مرحلة جديدة شهدها التصعيد بين حزب الله وإسرائيل، تمثلت بإعلان الجيش الإسرائيلي، فجر الثلاثاء، إطلاق عملية برية "محددة الهدف والدقة" ضد مواقع تابعة للحزب في جنوب لبنان، وذلك بناءً على توجيهات المستوى السياسي الإسرائيلي.
وبعد ساعات على إعلانه بدء العملية، طلب الجيش الإسرائيلي، الثلاثاء، من سكان جنوبي لبنان، إخلاء حوالي 30 قرية "فورا".
ويقول الجيش الإسرائيلي إن العملية تستهدف "البنى التحتية للحزب" التي "تشكل تهديداً فورياً وحقيقياً للبلدات الإسرائيلية في الشمال".
وفي المقابل، أعلن حزب الله، المصنف منظمة إرهابية في الولايات المتحدة، استهداف مواقع عسكرية وجنود إسرائيليين على الحدود بين البلدين.
وقبيل إطلاق الهجوم، ترددت أنباء عن انسحاب الجيش اللبناني من مراكزه الحدودية الجنوبية لمسافة عدة كيلومترات.
لكن قيادة الجيش اللبناني أوضحت، في بيان، أن الوحدات العسكرية المنتشرة في الجنوب تقوم بإعادة تموضع لبعض نقاط المراقبة الأمامية ضمن قطاعات المسؤولية المحددة لها، مشيرة إلى استمرار التعاون والتنسيق مع قوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان.
والسؤال المطروح الآن، حول موقف الجيش اللبناني من التطورات الجارية، وما إذا كان سينخرط في المعارك الدائرة على الحدود.
قدرة محدودة
ينتشر الجيش اللبناني في جنوب لبنان "بعدد يتراوح بين 4000 إلى 5000 عسكري"، وفق ما يقوله رئيس مركز الشرق الأوسط للدراسات والعلاقات العامة، العميد الركن المتقاعد هشام جابر، لافتاً إلى أن هناك "تنسيق مستمر بين قيادة الجيش اللبناني وحزب الله، وتعاون مع قوات اليونيفيل".
ويشدد جابر، في حديث لموقع "الحرة"، أن "الجيش اللبناني لا يستطيع التصدي لأي اجتياح بري بسبب نقص الإمكانيات، فهو يعاني من نقص حاد في التسليح، وخصوصاً أنه ممنوع من امتلاك مضادات الطائرات، مما يجعله مضطراً إلى مواجهة التحديات باللحم الحي، وقد فقد أحد جنوده في بلدة الوزاني يوم أمس الاثنين".
كذلك يؤكد الخبير العسكري اللبناني، العميد المتقاعد ناجي ملاعب، أن الجيش اللبناني يعاني "من نقص في العتاد والعتيد الكافي لمواجهة إسرائيل، ويواجه عقبات مادية ولوجستية، لكن رغم ذلك، فإنه في حال تعرض لأي تعدٍ على مواقع وجوده، سيرد، وهذه هي قدرته الحالية للتصدي للتحديات التي يمر بها لبنان".
يذكر أن لبنان احتل المركز 118 في تصنيف القوة العسكرية لعام 2024 وفقاً لمؤسسة "غلوبال فايرباور"، بينما جاءت إسرائيل في المرتبة 17، ويعتمد هذا التصنيف على عوامل متعددة، منها حجم المعدات العسكرية، والأموال المنفقة، والجغرافيا، والموارد المتاحة.
ويلفت ملاعب إلى أن الجيش اللبناني أعد "في العام 2000 خطة دفاعية لمواجهة أي محاولة توغل في لبنان، عُرفت بـ"خطة القتال التراجعي". وأوضح أن "هذه الخطة تعتمد على تأخير حركة العدو، مستغلة الطبيعة الجغرافية للبنان التي تتيح نصب الكمائن في المناطق الإجبارية لمرور الآليات العسكرية الإسرائيلية".
الهدف من هذه الاستراتيجية وفق ما يشرح ملاعب "هو استنزاف الجيش الإسرائيلي أثناء تقدمه، مما يتيح للسلطة السياسية اللبنانية التحرك والمطالبة بوقف إطلاق النار، إضافة إلى طلب الدعم الدولي عبر مجلس الأمن المعني في القضية نتيجة إرساله قوات طوارئ لحفظ السلام في جنوب لبنان".
ورغم أن الجيش اللبناني يعاني اليوم من تراجع في الإمكانيات نتيجة الأزمة المالية الحادة التي تضرب البلاد، فإن ملاعب ينفي صحة الأنباء المتداولة حول انسحاب عناصره من مواقعها على الحدود الجنوبية، موضحاً أن "6 جنود تم نقلهم من مواقع متقدمة إلى مركزهم الذي يتعاون مع قوات اليونيفيل، في مواجهة القذائف الإسرائيلية الثقيلة".
ونقلت صحيفة واشنطن بوست عن مسؤول أميركي لم تكشف عن هويته القول إن نطاق العملية سيكون أصغر من حرب إسرائيل على جماعة حزب الله في 2006، وستركز على أمن التجمعات السكنية على الحدود.
تأهب مستمر
وكان الجيش الإسرائيلي أبلغ اليونيفيل، يوم الاثنين، عن نيته القيام بعمليات توغل برية محدودة داخل الأراضي اللبنانية. وعلى الرغم من هذا التطور الخطير، أكدت اليونيفيل في بيان لها أن "قوات حفظ السلام لا تزال في مواقعها"، مشيرة إلى أنها تقوم بانتظام بتعديل أنشطتها، مؤكدة أن لديها خطط طوارئ جاهزة للتفعيل إذا اقتضت الحاجة.
كما أكد البيان أن "أي عبور إلى لبنان يشكل انتهاكاً لسيادته وسلامة أراضيه، ويخالف القرار 1701"، داعية جميع الأطراف إلى التراجع عن أي أعمال تصعيدية، محذرة من أن مثل هذه التحركات لن تؤدي إلا إلى تصاعد العنف وإراقة المزيد من الدماء.
وحتى إعداد التقرير، أكد الناطق باسم "اليونيفيل"، أنه "لم يتم رصد أي توغل" في جنوب لبنان.
ووفق ما يقوله ملاعب فإنه "لدى الجيش اللبناني أوامر دائمة بالبقاء في حالة تأهب لمواجهة أي غزو محتمل من قبل أي دولة، لكن السلطة السياسية الحالية المتمثلة بحكومة تصريف أعمال، لم تقم بدورها المطلوب في تكليف الجيش بمهامه بشكل واضح رغم أنها تتماهى مع مطالب حزب الله".
ويشير ملاعب إلى أن الحكومة اللبنانية تفضّل الاعتماد على الجهود الدبلوماسية، لوقف إطلاق النار وإعادة البحث في تطبيق القرار 1701، بدلاً من وضع الجيش في الواجهة، "وهو ما ظهر خلال زيارة الرئيس نجيب ميقاتي إلى نيويورك، التي أسفرت عن عرض أميركي-أوروبي-عربي لوقف إطلاق النار لمدة 21 يوماً، ما يعني أن الحكومة اللبنانية تسعى إلى حل الأمور دبلوماسياً".
ويرى ملاعب "ضرورة صدور قرار سياسي بإعلان حالة الطوارئ وتكليف الجيش اللبناني بنشر بيانات يطلع من خلالها اللبنانيين على آخر التطورات لا أن تترك الساحة للجماعات الأهلية أو الأحزاب الطائفية".
من جانبه، يشدد جابر على أنه "رغم التحديات سيبقى الجيش اللبناني مستمراً في أداء واجباته حتى آخر عسكري".
يذكر أنه في أعقاب بدء الجيش الإسرائيلي عملية برية ضد أهداف تابعة لحزب الله على الحدود بين البلدين، تسارعت الاستعدادات الدولية لإجلاء الرعايا من لبنان، حيث أعلنت بريطانيا وكندا وفرنسا، الاثنين، خطوات عاجلة لإجلاء رعاياها من لبنان وسط تصاعد التوترات في المنطقة.