عشرات الآلاف فروا من لبنان إلى سوريا هربا من الغارات الإسرائيلية المكثفة
عشرات الآلاف فروا من لبنان إلى سوريا هربا من الغارات الإسرائيلية المكثفة

أفاد مفوض الأمم المتحدة السامي لشؤون اللاجئين، فيليبو غراندي، الاثنين، بأن نحو مئة ألف شخص فروا من لبنان باتجاه سوريا هربا من  الغارات الإسرائيلية.

وقال غراندي في منشور على أكس "عدد الأشخاص الذين عبروا إلى سوريا من لبنان هربا من الغارات الإسرائيلية بلغ مئة ألف، والتدفق متواصل".

وأضاف أن بعض الفرق التابعة للمفوضية تتواجد في أربع نقاط عبور إلى جانب السلطات المحلية والهلال الأحمر السوري لدعم الوافدين الجدد.

وفي سياق متصل، أصيب سبعة مقاتلين موالين لطهران بجروح فجر الاثنين جراء غارة إسرائيلية استهدفت مبنى في ريف دمشق، قرب معبر حدودي مع لبنان، وفق ما أفاد المرصد السوري لحقوق الإنسان.

وقال المرصد "نفذ الطيران الحربي الإسرائيلي بعد منتصف ليل الأحد–الاثنين غارة جوية جديدة، استهدفت مبنى في محيط معبر جديدة يابوس الحدودي مع لبنان"، ما أسفر عن إصابة سبعة مقاتلين موالين لإيران خمسة منهم غير سوريين.

وكثفت إسرائيل في الأيام الأخيرة وتيرة استهدافها لنقاط قرب المعابر الحدودية بين لبنان وسوريا، إذ أعلن الجيش الإسرائيلي، الجمعة، أن مقاتلات قصفت "بنى تحتية عند الحدود السورية اللبنانية يستخدمها حزب الله لنقل وسائل قتالية من سوريا إلى لبنان". وقال إن الحزب استخدمها ضد مدنيين إسرائيليين.

وذكرت وكالة الأنباء السورية الرسمية (سانا) من جهتها عن مصدر عسكري، الجمعة، أن خمسة عسكريين سوريين قتلوا جراء القصف الإسرائيلي.

واستهدفت ضربة إسرائيلية، الخميس، معبر مطربا الذي يربط منطقة القصير السورية بمنطقة الهرمل اللبنانية، وأسفرت الضربة عن مقتل عسكري سوري، وفق المرصد.

ويشهد معبر جديدة يابوس، أكبر المعابر بين سوريا ولبنان، ازدحاما شديدا منذ أيام إثر تدفق عشرات آلاف اللاجئين السوريين واللبنانيين هربا من الغارات الإسرائيلية الكثيفة على لبنان.

وازدادت أعداد الفارين إلى سوريا عقب القصف المتكرر لضاحية بيروت الجنوبية، معقل حزب الله، وإعلان مقتل الأمين العام لحزب الله، حسن نصر الله، الجمعة.

وجاء القصف فجر الاثنين وفق المرصد بعد ساعات من "استهداف مسيرة إسرائيلية بصواريخ شديدة الانفجار فيلا" تابعة للفرقة الرابعة في جيش النظام السوري والتي يقودها، ماهر الأسد، شقيق الرئيس السوري، قرب بلدة يعفور القريبة من الحدود مع لبنان.

وبحسب المرصد، كانت قيادات من حزب الله اللبناني والحرس الثوري الإيراني تتردد إليها.

ومنذ بدء النزاع في سوريا عام 2011، شنت إسرائيل مئات الضربات الجوية في هذا البلد، مستهدفة مواقع لقوات النظام وأهدافا إيرانية وأخرى لحزب الله.

وتزايدت الضربات منذ بدء الحرب بين إسرائيل وحماس في قطاع غزة في السابع من أكتوبر، قبل أن تتراجع وتيرتها، منذ القصف الذي استهدف مبنى ملحقا بالسفارة الإيرانية في دمشق في أبريل، بحسب المرصد.

ونادرا ما تؤكد إسرائيل تنفيذ الضربات، لكنها تكرر تصديها لما تصفه بمحاولات إيران ترسيخ وجودها العسكري في سوريا.

ونقلت إسرائيل ثقلها العسكري في الأيام الأخيرة من غزة إلى لبنان الذي شهد هجمات إسرائيلية يومية على أهداف لحزب الله خصوصا، شملت اغتيال الأمين العام للحزب، حسن نصر الله.

وأعلنت وزارة الصحة اللبنانية مقتل 105 أشخاص وجرح 359 جراء الهجمات الاسرائيلية، الأحد.

وبعد عام تقريبا على بدء تبادل القصف عبر الحدود، بدأت إسرائيل غارات جوية مكثفة على أهداف بمناطق متفرقة في لبنان في 23 سبتمبر.

ويتبادل حزب الله وإسرائيل القصف عبر الحدود بشكل يومي منذ شنت حماس هجومها غير المسبوق على مواقع ومناطق إسرائيلية في السابع من أكتوبر وردت إسرائيل بعملية عسكرية متواصلة على قطاع غزة.

وقتل المئات وجرح الآلاف نتيجة الغارات الإسرائيلية المكثفة على مناطق متفرقة في لبنان، والتي تسببت بنزوح وتهجير مئات الآلاف.

وأعلن الجيش الإسرائيلي قبل نحو أسبوع أنه يواصل غاراته الجوية في لبنان وذلك في إطار عملية أسماها "سهام الشمال".

ويعلن حزب الله عن إطلاق صواريخ باتجاه مواقع إسرائيلية، وغالبا ما تعترض المنظومات الدفاعية معظمها.

العمالة السورية في لبنان

في بيروت والمدن اللبنانية عموما، من المعتاد رؤية عمال سوريين يتسلقون السقالات، أو يدفعون عربات خضار، أو يدخلون بوابة مصنع أو مطعم، أو يحرثون الحقول. هؤلاء ليسوا مجرد لاجئين هاربين من ويلات الحرب، إذ أصبحوا خلال السنوات القليلة الماضية العمود الفقري لقطاعات لبنانية واسعة.

لكن الآن، ومع إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب، الأسبوع الماضي، رفع العقوبات المفروضة على سوريا قد يتغير المشهد كليا. 

الحديث عن إعادة إعمار سوريا لم يعد حلما، بل ممكنا أقرب إلى التحقق، يفتح أبواب العودة أمام آلاف العمال السوريين الذين وجدوا في لبنان لسنوات ملاذا، وعملا لتوفير لقمة العيش.

هذا التحول لا يخص السوريين وحدهم. لبنان، الذي يواجه واحدة من أسوأ أزماته الاقتصادية، يقف على حافة تغير كبير في سوق العمل: كيف سيتعامل مع احتمال فقدان آلاف العمال؟

فراغ في الأفق؟

"رغم إعلان الرئيس الأميركي، سيستغرق تنفيذ القرار بعض الوقت"، يقول الدكتور بشارة الأسمر، رئيس الاتحاد العمالي العام في لبنان، في حديث إلى قناة "الحرة". "لكن هذا القرار يفتح الباب أمام تغييرات كبيرة في وضع العمال السوريين في لبنان".

ويشير الأسمر إلى أن وتيرة عودة السوريين إلى بلادهم قد تتسارع إذا تزامن رفع العقوبات مع بدء عملية إعادة الإعمار في سوريا لا سيما إذا شاركت دول الخليج والدول الغربية في العملية.

"العمال السوريون هم اليوم ركيزة أساسية في قطاعات البناء والزراعة، وإذا رحلوا، فإن الفجوة ستكون كبيرة".

وتكبد لبنان بسبب الحرب الأخيرة بين حزب الله وإسرائيل خسائر فادحة، إذ قُدرت كلفة الأضرار في قطاع السكن وحده بنحو 3 مليارات دولار، وفقا للبنك الدولي، بعد تدمير قرابة 100 ألف وحدة سكنية، معظمها في مناطق نفوذ حزب الله.

ومع سريان اتفاق وقف إطلاق النار، تصدر ملف إعادة الإعمار في لبنان الواجهة، لكن المجتمع الدولي وضع شرطا أساسيا: لا مساعدات من دون تنفيذ القرارات التي تنص على نزع سلاح حزب الله. وكانت الرسالة من الدول الغربية والعربية واحدة: المساعدات مرهونة بفرض الدولة سلطتها الكاملة على السلاح.

تداعيات في قطاع البناء.. وأكثر

يقول جميل طالب، رئيس نقابة عمال البناء في شمال لبنان، إن العمال السوريين يهيمنون على وظائف "البيتون، والقصارة، والتركيب"، وهي أعمال لا يقبل بها كثير من اللبنانيين بسبب قلة الأجور وظروف العمل القاسية. 

"إذا غادروا جميعا، سيكون لذلك تأثير كبير على القطاع،" يضيف في حديثه مع موقع "الحرة".

المفارقة، بحسب طالب، أن إعادة الإعمار في سوريا قد تدفع بعض العمال اللبنانيين أنفسهم إلى الهجرة نحو سوريا بحثا عن فرص أفضل، ما سيُفاقم أزمة العمالة محليا.

يقول الأسمر، من جهته، إنه التقى قبل يومين وفدا من الاتحاد العام للعمال السوريين، بحضور عدد من رجال الأعمال اللبنانيين الذين يعتمدون على اليد العاملة السورية، وتطرق النقاش إلى إمكانية التعاون بين الشركات اللبنانية والسورية خلال المرحلة المقبلة.

ولكن "لا شيء ملموسا بعد، وعلينا الانتظار لمعرفة الاتجاهات،" يقول الأسمر، "لكن لا شك أن إعادة الاعمار في سوريا تسرّع عودة السوريين غير المرتبطين بأعمال دائمة وورش مستمرة في لبنان".

ويرى الخبير الاقتصادي، البروفيسور جاسم عجاقة، أن التحدي أكبر من قضية عمالة. "إذا انطلقت الاستثمارات في سوريا، لا سيما في قطاعات النفط والبنية التحتية والإسكان، فسوف تجذب رؤوس الأموال والعمال معا". 

ويضيف أن "تقديم المفوضية العليا لشؤون اللاجئين مساعدات للسوريين في بلادهم قد يشجع مزيدا منهم على العودة".

ويحذر عجاقة من أن لبنان، المعتمد بشكل كبير على العمالة السورية في قطاعات الزراعة والبناء والصناعة، قد يواجه نقصا حادا إذا ما غادر السوريون فجأة.

شمع أحمر

خلال  السنوات الماضية، شنت السلطات اللبنانية حملات صارمة على العمال السوريين غير النظاميين، بهدف الحد من وجودهم في سوق العمل، ودفعهم إلى العودة. وشملت هذه الحملات مداهمات، وتوقيفات، وحتى إقفال مؤسسات بالشمع الأحمر.

وبحسب الوكالة الوطنية للإعلام حينها، فإن الإجراءات شملت "ملاحقة مخالفات الإقامة والعمل، من خلال الكشف على المحال التي يملكها أو يديرها سوريون للتحقق من أوضاعهم القانونية، والتأكد من وجود كفيل لبناني." كما تم التحقق من تسجيلهم في المفوضية، التي تحظر عليهم العمل قانونيا.

وأثارت هذه الحملات جدلا واسعا في لبنان. فبينما رأى فيها البعض خطوة ضرورية لحماية العمال اللبنانيين، اعتبرها آخرون قاسية ومجحفة بحق اللاجئين السوريين.

الأسمر أوضح أن تلك الإجراءات جاءت نتيجة الاحتكاك الكبير بين العمال اللبنانيين والسوريين. "في كثير من الحالات، حلّ السوريون محل اللبنانيين، وحتى أصبحوا يديرون بعض المؤسسات، ما خلق توترا واضحا".

ودعا طالب، من جانبه، إلى إنهاء ما سماه "منافسة اليد العاملة الأجنبية"، وطالب بإدراج عمال البناء في الضمان الاجتماعي وتطبيق قانون العمل عليهم.

هل يخسر لبنان دوره التاريخي؟

في العمق، هناك قلق يتجاوز العمالة: هل يفقد لبنان دوره الاستراتيجي كبوابة اقتصادية إلى الخليج؟ 

يجيب عجاقة بحذر: "رفع العقوبات عن سوريا قد يعود بفائدة على لبنان على المدى الطويل، لكن في المدى القريب، قد يتراجع دوره الاقتصادي والاستراتيجي إذا لم ينفذ الإصلاحات المطلوبة منه".

وأعرب الأسمر عن أمله في أن تثمر زيارات المسؤولين اللبنانيين إلى دول الخليج والدول الغربية في الحصول على دعم مالي للبنان، لكنه أشار إلى أن "التركيز يبدو حاليا على إعادة الإعمار في سوريا".

بين رحيل العمالة وغياب الإصلاحات، يقف لبنان عند مفترق طرق اقتصادي حاسم. والسؤال هو: هل سيتكيّف مع المتغيرات أم يترك زمام الأمور للأقدار؟