حطام جراء انفجار بيروت
آثار الدمار جراء الغارات الإسرائيلية في لبنان

أكد رئيس وزراء لبنان الأسبق، فؤاد السنيورة، في مقابلة مع قناة "الحرة" الأحد، أن التصعيد العسكري الإسرائيلي مع حزب الله لن يؤدي إلى النتائج المرجوة، خصوصا فيما يتعلق بعودة السكان الإسرائيليين النازحين إلى قراهم وبلداتهم في المناطق الشمالية.

واستمرت الهجمات الجوية الإسرائيلية العنيفة على عشرات الأهداف التابعة لحزب الله اللبناني في أنحاء لبنان، مما زاد من حالة عدم الاستقرار ودفع مئات الآلاف إلى النزوح.

وأكد السنيورة أن التصعيد العسكري، سواء كان عبر الهجمات الجوية أو تلويح إسرائيل بعملية برية، ليس الحل الأمثل لتحقيق الاستقرار المنشود، مشيرا إلى ضرورة تبني نهج دبلوماسي يرتكز على تطبيق قرار مجلس الأمن رقم 1701.

"غرق في الوحول"

يرى السنيورة أن إسرائيل، رغم نجاحها في إلحاق أضرار كبيرة بحزب الله وإحداث خسائر بشرية ومادية كبيرة في لبنان، قد تكون "تتجه نحو الغرق في الوحول"، على حد تعبيره.

وأشار إلى أن التصعيد المتواصل قد يؤدي إلى نتائج عكسية. وقال: "ما يعتقدون أنهم أنجزوه قد يتحول إلى عكسه ربما"، داعيا إسرائيل إلى إعادة النظر في سياستها.

وأسفرت الحملة الإسرائيلية عن مقتل الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله ومجموعة من كبار قيادييها مما كشف عن ثغرات أمنية قاتلة.

ويناقش وزير الدفاع الإسرائيلي حاليا احتمال توسيع الحملة العسكرية في لبنان.

وبعد مقتل نصر الله في ضربة جوية ضخمة على بيروت يوم الجمعة، أطلق حزب الله زخات جديدة من الصواريخ على إسرائيل بينما توعدت إيران بالثأر لمقتله.

ويرى السنيورة أن استمرار إسرائيل في استخدام القوة العسكرية لن يعيد السكان الإسرائيليين النازحين إلى الشمال، بل قد يزيد من تعقيد الوضع.

وحذر من أن الحل لا يكمن في التدمير والتصعيد، بل في التوصل إلى حل دبلوماسي وتطبيق قرار مجلس الأمن 1701، الذي كان قد تم اعتماده خلال فترة رئاسته للحكومة اللبنانية في عام 2006 بعد الحرب بين حزب الله وإسرائيل.

مسؤوليات الحكومة ومجلس النواب

وطالب السنيورة الحكومة اللبنانية بالتحرك العاجل على الصعيد الدولي للمطالبة بوقف إطلاق النار وتطبيق القرار بشكل كامل.

كما دعا إلى وحدة الصف اللبناني، مشيرا إلى أهمية انعقاد مجلس النواب اللبناني بشكل عاجل للتأكيد على موقف موحد ودعم تطبيق القرار 1701، بالإضافة إلى ضرورة انتخاب رئيس جديد للجمهورية لإعادة التوازن السياسي في البلاد.

تداعيات إنسانية وعسكرية

تأتي تصريحات السنيورة في وقت تشهد فيه لبنان تصعيدا عسكريا مكثفا من قبل إسرائيل، حيث شنت القوات الإسرائيلية هجمات جوية على مواقع تابعة لحزب الله في الضاحية الجنوبية لبيروت، وفي منطقة الكولا داخل حدود المدينة.

ووفقا لتقارير وزارة الصحة اللبنانية، أدت هذه الغارات إلى مقتل أكثر من ألف شخص وإصابة ستة آلاف آخرين، فيما فر مليون شخص من منازلهم، وهو ما يمثل خمس سكان لبنان.

وفي تقييمه للوضع الراهن، أشار السنيورة إلى أن حزب الله تكبد خسائر فادحة نتيجة الهجمات الإسرائيلية، بما في ذلك مقتل عدد من كبار قادة الحزب، بمن فيهم الأمين العام حسن نصرالله.

"نافذة أمل"

وفي سياق الدعوات الدولية لوقف التصعيد، أشار السنيورة إلى أن تصريح الرئيس الأميركي جو بايدن الذي دعا فيه إلى ضرورة وقف إطلاق النار في المنطقة قد يكون بمثابة "نافذة أمل للخروج من المأزق الراهن".

وحثت الولايات المتحدة على التوصل إلى حل دبلوماسي للصراع في لبنان، لكنها وجهت جيشها أيضا إلى تعزيز وجوده في المنطقة.

وردا على سؤال عما إذا كان من الممكن تفادي اندلاع حرب شاملة في الشرق الأوسط، قال الرئيس الأميركي جو بايدن "لا بد من ذلك". وأضاف أنه سيتحدث مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو.

وأوضح السنيورة أن "الجميع، بمن فيهم إسرائيل، وصلوا إلى مأزق مع استمرار العمليات العسكرية".

وقال: رغم أن إسرائيل قد تعتقد أنها حققت إنجازات عسكرية، فإن هذا الأمر لا يؤدي إلى أي نتيجة لعودة النازحين إلى قراهم"، مشيرا إلى أن الحل الحقيقي يكمن في العودة إلى طاولة المفاوضات والعمل على إيجاد حلول سياسية.

وتعهدت إسرائيل بمواصلة الهجمات حتى تضمن أمن مناطقها الشمالية، لكنها تجد نفسها في مواجهة تصاعد التوترات مع حلفاء إيران في المنطقة، بما في ذلك حزب الله.

وأشار السنيورة إلى أن هذا التصعيد لن يؤدي إلا إلى المزيد من التدمير والخسائر البشرية.

Israeli military force positions at Israel-Lebanon border
دبابة الإسرائيلية على الحدود مع لبنان

في ظل التصعيد المستمر في غزة، يواجه لبنان تحديات متزايدة على الصعيدين الأمني والسياسي، خاصة في ظل تأثيرات الحرب المباشرة على الحدود الجنوبية. 

ومع استمرار حزب الله في تعزيز وجوده العسكري في الجنوب، أصبح لبنان مهددًا بتداعيات هذه الحرب على استقراره الداخلي. 

فبينما تتصاعد العمليات العسكرية على الحدود، تزداد المخاوف من أن يصبح لبنان ساحة لـ"تصفية الحسابات الإقليمية". 

في هذا السياق، تزداد الضغوط على الحكومة اللبنانية لتتخذ موقفًا حاسمًا ضد أي تهديدات قد تمس استقرار البلاد، في وقت تبقى إسرائيل في موقف متشدد تجاه سلاح حزب الله ونشاطاته في المنطقة، مما يرفع احتمالية التصعيد في أي لحظة. 

كما أن الانقسامات الداخلية في لبنان تزيد من صعوبة اتخاذ موقف موحد تجاه الأوضاع المتدهورة. 

في ظل هذه الظروف، يواجه لبنان تحديًا حقيقيًا في الحفاظ على استقراره وتجنب الانزلاق إلى أزمات أكبر قد تهدد مستقبله السياسي والأمني.

سيناريو "حرب الإسناد"

أكد الصحافي والكاتب السياسي جوني منير أن استئناف الحرب في غزة لن يؤدي بالضرورة إلى تكرار سيناريو حرب الإسناد، لكنه يشير إلى دخول المنطقة مرحلة جديدة من العنف.

ورأى أن لبنان سيتأثر بشكل غير مباشر بهذه التطورات، خاصة من خلال ما يجري على المستوى الحدودي بين لبنان وسوريا، وتحديدًا في منطقتي الهرمل والقصير، حيث يبدو أن هناك توظيفًا سياسيًا للأحداث.

وشدد منير على أن الحرب في غزة ستُسهم في رفع مستوى الحذر في لبنان، خصوصًا في ظل التصعيد الإسرائيلي المستمر، حيث تعتبر إسرائيل بأن لبنان لم يلتزم بمتطلبات القرار 1701، وأن سلاح حزب الله لا يزال موجودًا في جنوب خط الليطاني. 

وأوضح أن ذلك يعني أن ملف الحرب لم يُقفل بعد، وأن وتيرة التوتر في لبنان سترتفع.

وأضاف منير أن احتمال اندلاع حرب مفتوحة على لبنان ليس مستبعدًا، لكنه في الوقت ذاته ليس مرجحًا بشكل كبير، لافتًا إلى أن المعطيات الميدانية لا تشير إلى حرب شاملة وواسعة، خاصة مع وجود اللجنة الخماسية في الجنوب، إلى جانب انتشار قوات الطوارئ الدولية والجيش اللبناني.

لكنه حذر من أن البديل عن الحرب المباشرة قد يكون تصعيدًا في وتيرة الاغتيالات، وهو سيناريو أخطر بكثير.

وأشار إلى أن إسرائيل "سبق أن هددت بتنفيذ عمليات اغتيال"، وهو ما بدأ بالفعل بالظهور في مناطق البقاع، مع احتمال تمدده إلى الضاحية الجنوبية لبيروت. 

واعتبر أن هذه العمليات تمثل وجهًا آخر للحرب، دون الحاجة إلى مواجهة عسكرية شاملة، لكنها قد تؤدي إلى نتائج مشابهة من حيث التأثير على الوضع الداخلي في لبنان.

وختم منير بالإشارة إلى أن حزب الله منشغل حاليًا بإعادة ترتيب وضعيته التنظيمية الداخلية وتركيبته العسكرية، في ظل التطورات المتسارعة على الجبهتين الجنوبية والحدودية مع سوريا.

خطر المواجهة الشاملة

من جانبه، يرى الصحافي والمحلل السياسي سيمون أبو فاضل أن لبنان لن يكون في قلب أي مواجهة شاملة، مشيرًا إلى أن التأثير المباشر لاستئناف الحرب في غزة على لبنان سيكون محدودًا، من ناحية تحريك الجبهات أو اندلاع مواجهة عسكرية واسعة.

وشدد على أن التطورات المتوقعة تتركز في استمرار إسرائيل بتوجيه ضرباتها في الجنوب اللبناني، وربما توسيع نطاق عملياتها، كما حدث مؤخرًا عندما دخلت إحدى البلدات اللبنانية، في سياق الضغط العسكري والسياسي الذي تمارسه إسرائيل.

وأضاف أبو فاضل أن أي تصعيد من الجانب اللبناني هو مرتبط بقرار إيراني، إلا أن حزب الله لم يعد في موقع يسمح له بخوض حرب جديدة على غرار المواجهات السابقة، نظرًا للظروف الداخلية والتوازنات الإقليمية، مما قد يدفعه إلى الاكتفاء ببعض التحركات المحدودة دون الدخول في معركة شاملة. 

وأوضح أن هذا السيناريو يبقى مستبعدًا إلى حد كبير في ظل إدارة ترامب، التي تسعى إلى ضبط الإيقاع الإقليمي، وهو ما يجعل لبنان حتى الآن بمنأى عن تداعيات مباشرة أو مواجهة كبرى قد تخلط الأوراق في الداخل. 

بينما يستمر الوضع في لبنان بالتأثر بالتطورات الإقليمية، تظل التحديات الأمنية والسياسية في الواجهة، مما يجعله عرضة لتداعيات غير مباشرة قد تؤثر على استقراره الداخلي.