حينما تلقى حزب الله اللبناني عرضًا قبل عامين للحصول على أجهزة النداء (البيجر) من شركة أبوللو، وجدوه مناسبا تماما لاحتياجاتهم كجماعة تعمل على مساحة كبيرة مع عدد كبير من المسلحين، حيث صُممت تلك الأجهزة لتحمل ظروف ساحة المعركة من هذا النوع.
لكن المفاجأة التي كشف عنها تقرير لصحيفة واشنطن بوست الأميركية أن تلك الأجهزة كانت جزءا من خطة تعمل عليها الاستخبارات الإسرائيلية (الموساد) منذ عام 2015.
ونقلت الصحيفة أن الموساد بدأ الجزء الأول من خطته بإدخال أجهزة اتصال لاسلكية مفخخة إلى لبنان قبل قرابة عقد، كانت تحتوي على بطاريات كبيرة الحجم، ومتفجرات مخفية، ونظام إرسال مكّن إسرائيل من الوصول الكامل إلى اتصالات حزب الله.
واعتمدت الصحيفة في تقريرها على تصريحات مسؤولين أمنيين وسياسيين ودبلوماسيين إسرائيليين وعرب وأميركيين مطلعين على الأحداث، فضلاً عن مسؤولين لبنانيين وأشخاص مقربين من حزب الله، تحدثوا جميعا بشرط عدم الكشف عن هويتهم، نظرا لحساسية المعلومات.
وقال المسؤولون إن الإسرائيليين اكتفوا لمدة 9 سنوات بالتنصت على حزب الله، مع الاحتفاظ بخيار تحويل أجهزة الاتصال اللاسلكية إلى قنابل في أزمة مستقبلية.
وقتل أو أصيب ما يصل إلى 3 آلاف من عناصر حزب الله وعدد غير معروف من المدنيين، وفقًا لمسؤولين إسرائيليين وأميركيين وشرق أوسطيين، عندما قامت أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية الموساد بتفجير الأجهزة عن بعد في 17 سبتمبر.
ووفق مسؤولين إسرائيليين مطلعين على الأحداث، فإن فكرة عملية أجهزة النداء (البيجر) نشأت في عام 2022.
وبدأت الخطة تتبلور قبل أكثر من عام من هجوم حماس في السابع من أكتوبر، وكان ذلك وقتا هادئا نسبيا على الحدود الشمالية لإسرائيل مع لبنان.
ومضى حزب الله عام 2023 في صفقة لشراء كميات كبيرة من أجهزة البيجر ليظهر في النهاية أن الجماعة دفعت، بشكل غير مباشر، الأموال إلى إسرائيل، مقابل قنابل صغيرة قتلت وأصابت عناصره.
وتعلقت الصفقة بأجهزة تحمل شعار شركة "أبوللو" التايوانية، وهي علامة تجارية معروفة، وخط إنتاج يتم توزيعه في جميع أنحاء العالم، ولا توجد روابط واضحة بينه وبين أي مصالح إسرائيلية أو يهودية.
وقال المسؤولون إن الشركة التايوانية لم تكن على علم بالخطة.
وكانت المسؤولة عن التسويق من جانب الشركة سيدة رفض المسؤولون الكشف عن هويتها وجنسيتها، حصلت على ترخيص لبيع مجموعة من أجهزة النداء، التي تحمل علامة أبوللو التجارية.
عرضت تلك السيدة على حزب الله صفقة لشراء أحد المنتجات التي تبيعها شركتها، وهو من طراز "AR924" الموثوق.
وقال مسؤول إسرائيلي مطلع على تفاصيل العملية: "كانت هي التي تتواصل مع حزب الله، وشرحت لهم أسباب أن هذا الطراز أفضل من سابقيه".
وأوضح التقرير أنه تم تجميع الأجهزة في إسرائيل تحت إشراف الموساد، الذي زودها ببطارية بها كمية من المتفجرات القوية، من الصعب كشفها، حتى لو تم تفكيك الجهاز.
ويعتقد المسؤولون الإسرائيليون أن حزب الله قام بتفكيك بعض أجهزة النداء وربما قام بفحصها بالأشعة السينية.
وتمكن الموساد عن بعد من تفجير الأجهزة بشكل غير مرئي بإشارة إلكترونية من جهاز الاستخبارات، ولكن لضمان أكبر قدر من الضرر كان يتطلب إجراء خطوتين لعرض الرسائل الآمنة المشفرة على الجهاز.
وقال أحد المسؤولين: "كان عليك الضغط على زرين لقراءة الرسالة"، في ممارسة كانت تعني استخدام كلتا اليدين، مما يسفر عن إصابة تجعل الشخص غير قادر على القتال.
وأوضح المسؤول ذلك قائلا إن الأشخاص المستخدمين للجهاز "سيجرحون أياديهم بكل تأكيد" في الانفجار الذي سيعقب ذلك، وبالتالي "سيكونون غير قادرين على القتال".
وفي إسرائيل، كانت هذه التفاصيل سرية للغاية، ولم يعلم بها معظم كبار المسؤولين المنتخبين حتى 12 سبتمبر، حين دعا رئيس الحكومة بنيامين نتانياهو مستشاريه الاستخباراتيين لاجتماع لمناقشة تحرك محتمل ضد حزب الله.
وقال مسؤولون لواشنطن بوست، إن نقاشاً حاداً اندلع في مختلف أنحاء المؤسسة الأمنية الإسرائيلية، ثم أدرك الجميع، بما في ذلك نتانياهو، أن الآلاف من أجهزة النداء المتفجرة قد تلحق أضراراً لا توصف بحزب الله، ولكنها قد تؤدي أيضاً إلى رد فعل عنيف، بما في ذلك ضربة صاروخية انتقامية ضخمة من قبل قادة حزب الله الناجين، مع احتمال انضمام إيران إلى المعركة.
ولم تكن الولايات المتحدة على علم بأجهزة النداء المفخخة أو النقاش الداخلي بشأن ما إذا كان ينبغي تشغيلها، وفق تصريحات مسؤولين أميركيين للصحيفة.
في النهاية، وافق نتنياهو على تشغيل الأجهزة، رغم أنها قد تلحق أقصى قدر من الضرر.
وجاء الدور بعد ذلك على استهداف زعيم الحزب حسن نصر الله، وأشار التقرير إلى أن الموساد كان على علم بأماكن وجوده في لبنان منذ سنوات ويتتبع تحركاته عن كثب، ولكن ما منع استهدافه أن قتله سيقود إلى حرب شاملة مع الجماعة المسلحة وربما مع إيران.
في السابع عشر من سبتمبر، وبينما كان النقاش في أعلى دوائر الأمن القومي في إسرائيل بشأن ما إذا كان ينبغي ضرب زعيم حزب الله، رنّ الآلاف من أجهزة النداء التي تحمل علامة أبولو أو اهتزت في وقت واحد، في جميع أنحاء لبنان وسوريا.
ظهرت جملة قصيرة باللغة العربية على الشاشة: "لقد تلقيت رسالة مشفرة".
اتبع عملاء حزب الله التعليمات بدقة للتحقق من الرسائل المشفرة، بالضغط على زرين، لتبدأ الانفجارات المتزامنة في المنازل والمحلات التجارية وفي السيارات وعلى الأرصفة.
وبعد أقل من دقيقة، انفجرت آلاف أخرى من أجهزة الاتصال عن بعد، بغض النظر عما إذا كان المستخدم قد لمس جهازه أم لا.
وفي اليوم التالي، انفجرت مئات من أجهزة الاتصال اللاسلكية بنفس الطريقة، مما أسفر عن مقتل وإصابة عدد كبير من المستخدمين والمارة.
وبينما كان حزب الله يترنح، قصفت إسرائيل مقر الجماعة وترساناتها ومراكزها اللوجستية بقنابل تزن ألفي رطل، ليتم إعلان مقتل حسن نصر الله إثر تلك الغارات في الضاحية الجنوبية.