استعدادات إسرائيلية لهجوم بري وشيك
استعدادات إسرائيلية لهجوم بري وشيك

كشفت مصادر عدة أن إسرائيل ربما تقدم على عملية برية محدودة داخل لبنان في إطار تحركاتها العسكرية ضد حزب الله.

وأكد مسؤول أميركي لشبكة "سي بي أس نيوز"، الاثنين، أن إسرائيل أخطرت الولايات المتحدة أنها تنوي شن عملية برية محدودة داخل لبنان. وقال المسؤول إنها قد تبدأ خلال ساعات.

وقال مسؤول أميركي لصحيفة واشنطن بوست إن إسرائيل أبلغت واشنطن بأنها تخطط لعملية برية محدودة في لبنان، قد تبدأ في وقت قريب، وستكون أصغر مما كانت عليه في حربها ضد حزب الله في عام 2006.

وستركز الخطة "على تطهير البنية التحتية لحزب الله على طول الحدود" لإزالة التهديد الذي يشكله للمدن في شمال إسرائيل.

والاثنين، شنت القوات الإسرائيلية غارات محدودة على لبنان، وفقا لما ذكره مصدر إسرائيلي مطلع على العملية للصحيفة.

وكانت صحيفة وول ستريت جورنال ذكرت، في وقت سابق، نقلا عن مصادر، أن قوات إسرائيلية خاصة دخلت إلى أنفاق لحزب الله على الحدود مع لبنان.

وقالت إن هدف هذه القوات هو جمع معلومات استخباراتية من داخل الأراضي اللبنانية، واستكشاف قدرات حزب الله، تمهيدا لعملية برية إسرائيلية وشيكة.

في غضون ذلك، ذكرت صحيفة نيويورك تايمز أن مسؤولين أميركيين يعتقدون أنهم أقنعوا إسرائيل بعدم شن هجوم بري كبير في جنوب لبنان.

وتم التوصل إلى هذا التفاهم، وفق الصحيفة، بعد محادثات مكثفة جرت خلال عطلة نهاية الأسبوع.

وتشير الصحيفة إلى أن المسؤولين الأميركيين كانوا رصدوا إشارات على استعدادات إسرائيلية لشن عملية برية كبيرة في جنوب لبنان، وأنها باتت وشكية.

وبعد المناقشات مع الإسرائيليين، قال المسؤولون إنهم يعتقدون أن إسرائيل باتت تخطط فقط لشن "غارات صغيرة ومستهدفة" في جنوب لبنان.

وهذا الأمر أيضا أكدته شبكة "سي أن أن" التي نقلت عن مسؤول أميركي إن الولايات المتحدة تعتقد أن إسرائيل قد تتوغل بشكل محدود قريبا في جنوب لبنان، وذلك بعد مناقشات جرت بين البلدين.

وذكرت الشبكة أن التوغل البري المحدود سوف يستهدف البنية التحتية لحزب الله قرب الحدود مع إسرائيل.

ووفقا لمسؤولين أميركيين ومصدرين مطلعين على الأمر، نفذت القوات الخاصة الإسرائيلية بالفعل غارات صغيرة داخل الأراضي اللبنانية، الأيام الماضية، ضمن الاستعدادات لهجوم بري محتمل.

ويفترض أن تنسحب القوات الإسرائيلية بعد هذه العمليات.

وقال المسؤول الأميركي لشبكة "سي أن أن" إن هناك اعتقادا أميركيا بأن العملية "لن تشبه حرب 2006 التي استمرت 34 يوما، بل نسخة مخففة بشكل كبير منها ومما كان مخططا له مسبقا".

وأشار المصدر إلى قلق أميركي من أن يتحول هذا التوغل المحدود إلى عملية أكبر على المدى البعيد، وهذه المخاوف كانت أيضا مثار مناقشات بالفعل مع الجانب الإسرائيلي.

وقال الرئيس الأميركي، جو بايدن، الاثنين، لدى سؤاله عن احتمالات حدوث توغل بري إسرائيلي في جنوب لبنان: "يجب وقف إطلاق النار الآن".

وفي غضون ذلك، قال وزير الدفاع الإسرائيلي، يوآف غالانت، في حديث مع رؤساء المجالس في البلدات الحدودية الشمالية، إن "المرحلة التالية في الحرب ضد حزب الله ستبدأ قريبا. ستكون عاملاً مهماً في تغيير الوضع الأمني وستسمح لنا باستكمال الجزء المهم من أهداف الحرب، وهو إعادة السكان إلى منازلهم، والعملية التي تجري الآن هي في الواقع جزء من تنفيذ هذا الأمر".

وأضاف الوزير وفق ما نقله مراسل الحرة: "هكذا يبدو نقل مركز الثقل: القضاء على نصر الله، القضاء على الصواريخ، استهداف مسؤولين كبار، وهذا يعتمد على نجاحات استخباراتية وعملياتية مثيرة للإعجاب".

وكان غالانت قال في وقت سابق إن "القضاء على نصر الله خطوة مهمة، لكنها ليست النهاية. لإعادة سكان الشمال بأمان إلى منازلهم، سنقوم بتفعيل كل قدراتنا، بما في ذلك أنتم".

من جانب آخر، قال نائب الأمين العام لحزب الله، نعيم قاسم، في أول خطاب علني له منذ أن اغتالت إسرائيل الأمين العام، حسن نصرالله، يوم الجمعة الماضي، إن الجماعة مستعدة لمواجهة أي غزو بري إسرائيلي للبنان.

وأكدت وزارة الخارجية الإيرانية، الاثنين، أن طهران لن ترسل مسلحين إلى لبنان وغزة لمواجهة إسرائيل.

وحذرت الولايات المتحدة إيران من أنه إذا هاجمت إسرائيل بشكل مباشر خلال الأيام المقبلة، فإن الرد الإسرائيلي هذه المرة سيكون أكثر شدة واتساعا مما كان في شهر أبريل، وفق ما نقله "مراسل الحرة" في تل أبيب.

العمالة السورية في لبنان

في بيروت والمدن اللبنانية عموما، من المعتاد رؤية عمال سوريين يتسلقون السقالات، أو يدفعون عربات خضار، أو يدخلون بوابة مصنع أو مطعم، أو يحرثون الحقول. هؤلاء ليسوا مجرد لاجئين هاربين من ويلات الحرب، إذ أصبحوا خلال السنوات القليلة الماضية العمود الفقري لقطاعات لبنانية واسعة.

لكن الآن، ومع إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب، الأسبوع الماضي، رفع العقوبات المفروضة على سوريا قد يتغير المشهد كليا. 

الحديث عن إعادة إعمار سوريا لم يعد حلما، بل ممكنا أقرب إلى التحقق، يفتح أبواب العودة أمام آلاف العمال السوريين الذين وجدوا في لبنان لسنوات ملاذا، وعملا لتوفير لقمة العيش.

هذا التحول لا يخص السوريين وحدهم. لبنان، الذي يواجه واحدة من أسوأ أزماته الاقتصادية، يقف على حافة تغير كبير في سوق العمل: كيف سيتعامل مع احتمال فقدان آلاف العمال؟

فراغ في الأفق؟

"رغم إعلان الرئيس الأميركي، سيستغرق تنفيذ القرار بعض الوقت"، يقول الدكتور بشارة الأسمر، رئيس الاتحاد العمالي العام في لبنان، في حديث إلى قناة "الحرة". "لكن هذا القرار يفتح الباب أمام تغييرات كبيرة في وضع العمال السوريين في لبنان".

ويشير الأسمر إلى أن وتيرة عودة السوريين إلى بلادهم قد تتسارع إذا تزامن رفع العقوبات مع بدء عملية إعادة الإعمار في سوريا لا سيما إذا شاركت دول الخليج والدول الغربية في العملية.

"العمال السوريون هم اليوم ركيزة أساسية في قطاعات البناء والزراعة، وإذا رحلوا، فإن الفجوة ستكون كبيرة".

وتكبد لبنان بسبب الحرب الأخيرة بين حزب الله وإسرائيل خسائر فادحة، إذ قُدرت كلفة الأضرار في قطاع السكن وحده بنحو 3 مليارات دولار، وفقا للبنك الدولي، بعد تدمير قرابة 100 ألف وحدة سكنية، معظمها في مناطق نفوذ حزب الله.

ومع سريان اتفاق وقف إطلاق النار، تصدر ملف إعادة الإعمار في لبنان الواجهة، لكن المجتمع الدولي وضع شرطا أساسيا: لا مساعدات من دون تنفيذ القرارات التي تنص على نزع سلاح حزب الله. وكانت الرسالة من الدول الغربية والعربية واحدة: المساعدات مرهونة بفرض الدولة سلطتها الكاملة على السلاح.

تداعيات في قطاع البناء.. وأكثر

يقول جميل طالب، رئيس نقابة عمال البناء في شمال لبنان، إن العمال السوريين يهيمنون على وظائف "البيتون، والقصارة، والتركيب"، وهي أعمال لا يقبل بها كثير من اللبنانيين بسبب قلة الأجور وظروف العمل القاسية. 

"إذا غادروا جميعا، سيكون لذلك تأثير كبير على القطاع،" يضيف في حديثه مع موقع "الحرة".

المفارقة، بحسب طالب، أن إعادة الإعمار في سوريا قد تدفع بعض العمال اللبنانيين أنفسهم إلى الهجرة نحو سوريا بحثا عن فرص أفضل، ما سيُفاقم أزمة العمالة محليا.

يقول الأسمر، من جهته، إنه التقى قبل يومين وفدا من الاتحاد العام للعمال السوريين، بحضور عدد من رجال الأعمال اللبنانيين الذين يعتمدون على اليد العاملة السورية، وتطرق النقاش إلى إمكانية التعاون بين الشركات اللبنانية والسورية خلال المرحلة المقبلة.

ولكن "لا شيء ملموسا بعد، وعلينا الانتظار لمعرفة الاتجاهات،" يقول الأسمر، "لكن لا شك أن إعادة الاعمار في سوريا تسرّع عودة السوريين غير المرتبطين بأعمال دائمة وورش مستمرة في لبنان".

ويرى الخبير الاقتصادي، البروفيسور جاسم عجاقة، أن التحدي أكبر من قضية عمالة. "إذا انطلقت الاستثمارات في سوريا، لا سيما في قطاعات النفط والبنية التحتية والإسكان، فسوف تجذب رؤوس الأموال والعمال معا". 

ويضيف أن "تقديم المفوضية العليا لشؤون اللاجئين مساعدات للسوريين في بلادهم قد يشجع مزيدا منهم على العودة".

ويحذر عجاقة من أن لبنان، المعتمد بشكل كبير على العمالة السورية في قطاعات الزراعة والبناء والصناعة، قد يواجه نقصا حادا إذا ما غادر السوريون فجأة.

شمع أحمر

خلال  السنوات الماضية، شنت السلطات اللبنانية حملات صارمة على العمال السوريين غير النظاميين، بهدف الحد من وجودهم في سوق العمل، ودفعهم إلى العودة. وشملت هذه الحملات مداهمات، وتوقيفات، وحتى إقفال مؤسسات بالشمع الأحمر.

وبحسب الوكالة الوطنية للإعلام حينها، فإن الإجراءات شملت "ملاحقة مخالفات الإقامة والعمل، من خلال الكشف على المحال التي يملكها أو يديرها سوريون للتحقق من أوضاعهم القانونية، والتأكد من وجود كفيل لبناني." كما تم التحقق من تسجيلهم في المفوضية، التي تحظر عليهم العمل قانونيا.

وأثارت هذه الحملات جدلا واسعا في لبنان. فبينما رأى فيها البعض خطوة ضرورية لحماية العمال اللبنانيين، اعتبرها آخرون قاسية ومجحفة بحق اللاجئين السوريين.

الأسمر أوضح أن تلك الإجراءات جاءت نتيجة الاحتكاك الكبير بين العمال اللبنانيين والسوريين. "في كثير من الحالات، حلّ السوريون محل اللبنانيين، وحتى أصبحوا يديرون بعض المؤسسات، ما خلق توترا واضحا".

ودعا طالب، من جانبه، إلى إنهاء ما سماه "منافسة اليد العاملة الأجنبية"، وطالب بإدراج عمال البناء في الضمان الاجتماعي وتطبيق قانون العمل عليهم.

هل يخسر لبنان دوره التاريخي؟

في العمق، هناك قلق يتجاوز العمالة: هل يفقد لبنان دوره الاستراتيجي كبوابة اقتصادية إلى الخليج؟ 

يجيب عجاقة بحذر: "رفع العقوبات عن سوريا قد يعود بفائدة على لبنان على المدى الطويل، لكن في المدى القريب، قد يتراجع دوره الاقتصادي والاستراتيجي إذا لم ينفذ الإصلاحات المطلوبة منه".

وأعرب الأسمر عن أمله في أن تثمر زيارات المسؤولين اللبنانيين إلى دول الخليج والدول الغربية في الحصول على دعم مالي للبنان، لكنه أشار إلى أن "التركيز يبدو حاليا على إعادة الإعمار في سوريا".

بين رحيل العمالة وغياب الإصلاحات، يقف لبنان عند مفترق طرق اقتصادي حاسم. والسؤال هو: هل سيتكيّف مع المتغيرات أم يترك زمام الأمور للأقدار؟