صورة نشرتها إسرائيل عام 2019 لما تقول إنه مخرج لنفق يمتد من جنوب لبنان إلى أراض إسرائيلية حدودية.

تصدرت الأنفاق، بصفتها سلاحا استراتيجيا، عناوين الحرب بين حماس إسرائيل بعد الهجوم الدامي الذي شنته الحركة، المصنفة إرهابية، على مناطق إسرائيلية في 7 أكتوبر 2023، حيث وضعت حكومة بنيامين نتانياهو تدمير شبكة أنفاق الحركة ضمن أهدافها الرئيسية.

ومع التوغل البري الإسرائيلي في الداخل اللبناني، عاد الحديث عن حرب الأنفاق إلى الواجهة بعد أن عرض الجيش الإسرائيلي مشاهد قال إنها داخل أنفاق حزب الله، فماذا عن تاريخ هذه الأنفاق في لبنان؟ وكيف سخرها الحزب في مواجهة إسرائيل؟ وهل أصبح هذا التكتيك سلاحا بحدين للحزب بعد مقتل أمينه العام حسن نصرالله في ملجأ محصن تحت الأرض.

2006.. أصل الحكاية

ترجع التقارير بناء الأنفاق في لبنان إلى خمسينات القرن الماضي، حيث استخدمت لنقل المؤن قبل أن تصبح سلاحا استراتيجيا.

وعمل الفلسطينيون أنفسهم، رجالا ونساء في حفر هذه الأنفاق ومنها نفق كفرحلدا في البترون اللبناني حسب بحث لروزماري الصايغ بعنوان "الفلسطينيون من فلاحين إلى ثوار".

وفي الستينات، اكتسبت الأنفاق أهمية استراتيجية بالنسبة للفلسطينيين في غرب بيروت، حيث ربطت بين تل الزعتر والكارنتينا.

ويشير كتاب فرنسي بعنوان "إشاعات حرب لبنان: خطابات العنف" (Les rumeurs dans la guerre du Liban: Les mots de la violence) إلى "أنفاق في تل الزعتر لاخفاء الماء والسلاح لكنها لم تصلح للحياة، ونفق يربط تل الزعتر بالمخيمات في منطقة الكارنتينا" في الحقبة نفسها. 

وهذا ما يؤكده أرشيف الأخبار من الثمانينات، حيث يذكر خبر نقلته يونايتد برس (United Press International) بتاريخ 7 أكتوبر 1982، عثور "الجيش اللبناني على شبكة معقدة من الأنفاق التي بناها مقاتلون فلسطينيون للاحتماء من الهجمات الإسرائيلية ولإخفاء كميات هائلة من الإمدادات العسكرية".

وحينها، علق ضابط لبناني بالقول إن هذه الأنفاق ربما ليست بجديدة، مؤكدا في الوقت نفسه عدم وجود خرائط متوفرة لهذه الشبكة: "نحن لا نعرف كم يبلغ طول هذه الأنفاق. بعضها جديد وبعضها قديم. وليس لدينا خرائط. ربما تكون مفخخة. من يدري؟"

وحسب التقرير، "ربطت هذه الأنفاق المبطنة بالخرسانة، التي يمتد أحدها لمسافة ميلين من غرب بيروت إلى جنوبها، بين معاقل الفلسطينيين في المدينة والمخيمات الثلاثة للاجئين جنوب بيروت - صبرا وشاتيلا وبرج البراجنة. وشاهد المراسلون الذين قاموا بجولة في الأنفاق مخابئ ضخمة مملوءة حتى السقف بمتفجرات حديثة تتراوح من صواريخ غراد الروسية إلى قذائف الهاون والهاوتزر الأميركية (...) ولم يتجاوز ارتفاع بعض الممرات ثلاثة أقدام، في حين كانت ممرات أخرى كبيرة بما يكفي لإخفاء ما يصل إلى 8 شاحنات صغيرة. كما عثر في مخيمي صبرا وشاتيلا للاجئين على 8 مداخل للأنفاق. ويؤدي مدخلان إلى مخابئ مليئة بأكثر من 500 صندوق من قذائف المدفعية المصنعة في كوريا الشمالية وقذائف الهاون الأميركية. ولم يكن معروفًا ما إذا كان المدنيون الفلسطينيون في مخيمات اللاجئين على دراية بالمتاهة، أو عدد الذين احتموا بداخلها". 

أما في مخيم شاتيلا قرب الاستاد الرياضي بالمدينة، فإن "الأبواب الفولاذية  تؤدي إلى أسفل منحدر رملي يصل إلى نفق يبلغ ارتفاعه عشرة أقدام، وهو يتسع لسبع أو ثماني شاحنات صغيرة. وفي أسفل المنحدر، يضيق النفق ويتحول إلى مخبأ عرضه ثمانية أقدام، والأرضية هناك عبارة عن ممر خشبي. ووجدت في النفق عشرات الصواريخ السوفييتية من طراز غراد مكدسة على الحائط في صناديق خشبية وما لا يقل عن 50 صندوقًا يحتوي على قنابل دخانية وقذائف مدفعية من عيارات مختلفة وقنابل الهاون". 

وفي الجنوب اللبناني، ارتبطت سيرة الأنفاق بحزب الله، ولكن إسرائيل اختبرت عن قرب معركة مصغرة للأنفاق حيث واجهت الفرار الكبير لسجنائها في أكبر عملية في العالم هروب للأسرى من سجن أنصار في 8 آب 1983، حيث فر أكثر من 30 سجينا حفروا بالملاعق والسكاكين نفقا بين سجنهم ومنطقة خارج الأسلاك الشائكة. 

واتُهمت إسرائيل بدورها في الثمانينات (1983) بحفر أنفاق عقب احتلالها الجنوب اللبناني، "لربط النهر من باطن مجراه بالأراضي المحتلة في الجليل ليتسنى لبعض مياهه التي يشك بأنها تتراوح بين 100-500 مليون م3 بالجريان نزولا إلى الأراضي المحتلة (...) وادعاء وجود ارتباط جيولوجي جوفي بين الليطاني وروافد الأردن (...) وللمطالبة بحصتها من النهر المعترف به دوليا"، حسب ما نقرأ في بحث للدكتور محسن محمد صالح في التقرير الاستراتيجي الفلسطيني (2018-2019). 

غالانت أكد أن قرار الإخلاء سيستمر حتى دفع حزب الله إلى شمال نهر الليطاني.

أما عن أنفاق حزب الله، تشير التقارير إلى تصاعد وتيرة بنائها في 2006 وتحديدا بعد "حرب تموز" بتنسيق وثيق بين إيران وكوريا.

وهذا يجعلها أقدم من الأنفاق في غزة والتي بنيت في الأصل مع مصر بهدف التغلب على الحصار الاقتصادي المصري والإسرائيلي على القطاع عام 2007. وتتألف أنفاق الحزب من شبكة أخطبوطية وفقا لتقرير أصدرته مؤسسة "ألما" البحثية الإسرائيلية عام 2021، وتمتد حتى سوريا حسب صحيفة "ليبراسيون" الفرنسية وحاول الحزب الوصول حتى إسرائيل، كما يبدو من الأنفاق الهجومية التي عثر عليها في ديسمبر 2018 أسفل الخط الأزرق (بحث أميركي بعنوان The Coming Conflict with Hezbollah).

وضمن لبنان نفسه، عشرات الكيلومترات التي تربط بين مختلف المناطق الفرعية داخل جنوب لبنان وبين ثلاث مناطق استراتيجية لحزب الله:

1- منطقة ضاحية بيروت – المقر المركزي لحزب الله.

2- منطقة البقاع – العمود الفقري العملياتي اللوجستي لحزب الله.

3- جنوب لبنان – المواقع الدفاعية لحزب الله.

وتستخدم الأنفاق لغايات مختلفة يمكن تلخيصها، حسب المحلل السياسي اللبناني محمد نمر، بالأهداف العسكرية  واللوجستية.

أما عن الأهداف العسكرية، فتعمل كصلة وصل بين المناطق وتسمح بنقل الأسلحة أو إطلاقها بما أنها مزودة بمنصات مخصصة لبعض الصواريخ.

كما أنها تعمل كمصدر إنطلاق وتخفي للمسلحين. وقد أشارت صحيفة "تايمز" الإسرائيلية في سياق حرب الأنفاق إلى "محاربة الأشباح" في إشارة إلى مسلحي حماس، وتكرر هذا التوصيف في إطار الحرب اللبنانية. 

أما على المستوى اللوجستي، تستخدم الأنفاق لربط مراكز القيادة وهذا ما رأيناه في الضاحية مع استخدام صواريخ تصل إلى عمق 40 مترا تحت الضاحية الجنوبية لبيروت لبلوغ مكان تواجد قيادات حزب الله. 

من الأنفاق البدائية إلى مدينة الصواريخ

تطورت أنفاق حزب الله من الشكل البدائي المعروف بقطر ضيق يكفي لتحرك الأفراد إلى أنفاق متطورة ومؤهلة لتنقل الشاحنات. وهذا ما يمكن استنتاجه من مقارنة بسيطة بين نموذج لنفق يعود لـ"حرب تموز 2006" وفره حزب الله في مجمع سياحي للحزب الله في مليتا في جنوب لبنان عام 2010، وفيديو يعرض نموذجا للأنفاق الحديثة للحزب نشره هذا الأخير بعنوان "جبالنا خزائننا" في آب 2024. 

وترجح خطة اقترحها الجنرال الإسرائيلي، أمير أفيفي، أن منافذ الأنفاق قريبة من منازل منفذي الهجمات.

ويحدد في كتابه  بعنوان "لا انسحاب: خطة لحفظ إسرائيل للأجيال القادمة" (No Retreat: How to Secure Israel for Generations to Come) الذي استوحى فيه من أنفاق حماس أن "النفق على بعد مسافة قصيرة سيرا على الأقدام، فيتسلسل المهاجم داخل النفق ويتوجه حتى موقع الإطلاق. وفي الوقت المحدد، يقوم بإطلاق وابل من الصواريخ قبل أن يتخفى مجددا فيها". 

أنفاق حزب الله في جنوب لبنان كانت ذات أسقف عالية بما يكفي للمشي تحتها، وأنظمة تهوية وإضاءة وحمامات. ووفق أفيفي: "تم بناء عشرات المخابئ القيادية داخل الشبكة، مقسمة إلى غرفتين أو ثلاث غرف لكل منها". 

وتغير شكل النفق وازداد تعقيدا عبر السنين، حسب ما يظهر فيديو "جبالنا مخازننا" الذي نشره حزب الله المصنف جماعة إرهابية في الولايات المتحدة، حيث ما عادت الأنفاق دفاعية حصرا بل ازدادت شبكتها تعقيدا ومعها دورها ليصبح هجوميا أيضا.

وحسب الفيديو، تتسع الأنفاق لمرور قوافل الشاحنات والدراجات النارية كما تتضمن مخازن أسلحة ومنصات لإطلاق صواريخ من نوع "عماد 4".

وتظهر كعالم مواز تحت الأرض، حيث تتميز بالإضاءة والتهوئة، ووصفتها وكالة "مهر" الرسمية الإيرانية بـ"مدينة الصواريخ" في الجنوب، بينما شبهها تقرير لشبكة "فوكس نيوز" الأميركية بـ"مترو الأنفاق". 

وكان الجيش الإسرائيلي قد أعلن في يناير 2019 اكتشاف وتدمير "أنفاق هجومية عبر الحدود"، بعضها تحت قرى حدودية لبنانية تعرضت مرارا لهجمات دون أن تدمر.

كما حذر تقرير إسرائيلي من قدرة هذه الأنفاق على التحول لمقبرة لأي منشأة قد يتم حفرها تحتها. وأكد مهندسان إسرائيليان في تقريرفي حزيران 2023 بموقع مؤسسة "ألما"، تعويل حزب الله على الأنفاق لإحداث قدر كبير من الدمار، أحيانا من خلال إحداث فراغات. 

ولفتا، في هذا السياق، إلى أن "حفر الأفاق تحت سلسلة جبال راميم المطلة على كريات شمونة كفيل بالتسبب بانهيار أجزاء من الجبل وتعريض المواطنين ومنازلهم للخطر. ولذلك، يركز الحزب على دخول وحدة الرضوان الجليل باستخدام الأنفاق المليئة بالمتفجرات". 

كما نقل تقرير أميركي في "واشنطن بوست "نهاية سبتمبر الماضي عن مهندسين وخبراء استراتيجيين إلى أن حزب الله حفر أنفاقا مباشرة إلى داخل إسرائيل. وشن الجيش الإسرائيلي عملية "درع الشمال" في يناير 2019، بعد عثوره على 6 أنفاق تكتيكية. وانتهت العملية بتدميرها". 

نصر ولو "مؤقتا"

يشير بحث يتناول "تحييد مشروع أنفاق حزب الله" ( Neutralizing Hezbollah’s Tunnel Project)، إلى أن هدف الأنفاق هو تمكين خلايا وحدة الكوماندوز التابعة لحزب الله (الرضوان) من التسلل إلى إسرائيل ومساعدتها على تحقيق "صورة النصر" من خلال احتلال (ولو مؤقتًا) مجمع أو قاعدة للجيش الإسرائيلي أو طريق رئيسي. وبالتالي، تركز أي خطة إسرائيلية على كشف وتدمير الأنفاق وتحسين قدرات الاستخبارات والكشف.

وبالتوازي، تتوخى إسرائيل حسب البحث، إيصال رسالة إلى إيران من خلال كشف الأنفاق ودعوتها للتحرك لكبح جماح حزب الله، وعدم التدخل في أي صدام عسكري يندلع بين إسرائيل وحزب الله.

كما توجه إسرائيل رسالة للسلطت اللبنانية على اعتبار أن الاتفاق الأممي رقم 1701 يتضمن أيضا الكشف عن خريطة الأنفاق.

وسرد العقيد الإسرائيلي المتقاعد، كوبي لافي، في حديث لـ"الحرة"، جهود إسرائيل لدفع الجهات "القادرة على التدخل بإقناع الحزب بوقف حفر الأنفاق لكن الحزب استمر بعمليات الحفر وبتزويدها بالأسلحة".

وإسرائيل تعتمد على معطيات القوات البرية لتدميرها مع الإشارة إلى فارق مقارنة بغزة، وهو أن الأراضي جبلية وهذا يعني أن الحزب دفع الكثير لتطويرها بينما تقدم ببطء وبمساعدة من دول أخرى.

وحفرت غالبية الأنفاق في البقاع الغربي وبيروت وجنوب لبنان، وتدرك إسرائيل أن هذا لم يتم بتعليمات من الدولة اللبنانية.

وإسرائيل مجبرة اليوم في ضوء دروس "تموز 2006"، على تطهير هذه الأنفاق حيث مستودعات كاملة مليئة بالذخيرة بواسطة وسائل عدة طورت لهذا الغرض، وتدمر الأنفاق وتجعلها غير قابلة لشن هجمات في المستقبل"، وفق لافي.

أما عن حزب الله، فكشف الصحفي اللبناني، قاسم قصير، أن حفر الأنفاق بحد ذاته إنجاز وأن  "الحزب ينتظر العملية البرية".

وأكد على امتلاكه "قدرات مميزة في حرب الأنفاق وهذا ما تبينه التطورات خلال يومين من معارك عسكرية وعدد القتلى. كما أن إسرائيل ستذهب للتفوض كلما دفعت اثمانا باهظة. كما أن الحزب يقيم الأمور الميدانية باستمرار ويدرس كل الخيارات وهو يخوض معركة جديدة ويستفيد من كل التطورات".

ملاجئ أو مقابر؟ 

بعد اغتيال الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله في 28 سبتمبر في مكان محصن تحت مبان سكنية، طرح السؤال حول فعالية الأنفاق والبنية التحتية المخفية بشكل عام ونقاط الضعف التي جعلت تصفية زعيم الحزب ممكنة.

الجيش الإسرائيلي استهدف نصر الله في ضربة دقيقة على الضاحية الجنوبية

وفي هذا السياق، لفت نمر إلى المقارنة المطروحة بين أنفاق حماس وأنفاق الحزب، مشيرا إلى أن الأخيرة أكثر تعقيدا نظرا للطبيعة الجبلية الوعرة.

وعلى الرغم من أن ذلك يفترض بأن يجعلها أكثر تحصينا، تغير الوضع بسبب عاملين:  تطور الأسلحة الإسرائيلية مقارنة بحرب 2006 والعامل البشري في سيناريو التجسس، وفق نمر.

ومع تطور الأسلحة التي تستخدمها إسرائيل، باتت الأنفاق أقل أمانا. وتمتلك إسرائيل صواريخ "جي.بي.يو" (GBU) الأميركية، القادرة على اختراق المباني والتحصينات الخرسانية.

واستخدمت إسرائيل هذه الصواريخ التي تبلغ تكلفة الواحد منها زهاء الصاروخ حوالي 145 ألف دولار في حربها على لبنان 2006. وفي سيناريو اغتيال نصر الله، استهدفت مقره العسكري "المحصّن" تحت الأرض بـ 80 قنبلة.

أما العامل الثاني الذي أضعف دور الأنفاق فهو بشري، حيث تمكنت إسرائيل من الحصول على الإحداثيات أو ما أسمته "بالمعلومة الذهبية" بفضل العملاء.

وتمحورت المعلومة من جملة أمور أخرى حول القوة التدميرية اللازمة لاختراق التحصينات وصولا للمركز الذي يشكل جزءا من منظومة الأنفاق حسب صحيفة "يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية، بينما أشار تقرير بصحيفة "لو باريزيان" الفرنسية إلى أن "عميلا إيرانيا" زود إسرائيل بالمعلومات الحساسة. 

مصارف لبنان

في تحول تاريخي لعمل القطاع المصرفي اللبناني، أقرّ مجلس النواب الخميس تعديلات على قانون السرية المصرفية تسهّل للهيئات الناظمة الحصول على كامل المعلومات المتعلّقة بالحسابات.

جاءت الخطوة تلبية لمطلب رئيسي من مطالب صندوق النقد الدولي.

واعتبر رئيس الوزراء اللبناني، نواف سلام، القرار "خطوة ضرورية نحو الإصلاح المالي المنشود وركيزة أساسية لأي خطة تعافٍ، ولكشف الحقائق" بشأن الأزمة المالية التي بدأت عام 2019.

والجمعة، نُشر في الجريدة الرسمية اللبنانية قانون تعديل بعض المواد المتعلقة بسرية المصارف في لبنان، بما في ذلك تعديل المادة 7 (هـ) و (و) من القانون المتعلق بسرية المصارف الذي أقرّ عام 1956، وكذلك تعديل المادة 150 من قانون النقد والتسليف الصادر في عام 1963، بموجب القانون رقم 306 الصادر في 28 تشرين الأول 2022.

وينص التعديل الجديد على تعديل المادة 7 (هـ) من القانون المتعلق بسرية المصارف بما يسمح بمشاركة معلومات مصرفية بين مصرف لبنان، ولجنة الرقابة على المصارف، والمؤسسة الوطنية لضمان الودائع، في إطار تعزيز مراقبة القطاع المصرفي وحماية النظام المالي. 

ويشمل التعديل أيضا صلاحيات تعديل وإنشاء مؤسسة مختلطة لضمان الودائع المصرفية.

أما المادة 7 (و) فتتيح للجهات المعنية، مثل مصرف لبنان ولجنة الرقابة على المصارف، طلب معلومات مصرفية محمية بالسرية دون تحديد حساب أو عميل معين. ويتيح التعديل إصدار طلبات عامة للحصول على معلومات عن جميع الحسابات والعملاء، إلا أن هذه الطلبات يمكن أن تكون قابلة للاعتراض أمام قاضي الأمور المستعجلة، ويخضع الاعتراض للأصول القانونية المتعلقة بالاعتراض على العرائض.

وفي ما يتعلق بالمادة 150 من قانون النقد والتسليف، تضمن التعديل رفع السرية المصرفية بشكل كامل وغير مقيد أمام مصرف لبنان ولجنة الرقابة على المصارف، بالإضافة إلى المدققين والمقيمين المعينين من قبل مصرف لبنان أو اللجنة.

وتشمل التعديلات الحسابات الدائنة والمدينة، سواء كانت ضمن أو خارج الميزانية، كما تتيح رفع السرية المصرفية عن سجلات ومستندات ومعلومات تعود إلى أشخاص معنويين أو حقيقيين يتعاملون مع المصارف أو المؤسسات المالية الخاضعة للرقابة. ويشمل تطبيق هذا التعديل بأثر رجعي لمدة عشر سنوات من تاريخ صدور القانون.

وقد شهد لبنان خلال الأسابيع الماضية نقاشات حادة، رأى فيها معارضون للخطوة أن هذا القانون ورفع السرية المصرفية طي لصفحة من تاريخ لبنان المالي العريق من خلال "إلغاء ميزة تفاضلية،" وبأن كشف الفساد ليس معطلاً بسبب السرية المصرفية.

ويرى المتحمسون للقانون أن من شأن التعديلات الجديدة تعزيز الشفافية في القطاع المصرفي في لبنان وتحسين مراقبة ومراجعة العمليات المصرفية، في وقت يشهد فيه القطاع المصرفي تحديات كبيرة في ظل الأزمة المالية المستمرة.

وأوضحت "المفكرة القانونية" وهي منظمة حقوقية غير حكومية، في بيان أصدرته أن التعديل يخوّل "الهيئات الرقابيّة والهيئات النّاظمة للمصارف، وتحديدًا مصرف لبنان ولجنة الرقابة على المصارف والمؤسسة الوطنية لضمان الودائع، طلب الحصول على جميع المعلومات المصرفية، من دون أن يربط طلب المعلومات بأيّ هدف معيّن، وإمكانية التدقيق في الحسابات بالأسماء، تصحيحا لقانون 2022" والذي تضمن بعض التعديلات.

يعتمد لبنان السرية المصرفية منذ عام 1956، وكان لذلك أثر كبير في جذب رؤوس الأموال والودائع وتوفير مناخ الاستقرار الاقتصادي. وبموجب هذا القانون تلتزم المصارف الخاضعة لأحكامه السرية المطلقة، إذ لا يجوز كشف السر المصرفي سواء في مواجهة الجهات الخاصة أو السلطات العامة، وسواء كانت قضائية أو إدارية أو مالية، إلا في حالات معينة في القانون وردت على سبيل الحصر، وهي:

1- إذن العميل او ورثته خطيًا.
2- صدور حكم بإشهار افلاس العميل.
3- وجود نزاع قضائي بينه وبين البنك بمناسبة الروابط المصرفية. 
4- وجود دعاوى تتعلق بجريمة الكسب غير المشروع. 
5- توقف المصرف عن الدفع، إذ ترفع في هذه الحالة السرية المصرفية عن حسابات أعضاء مجلس الإدارة والمفوضين بالتوقيع ومراقبي الحسابات. 
6- الاشتباه في استخدام الأموال لغاية تبييضها، وعندها ترفع السرية المصرفية بقرار من هيئة التحقيق الخاصة لمصلحة المراجع القضائية المختصة والهيئة المصرفية العليا، وذلك عن الحسابات المفتوحة لدى المصارف أو المؤسسات المالية.

وبالفعل ومنذ إقرار هذا القانون ازدهر القطاع المصرفي اللبناني واستطاع جذب رؤوس أموال، لكن كل ذلك تغير مع اندلاع الحرب الأهلية في منتصف السبعينيات، وبدأت الليرة اللبنانية رحلة الانهيار. خمسة عشر عاما من الاقتتال، انتهت بتسويات سياسية، تبعها نظام اقتصادي جديد، قاده منذ عام 1993 الراحل رفيق الحريري رئيسا للحكومة، ورياض سلامة حاكما لمصرف لبنان المركزي، سعيا وراء الاستقرار. 

وبعد أربع سنوات من استلام منصبه، نجح سلامة في تثبيت سعر العملة اللبنانية، عند 1500 مقابل الدولار الأميركي.

استمرت تلك المعادلة أكثر من عقدين، لكنها كانت تحتاج إمدادات لا تنقطع من العملة الصعبة للمحافظة على استمرارها. وفي محاولة لسد العجز، سعت المصارف اللبنانية لجذب حصيلة كبيرة من العملة الخضراء عبر تقديم فوائد مرتفعة على الودائع الدولارية، فوائد تراوحت بين 15 و 16 في المئة.

نتيجة للفوائد البنكية المرتفعة، شهدت ودائع القطاع المصرفي اللبناني نمواً سنوياً وصل ذروته بقرابة 12 مليار دولار خلال عام 2009.

أغرت الفوائد العالية المقيمين والمغتربين، ليصل إجمالي الودائع في المصارف اللبنانية إلى أكثر من 177 مليار دولار في نهاية نوفمبر عام 2018. 

منذ عام 2017، تراجع الاحتياطي في خزينة مصرف لبنان، رغم محاولات جذب الدولار. وفي صيف عام 2019، لاحت بوادر صعوبة في توافر الدولار في الأسواق اللبنانية، فارتفع سعر صرفه مقابل الليرة للمرة الأولى منذ أكثر من 20 عاما، ما دفع الحكومة لاتخاذ إجراءات استثنائية. لكن البعض يرى أن تلك القرارات جاءت متأخرة.

في أكتوبر 2019، انفجر الشارع اللبناني مطالبا بإسقاط السلطة السياسية، وأغلقت المصارف أبوابها، لكن تقارير صحفية تحدثت عن عمليات تحويل لأرصدة ضخمة الى خارج البلاد.

في تقرير لصحيفة فاينانشال تايمز البريطانية، نُشر في صيف 2020، فإنه، وفقا لكبير موظفي الخدمة المدنية المالية السابق في لبنان ومدير عام وزارة المالية السابق ألان بيفاني، قام مصرفيون بتهريب ما يصل إلى 6 مليارات دولار من لبنان منذ  أكتوبر 2019، في تحايل على الضوابط التي تم إدخالها لوقف هروب رأس المال، مع غرق البلاد في أسوأ أزمة مالية منذ ثلاثين 30 عاما، بينما بات مصير مليارات الدولارات مجهولًا. 

بدأت الأزمة المالية بالظهور تدريجيا، لكنها انفجرت حرفيا منذ اندلاع الاحتجاجات في شهر أكتوبر عام 2019. وتشير تقارير رسمية إلى أن أموالا طائلة تصل إلى مليارات الدولارات تم تحويلها إلى الخارج، بينما تم حجز ودائع صغار زبائن البنوك، من دون ضمانات لحماية ودائع المواطنين، ولا سيولة نقدية.

وتقدر تقارير دولية والمصرف المركزي اللبناني أن ودائع صغار زبائن البنوك بحوالي 121 مليار دولار منها ودائع لغير المقيمين تُقدّر بـ20 مليار دولار، وأصحابها لبنانيون وعراقيون ويمنيون وليبيون ومصريون ومن دول الخليج، إضافة لودائع للسوريين، يقدر المصرفيون بأنها أكثر من 3 مليارات دولار.

وفيما تجري التحقيقات حول آلية تهريب الأموال، لم يصل المحققون المحليون ولا حتى الدوليون إلى جواب شاف، لكن كانت دائما "المصالح المتشابكة داخل النظام اللبناني" جزءا من الجواب.

وتعتبر البنوك اللبنانية مرآة للنظام من حيث التقسيم الطائفي، فغالبيتها تابعة لجهات سياسية ومقربين منها، الأمر الذيث كان واضحا في انعدام الرقابة على عمليات إدخال أموال حزب الله المهربة أو غير الشرعية إلى هذه البنوك، مما يعني عمليات تبييض وشرعنة لهذه الأموال.

منذ منذ عام 2001، وضعت الولايات المتحدة حزب الله على قائمة المنظمات الإرهابية، وفرضت عليه عقوبات ضمن خطة لمكافحة تمويل الإرهاب. وفي هذا الإطار صدر قانون مكافحة تبييض الأموال رقم 44، عام 2015، والذي لم يتم تعطبيقه، واكتفى مصرف لبنان بتعاميم، لم تغير واقع الحال.

بدأ لبنان في يناير 2022 مفاوضات رسمية مع صندوق النقد الذي طالما شدد على أنه لن يقدم أي دعم طالما لم تقرّ الحكومة إصلاحات على رأسها تصحيح الموازنة وإعادة هيكلة القطاع المصرفي وإصلاح المؤسسات العامة والتصدي للفساد المستشري.

وأعلن الصندوق في أبريل من العام ذاته اتفاقا مبدئيا على خطة مساعدة بقيمة ثلاثة مليارات دولار على أربع سنوات، لكنّ تطبيقها كان مشروطا بإصلاحات لم يتم تنفيذ معظمها.

في سبتمبر عام 2024، أوقف الحاكم السابق لمصرف لبنان، رياض سلامة، وهو حتى اليوم قيد التحقيق في اتهامات بغسيل الأموال وشراء وبيع سندات خزينة الحكومة اللبنانية. ومنذ انهيار حزب الله اللبناني، في حربه مع إسرائيل، وصعود ما سمي بالعهد الجديد، أقرت حكومة نواف سلام مشروع قانون لإعادة هيكلة المصارف، استجابةً لمطالب صندوق النقد الدولي، الذي اشترط تنفيذ إصلاحات جذرية، بينها رفع السرية المصرفية، كشرط أساسي لأي دعم مالي للبنان، كما تأتي في ظل إدراج مجموعة العمل المالي (FATF) لبنان على اللائحة الرمادية بسبب ثغرات خطيرة في مكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب.

من المتوقع أن تسهم هذه التعديلات في تعزيز الشفافية المالية، ومكافحة الفساد وتبييض الأموال والتهرب الضريبي، كما يُتوقع أن تفتح الباب أمام إعادة هيكلة النظام المالي اللبناني بالكامل، واستعادة ثقة المجتمع الدولي، وتأمين الدعم المالي اللازم من الجهات المانحة.

إلا أن نجاح هذه الخطوة لا يقاس فقط بالكشف عن الحسابات، بل العبرة في التنفيذ في ظل نظام قضائي شبه مهترئ وتورط بعض من أصحاب النفوذ السياسي والمالي أنفسهم.

لبنان اليوم أمام مفترق طرق، فإما أن يسلك طريق العهد الجديد الذي وعد به اللبنانيون، أو يظل الفساد العنوان الأبرز في سياسات لبنان المالية المقبلة.