A demonstrator holds a framed picture depicting (L to R) Iran's Supreme Leader Ali Khamenei; late Lebanese Hezbollah leader…
سليماني قتل قبل نصرالله بسنوات.

رغم سلسلة الضربات التي تعرض لها "حزب الله" في لبنان وآخرها مقتل أمينه العام حسن نصر الله، استبعدت إيران، الاثنين، وجود أي نية لها لإرسال مسلحين من أجل دعمه، كما قالت على لسان الناطق باسم وزارة خارجيتها، ناصر كنعاني إنه "ليس لديها أي قوات وكيلة في المنطقة".

ويستند الموقف الإيراني بعدم "إرسال قوات"، وفقا لكنعاني، على فكرة أن حكومتي لبنان وحماس "لديهما القدرة والقوة اللازمتين لمواجهة" إسرائيل، لكن وكما يوضح خبراء ومراقبون لموقع "الحرة" ترتبط الأسباب بأبعاد أكبر، تتصدرها "غرائز البقاء".

وقياسا بغيره من الوكلاء، لطالما وصفت تقارير غربية حزب الله بـ"درة التاج الإيرانية". ورغم أن لطهران أذرع أخرى في المنطقة، لم تصل إلى المرتبة التي وصل إليها الحزب اللبناني، وزعيمه حسن نصر الله، الذي اغتيل الجمعة بضربة إسرائيلية مع قادة كبار آخرين.

وتشير تصريحات المسؤولين الإسرائيليين في الوقت الحالي إلى أن حملتهم على وكيل إيران في المنطقة (حزب الله) ستتواصل، ومن المرجح أن تنعكس تفاصيلها الجديدة في المرحلة المقبلة بعمليات توغل بري.

وفي حين أن "حزب الله، المصنف منظمة إرهابية في الولايات المتحدة، يتوعد بصد المحطات الجديدة للحملة ضده، تثير النقطة التي تقف عندها طهران عدة تساؤلات لا ترتبط بأسباب استبعاد طهران نية إرسال مسلحين لدعمه فحسب، بل بالتقارير التي سلطت الضوء عليها وسائل إعلام غربية.

ونقلت مجلة "تايم" الأميركية، الاثنين عن مصدر وصفته بـ"المطلع"، أن إيران "تعمل على نقل آلاف المسلحين إلى المناطق الحدودية بين سوريا ولبنان".

وأضاف المصدر للمجلة، أنه "خلال الشهرين الماضيين غادر عدة آلاف من المسلحين العراق بالفعل إلى سوريا"، لافتا إلى أن ذلك يعني أن طهران "تستعد لتعزيز قوة الردع لديها".

وجاء ذلك بعد تقرير نشرته وكالة "بلومبرغ" أشارت فيه أيضا إلى أن إيران تحاول "نقل آلاف المقاتلين إلى المناطق الحدودية بين لبنان وسوريا".

"سببان وراء النأي بالنفس"

ويعتقد أرمان محموديان، وهو زميل باحث في معهد الأمن العالمي والقومي ومحاضر في جامعة جنوب فلوريدا، أن "إيران كانت تتجنب إرسال قوات للمشاركة المباشرة في الصراع بين إسرائيل وحزب الله لسببين رئيسيين".

ويشرح لموقع "الحرة" السبب الأول بقوله إنه "من المرجح أن تدرك إيران أن خوض صراع مباشر مع إسرائيل سوف يضطر الغرب، وخاصة الولايات المتحدة، إلى التدخل".

وهذا من شأنه أن يؤدي إلى صراع غير متكافئ إلى حد كبير، حيث لا تملك إيران سوى فرصة ضئيلة للنجاح، بحسب الباحث.

استخدام السلاح النووي قد يغير الكثير من الأمور . أرشيفية
ضربات تستهدف مواقعها النووية.. "تحذير غربي" لإيران
قالت صحيفة هآرتس الإسرائيلية إن الدول الغربية التي تتواصل مع إيران حذرتها من أن تدخلها في الحرب الدائرة بين إسرائيل وحزب الله قد يدفع إسرائيل إلى توجيه ضربات على مواقع استراتيجية داخل إيران، تشمل المنشآت ذات الصلة ببرنامجها النووي وصناعة النفط، بحسب ما قاله دبلوماسيان مطلعان للصحيفة.

ويضيف أن السبب الثاني يستند إلى عامل "الجبهة الداخلية لإيران".

وتدرك إيران تمام الإدراك هشاشة اقتصادها والاضطرابات الداخلية المستمرة، وفقا لمحموديان.

وعلى أساس ذلك يرى أن "الانخراط في حرب خارجية في ظل هذه الظروف أمر محفوف بالمخاطر، لأنه قد يؤدي إلى تفاقم حالة عدم الاستقرار في الداخل".

لكن وفي المقابل، يقول الباحث في الشأن الإيراني، سعيد شارودي، إن حديث إيران عن عدم وجود نية لإرسال قوات لدعم "حزب الله" لا يعني "الانكفاء عن الحزب اللبناني ومحور المقاومة".

ويضيف لموقع "الحرة" أن الذي تعنيه إيران "هو وجود شعوب تتعرض لاحتلال إسرائيلي وقادرة على الوقوف ضده وضد الدول الداعمة لإسرائيل المتمثلة بالولايات المتحدة وبريطانيا".

وأسفرت حملة الضربات الإسرائيلية عن نزوح أكثر من مليون شخص داخل لبنان، وقسم منهم توجه إلى سوريا مع عشرات آلاف اللاجئين السوريين، فضلا عن مقتل المئات من الأشخاص.

وفي غضون ذلك، كانت إسرائيل تمكنت قبل اغتيال نصر الله وبعده من قتل قادة الصف الأول في "حزب الله"، وأبرزهم فؤاد شكر وإبراهيم عقيل.

"غرائز بقاء"

ويشير الباحث في العلاقات الدولية، محمود علوش، إلى وجود حالة "من عدم الاتساق في الموقف الإيراني حيال الحرب القائمة في جنوب لبنان".

ويربط علوش في حديثه لموقع "الحرة" هذه الحالة بعدة أسباب، أولها عدم وجود انسجام في الموقف بين المحافظين المتشددين داخل النظام في طهران وبين الإصلاحيين والتيار السياسي الذي يسعى للحد من تداعيات الحرب ومخاطرها على إيران.

ويذهب السبب الثاني باتجاه "قلق إيران من أن يؤدي المزيد من التورط العلني في الحرب إلى تشكيل تهديد وجودي ضدها".

ويعتقد الباحث  أن الإيرانيين "يحاولون النأي بأنفسهم قدر الإمكان".

ويرى من ناحية أخرى أن السبب الثالث وراء الموقف الإيراني السائد حاليا تجاه "حزب الله" قد يكون مرتبطا بمحاولة من جانب طهران لإرسال رسائل متضاربة بالنسبة لإسرائيل والولايات المتحدة، "من أجل رفع تكاليف الاندفاعة الإسرائيلية في لبنان على الطرفين".

ولا يستبعد الباحث محموديان وجود "بعض الخلاف داخل القيادة العليا الإيرانية حول كيفية التعامل مع الصراع الحالي بين حزب الله وإسرائيل".

لكنه يعتقد أن "أولئك الذين يدعون إلى التدخل المباشر ـ سواء عسكريا أو دبلوماسياـ يشكلون أقلية في الوقت الحالي".

و"نظرا لغرائز البقاء لدى الجمهورية الإسلامية" على حد تعبير الباحث فمن غير المرجح أن "تدفع نسبة كبيرة من قياداتها العسكرية أو الاستخباراتية أو الدبلوماسية إلى حرب مع إسرائيل من شأنها أن تهدد وجود النظام ذاته".

"في وضع صعب"

ومنذ بدء الحرب في غزة بعد هجوم السابع من أكتوبر الذي شنته حركة "حماس"، المصنفة إرهابية في الولايات المتحدة، لم يسجل لإيران أي انخراط مباشر في الحرب الدائرة والمستمرة حتى الآن.

ومع ذلك كانت قد سجّلت موقفا عندما أعلنت قصف إسرائيل بمسيرات وصواريخ، ردا على قصف سفاراتها في العاصمة السورية دمشق.

ورغم أن زعيم حماس السياسي قتل على أراضيها لم تنفذ أي رد حتى الآن، لكنها ما تزال تلوح به.

ويوضح الباحث علوش أن "إيران في وضع صعب للغاية وجميع الخيارات لديها تنطوي على مخاطر عالية".

وفي حين أنها لا تريد أن تتورط في الحرب لا تريد أيضا في المقابل أن ترى حزب الله يتعرض لتهديد وجودي.

ومن الواضح، بحسب رؤية علو،ش أن "أهداف الحرب الإسرائيلية في لبنان تتجاوز مسألة إعادة سكان المنطقة الشمالية وإزالة تهديد حزب الله إلى تكريس وضع جديد في الصراع مع الأخير".

ويعتقد الباحث أن "بنيامين نتانياهو (رئيس الوزراء الإسرائيلي) ينظر إلى هذه اللحظة على أنها فرصة ثمينة من أجل تقويض القدرة العسكرية لحزب الله لحد كبير أو التفكير بتدميره وتغيير الحالة السياسية في لبنان".

و"يتفق الجميع في إيران الآن على رفع مستوى الدعم لأبعد الحدود لحزب الله، بعد مقتل نصر الله. ويشمل ذلك الشق المالي والسياسي والعسكري والتكنولوجي"، بحسب قول الباحث الإيراني، شارودي.

ويتصور أن "هذا الدعم الذي ستقدمه إيران سيغير الكثير من المعادلات لصالح حزب الله، ويزيد الضعف الإسرائيلي".

"لن تتورط بشكل مباشر"

وحزب الله اللبناني ليس وكيل إيران في المنطقة فقط، بل هو "جزء من العقيدة الدفاعية الإيرانية"، حسبما يوضح الباحث في العلاقات الدولية علوش.

وبالتالي، يقول علوش إن "أي تغير عليه سيكون له انعكاسات كبيرة على إيران، على مستوى دورها في لبنان وحضورها في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي وحضورها في ديناميكيات السياسة الإقليمية، وعلى مستوى الأمن الإيراني المباشر والعقيدة الدفاعية الإيرانية".

ويستعبد الباحث أن تتورط إيران بشكل مباشر في الحرب.

ويعتقد أنه "ربما تراهن على حرب طويلة الأمد وقتال بري بين حزب الله وإسرائيل يؤدي إلى عدم تحقيق الأخيرة لأهدافها".

ومع ذلك، تجدر الإشارة إلى أن "الوضع القائم حاليا مرتفع المخاطر بالنسبة لطهران وحزب الله".

كما أن الحرب أبعد من معادلة إسرائيل والحزب اللبناني، وتأخذ الصبغة المتعلقة بتشكيل شرق أوسط جديد"، بحسب علوش وكما أعلن مؤخرا نتانياهو.

ومن جهته، يعتبر الباحث الإيراني شارودي أن "إسرائيل ليست الجهة التي ستشكل الشرق الأوسط الجديد، بل محور المقاومة"، حسب قوله.

ويوضح أن "الشيء الذي لا يمكن لإيران أن تتصوره هو أن يضعف حزب الله"، وأن "ما يتم سماعه على لسان المسؤولين الإيرانيين هو كلام دبلوماسي ولا يعكس الحقيقة القائمة في طهران".  

نجم بري يعود للبزوغ وهو في خريف عمره. أرشيفية
نجم بري يعود للبزوغ وهو في خريف عمره. أرشيفية

الصورة بالأبيض والأسود. مؤرخة في 30 أغسطس 1982. يبدو فيها نبيه بري، زعيم حركة "أمل"، إلى جانب وليد جنبلاط، زعيم الحزب التقدمي الإشتراكي وهما يودّعان ياسر عرفات، رئيس منظمة التحرير الفلسطينية قبل مغادرته بيروت مع المسلّحين الفلسطينيين إلى تونس، كتسوية تنهي حصار الجيش الإسرائيلي للعاصمة اللبنانية.

كانت تلك أيام تشابه هذه الأيام حيث يحتدم الصراع في لبنان مع تبدّل في الظروف وتغيّر في "أبطال" المرحلة. لكن بري، الذي تجاوز عمره اليوم 86 عاماً، كان حاضراً في الصور الأساسية، من الأبيض والأسود إلى الملونة، التي توثق تاريخ لبنان الحديث.

نبيه بري شخصية سياسية إشكالية يختلف اللبنانيون حولها. أرشيفية

تحول بري في رحلة سياسية مستمرة منذ أكثر من ستة عقود من زعيم ميليشيا مسلّحة إلى شخصية سياسية إشكالية يختلف اللبنانيون حولها، فيحمّله كثيرون جزءاً من مسؤولية الفساد والمحسوبيات واستغلال النفوذ في الدولة، وقد رفع لبنانيون في تظاهرات أكتوبر 2019 صوره كأحد المسؤولين عن الانهيار الاقتصادي، ثم لاحقته اتهامات بالتورط في التستر على المسؤولين عن تفجير مرفأ بيروت في الرابع من أغسطس 2020.

واليوم، في خريف عمره، تعود بقعة الضوء لتركّز على بري بعدما أفل نجم زعيم حزب الله، حسن نصرالله، باغتياله، بوصفه من القلة القادرين على الاهتمام بأحوال شيعة لبنان وإدارة مفاوضات وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحزب الله، بعد مقتل نصرالله.

البداية.. من أفريقيا

تعود بقعة الضوء لتركّز على نبيه بري بعدما أفل نجم زعيم حزب الله حسن نصرالله باغتياله

تبدو سيرة بري "وليدة الأعراف اللبنانية" كما يقول روبرت فيسك في كتابه "ويلات وطن". فهو ولد في عام 1938 في سيراليون، قبل خمس سنوات من نيل لبنان استقلاله. والده، وهو رجل أعمال ككثيرين غيره من المسلمين الشيعة في الجنوب، كوّن ثروته في أفريقيا.

عاد نبيه بري إلى لبنان باكراً، وخلال ارتياده الجامعة اللبنانية لدراسة الحقوق، بدأت مسيرته السياسية، وهو لم يبلغ بعد العشرين من عمره. وكان يحمل حينها أفكاراً بعثية، إلى أن التقى بالإمام موسى الصدر، وأصبح مُقرّباً منه.

يقول فيسك في وصف بري إنه "بالإضافة إلى تمثيله الشيعة في لبنان، فإنه ممن يتذوقون الحضارة الغربية، فيحب الألبسة الغربية الأنيقة ويفضّل السجائر الفرنسية وطريقة الحياة الأميركية".

وبعد خطف الإمام الصدر بظروف غامضة في ليبيا، في عام 1978، بدأ بري يشق طريقه في حركة المحرومين التي أسسها الصدر، ومع حلول عام 1980 كان قد صار رئيساً للحركة وقد اتخذت اسم "أفواج المقاومة اللبنانية" (أمل).

يكتب فيسك عن تلك المرحلة من صعود نجم بري: "في البداية كانت الصورة الوحيدة التي تظهر له في بيروت هي صورة عمرها سبع سنوات للمحامي الشاب وهو يصافح الإمام موسى الصدر. أما الآن فصار في الإمكان شراء شارات بري وملصقات بري وقمصان 'تي شيرت' بري حيث تظهر صورته التي تعكس تقدّمه في السن (كان حينها في الأربعينات من عمره)".

لعبت حركة "أمل" دوراً في قتال الجيش الإسرائيلي في المواجهات معه خلال اجتياحه لبنان في العام 1982، وهذا عزّز من دور بري في الطائفة الشيعية، في الوقت الذي كان حزب الله في طور التأسيس.

هنا تبرز مفارقة، يتحدث عنها آلان بيليغريني في كتابه "صيف من نار في لبنان"، وتكمن في أن حسن نصرالله، زعيم حزب الله، كان في شبابه مسؤولاً في حركة "أمل" في بلدته البازورية، وكان برّي رئيسه. وانشق نصرالله عن الحركة بعد انشقاق حسين الموسوي الذي أسس تنظيم "أمل الإسلامية"، قبل أن يصير عضواً في شورى "حزب الله".

وكان كلاهما، نصرالله والموسوي، بحسب بيليغريني، يأخذان على رئيسهما القديم، بري، تأييده للوساطة الأميركية ومشاركته في لجنة الإنقاذ الوطني التي أنشئت، في يونيو عام 1982، وضمت خصوصاً بشير الجميل ووليد جنبلاط.

لعب بري دوراً في إطلاق ما سمّي بـ"انتفاضة السادس من شباط" (فبراير) في العام 1984 ضد حكم الرئيس اللبناني، أمين الجميل، الذي انتخب رئيساً بعد اغتيال شقيقه بشير في عام 1982. وشيئاً فشيئا، أصبح بري، كما يقول فيسك "أقوى قائد من قادة الميليشيات ووزيراً للعدل في الحكومة اللبنانية، ووزيراً للجنوب اللبناني ووزيراً للمقاومة"، كما صار يصف نفسه. 

اتّكأ بري، كما يكتب غسان شربل في كتابه "لعنة القصر"، على "رصيده في حركة المحرومين وعلى رصيد الموقف المقاوم لإسرائيل وعلى علاقة ثابتة مع سوريا، خاض بري مرحلة الثمانينيات، فحارب وحورب وتعذر الانتصار عليه". وينقل شربل عن خصوم بري قولهم إن "تحالفاته حصّنته ضد الخسائر والهزائم".

سرعان ما اصطدم بري بحزب الله، الذي تحوّل إلى منافسه الأول على استقطاب شيعة لبنان. واتخذ هذا التنافس في مرحلته الأولى، كما يصفه بري في مقابلة أجراها معه شربل في كتابه، "طابع التشابك بالأيدي، ولأن السلاح موجود تطورت الخلافات وحصل ما حصل". يتابع بري: "في اعتقادي أن تلك المرحلة عانت من ذهنية من سيحلّ محل الآخر".

كان توجه حزب الله هو إبعاد "أمل" لاحتلال الموقع الذي تشغله، وكانت الحركة تدافع بمنطق "أنا سأبقى وحيدة في الساحة". في هذه الأجواء حصلت المعارك في الجنوب والبقاع والضاحية وفي كل مكان ينتشر فيه الطرفان".

بري يخلع بدلة الميليشيا ويدخل الدولة

رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري

بعد انتهاء الحرب انضوت ميليشيا "أمل" في الدولة، بعد تسليم سلاحها، وفي العام 1992 تولى بري رئاسة أول مجلس نواب بعد انتهاء الحرب الأهلية، بعد لعبه دوراً أساسياً في إقرار اتفاق الطائف الذي أوقف الحرب.

لكنه كان قد صار مدنياً بعد خلعه بدلة الميليشيات ودخوله في الدولة ومؤسساتها، فيما كانت التوازنات الإقليمية تسمح لحزب الله وحده أن يحتفظ بسلاحه ويتولى وحده قتال إسرائيل في جنوب لبنان، حتى انسحاب الجيش الإسرائيلي في عام 2000. 

حينها، بحسب غسان شربل، "أصبح أمين عام حزب الله، حسن نصرالله، صاحب الكلمة الأولى في الطائفة الشيعية في لبنان"، لكن ذلك لا يلغي، "بقاء بري حاجة لبنانية وسورية ودولية"، كما يشرح شربل، "وأظهر بري براعة في قراءة التوازنات والتوجّهات مكّنته من النجاة". 

بعد حرب يوليو عام 2006 بين حزب الله وإسرائيل، زادت شعبية نصرالله وصارت صوره طاغية على المشهد العام في الطائفة الشيعية. لكن مع ذلك، كان لبرّي أدوار دبلوماسية مهمة في المفاوضات وصياغة الاتفاق الذي أنهى الحرب التي دامت ٣٣ يوماً.

في السنوات اللاحقة بدأت أدوار بري بالتراجع وبات تأثيره محدوداً في الطائفة الشيعية، مع تضخّم حالة حزب الله، وتحوّله إلى لاعب إقليمي في الحرب السورية وفي أدوار أسندتها إليه إيران في الإقليم.

كما بدا لافتاً أن بري، الأب لتسعة أولاد، مع تقدّمه في العمر، لم يحضّر وريثاً له أسوة بمعظم الزعماء اللبنانيين.

في أول كلمة له كرئيس لأول مجلس نيابي بعد الحرب، في عام 1992، طالب بري بتنفيذ القرارات الدولية التي تدعو إلى إنهاء احتلال إسرائيل لجنوب لبنان (القرار 425) عبر نشر الجيش مدعوماً من قوات الطوارئ الدولية والتمسك باتفاقية الهدنة الموقعة بين لبنان وإسرائيل عام 1949.

كلامه هذا قبل ٣٢ عاماً يتلاقى مع دعواته اليوم إلى إنهاء الصراع بين إسرائيل ولبنان عبر جولات المفاوضات التي يقودها بتفويض من حزب الله، بعد مقتل أمينه العام ومعظم قياداته. كرّر بري كلاماً شبيهاً بكلامه في العام 1992، فطالب تطبيق القرار الدولي ١٧٠١ ونشر الجيش اللبناني مدعوماً من قوات اليونيفيل في منطقة جنوب نهر الليطاني.

من هذا الباب يعود نجم برّي للبزوغ، وهو في خريف عمره، مع فرصة لتزعّم شيعة لبنان في ظروف قاتمة شبيهة بصوره العتيقة بالأسود والأبيض.