فرق الإنقاذ في لبنان
أصوات كثيرة طالبت بتأمين معدات وآليات لإنقاذ الضحايا العالقين تحت الأنقاض في لبنان

في ظل التصعيد العسكري بين لبنان وإسرائيل، ارتفعت أصوات رواد مواقع التواصل الاجتماعي مطالبين بتأمين معدات وآليات لإنقاذ الضحايا العالقين تحت الأنقاض، معبّرين عن استيائهم من غياب التجهيزات اللازمة للتعامل مع الكوارث التي تتعرض لها البلاد.

مع توسع المعارك بين حزب الله وإسرائيل منذ مطلع الأسبوع الماضي، شهد لبنان تكثيفاً للغارات الإسرائيلية استهدفت مناطق واسعة، مما أدى إلى انهيار عدد كبير أبنية في مناطق متعددة في نفس الوقت. هذا الوضع أثار تساؤلات حول قدرة فرق الإنقاذ اللبنانية على الاستجابة لجميع المهام المنوطة بها، ومدى جاهزيتها للصمود في حال تصاعدت المعارك والغارات بشكل أكبر.

يذكر أنه حتى الآن، أودى التصعيد العسكري بحياة 1974 شخصاً في لبنان وإصابة 9384 آخرين.

ويأتي تصاعد الضغوط على فرق الإنقاذ في ظل الأزمة الاقتصادية الخانقة التي يعاني منها لبنان منذ عام 2019، والتي انعكست على مختلف جوانب الحياة اليومية، حيث بات تأمين الاحتياجات الأساسية تحدياً هائلاً للمواطنين، فكيف بالمستلزمات الضرورية لفرق الإنقاذ التي تواجه تحديات أكبر في ظل هذه الظروف القاسية؟

مواجهة "بلا دروع"

يرسم رئيس شعبة العلاقات العامة في فوج إطفاء بيروت، النقيب علي نجم، صورة عن واقع الفوج، في حديث لموقع "الحرة"، ويقول "رجال شجعان، معدات متواضعة، وتحديات جسام. رغم قلة الإمكانيات، يبقى الفوج في حالة استنفار دائم، مستعد لمواجهة أي طارئ. ففي ضاحية بيروت، حيث القصف لا يهدأ، نواجه الموت لإنقاذ أرواح الناس".

تعمل فرق الإنقاذ بلا توقف لانتشال الجرحى من تحت الأنقاض، ووفقاً لما يقوله رئيس وحدة الخدمة والعمليات في الدفاع المدني، وليد الحشاش، فإن "الطواقم البشرية مستعدة تماماً، إلا أن نقص المعدات والآليات يشكّل تحد كبير بالنسبة لنا".

ويشير الحشاش في حديث لموقع "الحرة" إلى أنه "خلال الأشهر العشرة الأولى من فتح جبهة جنوب لبنان، كانت ظروف العمل أفضل، لكن التصعيد العسكري الأخير دفعنا إلى تفعيل خطط الإنقاذ التي وضعناها سابقاً للتعامل مع مثل هذه الظروف".

ويشدد على أن "نقص المعدات الشخصية، مثل بزات الحرائق ودروع الحماية للعناصر، والاعتماد على آليات قديمة يعود بعضها إلى عام 1977 والتي تتعطل بشكل متكرر، يعوق فعالية عمليات الإنقاذ في ظل الظروف الحالية".

كذلك يشير نجم إلى أن عناصر فوج الإطفاء "يقفون عراة أمام المخاطر، فهم في حاجة ملحة إلى معدات حماية شخصية متكاملة، بما في ذلك ألبسة مقاومة للحرارة والنيران، وأجهزة إنارة قوية، وأنظمة إنذار متطورة تراقب حركتهم، وأجهزة اتصال فعالة، ومعدات سلامة عامة. هذه المعدات الأساسية ضرورية لحماية أرواحهم أثناء أداء مهامهم".

ويلفت نجم إلى أن "تأمين احتياجات عناصر الفوج يعتمد على التنسيق بين محافظ بيروت، القاضي مروان عبود، وقائد الفوج، العميد ماهر العجوز"، مشدداً على أنه "رغم الجهود المبذولة من الطرفين، لم يحصل الفوج حتى الآن على أي دعم سواء من جهات داخلية أو خارجية، وذلك بسبب الأوضاع الاقتصادية التي تشكل عائقاً رئيسياً أمام توفير هذه المساعدات".

وبخصوص آليات رفع الأنقاض، يوضح نجم أن "دائرة الهندسة في بلدية بيروت توّفر هذه الآليات، لكن الحاجة إلى دعم إضافي من جهات أخرى تبقى ضرورية خلال الكوارث الكبرى".

تحذير من العواقب

تتطلب عمليات الإنقاذ من تحت الأنقاض، كما يشرح الحشاش "حذراً شديداً لتجنب إلحاق الضرر بالضحايا، ما يفرض استخدام معدات خفيفة في المراحل الأولى، قبل اللجوء إلى المعدات الثقيلة التي تشكل خطراً على المحتجزين".

ومن التحديات الإضافية التي يواجهها عناصر الإنقاذ، القصف المتواصل الذي يعقّد الجوانب اللوجستية لعملياتهم، ويقول الحشاش "نحتاج إلى دعم مستمر لتبديل العناصر وتأمين الماء والطعام لهم خلال تنفيذ المهمات وكذلك توفير الوقود للآليات، وهو أمر خطير خلال الغارات".

وتجبر التهديدات الأمنية أحياناً فرق الإنقاذ على إخلاء الموقع، مما يتسبب وفق ما يقوله الحشاش "في تأخير يمكن أن يكلف حياة الأبرياء، مؤكداً أن سرعة رفع الأنقاض تلعب دوراً حاسماً في إنقاذ الأرواح".

رغم عدم تلقي الدفاع المدني أي دعم بالمعدات الجديدة حتى الآن، تواصل عناصره أداء مهامها باستخدام ما هو متاح، ويشيد الحشاش بالتعاون والتضامن بين مراكز الدفاع المدني في جميع أنحاء البلاد، معتبراً أن "هذا التكاتف، إلى جانب الروح المعنوية العالية للعناصر، سواء كانوا موظفين أو متطوعين، والذين يبلغ عددهم نحو 5000 شخص، يعد عاملاً رئيسياً في نجاح عمليات الإنقاذ والإسعاف والسيطرة على الحرائق".

ويؤكد أن مدير عام الدفاع المدني العميد ريمون خطار ووزير الداخلية القاضي بسام المولوي يجريان اتصالات مستمرة مع المنظمات الدولية للحصول على ما تحتاجه فرق الدفاع المدني في ظل الأزمة الاقتصادية التي يعاني منها لبنان منذ خمس سنوات.

وفي حديثه عن كيفية التعامل مع المخاطر، يشير نجم إلى أنه "لا توجد وسيلة قادرة على حمايتنا من الصواريخ أو القذائف. نحن نعرض أرواحنا للخطر من أجل تحقيق هدفنا الأسمى، وهو إنقاذ حياة الناس"، مشدداً على أهمية "الاتكال على الله في تأدية الواجب الإنساني والأخلاقي والوطني، حيث يمثل هذا الالتزام دافعاً قوياً لمواصلة العمل رغم المخاطر الجسيمة".

وحتى في حال تصاعد العمليات العسكرية، فإن عناصر فوج الإطفاء مستعدين كما يشدد نجم للقيام بواجبهم، "وذلك نتيجة التنسيق بين قيادة الفوج والمديرية العامة الدفاع المدني في بيروت مما يتيح تغطية عدة مناطق في الوقت نفسه".

لكن الحشاش يحذّر من أن استمرار الوضع الحالي لفترة طويلة دون توفير المعدات اللازمة لعناصر الإنقاذ، قد يؤدي "إلى تفاقم المشاكل وزيادة التحديات التي تواجهها هذه الفرق".

يذكر أن الجيش الإسرائيلي أعلن قبل نحو أسبوعين مواصلة غاراته الجوية على لبنان، في إطار عملية عسكرية أطلق عليها اسم "سهام الشمال". وفي المقابل، يواصل حزب الله الإعلان عن إطلاق صواريخ باتجاه مواقع إسرائيلية، حيث تتمكن المنظومات الدفاعية في أغلب الأحيان من اعتراضها.

تلاميذ في مدرسة خاصة بمنطة مرجعيون اللبنانية - AFP
تلاميذ في مدرسة خاصة بمنطة مرجعيون اللبنانية - AFP

يُرتقب أن تفتح المدارس الرسمية اللبنانية أبوابها لموسم دراسي جديد غدا الإثنين بناء على الدعوة التي أطلقها وزير التربية في حكومة تصريف الأعمال عباس الحلبي عقب عرضه خطة أعدّتها الوزارة لانطلاقة العام الدراسي.

هذه الدعوة لاقت تفاعل هيئات تعليمية وأهالي تلاميذ ينتظرون أن يعود أطفالهم إلى مقاعد الدراسة، استكمالا لدراستهم، في ظل حرب مدمرة تعيشها لبنان.

معاناة متواصلة

لا يكاد الطلاب اللبنانيون ينتهون من معاناة حتى يدخلوا في أخرى، منذ الاحتجاجات الشعبية التي شهدها لبنان عام 2019، مرورًا بوباء كورونا، ووصولا إلى الحرب الدائرة حاليا التي حوّلت كثيرا منهم إلى ضحايا ونازحين.

أم حسام، الوالدة لخمسة أطفال، نازحة من الجنوب إلى إحدى المدارس في صيدا، تستغرب في حديثها لموقع "الحرة" الكلام عن بدء العام الدراسي في ظل الوضع الحالي، والذي خسرت فيه منزلها في القصف.

اضطرت أم حسام إلى إخلاء منزلها مع بدء القصف، ولم تستطع لملمة أي شيء من أغراض العائلة. تقول إنها "لا تفكّر الآن بالتعليم، بل تهتمّ بسلامة أطفالها فقط".

فيما أبو وليد، النازح من منطقة جنوبية أخرى، يقول لموقع "الحرة" إن لديه هاتفًا واحدًا سيضعه بتصرّف ابنه البكر الذي يدرس في الصف الثانوي الأول، لاستكمال تعليمه، "لكن من المستحيل أن يتمكّن من تعليم أطفاله الثلاثة الآخرين، في ظل هذه الظروف وانعدام الإمكانات"، كما يقول.

عودة "خطرة"

التوجس نفسه يعيشه مديرو المدارس ومدرسوها والعاملون بها، فقد أكد مدير مدرسة، رفض الكشف عن اسمه، لموقع "الحرة"، أن الثانوية التي يشرف عليها صارت الآن مركزا لإيواء للنازحين.

يقول إنه أُبلغ قبل يومين من العودة للدراسة بأن وزارة التعليم أمّنت مركزًا آخر للإشراف عليه، ما يعني "استحالة العودة هذا الأسبوع، قبل الاطلاع على المركز الآخر، والبحث في كيفية تأمين المستلزمات اللوجستية كمقاعد التعليم والألواح وغيرها، لكي يتمكن من تطبيق قرار الوزير".

ويؤكد أن "حاله يشبه حال معظم مسؤولي المدارس في المناطق الآمنة غير القادرة على العودة بالتاريخ المحدّد".

ويشكو بعض المعلمين من صعوبات العودة للمدارس باعتبار أنهم نزحوا إلى مناطق بعيدة، ومنهم مَن لم يتمكّن من جمع أغراضه، في ظل ظروف صعبة تعقد خيارات التعليم بما فيها التدريس عن بعد.

ولهذا السبب، دعت رابطة التعليم الثانوي، في بيان، المديرين إلى "التروّي وعدم الضغط على الأساتذة إلى حين وضوح الرؤية لخطة الوزارة، وما لم يستجب الوزير إلى تأجيل بداية العام الدراسي، كما اعتبروا خطّة العودة للدراية "ضبابيّة" و"تعرّضهم للخطر".

وأكدت الرابطة أن المعلمين مستعدون للعودة للفصول الدراسية "عندما تزول الأسباب والهواجس والإجابة عن التساؤلات والاتفاق عليها".

وبيان رابطة التعليم الثانوي جاء متوافقًا مع بيان رابطة التعليم الأساسي التي دعت إلى "الامتناع عن الحضور ريثما يصدر القرار اللازم والواضح بتحديد بدل الإنتاجية وموعد تسديدها للمعلّمين وطالبت بالتأجيل أيضًا لأسباب لوجيستيّة".

أثر الحرب

وكان الوزير عباس الحلبي قد أطلق خطة تربوية في ظل الوضع الأمني الحالي بالبلد، وأعلن بموجبها أن التعليم سيكون لمدة ثلاثة أيام أسبوعيا، وبمعدل 21 ساعة في الأسبوع، واعتماد التعليم من بعد في المدارس غير الآمنة.

ووفقا للخطة نفسها، سيكون هناك دوامان حضوريان قبل الظهر، وآخر بعد الظهر يمتد لخمسة أيام. ويحق للطالب أن يتسجّل للدراسة عن بعد في مدرسته، أو حضوريًا في إحدى المدارس الأخرى حيث يقيم بعد النزوح.

ووزارة التربية اللبنانية من أكثر القطاعات تأثرًا بالحرب، إذ استنفرت طواقمها لتأمين مراكز إيواء في بدايات المواجهات العسكرية، وهي اليوم تعد خطة لتأمين التعليم في المدارس الرسمية للنازحين وغيرهم.

كما تسعى الوزارة إلى التعاون مع المدارس الخاصة في تأمين بداية عودة دراسية، وتحاول تأمين مستحقات المعلمين، رغم تبعات الحرب.