إرهابية أو معادية لأطراف دولية ما، وبالتالي ستعيق انسيابية حركة الأموال".
وبدورها، حذرت منصور من أن "توسع الحرب ينذر بانهيار اقتصادي شامل في لبنان".