This picture shows a view of destruction following an overnight Israeli air strike on the neighbourhood of Kafaat in Beirut's…
الضربات الإسرائيلية على مناطق عدة في لبنان ولاسيما الضاحية والجنوب تصاعدت في الأسابيع الماضية.

في ظل التصعيد العسكري المستمر بين حزب الله وإسرائيل، تعرض صحفيون في لبنان لاعتداءات جسدية وتهديدات مباشرة، كما تم توقيف بعضهم والتحقيق معهم، بالإضافة إلى مصادرة معداتهم وتفتيش هواتفهم الشخصية أثناء تغطيتهم الأحداث.

ويوجه إصبع الاتهام إلى عناصر من حزب الله أو مناصريه في تنفيذ هذه الاعتداءات، في هذا السياق، اتهم الصحفي روي أبو زيد، من قناة "أم تي في"، عناصر من الحزب بتوقيفه والتحقيق معه في 1 أكتوبر، أثناء إعداده تقريراً صحفياً بالقرب من بلدة عدرا في كسروان، وقد أوضح أبو زيد خلال حديث مع مركز "سكايز" أن سيارته وكاميرته تعرضتا للتفتيش.

ومن أبرز هذه الاعتداءات، ما تعرض له طاقم قناة "VTM NEWS" البلجيكية، والذي شمل المراسل الحربي روبن راماكيرز والمصوّر ستيجن دي سميت، في 3 أكتوبر. حيث أصيب دي سميت برصاصة في ساقه، بينما تعرض راماكيرز لكسور في وجهه، وذلك بعد أن هاجمهما شبان أثناء تغطيتهما للغارة الإسرائيلية على منطقة الباشورة في بيروت.

وبدأت إسرائيل في 23 سبتمبر حملة قصف جوي مكثّف في لبنان تقول إنها ضد أهداف لحزب الله، وأعلنت في 30 منه بدء عمليات برية "محدودة ومركزة" عند الحدود، يأتي ذلك بعد أن فتح حزب الله جبهة جنوب لبنان لـ"دعم وإسناد" غزة، مؤكداً رفضه لوقف إطلاق النار قبل أن يوقف في غزة.

تحديات يومية

وينعكس كل حدث سياسي أو أمني في لبنان كما تقول الباحثة في مؤسسة "سكايز"، الصحفية وداد جربوع، "بشكل مباشر على واقع الحريات العامة، وخاصة حرية الصحافة". 
وتوضح أنه "منذ التصعيد العسكري الأخير بين حزب الله وإسرائيل، ازدادت المضايقات والاعتداءات على الصحفيين وفرق الإعلام أثناء تغطيتهم للقصف الإسرائيلي في مناطق لبنانية"، مشيرة إلى أن هذه الاعتداءات غالباً ما تكون من عناصر حزبية أو مناصري الأحزاب".

الاعتداءات على الطواقم الإعلامية أصبحت شبه يومية، بحسب ما تشدد جربوع في حديث لموقع "الحرة"، شارحة "يتعرض الصحفيون لاعتداءات جسدية، مثل ما حدث مع طاقم القناة البلجيكية، كما يتعرض آخرون لترهيب لفظي، حيث تم في عدة حالات اتهام الصحفيين بالعمالة أو وصفهم بـ"الصهيونية" أثناء تغطيتهم للأحداث".

تهدف هذه الاتهامات، وفقًا لجربوع، إلى "خلق حالة من الخوف والقلق لدى الصحفيين، خاصة إذا كانوا يعملون لدى مؤسسات إعلامية تتعارض مع التوجهات السياسية لبعض الأحزاب. مما يدفعهم إلى التردد في استخدام الكاميرات التقليدية، حيث يفضلون أولاً استكشاف إمكانية التصوير بأمان باستخدام كاميرات الهواتف".

لكن نقيب المحررين، جوزف القصيفي، لم يتلقَ حتى الآن كما يقول أي شكاوى بشأن تعرض صحفيين لاعتداءات من جهات محلية مدنية أو حزبية خلال أدائهم لعملهم، ويقول "قد يحصل مثل هذا الأمر في الأحوال العادية، فكيف الحال والحرب مستعرة والقصف الاسرائيلي يقتل ويحرق ويدمر، والخلافات السياسية تعمق الهوة وتزيد الانقسامات".

ويضيف أن "بعض ردود الفعل العفوية قد تصدر أحياناً عن أشخاص تأثروا بمآسيهم، لكنها تبقى حالات فردية وعابرة".

وحول حادثة تعرض فريق قناة بلجيكية لإطلاق نار والضرب، يشير القصيفي إلى أنه لم يبلَّغ بالحادث.
ولفت إلى أن "مصلحة الصحافة العربية والأجنبية في وزارة الإعلام تتابع شؤون الصحفيين العرب والأجانب ولم تعلمنا بالأمر"، مشددا أن "أي اعتداء على أي صحفي وهو يؤدي مهمته  هو عمل مدان ومرفوض أيا تكن الوسيلة التي يمثل وكذلك اتجاهه السياسي".

وعن حادثة الصحفي روي أبو زيد، يقول القصيفي لموقع "الحرة" إنه لم  يتواصل معه لاطلاعه على ما حصل، مؤكداً وقوف النقابة إلى جانب الصحفيين في حال تعرضهم لأي اعتداء.

ويشدد على أهمية اللجوء إلى القضاء لحمايتهم واتخاذ الإجراءات القانونية المناسبة، مضيفا "هذه الخروقات تحدث باستمرار، فالصحفيون يواجهون تحديات يومية سواء مع جهات سياسية، حزبية، أو مدنية، في زمن السلم كما في الحرب".

في المقابل، يؤكد نقيب المصورين، علي علوش، أن "السلطة لا تقوم بواجبها في حماية المصورين والصحفيين، خصوصاً في مناطق النزاع".

ويوضح أن "المصورين يضطرون في بعض الأحيان إلى التنسيق مع عناصر حزب الله لتجنب أي مشكلات مع المواطنين أثناء تغطية الأحداث".

ويشير علوش، في حديث لموقع "الحرة"، إلى أن "المشكلة الرئيسية تكمن في افتقار التعامل مع المصورين والصحفيين إلى الأخلاقيات، وعدم احترام رسالتهم، خاصة في المناطق المتوترة حيث يرتفع هرمون الأدرينالين لدى الناس، مما يصعّب مهمة تحديد الجهات المسؤولة التي يمكن التنسيق معها لمعرفة إمكانية تغطية الأحداث".

وعن توثيق ضحايا الغارات، يوضح علوش أن "صعوبة إخراج الضحايا من تحت الأنقاض نتيجة الغارات المستمرة تعرقل ذلك". إلا أنه يشير إلى أنه تمكن "في بعض الأحيان من التقاط صور لضحايا، وقد تم نشرها في موقع إخباري محلي ووكالة عالمية".

تداعيات خطيرة

بعض الصحفيين تواصلوا مع مؤسسة "سكايز" لتوثيق ونشر الانتهاكات التي تعرضوا لها، في رفض لهذا الواقع، بينما يخشى آخرون كما تشير جربوع "التحدث عن هذه الانتهاكات خوفاً من منعهم من التغطية في المناطق التي تسيطر عليها عناصر حزبية".

وأعربت جربوع عن قلقها من تصاعد حملات التحريض على وسائل التواصل الاجتماعي ضد الصحفيين "بسبب مواقفهم المعارضة للحرب"، محذرة من احتمال "انتقال هذه الحملات من الفضاء الافتراضي إلى اعتداءات جسدية على الأرض".

وتؤدي الاعتداءات المستمرة على الصحفيين كما تقول الباحثة في "سكايز" إلى "إضعاف قدرة الإعلام على أداء دوره الرقابي ونقل الأحداث بموضوعية، مما يضر بحق الجمهور في الوصول إلى معلومات دقيقة وموثوقة".
وتشرح قائلة إن "تصاعد هذه الانتهاكات يجعل من الصعب على الصحفيين العمل بحرية واستقلالية، ويساهم في تراجع مؤشر حرية الصحافة في البلاد".

وتضيف "هذه الاعتداءات تدفع الصحفيين إلى ممارسة الرقابة الذاتية، حيث يتجنبون تغطية المواضيع الحساسة أو المثيرة للجدل، وأحياناً يمتنعون عن العمل في مناطق معينة لتجنب التصادم مع العناصر الحزبية".

وعن غياب مشاهد القتلى والجرحى عن وسائل الإعلام اللبنانية، وعلاقته بالترهيب والاعتداءات التي يتعرض لها الصحفيون، تشير جربوع إلى أن "تصوير هذه المشاهد يتعارض مع أخلاقيات العمل الصحفي والمهنية".

ومع ذلك، لفتت إلى غياب هذه المشاهد حتى على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث "عادة ما تنتشر الصور الصادمة في مناطق أخرى مثل غزة" بالتالي لا تستبعد "وجود قيود تمنع اللبنانيين في مواقع الأحداث من التقاط هذه الصور ونشرها".

من جهته، يشدد القصيفي على "ضرورة احترام كرامة الإنسان وتجنب عرض المشاهد المؤلمة"، موضحاً أن "انتقادات دولية وجهت في السابق إلى لبنان بسبب نشر صور مشابهة".

وقال إن "القيود الحالية على التصوير ناتجة عن استمرار الغارات وصعوبة الوصول إلى المناطق المتضررة، إضافة إلى منع المستشفيات التصوير للحفاظ على خصوصية الضحايا"، مشيرا إلى أنه لم يتلق أي شكاوى بشأن منع التصوير من قبل الجهات الرسمية أو الحزبية.

أما علوش، فيوضح أن "استمرار الغارات يصعّب من عملية إنقاذ الضحايا من تحت الأنقاض، مما يعرقل عملية التوثيق"، وعلى الرغم من ذلك، ذكر أنه تمكن في بعض الأحيان من تصوير ضحايا لصالح مواقع إخبارية محلية ووكالة عالمية، حيث تم نشر هذه الصور.

وحسب الأرقام الرسمية، فقد قتل أكثر من ألفي شخص في لبنان وأصيب أكثر من عشرة آلاف آخرين، منذ أكتوبر 2023، نتيجة القصف الجوي على جنوب لبنان وشرقه وكذلك ضاحية بيروت الجنوبية.

لا خطوط حمراء

الأولوية اليوم كما يشدد القصيفي "هي حماية الصحفيين أثناء تغطيتهم للنزاع المسلح"، مشيراً إلى أنه "منذ بدء الحرب في غزة، نظمت النقابة دورة تدريبية لحماية الصحفيين، وهي خطوة اتخذتها العديد من المؤسسات الإعلامية".

كذلك تؤكد جربوع على أن حماية الصحفيين في مناطق النزاع أمر بالغ الأهمية، مشددة على أهمية دور الأجهزة الأمنية في توفير بيئة عمل آمنة للصحفيين، "خصوصاً في الأوضاع التي تشهد توترات سياسية وأمنية كما هو الحال حالياً في لبنان".

وتشدد أن "السلطات تتحمل مسؤولية كبيرة في التحقيق بالجرائم المرتكبة بحق الصحفيين ومحاسبة المعتدين"، معتبرة أن التقاعس عن المحاسبة "يعزز مناخ الإفلات من العقاب ويزيد من المخاطر التي يتعرض لها الصحفيون".

وتنصح جربوع الصحفيين "بضرورة تجنب المخاطر غير الضرورية والابتعاد عن المناطق التي تتعرض للقصف المباشر أو المعرضة" كما تشدد على أهمية التنسيق مع الجيش، قوات اليونيفيل، والصليب الأحمر لضمان سلامتهم، وتشير كذلك إلى أهمية "التدريب المستمر على كيفية التعامل مع المخاطر".

كذلك؛ يوضح علوش أن النقابة تولي أهمية كبيرة للتدريب والحماية، مشيراً إلى التعاون القائم مع جهات متعددة، مثل وزارة الإعلام، اليونيسكو، ومركز "سكايز".

ويشدد أن "العمل في الميدان ليس هواية، وهناك بعض الصحفيين والمصورين المحليين والأجانب الذين يفتقرون إلى الخبرة الكافية، حيث يعرّضون سلامتهم للخطر بسبب التسرع في نقل الأخبار من الميدان".

ويشير إلى أن "المؤسسات الإعلامية تتحمل المسؤولية الأكبر في هذا الشأن، كونها ترسلهم إلى مناطق النزاع دون تحضيرهم بشكل كافٍ، كما أن السلطات اللبنانية تتحمل مسؤولية لعدم تقديمها إرشادات تتعلق بالأماكن التي يمكنهم التواجد فيها وكيفية تحركهم في المناطق الخطرة".

وعن الدور الذي تلعبه النقابة في الدفاع عن حقوق المصورين، يشدد علوش على أن النقابة لا تعرف "خطوطاً حمراء" في مواجهة أي جهة تعتدي على المصورين، مؤكداً أنها لا تتوانى عن اللجوء إلى كل الوسائل المتاحة للدفاع عنهم.

وكان لبنان قد شهد تراجعاً كبيراً في التصنيف العالمي لحرية الصحافة لعام 2024، حيث انخفض ترتيبه 21 مرتبة، ليحتل المرتبة 140 بعد أن كان في المرتبة 119 خلال عام 2023، و130 في عام 2022.

يُذكر أن المؤشر العالمي لحرية الصحافة، الذي تصدره منظمة "مراسلون بلا حدود"، والذي يشمل 180 دولة، يقيّم حالة حرية الصحافة سنوياً استناداً إلى خمسة مؤشرات رئيسية: السياق السياسي، الإطار القانوني، السياق الاقتصادي، السياق الاجتماعي والثقافي، والسياق الأمني. ويهدف المؤشر إلى مقارنة مستوى الحرية التي يتمتع بها الصحفيون ووسائل الإعلام في الدول المشمولة بالتحليل.

لبنان وحماس

في حدث معبر وغير مسبوق، أظهرت الدولة اللبنانية صلابة في موقفها، وأجبرت حركة حماس، التي طالما استخفت بالسيادة اللبنانية، على الانصياع.

بعد تحذير حازم، من مجلس الدفاع الوطني اللبناني، سلمت حماس عددا من المطلوبين بتهمة إطلاق صواريخ من جنوب لبنان نحو إسرائيل، وهو تصعيد لم تكن الدولة اللبنانية لتواجهه بردع مباشر في السابق، إذ غالبا ما كانت تتم معالجة خروقات كهذه ضمن تفاهمات خلف الكواليس، خصوصا بوجود غطاء سياسي لحماس في لبنان من حزب الله. 

لكن هذه المرة، بدا الأمر مختلفا تماما.

الرسالة كانت واضحة: لم يعد بإمكان أي جهة أن تتصرف خارج سلطة الدولة اللبنانية.

استعادة السيادة

في أبريل الماضي، أعلن الجيش اللبناني ضبط عدة صواريخ ومنصات إطلاق واعتقل عددا من الأشخاص في جنوب لبنان، وقال إن التحقيقات جارية تحت إشراف القضاء.

حماس، التي اعتادت التلاعب بالسيادة اللبنانية مسنودة بتحالفاتها الإقليمية وصلاتها بحزب الله، وجدت نفسها الآن مجبرة على تسليم المطلوبين، في خطوة تعكس هشاشة موقفها وانحسار الدعم الذي طالما استفادت منه.

هذه الاستجابة السريعة تأتي بعد الهزيمة العسكرية التي تعرضت لها الحركة في غزة خلال الحرب الأخيرة مع إسرائيل. فبينما تكبدت حماس خسائر فادحة، أظهرت التطورات الميدانية في لبنان تراجعا واضحا في تأثيرها ونفوذها.

فهل نحن أمام إعادة صياغة لدور حماس في لبنان؟ أم أن الحركة تسعى لتجنب مواجهة جديدة قد تكون مكلفة في ظل تغير الموازين السياسية والأمنية في المنطقة؟

نقطة التحول المفصلية

أصبحت بيروت منذ عام 2019 حاضنة رئيسية لقيادات حماس ومحطة مهمة لوجودها السياسي والأمني، كما ذكر مركز "كارنيغي".

ولا شك أن اللحظة التي أُعلنت فيها استراتيجية "وحدة الساحات" 

وقبل هجوم حماس على إسرائيل في أكتوبر 2023 وتشكيل غرفة عمليات مشتركة في الضاحية الجنوبية لـ"محور الساحات،" أعلنت حماس وحزب الله استراتيجية "وحدة الساحات".

وبدت تلك اللحظة وكأنها "تمهيد لانقلاب شامل على الوضع اللبناني ومحاولة لفرض سيطرة محور الممانعة على كامل الأراضي اللبنانية وعلى جميع القوى السياسية دون استثناء مع بروز دور حركة حماس كعامل فلسطيني رديف لحزب الله في لبنان".

نشاط حماس في لبنان "يتعارض مع السياسة الرسمية الفلسطينية في التعاطي مع الشأن اللبناني"، يقول مدير مركز تطوير للدراسات الاستراتيجية والتنمية البشرية الباحث الفلسطيني، هشام دبسي لموقع "الحرة".

وتبنت حماس إطلاق صواريخ من لبنان خلال المواجهة التي بدأها حزب الله ضد إسرائيل عام 2023 على خلفية الحرب في قطاع غزة، لكن التطورات الميدانية وعمليات الاغتيال التي نفذتها إسرائيل قلبت المشهد رأساً على عقب".

وجاءت "تداعيات الضربات الإسرائيلية على حزب الله ومحور الممانعة في لبنان قاسية ليس فقط على حركة حماس بل على حزب الله ذاته"، يقول دبسي لموقع "الحرة".

وشكّلت عملية اغتيال نائب رئيس مكتب حماس السياسي، صالح العاروري في لبنان في يناير 2024، وفق ما يقوله دبسي "نقطة تحول رئيسية في مسار حركة حماس التي كانت تعيش حالة من الصعود على المستويين الفلسطيني واللبناني".

ويتابع "لكن نتائج الحرب الأخيرة وضعت الحركة في مأزق تحالفها مع حزب الله إذ لم تعد قادرة على فك ارتباطها بهذا التحالف كما لا تستطيع اتخاذ خطوة تراجع منهجية تقتضي بتسليم سلاحها للدولة اللبنانية والالتزام بالشرعية الفلسطينية ممثلة بمنظمة التحرير وسفارة فلسطين في لبنان".

يذكر أن العاروري، قتل مع اثنين من قادة الجناح العسكري للحركة، في ضربة إسرائيلية استهدفت مكتبا للحركة في الضاحية الجنوبية للعاصمة اللبنانية بيروت، أحد معاقل جماعة حزب الله اللبنانية.

رسالة واضحة

حذّر مجلس الدفاع الوطني اللبناني حماس من استخدام الأراضي اللبنانية للقيام بأي أعمال تمس بالأمن القومي اللبناني تحت طائلة اتخاذ أقصى التدابير والإجراءات اللازمة لوضع حد نهائي لأي عمل ينتهك السيادة اللبنانية.

يتجلى في خطوة المجلس هذه بعدان أساسيان، يشرحهما دبسي "الأول هو انقلاب موازين القوى الداخلية لصالح الدولة اللبنانية في مواجهة سلاح الميليشيات حيث يعكس هذا التحرك تحولاً نوعياً نحو تعزيز سيطرة الدولة على السلاح وتقليص نفوذ الجماعات المسلحة".

الثاني "هو ترجمة خطاب القسم الرئاسي والبيان الوزاري إلى خطوات عملية تهدف إلى حصر السلاح بيد الدولة اللبنانية وفي هذا الإطار جاء إطلاق مجموعة من حركة حماس صواريخ من الأراضي اللبنانية نحو إسرائيل ليشكل اختباراً لمدى جدية العهد الجديد في فرض سيادة الدولة وقد كان الرد الإسرائيلي العنيف بمثابة إنذار لما قد تترتب عليه مثل هذه العمليات من تداعيات خطيرة".

وبالتالي فإن الدولة اللبنانية بسياساتها الجديدة لا يمكنها وفق ما يشدد دبسي "التغاضي عن هذه التطورات أو التعامل معها كما كان يحدث في السابق، بل على العكس جاء توجيه الإنذار لحركة حماس كرسالة واضحة بأن قرار السلاح والسيادة بات في يد الدولة اللبنانية ولن يُسمح لأي طرف بتجاوزه".

وفي ما يتعلق بتقييم استجابة حركة حماس لطلب تسليم المطلوبين، يرى دبسي أن الحركة "في البداية كانت مترددة وحاولت الاعتماد على علاقاتها التقليدية مع حزب الله وباقي قوى محور الممانعة في لبنان لكن مع إدراكها أن حزب الله لن يقدم لها الدعم ولن تستطيع الاحتماء بمظلته أو بمظلة أي من القوى اللبنانية الأخرى لم يبق أمامها سوى خيارين إما تسليم العناصر المطلوبة للدولة اللبنانية أو مواجهة الدولة دون أي غطاء لبناني داخلي ودون أي غطاء فلسطيني أيضاً".

ويشير دبسي إلى "أن منظمة التحرير الفلسطينية طالبت حماس مرارا بتسليم المطلوبين وعدم استخدام الأراضي اللبنانية لإطلاق الصواريخ حتى لا تعرض مجتمع اللاجئين الفلسطينيين لردود الفعل الإسرائيلية".

وبناء على ذلك اضطرت حركة حماس "في نهاية المطاف للاستجابة لمطلب الدولة اللبنانية كخيار إجباري لا مفر منه".

تصدّع التحالف

كشفت التطورات الأخيرة عمق الخلافات والتباينات الميدانية بين حماس وحزب الله، إذ لم يعد أي منهما قادراً على مساندة الآخر في ظل الظروف الراهنة، بحسب ما يرى دبسي.

ويشرح أن "حزب الله الذي أعلن التزامه بموقف الدولة اللبنانية لم يعد قادراً على تقديم الغطاء لحماس أو حمايتها، ما يعكس حالة من التباعد بين الطرفين، خاصة وأن حزب الله يشعر بأن حماس قد خدعته بعملية 'طوفان الأقصى'، إذ لم تنسق العملية معه ولم تُعلمه بموعدها مسبقاً".

في المقابل، "تشعر حماس بأن حزب الله لم يكن وفياً بما يكفي في دعمه للحالة الفلسطينية ولم يلتزم بتعهداته كما تتصور الحركة. وهكذا، باتت العلاقة بين الطرفين أقرب إلى تبادل الاتهامات وتحميل المسؤولية؛ فحزب الله يلقي اللوم على حماس بسبب التصعيد الميداني غير المنسق، بينما ترى حماس أن حزب الله استخدم إطلاق النار من لبنان كغطاء دون التشاور معها".

في ظل هذه التوترات، عادت قضية سحب السلاح الفلسطيني من المخيمات إلى الواجهة، وسط توقعات بإعلان الدولة اللبنانية عن خريطة طريق واضحة لتنفيذ هذه الخطوة، وفقاً لدبسي.

يُذكر أن ملف السلاح الفلسطيني في لبنان ينقسم إلى محورين: السلاح داخل المخيمات وخارجها. وقد أنجز ملف السلاح خارج المخيمات بالكامل، بينما يجري العمل حالياً لضبط السلاح داخل المخيمات.

وتندرج هذه القضية ضمن إطار القرار 1559 الصادر عام 2003، والذي ينص على نزع سلاح الميليشيات والقوى الأجنبية غير اللبنانية، بما فيها السلاح الفلسطيني.

يشير دبسي إلى أن "الشرعية الفلسطينية سبق أن أعلنت دعمها لتطبيق القرارين 1559 و1701، وأبدت استعدادها للتعاون الكامل مع الدولة اللبنانية لتنظيم الوجود المسلح داخل المخيمات وخارجها".

وكان الرئيس الفلسطيني محمود عباس قد أكد خلال زيارته السابقة إلى قصر بعبدا في عهد الرئيس ميشال سليمان على تسهيل عمل الحكومة اللبنانية في إنهاء هذا الملف، لكن التطبيق تعثر بفعل هيمنة "محور الممانعة".

وفي هذا السياق، تتجه الأنظار إلى زيارة عباس المرتقبة إلى لبنان في 21 مايو، "حيث يتوقع أن تحمل مؤشرات حول كيفية تنفيذ المبادرة السياسية والأمنية المتعلقة بسحب السلاح من المخيمات بالتنسيق مع السلطة الفلسطينية"، وفقاً لدبسي.