ماذا ينتظر العام الدراسي في لبنان؟
ماذا ينتظر العام الدراسي في لبنان؟

لم يكن جو يتوقّع ألا يعود إلى المدرسة ذلك اليوم، لكنّ التصعيد بالحرب المستمرّة بين إسرائيل وحزب الله وتوسيع رقعتها لتطال الضاحية الجنوبية لبيروت منعه من ذلك.

حال جو مثل حال زملائه الذين ينتظرون العودة إلى المدرسة لمتابعة دروسهم في مناطق تعتبر بعيدة عن مناطق الاستهداف، لكنّ قرارًا لوزير التربية في حكومة تصريف الأعمال عباس الحلبي بالتوقّف عن التعليم في المدارس الرسميّة والخاصّة حال دون ذلك لغاية اليوم.

الحلبي أعلن "تعليق الدروس" حتى الاثنين المقبل 7 أكتوبر، لكن هناك مخاوف لدى ذوي الطلاب من تمديد هذا الإجراء حتى عودة الهدوء إلى مناطق الجنوب والبقاع والضاحية الجنوبيّة لمدينة بيروت، والتوصّل إلى وقف لإطلاق النار.

مطالب التعليم الخاصّ

مكوّنات العائلة التربويّة في المدارس الخاصّة عقدت أكثر من اجتماع مع الوزير الحلبي لبحث قضية العودة إلى التعليم، إما حضوريًا كما يصرّ معظم المسؤولين في إدارات المدارس الخاصة ونقابة المعلمين ولجان الأهل في المناطق الآمنة، أو عن بعد في حال تعذّرت العودة الحضوريّة إلى المدارس، بسبب الأحداث الأمنيّة والعسكريّة.

المحامية جسيكا فغالي الخوري، نائبة رئيس اتحاد لجان الأهل في مدارس جبيل وكسروان، وهما من الأقضية الآمنة في عمق جبل لبنان، شدّدت في حديث لموقع "الحرة" على أن "مصلحة أولادنا وبخاصّة في مناطق جبيل وكسروان تقتضي انطلاق العام الدراسي حضوريًا في المدارس مع الأخذ بعين الاعتبار الظروف الأمنية طبعًا، باعتبار أنّ تجربة التعليم من بعد لم تعطِ النتائج المطلوبة في السنوات الماضية، ومن غير المفيد بتاتًا تكرار هذه التجربة، لأنها ستكون كارثيّة على الطلاب".

واعتبرت أنّه "يمكن الأخذ بعين الاعتبار الوضع الأمني لكلّ مدرسة على حدة، مع ترك القرار لمدير المدرسة الخاصّة بتقدير الظرف واتّخاذ القرار المناسب".

من جهته، طالب رئيس نقابة المعلّمين في المدارس الخاصّة نعمه محفوض، عبر موقع "الحرة" بالعودة إلى التعليم الحضوري في المدارس التي لم تطلها الحرب الاثنين 7 أكتوبر، في حال لم يقع أي طارئ أمني يمنع ذلك، في المتن وبشري والبترون وعكار وغيرها من المناطق البعيدة من الحرب.

ودعا محفوض وزارة التربية إلى تخصيص المدارس الرسميّة، التي لم تستخدم بعد مراكز لإيواء النازحين، من أجل تعليم أبناء النازحين بدوام مسائي، وأيضًا إلى التنسيق مع القطاع الخاص لاعتماد بعض المدارس الخاصة أيضًا من أجل الهدف نفسه، وبهذا الشكل يكون القطاع الخاص متضامنًا مع القطاع الرسمي من أجل تعليم أبناء النازحين والانطلاق بالعام الدراسي.

وأضاف محفوض أنّه يمكن أيضًا اعتماد التعليم المدمج بين التعليم الحضوري والتعليم من بعد، حيث يمكن للمعلّم في الصفّ أن يتواصل مع الطلاب الذين لم يستطيعوا الحضور إلى المدرسة، عبر تقنية الإنترنت.

الموقف نفسه عبّر عنه لموقع "الحرة" أيضًا المنسّق العام لاتّحاد المؤسّسات التربويّة الخاصة، الأمين العام للمدارس الكاثوليكيّة، الأب يوسف نصر الذي شدّد على أولويّة انطلاق العام الدراسي ولو بأشكال مختلفة وفق الظروف المتوافرة في كلّ منطقة، إما عبر التعليم الحضوري أو عبر التعليم المدمج أو عبر التعليم من بعد.

وتابع أنّ "التعليم من بعد ليس من أولوياتنا في هذه الفترة وتشوبه عيوب كثيرة، لكنّه يبقى أحد الحلول المطروحة في المناطق التي لا تسمح فيها الظروف بحضور الطلاب إلى المدرسة، وهو كان الوسيلة المعتمدة العام الماضي في مدارس المناطق الحدوديّة حيث تعذّر حضور الطلاب إلى المدارس."

وشدد الأب نصر على الحاجة إلى الاستقرار الأمني و"أنّ المدرسة لا تهتم فقط بالناحية التعليميّة للطلاب، إنما تعنى بتأمين الأجواء النفسيّة الملائمة لهم وبخاصّة في هذه الظروف الصعبة، وذلك من خلال برامج خاصّة توفّر لهم البيئة التربويّة المناسبة."

وأكّد أنّ "هناك مسؤولية على المدارس الخاصة تجاه 55 ألف أستاذ يعملون في القطاع الخاص لا يمكن تركهم من دون ما يكفيهم لتأمين أدنى حدود مقومات العيش الكريم، خصوصًا أنّ المدارس الخاصة ليس لديها فائض مالي لدفع الرواتب والأجور في حال لم تفتح أبوابها في الفترة المقبلة."

وأكّد أنّ "القطاع التربوي من القطاعات الأساسيّة الحيويّة، واستمرارها أمر ضروري وحيوي كالقطاعات الأخرى التي تستمرّ بالعمل في المناطق البعيدة من الحرب".

وختم أننا "ننتظر خطة متكاملة وشاملة من وزارة التربية لاستيعاب أبناء النازحين، ونحن سنضع إمكانات المدارس الخاصة بتصرّف المدرسة الرسمية لكي لا يكون هناك أي تفاوت أو تمييز أو تفرقة، ولكن في الوقت نفسه يجب دعم القطاع التربوي وتخصيص جزء من المساعدات التي تصل إلى الهيئات والجمعيات لدعم هذا القطاع لأن التعليم حاجة أساسية كسائر القطاعات الأخرى".

موقف معاكس للقطاع الرسمي

من جهتها، تعارض روابط الأساتذة في القطاع الرسمي قرار العودة إلى التعليم بجميع أساليبه سواء كان عبر التعليم الحضوري أو التعليم من بعد، مطالبة باحترام مشاعر الأساتذة والطلاب في المناطق التي تعيش ظروف الحرب، خاصّة في الجنوب، مؤكّدة رفضها رفضًا قاطعًا لجوء القطاع الخاص إلى التعليم في مناطق محدّدة فيما باقي الطلاب من الرسمي والخاص في مناطق الحرب قد "أصبحوا في الشارع".

وفي حديث لموقع "الحرة" أكّد رئيس رابطة التعليم الأساسي حسين جواد أنّ "جميع المدارس الرسمية تحوّلت إلى مراكز لإيواء النازحين الذين يفوق عددهم، وفق تعبيره، المليون ونصف المليون مواطن، وجميعهم يعانون من ظروف اجتماعيّة صعبة في ظل عدم توافر مستلزمات العيش الكريم، وغياب الإنترنت."

واعتبر جواد أنّ "خيار تأجيل انطلاق العام الدراسي لمدة شهر أمر طبيعي في ظل هذه الظروف حتى تتّضح الصورة أكثر فأكثر مع تأكيد الحرص على العام الدراسي، ولكن أيضًا هناك حرص على سلامة المعلّمين وسلامة الطلاب الذين تشتّتوا ولا توجد معلومات أو بيانات واضحة عن الوجهة التي اعتمدوها لحماية أنفسهم، وبالتالي فلا يمكن، الدخول إلى المدارس يوم 7 أكتوبر".

وشدّد على رفض فتح المدارس الخاصة في بعض المناطق، متسائلا: أين التضامن الإنساني بين الطلاب؟ أن التضامن الإنساني بين إنسان وآخر؟ وتابع أنّ هذا الأمر يأخذنا إلى ما سمّاه فدراليّة التربية، أي أن تفتح المدارس الخاصة وهي لا تتعدّى الـ 20% فيما تقفل معظم المدارس الأخرى.

لموقف نفسه عبّر عنه لموقع "الحرة" مدير التعليم الثانوي في وزارة التربية اللبنانية خالد فايد معتبرًا أنّه "من غير المنطقي الحديث عن التعليم في هذه الفترة التي تستمر فيها الحرب ويستمر فيها القتال وقبل بلوغ وقف إطلاق النار، وبعدها نضع الخطط اللازمة للعام الدراسي الحالي."

أرقام وزارة التربية

وكان وزير التربية والتعليم العالي في حكومة تصريف الأعمال عباس الحلبي عقد اجتماعًا للهيئة العليا لإدارة التعليم في حالات الطوارئ والأزمات والكوارث، بهدف وضع خطة استجابة لحاجات التعليم في ظل الأزمة القائمة. وبعدما عرضت كلّ مديريّة خطتها لإيصال التعليم الورقي والرقمي، تبيّن أن هناك نحو 620 مركز إيواء للنازحين من بينها 505 مدارس رسمية و54 مدرسة مهنية رسمية يضاف إليها عدد من مباني الجامعة اللبنانية، وأكثر من 50 مدرسة خاصة.

وأكد الوزير في بيان أنّه حتى الآن نزح 18792 معلمًا من أساتذة المدارس الرسمية، و16798 معلمًا من أساتذة المدارس الخاصة بالإضافة إلى عدد من أساتذة التعليم العالي والجامعة اللبنانية، مشيرًا إلى أن الموقف الرسمي من اعتماد أيّ نوع من أنواع التعليم سوف يتم إعلانه في نهاية المشاورات مع القطاع التربوي بكلّ مكوّناته، ومع المعنيّين.

تلاميذ في مدرسة خاصة بمنطة مرجعيون اللبنانية - AFP
تلاميذ في مدرسة خاصة بمنطة مرجعيون اللبنانية - AFP

يُرتقب أن تفتح المدارس الرسمية اللبنانية أبوابها لموسم دراسي جديد غدا الإثنين بناء على الدعوة التي أطلقها وزير التربية في حكومة تصريف الأعمال عباس الحلبي عقب عرضه خطة أعدّتها الوزارة لانطلاقة العام الدراسي.

هذه الدعوة لاقت تفاعل هيئات تعليمية وأهالي تلاميذ ينتظرون أن يعود أطفالهم إلى مقاعد الدراسة، استكمالا لدراستهم، في ظل حرب مدمرة تعيشها لبنان.

معاناة متواصلة

لا يكاد الطلاب اللبنانيون ينتهون من معاناة حتى يدخلوا في أخرى، منذ الاحتجاجات الشعبية التي شهدها لبنان عام 2019، مرورًا بوباء كورونا، ووصولا إلى الحرب الدائرة حاليا التي حوّلت كثيرا منهم إلى ضحايا ونازحين.

أم حسام، الوالدة لخمسة أطفال، نازحة من الجنوب إلى إحدى المدارس في صيدا، تستغرب في حديثها لموقع "الحرة" الكلام عن بدء العام الدراسي في ظل الوضع الحالي، والذي خسرت فيه منزلها في القصف.

اضطرت أم حسام إلى إخلاء منزلها مع بدء القصف، ولم تستطع لملمة أي شيء من أغراض العائلة. تقول إنها "لا تفكّر الآن بالتعليم، بل تهتمّ بسلامة أطفالها فقط".

فيما أبو وليد، النازح من منطقة جنوبية أخرى، يقول لموقع "الحرة" إن لديه هاتفًا واحدًا سيضعه بتصرّف ابنه البكر الذي يدرس في الصف الثانوي الأول، لاستكمال تعليمه، "لكن من المستحيل أن يتمكّن من تعليم أطفاله الثلاثة الآخرين، في ظل هذه الظروف وانعدام الإمكانات"، كما يقول.

عودة "خطرة"

التوجس نفسه يعيشه مديرو المدارس ومدرسوها والعاملون بها، فقد أكد مدير مدرسة، رفض الكشف عن اسمه، لموقع "الحرة"، أن الثانوية التي يشرف عليها صارت الآن مركزا لإيواء للنازحين.

يقول إنه أُبلغ قبل يومين من العودة للدراسة بأن وزارة التعليم أمّنت مركزًا آخر للإشراف عليه، ما يعني "استحالة العودة هذا الأسبوع، قبل الاطلاع على المركز الآخر، والبحث في كيفية تأمين المستلزمات اللوجستية كمقاعد التعليم والألواح وغيرها، لكي يتمكن من تطبيق قرار الوزير".

ويؤكد أن "حاله يشبه حال معظم مسؤولي المدارس في المناطق الآمنة غير القادرة على العودة بالتاريخ المحدّد".

ويشكو بعض المعلمين من صعوبات العودة للمدارس باعتبار أنهم نزحوا إلى مناطق بعيدة، ومنهم مَن لم يتمكّن من جمع أغراضه، في ظل ظروف صعبة تعقد خيارات التعليم بما فيها التدريس عن بعد.

ولهذا السبب، دعت رابطة التعليم الثانوي، في بيان، المديرين إلى "التروّي وعدم الضغط على الأساتذة إلى حين وضوح الرؤية لخطة الوزارة، وما لم يستجب الوزير إلى تأجيل بداية العام الدراسي، كما اعتبروا خطّة العودة للدراية "ضبابيّة" و"تعرّضهم للخطر".

وأكدت الرابطة أن المعلمين مستعدون للعودة للفصول الدراسية "عندما تزول الأسباب والهواجس والإجابة عن التساؤلات والاتفاق عليها".

وبيان رابطة التعليم الثانوي جاء متوافقًا مع بيان رابطة التعليم الأساسي التي دعت إلى "الامتناع عن الحضور ريثما يصدر القرار اللازم والواضح بتحديد بدل الإنتاجية وموعد تسديدها للمعلّمين وطالبت بالتأجيل أيضًا لأسباب لوجيستيّة".

أثر الحرب

وكان الوزير عباس الحلبي قد أطلق خطة تربوية في ظل الوضع الأمني الحالي بالبلد، وأعلن بموجبها أن التعليم سيكون لمدة ثلاثة أيام أسبوعيا، وبمعدل 21 ساعة في الأسبوع، واعتماد التعليم من بعد في المدارس غير الآمنة.

ووفقا للخطة نفسها، سيكون هناك دوامان حضوريان قبل الظهر، وآخر بعد الظهر يمتد لخمسة أيام. ويحق للطالب أن يتسجّل للدراسة عن بعد في مدرسته، أو حضوريًا في إحدى المدارس الأخرى حيث يقيم بعد النزوح.

ووزارة التربية اللبنانية من أكثر القطاعات تأثرًا بالحرب، إذ استنفرت طواقمها لتأمين مراكز إيواء في بدايات المواجهات العسكرية، وهي اليوم تعد خطة لتأمين التعليم في المدارس الرسمية للنازحين وغيرهم.

كما تسعى الوزارة إلى التعاون مع المدارس الخاصة في تأمين بداية عودة دراسية، وتحاول تأمين مستحقات المعلمين، رغم تبعات الحرب.